يوثق هذا التحقيق خرق شركة "أوبر" العالميّة القوانين الأردنيّة، نتيجة انتهاك السائقين العاملين لدى الشركة خصوصيّة الركاب، بتركيب كاميرات داخل مركباتهم وتصويرهم، من دون الحصول على موافقتهم أو إعلامهم بالتصوير.
يتفقد الهاتف المُثَبّت أمامه، بعد أن لحظ إشعاراً بوجود عميل قريب منه بانتظار سيارة. اضطر محمد (اسم مستعار) سائق أجرة يعمل على تطبيق شركة أوبر، إلى وقف اتصاله بالإنترنت لإجراء مقابلة مع فريق التحقيق. تحت مرآة السيارة بقليل، توجد كاميرا مُثَبّتة على زجاج السيارة. يقول محمد "هذه الكاميرا تسجّل أربعاً وعشرين ساعة… كل شيء مُسجّل".
يبيّن محمد أنه عندما اشترى سيارته، كانت مزودة بهذه الكاميرا؛ لكنّه قام بتركيب أخرى مشابهة في مركبات أصدقائه، بعد مشكلات تعرض لها، مؤكداً أنهم جميعاً اضطروا -في نهاية المطاف- إلى تركيب الكاميرات.
رحلات مُسرّبة
عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، انتشرت في دول مختلفة عدة مواد مصورة لركاب أوبر أثناء رحلاتهم، بعضها مُوثّق بالصوت والصورة؛ الأمر الذي أزعج كثيرين من مُستخدمي التطبيق. لكنّ "دافع" محمد لاستخدام الكاميرا، كان جملة من المواقف تعرض لها، وشعر فيها بالخطر، وفق قوله.
نفذ فريق التحقيق مئة رحلة باستخدام تطبيق "أوبر"، شملت مناطق العاصمة، والزرقاء، والسلط، ومادبا، تركزت معظمها في "عمّان". تبيّن أن 12 بالمئة من السيارات مزودة بكاميرات داخليّة، بالإضافة إلى وجود سيارت أخرى مزودة بكاميرات خارجيّة، لكنّها في الوقت ذاته تسجل ما يدور داخل السيارة من أصوات
ذات ليلة، عند العاشرة مساء، تلقى محمد طلباً لوجهة بالقرب من منطقة سحاب، التي يصفها بـ "المقطوعة"، جنوب شرقي عمّان. أثناء الرحلة، اشتبه في أن الراكب يحمل سلاحاً، فطلب منه النزول عند نقطة معينة؛ بعد أن تملّكه الخوف من مواصلة الرحلة إلى منطقة غير مأهولة، تبعد نحو أحد عشر كيلومتراً عن مركز العاصمة عمّان. الراكب الذي رفض النزول بداية، انهال بالشتائم على السائق، لكنّه نزل أخيراً وانسحب محمد بسرعة من المكان، من دون حتى الحصول على أجره، وفقاً لقوله.
أرسل محمد الفيديوهات التي سجلتها كاميرا السيارة إلى شركة أوبر، يقول السائق: "الفيديوهات هي عبارة عن تصوير الطريق وأنا ماشي عالمنطقة والشوارع اللي أنا مشيت فيها، والباقي عبارة عن حديث صوتي". بحسب محمد، كانت هذه المرة الوحيدة التي حصل فيها على تعويض من أوبر، لثمن الرحلة.
ومحمد واحد من بين خمسة آلاف سائق يعملون لدى أوبر، يتشاركون قضاياهم وتساؤلاتهم من خلال مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لعدم وجود مظلة رسميّة تجمعهم.
نفذ فريق التحقيق مئة رحلة باستخدام تطبيق "أوبر"، شملت مناطق العاصمة، والزرقاء، والسلط، ومادبا، تركزت معظمها في "عمّان". تبيّن أن 12 بالمئة من السيارات مزودة بكاميرات داخليّة، بالإضافة إلى وجود سيارت أخرى مزودة بكاميرات خارجيّة، لكنّها في الوقت ذاته تسجل ما يدور داخل السيارة من أصوات.
في رحلة من السلط إلى عمّان، التقينا جميل أحمد (اسم مستعار)، وهو لا يخفي استخدامه كاميرا داخليّة. وعن خوفه من احتجاز سيارته أو إيقافه من قبل الأمن، يقول إنه يُفضل ذلك على أن يتمّ إيقافه بتهمة "التحرش".
سوق رائج للكاميرات
يوسف الجعبري، يعمل في محل بيع "إكسسوارات السيارات"، يتحدث عن تنوع استخدام هذه الكاميرات؛ فمنها ما يُصوّر الطريق الأماميّ، ومنها ما يصور خلفيّة السيارة، بالإضافة إلى الكاميرات التي تُسجّل بالصوت والصورة ما يدور بالسيارة من الداخل، مشيراً إلى أن بعضها يصعب اكتشافه لصغر حجمها، وأن جميعها تُسجّل الأصوات الداخليّة، حتى الكاميرات الخارجيّة منها.
أما محمود اليازوري، الذي يعمل في يبيع الكاميرات عبر صفحته على فيسبوك، يؤكد زيادة إقبال السائقين على شراء وتركيب الكاميرات بشكل عام، لكنّه يقول إن سائقي التطبيقات هم الأكثر إقبالاً على شرائها وتركيبها، تجنباً لحدوث سرقات من جهة، ولتوثيق أيّ سلوك مخالف يصدر من السائق أو مستخدم التطبيق من جهة أخرى.
انتهاك الخصوصيّة
قضية واحدة سُجّلت ضد أحد سائقي أوبر، الذي قام بتصوير فتيات أثناء تنفيذ إحدى الرحلات، ثمّ أرسل الفيديوهات إلى مجموعة من السائقين عبر تطبيق واتساب. تمكّنت السلطات بعدها من ضبط السائق، الذي كان يُعلّق بألفاظ غير أخلاقيّة أثناء تصوير الفتيات بهاتفه الخلوي.
يقول المحامي صلاح جابر، إن التصوير داخل المركبات فيه انتهاك للخصوصية؛ إذ ينص القانون على أن استراق السمع والبصر جريمة تستوجب العقوبة: "الشخص عندما يركب وسيلة نقل، يشعر أنه في مكان خاص وآمن، قد يقوم بإجراء اتصال مثلاً أو يُجري حديثاً مع شخص معه ولا يجوز لأيّ أحد تسجيله أو توثيقه أو حتى نشره، والقانون يعاقب كل من ينشر أو يُسجّل".
ويوضح جابر الفرق بين سيارات التطبيقات ووسائل النقل العام، في استخدام الكاميرات داخل وخارج المركبات بالقول: "في وسائل النقل العام وتحديداً الباص السريع، تقوم الدولة بتثبيت كاميرات داخلها؛ لكنّ الكاميرات الموجودة في باصات النقل العام هي ملك للدولة، والدولة تراقب وتنظم عمل السائقين وفترات عملهم، ومسار رحلاتهم، ولا يملك السائق حق التصرف في تلك الكاميرات، عكس الكاميرات الموجودة في سيارات التطبيقات الذكية".
امتثال مثير للجدل
بحسب عبلة وشاح، الناطقة الإعلاميّة باسم وزارة النقل، فإن هناك أربعة تطبيقات مُرخّصة لنقل الركاب حالياً، تضيف قائلة: "نمط التطبيقات أو نقل الركاب بواسطة التطبيقات الذكية، هو نمط جديد في المجتمع الأردني، هذا النمط مارس نشاطه بطريقة غير مشروعة في البداية".
يقول المحامي صلاح جابر، إن التصوير داخل المركبات فيه انتهاك للخصوصية؛ إذ ينص القانون على أن استراق السمع والبصر جريمة تستوجب العقوبة: "الشخص عندما يركب وسيلة نقل، يشعر أنه في مكان خاص وآمن، قد يقوم بإجراء اتصال مثلاً أو يُجري حديثاً مع شخص معه ولا يجوز لأيّ أحد تسجيله أو توثيقه أو حتى نشره، والقانون يعاقب كل من ينشر أو يُسجّل"
دخلت أوبر الشارع الأردنيّ منذ عام 2015، ومارست نشاطها رغم عدم حصولها على ترخيص للعمل حتى عام 2018. بحسب وشاح، فإن الطلب المتزايد على هذا النمط من التوصيل، دفع السلطات الأردنية إلى الاستجابة لترخيص تلك التطبيقات لتسهيل نقل الركاب. فوضع المُشرّع الأردني نظام النقل البري للتطبيقات الذكية، في حين تقول شركة أوبر إنها مُشغِّل المنصة الرقميّة التي تربط بين السائقين والركاب، وليست شركة نقل.
عبر موقعها، تشجع أوبر السائقين على تركيب الكاميرات، وهو إجراء -بحسب الشركة- يجعل الرحلات أكثر أماناً ويساعد في تسوية المنازعات، إلا أنها أيضاً تطلب من السائقين الامتثال للتعليمات واللوائح في بلدانهم.
تحدثنا إلى "مصدر خاص" عمل في أوبر لثلاث سنوات -وكان حينها مطلعاً على عمل أوبر في عشرات الدول- فأخبرنا أن "امتثال أوبر للقانون يُعدّ أمراً مثيراً للجدل؛ فهي تبدأ بشكل مخالف للقانون، ثم تتوسع وبعدها تمتثل للقانون بحده الأدنى".
وبحسب المصدر نفسه، تَعِد أوبر السائقين في البداية بفرص عمل جيدة وبدخل أكبر، لكن مع حصولها على الترخيص في الدولة التي تعمل بها، تبدأ هذه الأحلام بالتلاشي؛ فترتفع نسبة اقتطاع الشركة من أجر السائق، ويواجه السائق مستقبلاً مجهولاً، مضيفاً: "رغم تحفظي على تركيب الكاميرات، إلا أنني أتفهم قيامهم بذلك، السائقون لا صوت لهم، لا منبر يتحدثون من خلاله ولا أحد يراهم".
حجب تعسفي وحماية هشة
سائقون كُثر ممَن قابلناهم أثناء العمل على التحقيق، أكّدوا أن شركة أوبر لا توفر لهم أيّ نوع من "الحماية"، فوجدوا في توثيق الكاميرا سلاحاً يحميهم. لا تقف مخاوف السائقين عند النزاعات القضائيّة أو الادّعاء وخسارة الأجر المادي؛ بل إن خوفهم الأكبر من فقدان العمل مع الشركة، بعد أن دفعوا رسوم الترخيص، والتزم بعضهم بقروض طويلة الأمد لشراء سياراتهم.
حسين (اسم مستعار)، سائق بدأ بالعمل مع أوبر بعد أن حصلت على ترخيص العمل عام 2018، إلا أنه تعطل عن العمل لأكثر من عام، إثر شكوى بالتحرش قدمتها إحدى الراكبات؛ فقامت الشركة بحجبه (بلوك) مباشرة، وفق روايته.
الشركة بحسب حسين، تُقدّم مصلحة الراكب على السائق: "يعني بشكل عام أيّ راكب بشكي على أيّ سائق، بيوقفوه بأسهل ما يمكن، يعني ما بيرجعوا للكابتن، مباشرة بيصدقوا العميل وبينهوا عمل الكابتن".
الناطق باسم اللجنة المُوحدة للتطبيقات الذكيّة، لورنس الرفاعي، يمثل نحو خمسة آلاف سائق من شركة أوبر، ونحو 13 ألف سائق يعملون على التطبيقات المختلفة. عمل الرفاعي مع أوبر قبل حصولها على الترخيص، يتحدث عن تلك الفترة بالقول: "كانت تلك أيام المصيدة، وقعنا في الفخ".
يشير الرفاعي إلى العائد المادي المرتفع للسائقين في بداية الأمر، بالإضافة إلى انخفاض نسبة اقتطاع الشركة وقتها، عمّا هي عليه الآن؛ عوامل دفعته إلى الاقتراض من البنك لشراء سيارة. لكن سرعان ما انتهت "أيام العسل" مع الشركة، بعد وصول عدد مُقدمي الخدمة إلى خمسة آلاف لكل شركة، وفق الرفاعي.
يحاول الناطق باسم اللجنة المُوحدة للتطبيقات الذكيّة، إيصال صوت السائقين بشكل غير رسميّ للجهات المعنية، مطالباً بتخفيض نسبة الاقتطاعات التي وصلت إلى أكثر من 20 في المئة من قيمة ما يحصل عليه السائق، وزيادة العمر التشغيليّ للسيارات.
وعن مسألة حجب السائق، يقول إن الشركة لا تتحقق أبداً من شكوى العميل، وتقوم بوقف السائق مباشرة عن الخدمة، على الرغم من الأعباء الماليّة التي يتحملها من أقساط البنوك وغيرها.
تسجيلات أوبر: حماية للسائقين أم إدانة؟
صلاح جابر، الخبير القانوني، يقول إن السائق بإمكانه تقديم التسجيلات كبينة أمام المحكمة، شريطة أن تكون قد تمّت بطريقة قانونية، ويُستدعى خبير لتفريغ تلك الكاميرات. يضيف جابر: "لكن على الرغم مما توفره هذه الأدلة في هذه القضية، إلا أنها لا تمنع الطرف الآخر لاحقاً من تقديم شكوى".
تصنف أوبر السائقين كشركاء، تقوم بدور الوسيط بينهم وبين الركاب، وليس كموظفين لديها؛ وبالتالي تتنصل من مسؤولية ما ينتج عنهم من تصرفات وسلوكيات. لكنّ الخبير القانوني صلاح جابر، يؤكد أن الشركة تتحمل قدراً من المسؤولية، إذا علمت بتركيب السائقين كاميرات داخل سياراتهم، ويجب عليها تنبيه السائقين بضرورة وقف هذه الكاميرات.
تصنف أوبر السائقين كشركاء، تقوم بدور الوسيط بينهم وبين الركاب، وليس كموظفين لديها؛ وبالتالي تتنصل من مسؤولية ما ينتج عنهم من تصرفات وسلوكيات. لكنّ الخبير القانوني صلاح جابر، يؤكد أن الشركة تتحمل قدراً من المسؤولية، إذا علمت بتركيب السائقين كاميرات داخل سياراتهم، ويجب عليها تنبيه السائقين بضرورة وقف هذه الكاميرات
توجه فريق التحقيق إلى هيئة النقل البريّ لمعرفة دورها الرقابي على مقدمي خدمات التطبيقات الذكية. الدكتورة عبلة وشاح، الناطقة الإعلاميّة باسم هيئة النقل، قالت إن الهيئة غير معنية بـ "سلوكيات وأخلاقيات السائقين"، مؤكدة أن الهيئة معنية فقط بوجود مستوى خدمة لائق، من خلال النظام الرقابّي لدى الشركات.
وحول تركيب الكاميرات داخل السيارت، ذكرت وشاح بأن الهيئة لا يوجد لديها تشريع يمنع تركيب الكاميرات الداخليّة: "هذه سياراتهم الخاصة، تقدم الخدمة، والسائق قد يصطحب نحو عشرة ركاب أو خمسة عشر راكباً يومياً، ولكل راكب سلوكيات مختلفة، وقد يتعرض السائق للتبلي من قبل الراكب، لذلك فهو يحمي نفسه".
وأكدت الناطقة الإعلاميّة باسم هيئة النقل، أن الهيئة لم يصلها أيّ شكوى فيما يتعلق بتركيب الكاميرات، مشيرة إلى أنه في حال وصول شكاوى، ستُراجع مسألة وجود الكاميرات داخل السيارات من الناحية التشريعيّة.
توجهنا إلى مقر شركة "أوبر" بالعاصمة عمّان، لمواجهة الشركة بما توصل إليه التحقيق بشأن اختراق خصوصية الركاب، عن طريق الكاميرات الخارجيّة والداخليّة التي يستخدمها سائقو أوبر. أخبرنا المسؤول هناك بأن المكتب في الأردن هو مكتب تقديم دعم فقط، وأنه غير مخول للإجابة عن استفساراتنا، لكنه زودنا بمعلومات الاتصال بمكاتبهم في مصر.
السائق خارج الحسابات وخصوصية الراكب مهددة
يقول الناطق باسم اللجنة المُوحدة للتطبيقات الذكيّة، لورنس الرفاعي، إنهم طالبوا مراراً بتركيب كاميرات داخليّة؛ إلا أن طلبهم قوبل بالرفض. ويرى الرفاعي ضرورة السماح بتركيب الكاميرات، على أن يصل إشعار لكل راكب بوجود "كاميرا مراقبة"، متهماً الشركة بتجاهل مطالب السائقين وعدم الاهتمام بتوفير الحماية لهم.
عبر البريد الإلكتروني، أرسلنا لشركة أوبر خطاباً، نسأل مسؤولي الشركة عن استخدام سائقيها للكاميرات داخل سياراتهم، ما يُعدّ انتهاكاً لخصوصية مستخدمي هذه التطبيقات؛ لكن لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر وبث هذا التحقيق.
أنجز هذا التقرير بدعم من أريج
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...