"لا أستطيع فتح عينيّ صباحاً إلا بعد شرب فنجان قهوة من "القهوة العربي". أستيقظ منهكةً وضجرةً وأول شيء أفكّر فيه هو إعداد فنجان قهوتي، ثم أخطّط لبرنامج يومي. يتغيّر مزاجي شيئاً فشيئاً مع أول رشفة، وأشعر بسعادة تدريجيّاً ثمّ تتدفّق الطاقة إلى جسمي وينتعش ذهني مع آخر رشفة في فنجاني". بهذه الجمل تصف أمال، علاقتها بالقهوة. ومع ارتفاع أسعار البنّ وندرته في السوق التونسية، تقول: "اقتنيت ما يكفيني لشهرين، لأني ببساطة من عشاق القهوة ولا أتخيل أن يبدأ يومي من دونها".
يخشى عشاق القهوة في تونس وأصحاب المقاهي من أن تستمرّ الأزمة لمدّة أطول إذ يسجَّل منذ أسابيع نقص فادح في مادّة القهوة والسبب صعوبة التزوّد منها في حين وعدت السلطات التونسية بتغطية حاجياتهم.
وارتفعت خلال الأيام الماضية أسعار البنّ "المرحي الصافي" في البلاد، بنحو دينار، أي ما يعادل 0.3 دولارات، كما ارتفعت أسعار القهوة الجاهزة داخل المقاهي بشكل عشوائي. وتحتكر الدولة التونسية استيراد القهوة إذ يستورد ديوان التجارة التابع لوزارة التجارة القهوة مع السكر والشاي.
وشهدت تونس طوال الأشهر الأخيرة نقصاً في عددٍ من المواد الأساسية على غرار الزيت النباتي والسكّر والمحروقات والدقيق والسميد.
المقاهي على شفا الإفلاس
منجي زرقة، صاحب مقهى في طريق سوسة الواقعة في محافظة القيروان، ويُشَغِّل 10 عاملين في مقهاه، يجد نفسه اليوم مُهدّداً بالإفلاس كما يقول لرصيف22، وذلك بسبب صعوبة الحصول على كميات كافية من البنّ والنقص الكبير المسجل في كافة أنواع القهوة.
كان زرقة، يتوصل سابقاً بخميسن كيلوغراماً من البنّ أسبوعياً، وتقلّصت حصته إلى 6 كيلوغرامات أسبوعياً خلال الفترة الحالية، ما أثرّ على جودة القهوة المقدّمة للزبائن ومذاقها.
يروي بأسف بالغ كيف أن الأزمة الحالية في الغلاء وندرة البنّ أثرتا عليه وعلى عمّاله. فأحد العمال الذين كانوا يعملون معه غادر البلاد إلى بولونيا بطريقة غير شرعية مؤخّراً، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، كما أشار إلى أن ثلاثةً من بين العمال في مقهاه هم من أصحاب الشهادات العليا ويعيل كل منهم عائلةً مكوّنةً من 3 أطفال على أقل تقدير، وأن إغلاق المقهى يعني معاناة عائلاتهم بدورها.
كان زرقة، يتوصل سابقاً بخميسن كيلوغراماً من البنّ أسبوعياً، وتقلّصت حصته إلى 6 كيلوغرامات أسبوعياً خلال الفترة الحالية، ما أثرّ على جودة القهوة المقدّمة للزبائن ومذاقها
يؤكد صاحب المقهى أن أزمة ندرة القهوة تُضاف إلى ندرة الكميات والنقص الفادح في مواد أخرى ضرورية لعمل مقهاه، مثل السكر والمياه المعدنية.
من جانبه، أفاد نوفل الشرطاني، صاحب مقهى في أحد أرياف محافظة القيروان لرصيف22، بأن معاناة أصحاب المقاهي تزداد يوماً بعد يوم مذ بدأت أزمة القهوة، إذ سُجِّلَ نقص كبير في كافّة أنواعها.
وأشار إلى أن نصيبه من القهوة أسبوعياً قد انخفض إلى النصف مبيّناً أنه في السابق كان يقتني 20 كيلوغراماً من القهوة كل أسبوع قبل أن تنخفض الكميّة التي يحصل عليها الآن إلى النصف. ويتواصل النقص الحاصل في مادة القهوة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.
مشكلة احتكار؟
في وقت سابق، أكّد نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي صدري بن عزوز، وجود نقص في مادة القهوة في تونس، مذّكراً بأنّ الدولة تحتكر استيرادها مضيفاً أنّ النقص في هذه المادة في تونس ستكون له تداعيات وخيمة على أصحاب المقاهي والعاملين فيها.
كما تراجع مخزون العملة الصعبة التي يتم استعمالها في استيراد المواد الأساسية بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد.
وينادي العديد من التونسيين بضرورة تحرير تجارة القهوة من بارونات الفساد الذين يتحكمون فيها ويعدّون أن ديوان التجارة يستورد أتعس أنواع القهوة وأقلها جودةً.
في حال تم استيراد القهوة من أطراف أخرى ستشهد أسعارها ارتفاعاً لكن سيفتح ذلك المجال للمنافسة على اقتناء أنواع قهوة ذات جودة عالية
اقترح نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي، صدري بن عزوز، إفساح المجال للمورّدين الذين لهم القدرة على استيراد القهوة، مشيراً إلى أنّ المادّة مدعومة من الدولة وفي حال تم استيرادها من أطراف أخرى ستشهد أسعارها ارتفاعاً لكن سيفتح ذلك المجال للمنافسة على اقتناء أنواع قهوة ذات جودة عالية.
من جهته، يؤكّد محمد بن مبروك، موزّع قهوة وصاحب طاحونة، لرصيف22، أن النقص مسجل في القهوة الروبية والقهوة الهندية والفيتنامية، مشيراً أنه قي السابق كان يحصل على 15 إلى 17 كيس قهوة (ما يعادل 60 كغ قهوة قبل تحميصها)، في حين أصبح يحصل على 8 أكياس في الأسبوع حالياً، وكان الوضع أفضل بكثير قبل كورونا إذ كانت الكمية التي يحصل عليها أسبوعياً من ديوان التجارة من 25 إلى 30 كيساً.
أضاف بن مبروك، الذي يعمل في الميدان منذ عشرين سنةً، أن كل فاتورة يتم دفع 19 في المئة منها، مشيراً إلى أنّ أنواع البن التي يتم استيرادها غير رفيعة وأن الدولة التونسية تستورد أنواع قهوة متوسطة النوعية.
ورأى أن المحتكرين هم المستفيدون من هذه الأزمة، وأن الضرر الذي لحق وسيلحق بأصحاب المقاهي فادح إذ باتت الأخيرة مهدّدةً بالإغلاق اليوم.
تصريحات متضاربة
صرّح المكلف بالإعلام في وزارة التجارة، محمد علي الفرشيشي، لوسائل إعلام محلية، بأن مخازن الديوان التونسي للتجارة تتوفر لديها 200 طن من مادة القهوة بالإضافة إلى 5،000 طن موجودة في الميناء تنتظر استيفاء الإجراءات للتوزيع في السوق.
في حين كذّب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي ''صنف-أ"، فوزي حنفي، في حوار سابق مع صحيفة الشروق التونسية، هذه التصريحات مؤكّداً أن الكميّات المتوفرة لا تكفي لتغطية حاجة البلاد لمدة 3 أشهر، ورأى ما قاله المسؤول الإعلامي مجرد تطمينات واهية، الغاية منها عدم الكشف عن حقيقة النقص المسجل في هذه المادة.
في السابق كان صاحب المقهى يقتني 20 كيلوغراماً من القهوة كل أسبوع قبل أن تنخفض الكميّة التي يحصل عليها الآن إلى النصف
وأكّد أن النقص في مادة البن لدى الموزعين بدأ يظهر، قائلاً إن تطمينات مسؤولي ديوان التجارة تبدو واهيةً وتندرج ضمن محاولة تغطية عجز الدولة عن توفير مثل هذه المواد الأساسية، بسبب أزمة المالية العمومية، وفق تعبيره.
وتُقَدَّر الحاجة السنوية لتونس من مادة البنّ بـ30 ألف طن وتوفر هذه الكميات مليوني فنجان قهوة يومياً، كمعدل يومي، أي 10 غرامات لكل شخص في اليوم.
الجفاف المنتظر
ضربت موجات جفاف العديد من المناطق المنتجة للقهوة حول العالم، على غرار كينيا وإثيوبيا وكولومبيا والبرازيل، ما أدّى إلى انخفاض إنتاج العام الحالي.
ويؤكّد المختص بالبيئة حمدي حشّاد، لرصيف22، أنّنا نحتاج إلى 21 ألف لتر من الماء الافتراضي للحصول على كيلوغرام واحد من القهوة. كما ضربت موجتان من الصقيع المرتفعات الشرقية للبرازيل (أكبر مُصدّر للبن)، ووصلت الحرارة إلى 8 درجات في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، ما سيساهم في تقليص آفاق الإنتاج في الموسم التالي، لأنه سيجبر المزارعين على تقليم الأشجار كما أن مخزون البرازيل من القهوة وصل إلى أدنى مستوى له منذ ستين عاماً.
ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب على القهوة العرض خلال السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة، بحيث يمكن أن تستغرق نباتات البن ما يصل إلى ثلاث أو أربع سنوات حتى تنضج وتعوّض نظيراتها المتضررة. هذه التحولات العالمية في سوق القهوة قد تؤثر أكثر على استهلاك تونس في حال ما لم تلجأ الدولة إلى سياسة أكثر فاعليةً، في الاستجابة لندرة "محبوبة التونسيين" في الأسواق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...