فنجان القهوة الصباحي يُعدّ بمثابة "المنقذ" الذي يتمسك به عشاق القهوة ليستمدوا منه القوة لمواجهة العالم الخارجي، خاصةً لو كان على رأس يومهم جدول مزدحم بالمهام المتراكمة. ولكن في الشهور الأخيرة، ومع الارتفاع الكبير في أسعار البن وانتشار البن المغشوش، بدأ البعض يفكر في البدائل للتعامل مع المشكلة.
"ميظبطش الدماغ"
"الموضوع ليس سهلاً كما كنت أتوقع في البداية، فاستبدال القهوة بمشروب آخر ليس أمراً بسيطاً أبداً. أنا أشرب القهوة منذ 12 عاماً، وأستمتع بفنجان القهوة الصباحي كما لا أستمتع بأي شيء آخر، ويمكن أن أشرب في اليوم الواحد 4 أو 5 فناجين، ولكن ارتفاع أسعار البن أصبح مبالغاً فيه إلى حد كبير"؛ هذا ما تقوله نورا أحمد (42 عاماً) لرصيف22.
وتوضح نورا، التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة، أنها قررت أن تستبدل الشاي بالقهوة، ولكنها لم تجد فيه المذاق الذي اعتادت عليه ولا الأثر نفسه: "مبيظبطش الدماغ".
وبالرغم من أنها تلجأ إلى بعض المشروبات الأخرى التي فيها نسبة كافيين تساعدها على استعادة نشاطها بعد الاستيقاظ من النوم، غير أن للقهوة مكانةً مميزةً في قلب نورا، وفق ما تشرح: "المشكلة ليست في الكافيين فحسب، وإن كان هذا هو السبب الرئيسي لعشقي للقهوة، ولكن السبب الأهم أن للقهوة مذاقاً ورائحةً وقد أصبحت متيمةً بهما بمرور السنوات. الآن أكتفي بالحصول على فنجان واحد كل يوم".
"أشرب القهوة منذ 12 عاماً، وأستمتع بفنجان القهوة الصباحي كما لا أستمتع بأي شيء آخر، ويمكن أن أشرب في اليوم الواحد 4 أو 5 فناجين، ولكن ارتفاع أسعار البن أصبح مبالغاً فيه إلى حد كبير"
وتستنكر الزيادة المستمرة في أسعار البن وانتشار البن المغشوش داخل المقاهي العامة والمشهورة: "أصبح من الصعب أن نشرب فنجان قهوة 'مظبوط' و'على المزاج'. الغش أصبح في كل مكان. البن الذي كنت أشتريه أصبح سعره خرافياً إذ يزيد عن 1،000 جنيه، أي ما يقارب 30 دولاراً أمريكياً".
تأمل نورا أن يصبح الموضوع أسهل خلال شهر رمضان: "شهر رمضان فرصة جيدة للابتعاد عن القهوة، برغم أن الابتعاد عن القهوة في جميع الأحوال يُعدّ صعباً".
تعكير مزاج
تُعدّ القهوة بالنسبة للبعض، عشقاً يمتد لسنوات طويلة وعلاقة حب لا توازيها علاقة، ولكن محمود سعيد (38 سنةً)، ويعمل في مجال الدعاية والإعلان، يرى أنه على الرغم من ذلك، القبول بالأمر الواقع والخضوع لمثل هذا الاستغلال أو الظرف الاقتصادي الطارئ غير مقبول: "إن ارتفاع أسعار البن مستمر، وحتى لو إمكاناتي تسمح لي بشرائه فالأمر أصبح مستفزاً".
في البداية، رفض محمود أن يستبدل الشاي بالقهوة، برغم أن صديقه المقرب من عشاق الشاي، ولطالما حاول إقناعه بأن الشاي أكثر قدرةً على تحسين المزاج، وبعد فترة، قرر محمود أن يشرب الشاي الأخضر غير أنه سرعان ما استبدله بالنسكافيه ثم لجأ إلى أنواع مختلفة من الشاي.
يقول محمود ضاحكاً: "قررت أن أشرب الشاي من جديد، واللافت أن طعمه أصبح مستحبّاً بالنسبة لي، وإن كنت لا أعترف بذلك لصديقي".
"أصبح من الصعب أن نشرب فنجان قهوة 'مظبوط' و'على المزاج'. الغش أصبح في كل مكان. البن الذي كنت أشتريه أصبح سعره خرافياً"
ويضيف لرصيف22: "أفتقد القهوة باستمرار، وأشتاق إلى طريقة حمل الفنجان وشكله ورائحة القهوة الذي رافقتني دائماً، وما زلت أؤمن بأن نسبة الكافيين في القهوة تفوق نسبتها في الشاي بكثير أو ربما أشعر بذلك بحكم العادة... الشاي مبيفوقنيش أوي".
تُظهر دراسة أنه على الرغم من احتواء القهوة على نسبة كافيين أعلى قد تصل إلى 80 مليغراماً بينما يحتوي الشاي على نسبة 40 مليغراماً، إلا أن الأخير له أثر تنبيهي أعلى من القهوة، خاصةً لو تم تناوله في الصباح، بينما يذكر العلماء أن عشاق القهوة يشعرون بالأمر بصورة مبالغ فيها فقط لأن القهوة لها رائحة قوية يتعلق بها محبّو القهوة بشكل كبير.
القهوة مغشوشة
برغم أن سيد نور الدين (44 عاماً)، بدأ باستبدال القهوة ببعض المشروبات الأخرى، إلا أنه بات يصدّق ما كان يرفضه من قبل، أي أن شرب القهوة بمثابة إدمان للبعض.
يقول سيّد نور الدين، لرصيف22: "بالنسبة لي، موضوع الغش في البن هو الأكثر صدماً. الغش أصبح في كل مكان دون خوف أو رقابة من أحد. منذ فترة قمت بتغيير الكافيه الذي كنت أشرب فيه القهوة باستمرار ليس فقط بسبب ارتفاع سعرها المبالغ فيه، ولكن بسبب البن وتغيّر طعمه".
ويضيف سيّد: "بعد الانتقال من مكان إلى آخر، وجدت أن الغش واحد: الغش نفسه في كل مكان وكأنه اتفاق غير معلن، والقهوة بلا 'وش' وهناك طعم مختلط يثير الغثيان بالإضافة إلى ما سمعناه عن خلط البن بمواد أخرى مثل بيكربونات الصوديوم والبسلة ونواة البلح وغيرها".
لم يكن سهلاً على سيّد أن يلجأ إلى مشروب آخر، ولكنه بدأ بشرب الشاي وأحياناً يشرب الشاي بالحليب والنسكافيه أيضاً، برغم أنه لا يزال يفضّل القهوة: "أتمنى أن أعود لشرب القهوة ثانيةً في وقت قريب، خاصةً أنه مشروب مهم بالنسبة لي وخاصةً في شهر رمضان".
ضحى عزت (48 سنةً)، قررت أن تستبدل فنجان القهوة الصباحي بكوب من الشاي الأخضر، إلا أنها تشعر بأن طاقتها أصبحت أقلّ وصارت تبدأ يومها بحماسة فاترة، وفق ما تكشف لرصيف22: "أسأل نفسي باستمرار هل أصبحت مدمنةً وغير قادرة على الإقلاع عن القهوة؟ أشربها منذ ما يقرب العشرين عاماً، وقد حذرني الأطباء منها، ثم هناك أولويات أهم بالنسبة لي من البن الذي أصبح سعره خرافياً".
وتضيف ضحى: "في آخر مرة جلست فيها لشرب القهوة في أحد الكافيهات، كان طعمها سيئاً جداً، ولأول مرة شعرت بألم في البطن ووقتها شعرت بأن الغش أصبح 'عيني عينك'، وتالياً كان عليّ أن أضحّي بنقودي وأبحث عن بنٍّ فاخر بسعر 'خزعبلي' أو أن أتجاهل صحتي وأشرب البن المغشوش، فقررت أن أجرّب مشروبات أخرى، ومنذ أيام بدأت أشرب الزنجبيل والشاي الأخضر".
تؤكد طبيبة التغذية العلاجية ميار عبده جابر، لرصيف22، أن القهوة أصبحت هدفاً سهلاً للغش والاحتيال بسبب ارتفاع أسعارها، وأن أي اختلاف في قوامها ولونها يجب أن يجعل المستهلك يشك فيها ويبتعد عن هذا النوع من المنتج.
رغم كل المحاولات المستمرة لاستبدال القهوة بمشروبات أخرى بعد ارتفاع أسعار البن، إلا أن بعض المستهلكين/ ات ينتظرون/ ن حتى تمرّ الأزمة ليعودوا/ ن إلى فنجان القهوة الصباحي كما اعتادوا/ ن لسنوات
وتوضح ميار أن الغش في القهوة يتم من خلال الكثير من الإضافات الرخيصة، ومنها قشر الفول والشعير والسكر البني، وكل ذلك يتم طحنه وخلطه مع البن، ومن ثم لا يقدر كل الزبائن على تمييزه، ولكن يتعرف في النهاية عشاق القهوة القدماء على عملية الغش.
وتحذّر جابر من الأضرار التي يمكن أن تسببها القهوة المغشوشة على الصحة: "لا نعلم ماذا يضيفون إلى البن بالتحديد، فمن الممكن أن يصاب الشخص بالحساسية من هذه المواد، كما أن قشور البقوليات تؤثر سلباً على القولون، ومن المحتمل أيضاً أنهم يضيفون مواد تتسبب في رفع نسبة السكر في الدم، ومن ثم على المستهلك أن يبتعد عن القهوة المغشوشة فور اكتشافها".
وبرغم كل المحاولات المستمرة لاستبدال القهوة بمشروبات أخرى بعد ارتفاع أسعار البن، إلا أن بعض المستهلكين/ ات ينتظرون/ ن حتى تمرّ الأزمة ليعودوا/ ن إلى فنجان القهوة الصباحي كما اعتادوا/ ن لسنوات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت