شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تناقضات خليجية في الصومال… الإمارات تدعم الإخوان المسلمين وقطر مع خصومهم

تناقضات خليجية في الصومال… الإمارات تدعم الإخوان المسلمين وقطر مع خصومهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الخميس 22 فبراير 202409:09 ص

تشهد دولة الصومال تنافساً إماراتياً قطرياً محتدماً على المصالح في البلد الذي ما يزال في مرحلة التعافي منذ انهيار الدولة المركزية عام 1991. توظّف كل دولة ثرائها في هندسة الانتخابات الفيدرالية كي تضمن فوز حلفائها في البرلمان الفيدرالي، الذي بدوره يختار رئيس الجمهورية.

لكن، في الصومال، تلوح مفارقة لافتة في اصطفاف الإمارات - وهي التي عرفت عادةً بمعاداة الإسلام السياسي - مع تيار سياسي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين بينما تصطف جارتها الصغرى، قطر، مع تيار سياسي بعيد تماماً عن تيارات الإسلام السياسي، التي طالما عُرفت بدعمها، تتصدره شخصيات وازنة محسوبة على الليبراليين.

يدعو هذا للتساؤل حول محركات المصالح القطرية والإماراتية في الصومال؟ وعن موقف السعودية، الشقيقة الخليجية الكبرى، من هذا التنافس؟ وهو ما نسعى للإجابة عنه في هذا التقرير. 

تنافس إماراتي قطري

برز دور قطر كفاعل وازن في المشهد السياسي الصومالي منذ سيطرة نظام المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو عام 2006، ليكون أول تجمع ديني عشائري يتمكن من القضاء على الفوضى التي أحدثها صراع أمراء الحرب الذين هيمنوا على معظم البلاد وخصوصاً العاصمة منذ تسعينيات القرن الماضي. دعمت الدوحة النظام الجديد، وخصوصاً جناح تحالف إعادة تحرير الصومال بقيادة شريف شيخ أحمد، الذي اُنتخب رئيساً انتقالياً للبلاد عام 2009، ضمن تفاهمات سياسية أفضت الى توحيد الحكومة الانتقالية الفيدرالية بقيادة الرئيس الراحل عبدالله يوسف وتحالف إعادة التحرير برئاسة شيخ أحمد.

تنقسم آراء الشارع الصومالي حول تأثير التنافس القطري الإماراتي على النفوذ في البلاد، فهناك من يرى أنه يحقق نتائج إيجابية من خلال تنافس الدولتين على تنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية واقتصادية لكسب ود الصوماليين، كما أنّه يمنح قادة البلاد أوراق تفاوضية معهما، بينما هناك آخرون يرون أنّ ذلك التنافس أضر بشكل كبير بوحدة البلاد وسيادتها 

منذ ذلك الحين، لم تغب الدوحة عن المشهد الصومالي، سواء من خلال وجود رئيس حليف لها في السلطة أو من خلال دعم حلفائها في المعارضة إذا كان الرئيس حليفاً للإمارات. وهو نفس حال منافستها أبو ظبي التي بدأت في نسج علاقاتها مع القوى المحلية منذ العام 2012، العام الذي شهد تداول السلطة من عهد الحكومة الانتقالية (2004-2012) إلى الحكومة الفيدرالية، والعمل وفق النظام السياسي العشائري، المعروف باسم (4.5)، والذي أُجريت الانتخابات وفقاً له.

تبعاً لهذا الاتفاق، تحصل كل عشيرة من الأربع الكبرى على حصة واحدة في مجلس الشعب الفيدرالي تبلغ 61 مقعداً، بينما تحصل بقية العشائر الصغيرة والأقليات على حصة النصف (31 مقعداً). والعشائر الكبرى هي (در، ودارود، وهوية، ودغل ومرفلي). وتتقاسم عشيرتي "هوية" و"دارود" منصبي الرئاسة ورئيس الحكومة فيما بينهما منذ استقلال البلاد عام 1961.

برز الدور الإماراتي مع انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للبلاد في ولايته الأولى عام 2012، وشهدت تلك الفترة تقارباً كبيراً، ظهر في إبرام اتفاقيات أمنية واقتصادية ودبلوماسية، منها مذكرة التفاهم لتعزيز التعاون العسكري في عام 2014، والتي مكنت أبو ظبي من توسيع نشاطها العسكري والسياسي في البلاد، والمساهمة في تدريب وحدات عسكرية وأمنية.

عيّنت الإمارات سفيراً لها فوق العادة في مقديشو في عام 2014، بما عكس قوة العلاقات. لكن ما لبثت هذه العلاقات المتينة أن انقلبت إلى النقيض مع تنصيب الرئيس السابق محمد عبد الله محمد الشهير بـ"فرماجو" عام 2017، والذي دعمت قطر صعوده السياسي، عبر رجلها المراسل السابق لقناة "الجزيرة" في الصومال، ورئيس وكالة المخابرات السابق، فهد ياسين.

ناصب فرماجو أبو ظبي العداء، واستدعت الأخيرة سفيرها في مقديشو عام 2017 حين عارض الاتفاقية التي وقعتها مع إقليم صوماليلاند الانفصالي. وفي العام 2018، احتجزت السلطات الصومالية طائرة مدنية إماراتية في مطار مقديشو، وصادرت ملايين الدولارات منها، ما تسبب في أزمة سياسية بين البلدين، عطّلت المشاريع التنموية المشتركة، ولم يُطبّع البلدان علاقاتهما حتى الأيام الأخيرة من حكم فرماجو التي فقد خلالها ممارسة صلاحياته بسبب انتهاء ولايته الرسمية.

في المقابل، حظيت قطر بنفوذ كبير جداً في عهد فرماجو، وعملت على تعطيل المصالح الإماراتية في الموانئ الصومالية سيّما في ميناء بوصاصو في ولاية بونتلاند، وميناء بربرة في صوماليلاند. وسبق أن نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تفريغاً لتسجيل صوتي مسرب لمكالمة بين السفير القطري في الصومال، حسن بن حمزة هاشم، ورجل الأعمال القطري، خليفة كايد المهندي، يقول فيه الأخير: "نعلم من نفذ الهجمات التي استهدفت الإماراتيين (في الصومال)"، وأن الهدف من هذه الهجمات هو "طرد (الاستثمارات) الإماراتية بحيث لا تُجدّد العقود" لتحل محلها استثمارات قطرية. وقع الانفجار في مدينة بوصاصو التجارية في ولاية بونتلاند في شرق البلاد، في أيار/ مايو 2019، والتي تجمعها علاقات قوية بالإمارات، كما أن الأخيرة تستثمر في ميناء المدينة ومشاريع أخرى.

ردت قطر على تقرير الصحيفة الأمريكية آنذاك بالتأكيد على أن "السياسة الخارجية لدولة قطر لطالما كانت إيجاد الاستقرار والازدهار" وأن "الصومال شريك مهم لقطر، لكننا لا نتدخل في شؤونهم الداخلية، وتعتمد علاقتنا مع الصومال على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ونأمل في الأفضل لحكومتها وشعبها، وسوف يستمر دعمنا لهم حتى يتم الحفاظ على الاستقرار".  وبينما نفت الدوحة علاقتها بالمهندي وقالت إن تعليقاته لا تعكس سياستها، اتهمت أبو ظبي بـ"إتباع سياسة خارجية تسعى إلى التلاعب والسيطرة، في مقابل الدعم المالي".

موقف السعودية 

إلى ذلك، سخّرت الدوحة وأبو ظبي إمكاناتهما الإعلامية في صراع النفوذ داخل الصومال، على غرار ما حدث في صراعهما في مناطق جغرافية أخرى. وحين فقدت الإمارات نفوذها في عهد فرماجو (2017-2022) قامت بتكرار السيناريو القطري، فدعمت المعارضة السياسية وحكام الولايات الذين كانت علاقاتهم متوترة بالرئيس فرماجو، وعلى رأسهم السياسي القوي سعيد عبد الله دني رئيس ولاية بونتلاند، وكذا رئيس ولاية جوبالاند.

يمكن وصف الاهتمام السعودي بالصومال بأنه كان "هامشياً" مقارنةً بصراع النفوذ القطري الإماراتي إذ لم تبد الرياض رغبة واضحة في التأثير على الشأن السياسي الداخلي، لكنها أبقت عينيها على التمدد الإيراني في منطقة القرن الأفريقي. فضلاً عن ذلك، قامت المملكة بدور نشط في المجالات الإنسانية والثقافية والتعليمية من خلال هيئاتها الخيرية

في الانتخابات الفيدرالية التالية، فاز حليف الإمارات حسن شيخ محمود برئاسة البلاد مطلع عام 2022، لتستعيد أبو ظبي بذلك علاقاتها القوية بمقديشو، بينما فقدت الدوحة معظم نفوذها في البلاد، وإن ظلت علاقتها جيدة بالرئيس حسن شيخ، المعروف عنه تفضيل سياسة خارجية متصالحة مع الجميع. لهذا لم تتوتر علاقات قطر مع الصومال حتى مع وجود رئيس حليف للإمارات، بينما توترت علاقات الأخيرة بالصومال حين كان حليف قطر في السلطة.

ومنذ تنصيب حسن شيخ عاد النفوذ الإماراتي بقوة، من خلال إعادة تفعيل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في التعاون الأمني والعسكري، كما استأنفت أبو ظبي برامج التدريب العسكري للقوات الصومالية، وتوسعت فيها بشكلٍ واسع، فضلاً عن استئناف مشاريعها التنموية الكبيرة، بما يخدم تحقيق مصالحها في الموانئ والحفاظ على موطئ قدم قوي في السواحل المطلة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

في الأثناء، يمكن وصف الاهتمام السعودي بالصومال بأنه كان "هامشياً" مقارنةً بصراع النفوذ القطري الإماراتي إذ لم تبد الرياض رغبة واضحة في التأثير على الشأن السياسي الداخلي، لكنها أبقت عينيها على التمدد الإيراني في منطقة القرن الأفريقي. فضلاً عن ذلك، قامت المملكة بدور نشط في المجالات الإنسانية والثقافية والتعليمية من خلال هيئاتها الخيرية.

وتمكنت الرياض من إقناع مقديشو بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران مطلع عام 2016، مما شكل تقارباً وتنسيقاً في المواقف بين البلدين. لكن سرعان ما تبدد هذا التقارب وعاد الفتور بعد رفض الرئيس فرماجو الاصطفاف بجانب دول الرباعية العربية في الأزمة مع قطر.

وفي خطوة اعتبرها البعض رغبة من المملكة في مزاحمة التنافس القطري الإماراتي في الصومال حرصاً على مصالحها الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي، قامت الرياض بإعادة افتتاح سفارتها في مقديشو عام 2021، بعد 30 عاماً على إغلاقها حين سقطت الحكومة المركزية. شكّل ذلك تقارباً سياسياً بين البلدين وساهم في تعزيز أنشطتها التنموية والإنسانية في البلاد، كما تعزز التعاون الأمني بعد توقيع أول اتفاقية أمنية بين البلدين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

 الجدير بالذكر أنّ موقف المملكة من الصومال خلال الأزمة الخليجية كان منسجماً مع الموقف الإماراتي والمصري، بهدف تحجيم النفوذ القطري التركي.

أثر التناقضات الخليجية على البلاد

ويرى الناشط السياسي الصومالي موليد عبد الله، أنَّ عنصر التوجه الفكري لدى المرشح الرئاسي الذي تدعمه أبو ظبي أو الدوحة للفوز بمنصب الرئاسة الصومالية، لم يكن جوهرياً بل على الهامش، وبالتالي فان معظم المسؤولين الكبار في عهد فرماجو كانوا محسوبين على الليبراليين وشخصيات عائدة من الخارج، رغم كونه حليفاً لقطر الداعم الأكبر لتيار الإخوان المسلمين في المنطقة. ويتابع لرصيف22، بأنّ نقيض ذلك حدث مع الرئيس الحالي حسن شيخ، الذي يُحسب كبار المسؤولين في إدارته على الإخوان المسلمين المعروفين بتنظيم "الدم الجديد"، والذين يعتبرون من ألد أعداء الإمارات. يقول: "العامل الهام للبلدين لدعم مرشح ما يتمثل في فرصه للفوز وقدرته على إزاحة الرئيس الموجود في السلطة".

يرى الأكاديمي والمحلل السياسي الصومالي، عباس عمر حسن، أن التنافس القطري الإماراتي له دور إيجابي في الحفاظ على توازن القوى السياسية الفاعلة في الصومال، بما يمنع أحد الأطراف المحلية من الانفراد بالسلطة، وهو ما ساهم في حدوث انتقال سلس للسلطة عبر الانتخابات

تلك التناقضات الإماراتية القطرية كانت لها آثار عديدة في البلاد سيّما على إستراتيجية مكافحة الإرهاب في الصومال حيث يوضح موليد أن مواقف أبو ظبي والدوحة تجاه ملف مكافحة حركة الشباب الإرهابية تختلف جذرياً، كما تبرز من خلال سياسة حكومات فرماجو السابقة وحسن شيخ محمود الحالية. يقول إنّه في عهد فرماجو كانت الأجواء مهيّأة لمفاوضات محتملة مع حركة الشباب أكثر من الحسم العسكري، بينما تبنت حكومة الرئيس الحالي منذ تنصيبها إستراتيجية شنّ هجوم موسع على الحركة، عسكرياً واقتصادياً وفكرياً.

وتنقسم آراء الشارع الصومالي حول تأثير التنافس القطري الإماراتي على النفوذ في البلاد، فهناك من يرى أنه يحقق نتائج إيجابية من خلال تنافس الدولتين على تنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية واقتصادية لكسب ود الصوماليين، كما أنّه يمنح قادة البلاد أوراق تفاوضية معهما، بينما هناك آخرون يرون أنّ ذلك التنافس أضر بشكل كبير بوحدة وسيادة البلاد.

يرى الأكاديمي والمحلل السياسي الصومالي، عباس عمر حسن، أن ذلك التنافس له دور إيجابي في الحفاظ على توازن القوى السياسية الفاعلة في الصومال، بما يمنع أحد الأطراف المحلية من الانفراد بالسلطة، وهو ما ساهم في حدوث انتقال سلس للسلطة عبر الانتخابات.

يقول إن الصومال استفاد من التنافس بين البلدين الخليجيين في العديد من المشاريع التنموية والمساعدات، مثل تمويل قطر مشاريع ترميم طريقي "مقديشو-أفغوي" و"مقديشو-بلعد"، والمساعدات المالية الكبيرة التي قدمتها لإدارة الرئيس السابق، كما أنّ للإمارات دور كبير في تمويل وتأهيل القوات المسلحة التي حققت إنجازات كبيرة في الحرب ضد الإرهاب، وكذا دورها الكبير في دعم ولاية بونتلاند في مكافحة القرصنة، وغير ذلك.

لكن المحلل السياسي فيصل عبدي، يرى أن هذا التنافس الخليجي أثّر سلباً على ثقة الشارع الصومالي في النخب السياسية الحاكمة، التي تستقوي في خلافاتها السياسية بالتدخلات الخارجية. وتابع أنّ نفوذ الإمارات وقطر يتجاوز أحياناً الحدود التي يمكن أن تقبلها دولة ذات سيادة، بسبب التأثير على القرار السياسي لخدمة مصالحهما في منطقة القرن الأفريقي ما يضرّ في بعض الأحيان بالمصالح الوطنية، ويعرض سيادة البلاد للخطر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard