الأغاني ممنوعة ودخول السافرات ممنوع... تجدد الجدل حول قانون "قدسية كربلاء"
الجمعة 4 يناير 201906:40 م
في بداية ديسمبر الحالي، اقترب رجلا دين من شاب كان يرتفع صوت الأغاني من سيارته في شارع السناتر الشهير في محافظة كربلاء، طالبين منه خفضه. كانت طريقة تدخّلهم بشؤونه "مهذّبة"، بحسب شهود عيان تحدثوا لرصيف22.
امتثل الشاب لطلب الرجلين وخفض صوت الأغاني الصادح من سيارته. ولكن شاهداً يروي أن "الشاب أبدى تذمره من تدخل الرجلين بحريته الشخصية"، ويضيف: "يبدو أنه لم يكن من المحافظة وكان خائفاً رغم حديث الرجلين معه بطريقة هادئة وعفوية".
رجلا الدين المذكوريْن لا ينتميان إلى مؤسسة رسمية ولكنهما قاما بما قاما به حرصاً على "قدسية المكان". ولكن لا يُمكن للسافرات أن يدخلن الحدود الإدارية لمدينة كربلاء التي تقع في منطقة الفرات الأوسط في العراق، بموجب القانون، ولا يُمكن أن تُرفع أصوات الأغاني، ولا يُمكن أن يحتفل الناس على صوت الموسيقى. كل هذا يمنعه قانون "قدسية" كربلاء الذي دخل حيّز التنفيذ قبل فترة وجيزة.
هذا القانون شرعته الحكومة المحلية في المحافظة، وبموجبه ممنوع دخول السافرات وممنوع عرض الملابس النسائية في الشارع أو في واجهة المحلات بشكل "فاضح"، وممنوع الجهر بأقوال "فاحشة مخلة بالحياء" في الأماكن العامة والشوارع والأحياء السكنية، أكان شخصٌ يطلقها أو كانت بواسطة جهاز آلي. كل هذه الأمور تُعَدّ جرائم يعاقب عليها القانون.
شُرّع القانون عام 2012 لكن لم يتم تفعيله، ثم عاد الحديث عنه عام 2017 بوضع لافتات في الشوارع ونشر فرق توجيه وتعريف بمضمونه في المنتديات الشبابية وفي مراكز تعليمية، لكنّه جوبه بموجة من الرفض وصلت حد وصف البعض له بأنه تقنين لسلوكيات تنظيم "داعش"، فبقي بعيداً عن الإعلام وعن الحديث المجتمعي حتى عاد إلى الواجهة من جديد بعد بدء تنفيذه بشكل فعلي في 18 ديسمبر 2018.
وبحسب القانون، فإن "عرض الملابس النسائية في الشارع أو في واجهة المحلات بشكل فاضح، جريمة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على مئة دينار".
ومن اللافتات التي انتشرت في شوارع كربلاء سابقاً للتعريف بالقانون واحدة كُتب عليها أن "مَن جهر بأغانٍ أو أقوال فاحشة مخلة بالحياء بنفسه أو بواسطة جهاز آلي في الأماكن العامة والشوارع والأحياء السكنية يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مئة دينار".
كريم المحمداوي، وهو رجل دين مُعمّم من العاصمة بغداد، يرى ضرورياً أن يُعمَل بهكذا قانون في المدينة، "فالعُرف والانسجام المجتمعي التلقائي مع أجوائها الروحانية يجب أن يُنظّم بقانون" وفق قوله، "لا أن يُترك بدون رقابة أو محاسبة، ولدينا في الفقه الإسلامي وفي الفقه الشيعي أن الحجاب واجب وأن الغناء من الأفعال التي تُبعدنا عن الله".
ويقول لرصيف22 إن "هناك مَن يستهدف مدننا المقدسة ببعض التصرفات والسلوكيات والفعاليات التي يُراد منها تغييب هويتها الإسلامية ونشر ما يُعارض الإسلام فيها، لذا من الضروري وجود هذا القانون الذي ليس فيه إساءة لأحد، ولا مشكلة في تشريعه أساساً، فهو لم يأتِ بأشياء من الفضاء، فكل شيء في القانون موجود في الديانة الإسلامية وفي الفقه الشيعي، والدستور العراقي أكد أن لا قانون يُشرَّع بما يُخالف الشريعة الإسلامية".
ويتفق مسؤول التبليغ الديني في العتبة الحسينية في محافظة كربلاء الشيخ فاهم الإبراهيمي مع ما ذهب إليه الشيخ المحمداوي ويقول لرصيف22 إنه والعتبة كانا "من المؤيدين للقانون بكل قوة، ومن الدافعين باتجاه تشريعه"، معتبراً أن "لكل مدينة خصوصيتها وكربلاء تعتز بخصوصيتها، كما للمدينة المنورة ومكة خصوصية".
ويضيف: "نحن نقوم الآن بحملات تثقيف وتوعية بالقانون في الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى. قانون قدسية كربلاء يجب احترامه ويجب أن تنتهي مظاهر السفور بسبب طالبات الأقسام الداخلية في جامعة كربلاء القادمات من محافظات أخرى، وتنتهي الحفلات الموسيقية في الأماكن العامة، فهذه سلوكيات مخلة بالحياء".
ويعتقد مسؤول التبليغ في العتبة الحسينية التابعة للوقف الشيعي أن "المرأة السافرة في الشارع تؤثر على الطابع العام لكربلاء، فهو طابع ديني إسلامي وليس طابع سفور"، ويضيف "في ليلة 15 شعبان، ذكرى ولادة الإمام المهدي، كان هناك مَن يستخدم الموسيقى والرقص بشكل عام بحجة أنها ولادة وفرحة، لكن هذه الظاهرة يجب أن تنتهي من خلال هذا القانون".
ويتحدث الإبراهيمي عن مراحل تطبيق القانون، ويشرح أنه في المرة الأولى يُقدَّم النصح للمخالف، وإنْ كرر المخالفة يتم تطبيق العقوبات التي ينص عليها القانون، ويعلل ذلك بقوله: "نريد حفظ المقدسات، فليس من المعقول أن يزور كربلاء جاهلاً في الدين ويدنسها بسبب جهله".
وعن تشبيه البعض لهذا القانون بأنه قريب من سلوكيات "داعش" وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، يقول المبلغ الديني إن "المذهب الشيعي أكثر تسامحاً من المذاهب الأخرى، لكنه ليس متسامحاً مع الأشياء التي تتعلق بالله"، وبمقارنة غريبة يضيف: "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبنية على باطل ونحن على حق".
جدل بين رجال الدين
يثير قانون "قدسية كربلاء" الذي ينص على ضوابط خاصة في المدينة التي تحتضن مرقدي الإمامين الحسين والعباس، جدلاً كبيراً بين رجال الدين الشيعة. يقول رجل الدين خالد حبيب، من محافظة النجف العراقية، لرصيف22 إن "كربلاء لا تحتاج إلى قانون تقديس ولكن على الناس التي تسكنها أو ترغب في سكنها أن تراعي أنها في مكان له خصوصية عقدية واجتماعية وعليها مراعاة ذلك". ويضيف أن "كربلاء محترمة ومقدسة وما يحصل هو إفلاس سياسي لإقحام المدن المقدسة في أمور قد تتسبب بتأويل في المواقف والمعطيات وقد تأتي بردة فعل سلبية".

مجلس المحافظة: "لسنا مسؤولين"
يُبرّر مجلس محافظة كربلاء تفعيل القانون بأنه ليس مسؤولاً عنه وبأن المجلس السابق الذي كان يعمل عام 2012 هو مَن شرّعه وبدأ العمل به. ويقول عضو المجلس علاء الغانمي لرصيف22 إن "كربلاء مدينة مقدسة وبيئتها الموجودة هي بيئة محافظة ولا بيع للخمور فيها ولا رقص ولا أندية ليلية". وعن هدف وجود القانون طالما أن كربلاء "مقدسة" من الأساس وسكانها من المحافظين، يجيب الغانمي: "القانون يُنظم الحياة، فليس من الصحيح أن تبقى الحياة سائبة دون تنظيم في مدينة مثل كربلاء، وحتى يلتزم أيضاً الوافدون إليها من داخل وخارج العراق بقوانينها، ولتكون واضحة للجميع"."المرأة السافرة في الشارع تؤثر على الطابع العام لكربلاء، فهو طابع ديني إسلامي وليس طابع سفور"... قانون "قدسية كربلاء" يثير الجدل مجدداً
كانت الناشطة المدنية العراقية جمانة ممتاز ترتدي الحجاب طواعية عندما تذهب إلى كربلاء، على أساس أنها تؤمن بإسلامية المدينة وبخصوصيتها، لكنها الآن صار عليها أن ترتديه بموجب قانون "قدسية كربلاء" وإلا ستُعاقَبويضيف: "نحن في مجلس المحافظة الحالي لم نناقش القانون أبداً، وهو مُقَرّ منذ الدورة السابقة عام 2012، لكن هناك مَن بدأ يروّج له من جديد عندما بدأ تفعيله بشكل حقيقي لخلق حالة من الفوضى في المحافظة وفي العلاقة بين المواطنين والحكومة المحلية".