في دول العالم المتقدمة، يُطلق مصطلح "الأميّة" على الأشخاص الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، أو على الذين يجهلون التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، ولكن في مصر الأمر مختلف، فرغم انتشار الأميّة بصورة كبيرة، تكمن الفاجعة في أن يكون هناك 18 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي، نصفهم تقريباً لا يستطيع كتابة اسمه باللغة العربية بشكل صحيح.
جلنا على بعض من مدارس القاهرة، بدءاً من مدرسة مصطفى كامل للتعليم الأساسي، حيث لاحظنا ضعفاً في مستوى القراءة والكتابة لدى طلاب الصف الثالث الابتدائي. لم يختلف الحال كثيراً في مدرسة عمرو بن العاص الإعدادية، حيث كان الطلاب الحاصلون على الشهادة الابتدائية يعانون من ضعف في مهارات القراءة والكتابة، وتحديداً طلاب الصف الأول الإعدادي."في مدرستي، هناك 245 طالباً في الصف الأول الإعدادي. اكتشفت أن 100 منهم تقريباً لا يجيدون القراءة والكتابة برغم حصولهم على الشهادة الابتدائية العام الماضي" يقول محمود عمران، مدرّس اللغة العربية في مدرسة عمرو بن العاص، ويضيف "قررت تخصيص 10 دقائق يومية في الحصة الأولى لإجادة القراءة والكتابة، تنفيذاً لمشروع القرائية، الذي يهدف لمحو أمية طلبة الصف الأول الإعدادي. واضطررت إلى تحفيز الطلاب المتفوقين على تعليم زملائهم القراءة والكتابة مقابل درجات إضافية".
يرى محمد ربيع، مدرّس اللغة العربية في مدرسة الشيخ زايد الابتدائية في الجيزة، أنّ "زيادة عدد الطلاب وسوء حال المدارس الحكومية أدّيا بنا إلى هذه الحالة التعليمية المتردية. يحصل بعض الطلاب على الأجوبة مكتوبة أثناء الامتحانات ولكن لا يستطيعون كتابتها!".
مشروع القرائية لمحو الأمية
سوء المناهج وزيادة أعداد الطلاب داخل الفصول وتعيين معلمين غير تربويين، هذه كلّها عوامل دفعت بوزارة التربية والتعليم المصرية إلى تدشين مشروع القرائية عام 2011 بهدف محو أميّة الطلاب.
تقول الدكتورة هناء قاسم، المسؤولة عن المشروع: "أثبتت الدراسات التي قامت بها الوزارة خلال السنوات الخمس الماضية أنّ 85% من طلاب التعليم الأساسي، وتحديداً طلاب الصفوف الرابع والخامس والسادس، وكذلك 35% من طلاب المرحلة الثانوية، لا يجيدون القراءة والكتابة".
فكرة مشروع القرائية بدأت عام 2009. حينذاك، طبقته الوزارة على عينة عشوائية من طلاّب الصفين الثاني والرابع الابتدائي في 4 محافظات. سبق أن طبق المشروع، بحسب قاسم، في 14 دولة في كل أنحاء العالم، منها ألمانيا وإندونسيا والبرازيل والكويت وهولندا، وهو يتضمّن تدريبات لأسماء الحروف وأصواتها، وتكوين كلمات مألوفة وغير مألوفة، بالإضافة إلى عمليات فهم المسموع والمقروء.
تشير قاسم إلى أنّ التحليلات العلمية التي أجريت على الكتب المدرسية خلال التجارب العشوائية على مدارس الجمهورية، كشفت أن هذه الكتب مخالفة للمقاييس العالمية للتدريس، مثل عدم ربط الكتب المدرسية الحروف بالصور، وكذلك الاعتماد على الطريقة الصوتية بدلاً من التدريبات العملية.
وتضيف "قمنا بتأليف دليل إرشادي للحروف والأصوات يرتكز على استخدام أساليب الفهم المختلفة، ودرّبنا أكثر من 270 كادراً. في العام الدراسي 2011-2012، طبّق المشروع على الصف الأول الابتدائي، وتجاوب أكثر من 80% من الطلاب مع المناهج الجديدة، ثم طُبّق على طلاب الصف الثاني الابتدائي والثالث الابتدائي فى العامين الماضيين.
بحسب قاسم، تسعى الوزارة في الوقت الحالي إلى إنجاز برنامج علاجي لطلاب الصفوف الرابع والخامس والسادس الابتدائي. وتشرح "طبعنا 70 ألف كراسة تدريب للتلاميذ، ولكننا ما زلنا بحاجة إلى مليوني كراسة أخرى، وننتظر إقرار الوزارة التمويل اللازم لطباعتها".
يشمل البرنامج العلاجي التركيز على الصورة والعنوان، والتوقع من خلال الأحداث والتلخيص والأسئلة المباشرة وغير المباشرة، بالإضافة إلى حصة الاستماع من خلال قصة خارجية.
تقول قاسم: "نهتم أيضاً بالتركيز على إستراتيجيات المفردات التي تشمل مفاتيح السياق والمعاني المتعددة وعائلة المشتقات وخريطة الكلمة وإضافة الصفات وشبكة المفردات. إن دور هذه الإستراتيجيات مهم لبناء مهارات التفكير العليا لدى الأطفال. يوازي ذلك تغيير في طريقة الامتحانات أيضاً، بحيث تعتمد على الفهم بدلاً من الحفظ والتلقين".
المشكلة في السياسات التربوية
يقول سمير عثمان، مدير مدرسة مصطفى كامل للتعليم الأساسي، "قبل تطبيق المشروع، كنّا نواجه العديد من المشكلات بسبب ضعف مهارات التلاميذ. ومع بداية العام الدراسي، قمنا بتدريب المعلّمين على كيفية تطبيقه".
يرى عثمان أن أحد أهم أسباب ضعف مهارات الطلاب رغم وصولهم إلى مراحل متقدمة من التعليم، هو قانون التعليم الذي ينصّ على إلزامية التعليم في مرحلة التعليم الأساسي. “إذا رسب الطالب خلال عامين متتاليين، لا بدّ أن ينتقل إلى المرحلة الأعلى في العام الثالث وإن لم يجتَز امتحانات نهاية العام الدراسي وذلك لتوفير أماكن لدخول طلاب جدد".
ويقول الدكتور كمال مغيث، الخبير والباحث في المركز القومي للبحوث التربوية، "تسبّبت عوامل كثيرة في زيادة نسب الأمّية بين الطلاب، أولها أن المناهج الدراسية، وتحديداً مناهج التعليم الأساسي، كانت تعتمد على الصورة بدلاً من الصوت، كما أنها كانت تتميز بالتفاهة.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ تعيين عدد كبير من معلمي المرحلة الإبتدائية عقب إلغاء تكليف كليات التربية أثناء حكومة الجنزوري عام 1997 وما تلاها من حكومات، بطريقة عشوائية، فتحوّل عدد كبير من مشرفي الأنشطة إلى معلمين، وأغلبهم من حملة المؤهلات المتوسطة ولا يجيدون القراءة والكتابة".
وقد وضعت >وزارة التربية والتعليم المصرية عام 2011 مناهج جديدة لطلاب الصف الأول الابتدائي تعتمد على الفهم وتعليم النطق الصحيح للحروف والكلمات، كما أنّها قامت بتأهيل للمعلمين غير التربويين للمساهمة في أنهاء تلك الظاهرة، ولكن بحسب مغيث "ليست مهمّة وزارة التربية والتعليم محو الأمية. وإذا كانت تقوم بهذا الدور فى الوقت الحالي، فهذا يدلّ على فشل المنظومة التعليمية بأكملها. مشروع القرائية لا بد أن يكون علاجاً لواقع صعب، ولا يصلح لأن يكون سياسة عامة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...