"إن أراد الإيرانيون التعبير عن فرحتهم، فليس أجمل من القول 'خيلي خوشحالم' (سعيد/ة جداً)، وإن رافق المدّ حرف الياء الأول في الجملة، فذلك يعني أن الشعور تخطّى مرحلة الوصف"؛ هكذا تعبّر إلناز (اسم مستعار -31 عاماً) عن رضاها تجاه تجميد بويضاتها، فحلم الأمومة لا يفارقها.
"عملية بسيطة دون مصاعب تُذكر. أوصي بهذا الخيار المتاح"، توضح إلناز لرصيف22، وهي فتاة غير متزوجة تختار هذا الحلّ للإنجاب كي تضمن ألا تندم في المستقبل.
في بلد محافظ سياسياً كل ما يتعلق بصحة النساء فيه يُعدّ من المحرمات، يعود الفضل في معرفة إلناز وبقية الإيرانيات بعملية تجميد البويضات إلى منشورات الطبيبة پَريسا طاهر زاده، على منصة إكس.
"كانت هذه الخدمة تُقدَّم لأسباب صحية بعيداً عن حالة النساء الاجتماعية، وهناك اللواتي يواجهن خطر فشل المبيض المبكر بسبب علاجات مضرّة بالمبيضين كالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي لمحاربة السرطان أو أمراض المناعة الذاتية، بالإضافة إلى اللواتي يعانين من انقطاع الحيض المبكر لأسباب عائلية أو جينية"، وفق قول طبيبة النساء والولادة، پَريسا.
يتم في عملية تجميد البويضات (oocyte cryopreservation)، استخراج البويضات، ثم تجميد غير المخصبة منها، لحفظها واستخدامها في المستقبل، وعندما يحين هذا الوقت تتم إذابة البويضات المجمدة وتخصيبها في المختبر لصنع أجنّة يمكن وضعها في رحم المرأة
وتضيف: "بيد أن العملية لم تقتصر على المريضات وحسب، فهو خيار متاح للّواتي يرغبن في المحافظة على خصوبتهن لأنهن يردن التأخير في الإنجاب". وهنا مربط الفرس، إذ نادراً ما يتم التطرق إلى هذا الخيار المتاح للإيرانيات، ويمكن القول بأن لا أحد يخبر غير المتزوجات بهذه التقنية وسهولة تنفيذها، وهذا ما حفز الطبيبة لبدء نشاطها على شبكتَي التواصل: إكس وإنستغرام.
يلقى نشاط پَريسا استقبالاً جيداً من الفتيات، إذ تتواصل معها المئات لمعرفة معلومات حول الإجراء الطبي، فتقوم بمساعدتهن وتقدّم الاستشارات لهن، ففي عالم تقنيات الإنجاب المتقدمة تُعدّ پَريسا واحدةً من أبرز الطبيبات اللواتي يسهمن في توعية المجتمع الإيراني.
"صحيح أن بعض الفتیات يصرحن بعدم رغبتهن في الزواج أو الإنجاب، لكنني أظن أن هذه مشاعر تتعلق بالظروف الاجتماعية أو المعيشية الراهنة، ويمكن أن يتغير رأيهن في ما بعد، وأودّ أن يحتفظن بالقدرة الإنجابية حتى مع تقدمهنّ في السنّ لكيلا يندمن"؛ تضيف شارحةً أسباب فعالياتها المكثفة في شبكات التواصل.
يتم في عملية تجميد البويضات (oocyte cryopreservation)، استخراج البويضات، ثم تجميد غير المخصبة منها، لحفظها واستخدامها في المستقبل، وعندما يحين هذا الوقت تتم إذابة البويضات المجمدة وتخصيبها في المختبر لصنع أجنّة يمكن وضعها في رحم المرأة.
تطمع في الأمومة حتى بعد تحوّلها جنسياً
تفاعل عشرات الآلاف مع منشور إعلان إجراء العملية لمتحولة جنسياً على صفحة الطبيبة، وحول التفاعل الإيجابي والساخر والمستغرب مع الإعلان، تقول پَريسا لرصيف22: "أجريت العملية لفتاة في عمر الثلاثين قبل إزالة الرحم والمبيض وتحولها جنسياً. كانت مستقبليةً وتطمع في الإنجاب حتى بعد عبورها الجندري. وجاء المنشور لتحفيز الشابات على استخدام التقنية".
تؤكدالطبيبة پَريسا التي أجرت نحو 400 عملية حتى الآن، أن أفضل سنّ لتجميد البويضات تتراوح بين عمر الـ20 إلى الـ35، "لأن عدد البويضات وجودتها والمادة الوراثية التي تحتويها تقلّ مع العمر، لذلك الحدّ الأعلى هو 35، ولكن يمكن إجراؤها حتى الـ38 إنما بنسب نجاح أقل".
كثيرات سمعن من الدكتورة پَريسا رفضها إجراء العملية بعد نتائج الفحوصات الطبية، والسبب يرجع إلى أعمارهن التي تخطت الأربعين. أما مريم (اسم مستعار)، ذات الأربعين عاماً، فنجحت في تجميد بويضاتها، بيد أن ذلك لا يضمن نجاح صنع الأجنّة في رحمها في ما بعد، ما جعلها توصي باستخدام هذه التقنية في الأعمار التي تؤكدها المراكز الصحية.
"وماذا عن غشاء البكارة؟"
"هل العملية مؤلمة؟" وماذا عن غشاء البكارة؟"؛ سؤالان يتكرر طرحهما على پَريسا في شبكات التواصل من قبل كثير من الفتيات غير المتزوجات، فهذان السؤالان يثيران تحفّظهن وقلقهن: "سحب البويضات عن طريق البطن ممكن، لكنه غير آمن وهذا ما لا أفعله، ويتم السحب من المهبل باستخدام السونار المهبلي وإبرة رفيعة بعد التخدير العميق، وهذا ما يمنع تمزيق الغشاء. وحسب إحصاءاتنا بين اللواتي أجرين العملية، فقد تم تمزيق الغشاء بنسبة 10%، وهو ما يتم إصلاحه فوراً وإصدار شهادة عذرية"، حسب قول الإخصائية.
تتلقى الشابة مهدية (اسم مستعار - 27 عاماً) الاستشاراتِ اللازمة حول تقنية تجميد البويضات في العيادة، كي تمنح نفسها فرصة التحكم في تحديد موعد الإنجاب وتأجيله إلى وقت يتناسب مع أهدافها الشخصية والمهنية بعد زواجها.
وتصرّح لرصيف22: "نشهد رفع سن الزواج بين الأوساط الشبابية في ظل التغيرات الاجتماعية. ولكيلا تُحرم الفتيات من الأمومة في ما بعد، يُفضَّل أن يستخدمن تقنية تجميد البويضات".
دعم حكومي من أجل زيادة الإنجاب
أدى تعلّم المرأة واندماجها في العمل إلى رفع سن الزواج، وتالياً تراجع الخصوبة لديها، وهو ما خلق إشكاليات في الحياة الزوجية، فقد تغيرت الأولويات، ولا بد من استخدام التقنيات الحديثة لحل هذه الأزمة. على الجانب الآخر، تتفاقم أزمة الشيخوخة في إيران، بعد عزوف الجيل الجديد عن الزواج في ظل الاقتصاد الهش والمشكلات الاجتماعية، حيث تمنح الحكومة حزماً تحفيزيةً لتعزيز النسل، ولذلك أقرّ البرلمان الإيراني وضع كل الطرائق الحديثة للإنجاب تحت رعاية التأمين الصحي الحكومي. ومن هذه الطرائق هو تجميد البويضات. فكانت الخدمة متاحةً ضمن التأمين الصحي لمن تعاني من مرض نادر ومضطرة إلى إجراء هذه العملية، أما في القانون الجديد والذي يمكن تنفيذه بدءاً من آذار/مارس الحالي، فعلى الحكومة أن تغطي جزءاً من تكاليف العملية لجميع غير المتزوجات في سن الثلاثين وما فوق.
تؤكد الطبيبة پَريسا التي أجرت نحو 400 عملية حتى الآن، أن أفضل سنّ لتجميد البويضات تتراوح بين الـ20 إلى الـ35 عاماً، "لأن عدد البويضات وجودتها والمادة الوراثية التي تحتويها تقلّ مع العمر، لذلك الحدّ الأعلى هو 35، ولكن يمكن إجراؤها حتى الـ38 إنما بنسب نجاح أقل"
تصل تكلفة العملية إلى نحو 30 مليون تومان، ما يعادل 600 دولار حسب السوق الحرة، وحول نتائج خطة الحكومة تقول مرجان نصير زاده، مسؤولة قسم العقم في أحد مشافي طهران: "هذا أمر جيد جداً، لأنه سيفتح الباب على المزيد من التوعية بين الفتيات. أعتقد أن معظم الإيرانيات لم یعرفن الکثیر حول أهمية إجراء عملية تجميد البويضات، وهي عملية بسيطة. المجتمع الإيراني يعيش أزمة توعية في ما يتعلق بصحة النساء".
إجراءات إضافية يتخذها البرلمان لمواجهة تحديات الشيخوخة، في مساعٍ حكومية لتوسيع دائرة الإنجاب للمرأة الإيرانية في المستقبل، حيث أن وزارة الصحة تؤكد أن نسبة الشيخوخة سوف تبلغ ثلاثين في المئة من نسبة السكان خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وبرغم ذلك، فإن معظم النساء غير المتزوجات ما زلن ينظرن إلى العملية بشكوك كثيرة، ويصل عددهن إلى نحو 3 ملايين و700 ألف نسمة ممن تترواح أعمارهن بين 20 و40 عاماً حسب إحصاءات حكومية تعود لعام 2016.
لم نجد أي إحصاءات رسمية تكشف عدد عمليات تجميد البويضات، لأسباب غير صحية. وتبيّن پَريسا طاهر زاده: "ما زلنا في أول الطريق والإقبال خجول على هذا الخيار المتاح للنساء. نحتاج إلى عام أو عامين كي تتبلور الفكرة وتترسخ لدى الإيرانيات"، ومع ذلك يحدوها الأمل إلى أن تتعرف الفتيات على هذه الخدمة العلمية المتاحة لهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين