قبل انطلاق الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (28 شباط/فبراير ـ 5 آذار/مارس 2024) جرى، بهدوء شديد، اختبار مدى الاستعداد لقبول إصلاح جزئي، تعديل بسيط في عنوان المهرجان الراسخ، لينسجم مع عموم هذا المصطلح في العالم العربي وفي مصر نفسها، بإعلان الملصق الرسمي (البوستر)، وفيه تحلّ "الوثائقية" مكان "التسجيلية"، ليكون "مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام الوثائقية والقصيرة"، فلم يمرّ هذا التجديد المحدود، عارضه ما يعارض أي تجديد، هنا أو هناك، من قوى التقليد ودعاة الاستقرار، وسلالات البيروقراطية، وعناصر محافظة تضع العِصيّ في عجلة الثورات عموماً، واستقر الاتفاق على وصفها بالدولة العميقة.
بوستر اليوبيل الفضي نشره رئيس المهرجان، الناقد السينمائي عصام زكريا، لاستكشاف ردود الفعل، فجاء التحفظ على "الوثائقية" من الدولة العميقة رسمياً، وهذا مفهوم ومتوقع؛ لارتباطه بمكاتبات ومستندات حكومية واعتمادات مالية. أما الاعتراض، أو التململ، غير المنطقي فمن بعض المشتغلين بالسينما، صناعاً وكتاباً، إذ عزّ عليهم التفريط في مصطلح يتردد منذ عقود، ولا يحبون إعادة النظر فيه تمهيدا لتغييره، على الرغم من اعتمادهم مصطلح "الفيلم الوثائقي" إذا كتبوا في صحف ومواقع غير مصرية، وإذا تكلموا في مهرجانات أو فضائيات عربية.
قبل انطلاق الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان الإسماعيلية جرى، بهدوء شديد، اختبار مدى الاستعداد لقبول إصلاح جزئي، تعديل بسيط في عنوان المهرجان الراسخ، لينسجم مع عموم هذا المصطلح في العالم العربي وفي مصر نفسها، بإعلان الملصق الرسمي (البوستر)، وفيه تحلّ "الوثائقية" مكان "التسجيلية"
منذ وقت مبكر اعتمدت مصر "التسجيلي" في مقابل"الروائي"، ولدينا تراث من الأفلام الطويلة والقصيرة، والكتب والرسائل العلمية والمراكز السينمائية أيضاً، وكلها تعتمد مصطلح "التسجيلي". ثم نهضت في العالم العربي، شرقه وغربه، تيارات سينمائية جادة، ومراكز وهيئات تمويل، ومشاريع في النقد والترجمة، استقرت على "الوثائقي"، حتى إن أحدث فضائية أطلقتها مصر عام 2023 اسمها "القناة الوثائقية المصرية"، وعنوان صفحتها على الفيسبوك: (الوثائقية AlWathaeqya)، وتعريفها الفيسبوكي: "الصفحة الرسمية لقناة الوثائقية، أول قناة مصرية متخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية وإذاعتها"، فماذا نريد أكثر؟ لعلنا نحتاج إلى ثورة، حين لا يجدي الإصلاح.
أمام قسوة التقليد، نشر عصام زكريا بياناً يحاول فضّ الاشتباك المزمن بين مصطلحي التسجيلي والوثائقي، "ومن المنطقي توحيد المصطلح منعا للبس وتعميماً للفهم خاصة أن المهرجان دولي والعالم العربي كله يستخدم كلمة الوثائقية وفي مصر باتت الكلمة شائعة ومفهومة أكثر من كلمة تسجيلية التي تحيلنا غالباً إلى نوع واحد قديم من أفلام الستينيات... ومع أن مهرجان الإسماعيلية تقيمه الدولة، مثل قناة الوثائقية التي تملكها الدولة، لكن هذه دولة وتلك دولة... ونظراً للظروف معذرة عن محاولة تعديل مكان الحجر الصغير... وأبشر كل أحباء وموظفي الأفلام التسجيلية بإعادة مصطلحهم العزيز إلى البوستر".
بإيجاز، أتحرّى فيه الدقة، يمكنني القول إن الأفلام غير الروائية نوعان:
الأول: أفلام تسجيلية تصور الواقع، كما هو، وتكتفي بتسجيله.
الثاني: أفلام وثائقية تعيد استخدام عناصر تسجيلية، تشمل مقاطع فيديو، وصوراً فوتوغرافية، ومواد أرشيفية.
هكذا يكون مصطلح "الأفلام الوثائقية" أكثر دقةً وتحديداً وشمولاً، وأقرب إلى طبيعة أفلام المهرجان الذي تأسس قبل تحديد المصطلح.
اختبار تغيير المصطلح دالٌّ جداً، والتراجع عنه بالعودة إلى "المتفق عليه" أكثر دلالة. لا علاقة لهذا ولا لذاك بالدقة ولا بالصواب، وإنما بسياق استقبال التغيير، والتحرر من ميراث مصطلح نما وترسّخ في فضاء عام يلائم فترات التأسيس. ويظل تجاوز القديم الموروث، إلى الجديد الأدق، مرهوناً بقدرة الجديد على اقتحام الخطابين النقدي والصحفي، وهذا شأن كل جديد، في الحياة وفي اللغة، يتغذى على المغامرة وفرْض نفسه، بإلحاح يعتاده القارئ والسامع. ولنا ميراث من هذا الاعتياد لا نستطيع التخلي عنه، وأن نستبدل به الصحيح المهجور.
فعلى سبيل المثال، ننطق في مصر: "السنغال"، "أوغندا"، "غانا"، "يوغوسلافيا"، "غاريبالدي"، "طاغور"، "غانديط بحرف الغين، مثل: غلاء، غريب، غرفة. وهذه الغينات في أسماء الدول والأعلام بالجيم القاهرية التي لم يعتمدها مترجمون من الرواد الشوام، حين شوَّموا مبكراً كلمات وأسماء فيها حرف "G". وقد زرت الهند أربع مرات، ولم أسمع أحداً يقول: "طاغور" أو "غاندي"، بحرف الغين. يقولون: "طاجور" و"جاندي" بالجيم القاهرية. هذا الالتباس من أعراض تشويم الترجمات المبكرة لحرف "G". ولأن المترجمين وعلماء اللغة لم يحسموا الخلاف بوضع قاعدة مقنعة لعموم العرب، فقد استمر الالتباس وكان ضحيته تشي "جيفارا". في كوبا والأرجنتين لا يعرفون "غيفارا" بالغين، ولا "چيفارا" بالچيم المعطشة، بل الجيم القاهرية.
في هذه الفوضى، تغطرس حرف "G"، وحظي في العالم العربي بخمسة أشكال: "ج" "غ" "ق" "ك" "گ"، ويؤدي إلى التباسات في الكتابة والنطق، فكلمة "group"، تكتب: جروب في مصر، وفي الشام والخليج غروب، وفي تونس قروب، وفي مناطق بالمغرب والعراق كروب وگروب. والأفلام الوثائقية أهون بكثير من هذا الارتباك، وسوف ينتصر الزمن للجديد، بإرادة قوى التغيير، وعلينا ألا نستهين ببوستر تمهيدي، ولو تم التراجع التكتيكي، فاللغة كائن حي، اجتماعي يتفاعل ويتمرد، ولا تقيده إكراهات معاجم يضاف إليها، في اللغات الكبرى، جديد كل سنة.
ولطه حسين، في "حديث الأربعاء"، رأي في الجديد والقديم عموماً: "ففي كل شيء من هذه الأشياء الاجتماعية عنصران مختلفان لا قوام لأحدهما بدون الآخر: أحدهما عنصر الاستقرار، والآخر عنصر التطور. وقوام الحياة الصالحة لأمة من الأمم أو مظهر من مظهرها الاجتماعي إنما هو التوازن الصحيح بين هذين العنصرين. فإذا تغلب عنصر الاستقرار فالأمة منحطّة. وإذا تغلب عنصر التطور فالأمة ثائرة والثورة عرض، والانحطاط عرض، كلاهما يزول ليقوم مقامه النظام المستقر على اعتدال هذين العصرين".
فما الضرر من الاستقرار على مصطلح دقيق، وشائع؟
بإيجاز، أتحرّى فيه الدقة، يمكنني القول إن الأفلام غير الروائية نوعان: الأول: أفلام تسجيلية تصور الواقع، كما هو، وتكتفي بتسجيله. الثاني: أفلام وثائقية تعيد استخدام عناصر تسجيلية، تشمل مقاطع فيديو، وصوراً فوتوغرافية، ومواد أرشيفية. هكذا يكون مصطلح "الأفلام الوثائقية" أكثر دقة وتحديداً وشمولاً
أما غير المشغولين بقضية المصطلح فيهتمون بالأعمال، لا المسميات، والأعمال في هذه الدورة تبلغ 121 فيلماً من 62 دولة، وتعرض في خمس مسابقات: للأفلام "الوثائقية" الطويلة، والأفلام "الوثائقية" القصيرة، والأفلام الروائية القصيرة، وأفلام التحريك، وأفلام الطلبة. وخارج المسابقات تقام عروض موازية، فيعرض 18 فيلماً في برنامج "الإسماعيلية الفضي" بمناسبة اليوبيل الفضي للمهرجان.
وثلاثة أفلام احتفالاً بمئوية المخرج عبد القادر التلمساني. وفي برنامج "الحنين للسينما"، وهو قسم في مديح السينما والسينمائيين، تعرض أربعة أفلام: "سينما مسرّة" إخراج ستيفاني أمين من مصر، و"سينما الدنيا" للسوري عمرو علي، و"السينما، ولا شيء سواها" لليبي سعد العشّة، و"جنة البكر" للمخرج الأمريكي ستيف جيمس الذي يكرمه المهرجان الذي يكرم أيضاً المخرج الفلسطيني مهدي فليفل، والممثلة المصرية سلوى محمد علي.
والمهرجان تستضيفه سنوياً محافظة الإسماعيلية، وينظمه المركز القومي للسينما برئاسة مدير التصوير السينمائى الدكتور يحسين بكر، ويصدر كتاباً عن كل مكرم، وكتباً أخرى منها "الصحافة الفنية في مصر 1952 ـ 1973" لمجموعة من الباحثين، وتتم مناقشته ضمن حلقة بحثية.
وينظم المهرجان ورش عمل للخط العربي، والسيناريو، والرسوم المتحركة، والديكور، وصناعة الأفلام وتستهدف الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وورشة المهارات الأساسية للأفلام الوثائقية بالتعاون مع السفارة الأمريكية بالقاهرة. كما يقيم معرضاً للمصور محمد بكر عن المخرج المصري شادي عبد السلام (1930 ـ 1986).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع