صديقان فرّقتهما السياسة؛ رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية حسن شيخ محمود، ورئيس أقدم ولاية في البلاد، بونتلاند، سعيد عبد الله دني. تعود الخلافات بين الصديقين إلى فترة الانتخابات الرئاسية، التي دعم فيها دني حليفه حسن شيخ محمود في صفقة سياسية يتولى بموجبها رئاسة الوزراء، غير أنّ حسن شيخ بعد فوزه بالرئاسة أخلف وعده لدني.
منذ تلك اللحظة، يعمل الرجلان على إضعاف بعضهما البعض؛ دني معتمداً على قوة ولايته التي تأسست عام 1998، قبل الدولة الصومالية الفيدرالية، وحسن شيخ بالتحالف مع معارضي دني للإطاحة بالأخير، الذي تنتهي ولايته القانونية مطلع العام المقبل. لكن للأخير هو الآخر خطةً يسعى من خلالها إلى منافسة حسن شيخ محمود على رئاسة الدولة في الانتخابات المقبلة في 2026.
الانتخابات البلدية في بونتلاند
يمثّل السجال المحموم حول الانتخابات البلدية التي تُجرى في 25 أيار/ مايو الجاري، في بونتلاند، قمة صراع الرجلين؛ يقف الرئيس حسن شيخ ورئيس وزراء الحكومة الفيدرالية حمزة عبدي بري، إلى جانب السياسيين المعارضين لإجراء تلك الانتخابات، بينما يقف سعيد دني مع الفريق الآخر الداعم لإجراء الانتخابات البلدية، مدعوماً في ذلك بشعبية واسعة في الولاية.
يمثّل السجال المحموم حول الانتخابات البلدية التي تُجرى في 25 أيار/ مايو الجاري، في بونتلاند، قمة صراع الرجلين المتصارعين على السلطة في الصومال
ظهرت الخلافات حول تلك الانتخابات بسبب اعتماد بونتلاند النظام الانتخابي المباشر (مواطن واحد، صوت واحد)، المعمول به في الدول الديمقراطية، بعد تجربة ذلك بشكلٍ محدود في الانتخابات البلدية السابقة. منذ تأسيس الحكومة الانتقالية عام 2000، والتي استُبدلت بالحكومة الفيدرالية عام 2004، اعتمدت القوى السياسية والعشائرية التي أسستها في مؤتمر "عرتا" في جيبوتي نظاماً سياسياً يقوم على العشائرية. ويُعرف ذلك النظام باسم "4.5"، ويعني أنّ السلطة في البلاد تُقسم بين العشائر الأربع الكبرى بالتساوي في عدد المقاعد في البرلمان الفيدرالي (مجلس الشعب ومجلس الشيوخ)، مع منح نصف حصة للعشائر والفئات الأصغر عدداً، ومداورة المناصب الكبرى بين العشائر.
ولا يقوم ذلك النظام على التصويت في اقتراع مباشر، ويعتمد على اختيار مندوبين من المفترض أن يرشحهم شيوخ العشائر، يتولون مهمة التصويت في الانتخابات الفيدرالية والإقليمية، ما يعني أنّ المواطنين لا حقّ لهم في التصويت، وهو النظام الذي تسعى بونتلاند إلى استبداله بنظام الاقتراع المباشر السرّي.
إلى جانب تعديل نظام الاقتراع، يسعى رئيس بونتلاند إلى تعديل دستور الولاية، للسماح بزيادة عدد الأحزاب السياسية إلى خمسة بدلاً من ثلاثة. وفق الدستور، فإن الجمعيات السياسية التي تفوز في الانتخابات البلدية تتحول إلى أحزاب سياسية، وتُحلّ الأحزاب التي خسرت في الانتخابات، ويُعدّ ذلك مظهراً آخر من مظاهر تفرد التجربة السياسية في ولاية بونتلاند، وإقليم صوماليلاند المستقل من طرف واحد.
ظهر الخلاف بين الرئيس حسن شيخ محمود، ورئيس بونتلاند سعيد دني، حول الانتخابات البلدية، بسبب سعي دني إلى تمديد ولايته لمدة عامين، وهو الأمر الذي يعارضه ساسة كثر في الولاية مدعومين في ذلك من مقديشو. ومن المرجح أنّ دني يهدف من التمديد إلى البقاء في السلطة إلى حين موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في عام 2026، ليضمن وصول المؤيدين له إلى البرلمان، إذ إنّ البرلمان، بحسب الدستور الانتقالي الصومالي، هو من ينتخب رئيس الجمهورية. يحقق ذلك لسعيد دني أمرين؛ الأول كتلة وازنة في تحديد هوية الرئيس الصومالي المقبل، والثاني دعم ترشحه للمنصب في حال قرر ذلك، إذ سبق له أن كان مرشحاً في الانتخابات السابقة.
خلافات الصديقين
بالعودة إلى أسباب الخلاف بين الرجلين، والذي يصوّره رئيس ولاية بونتلاند على أنّه خلاف بين مفهومي الفيدرالية الذي يدعمه بقوة، والمركزية التي يتهم خصمه حسن شيخ بمحاولة فرضها على البلاد، يرى مراقبون أنّها لا تتمحور حول ذلك.
يقول المحلل السياسي الصومالي، أحمد شرعي، إنّ الخلاف بين حسن شيخ وسعيد دني لا يتعلق بالمركزية مقابل الفيدرالية، بل يتعلق بعمل الحكومة الفيدرالية، ولهذا السبب ليست هناك مواجهة بين بقية قيادات الولايات وحسن شيخ، لأنهم لا يتورطون في عمله.
وذكر شرعي لرصيف22، أنّ دني وحسن شيخ تحالفا ضد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، ولكن بعد الانتخابات طلب دني من حسن شيخ منصب رئيس الوزراء، إلا أن الأخير رفض لأنّ دني سياسي مخضرم ولديه دعم كبير في البرلمان، وتالياً يمكنه تحدّي الرئيس وتجنّب حجب الثقة عنه.
وأشار المحلل السياسي الصومالي، إلى أنّ ما زاد الأمور سوءاً بين الرجلين هو اختيار الرئيس لمنصب رئاسة الوزراء حمزة عبدي بري، وهو من ولاية جوبالاند التي كانت حليفة بونتلاند، ما جعل سعيد دني بلا حليف في مواجهة مقديشو، كما كان الحال في عهد الرئيس السابق فرماجو.
من جانبه، قال الطبيب والناشط السياسي من بونتلاند، محي الدين حسن محمد، لرصيف22، إنّ الخلاف ليس بين مقديشو وبونتلاند، بل هو خلاف شخصي بين الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني.
الكيديات الشخصية والتنافس على البقاء في السلطة وتعزيز المركزية والسيطرة على المساعدات الدولية، وراء الصراع بين أقوى رجلين في الصومال
ولفت إلى أنّ الساسة ممن تعود أصولهم إلى مقديشو يسعون إلى تعزيز المركزية، وهو توجه ينال قبولاً شعبياً كبيراً، شريطة أنّ تظل الفيدرالية لتحقيق الحكم الرشيد على المستويات الإقليمية كافة، والتي ستنعكس على الخدمات العامة في جميع المناطق، بدلاً من تركيزها في العاصمة. وأكد الناشط الصومالي على أنّ الطرفين مجبران على العمل معاً، التزاماً بدستور البلاد الانتقالي، وفي حال تدخل حسن شيخ في الانتخابات البلدية في بونتلاند، سيعمل دني ضده في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
قضية مهمة نبّه إليها محي الدين حسن محمد، وهي أنّ استخدام قادة الولايات لمسمى "الرئيس" يُعدّ تداخلاً مع مسمى "رئاسة الدولة"، وهو أمر يُطلب استبداله بمسمى أخفّ في الدلالة. وجدير بالذكر أنّ لدى ولاية بونتلاند قوةً أمنيةً تحمل اسم "الحرس الرئاسي".
تبعات الخلافات
كانت أبرز محطات الصدام بين حسن شيخ وسعيد دني، في اجتماع المجلس الاستشاري الوطني، الذي يعمل بمثابة أعلى هيئة تنفيذية في البلاد في القضايا التي تشمل مقديشو والولايات، ويضم في عضويته رئيس الدولة ورئيس الوزراء الفيدرالي ورؤساء الولايات ومحافظ إقليم بنادر (تتبعه العاصمة)، وعمدة مقديشو.
لم توقّع ولاية بونتلاند على عدد من مخرجات اجتماع المجلس في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وهي اتفاق سياسي بشأن تطبيق الفيدرالية في القضاء وتبنّي عملية قضائية موحدة، واتفاق بشأن تحديد صلاحيات كل من السلطة الفيدرالية والسلطة الإقليمية. لاحقاً، مع تصاعد الخلافات، أعلنت ولاية بونتلاند أنّها ستعمل كإدارة مستقلة من دون تنسيق مع الحكومة الفيدرالية، وهو ما أعاق اتخاذ قرارات تتعلق بالدولة.
وبحسب الدستور الفيدرالي الانتقالي لعام 2012، في المادة رقم 35 بعنوان المفاوضات الدولية، جاء في الفقرة رقم 1: "تقديراً لروح التعاون المعمول به، يجب أنّ تتشاور الحكومة الفيدرالية مع الولايات الفيدرالية بشأن المفاوضات المتعلقة بالمعونات الخارجية أو التجارة أو المعاهدات أو غيرها من القضايا المهمة ذات الصلة بالاتفاقيات الدولية".
تبعاً لذلك، رفضت ولاية بونتلاند عدداً من الاتفاقيات الدولية التي وقّعتها مقديشو، سواء بشأن القروض أو المنح، وهو ما يعطّل عمل الحكومة الفيدرالية، ويجعل بعض قراراتها محل خلاف دستوري.
وتتلخص الخلافات بين مقديشو وبونتلاند في عدد من القضايا، ذكرها وزير الإعلام في بونتلاند محمود عيديد، في تصريح في شهر آب/ أغسطس 2022.
أشار الوزير إلى أن بونتلاند غير راضية عن الطريقة التي تدير بها الرئاسة الصومالية العديد من القضايا، موضحاً أن إدارته تريد التعاون الكامل من قبل الحكومة الفيدرالية، وأن تسمح لممثلي الولايات في المجالس الحكومية بالمشاركة في الاتفاقات التي يتم التوصل إليها. وأضاف الوزير أن بونتلاند تطالب بإتمام مسودة الدستور بالتعاون بين الحكومة الفيدرالية والولايات والبرلمان الفيدرالي ولجانه، وحذر من استئثار الحكومة الفيدرالية بقضية إكمال الدستور، بحسب ما نشره موقع "الصومال الجديد".
تنافس على المساعدات الدولية
قضية خلافية أخرى، تسببت في اشتباكات مسلحة في بونتلاند، خلّفت 10 قتلى جراء قتال بين قوات الولاية والقوات الفيدرالية في مطار بوصاصو، هي المساعدات الدولية. تطالب بونتلاند مقديشو بإيصال حصتها من المساعدات الدولية، وأنّ يتم التوزيع من خلال سلطات الولاية، لا السلطات الفيدرالية، وكان ذلك الخلاف السبب في اشتباكات مطار بوصاصو، حين رافقت النائب الأولى لرئيس مجلس الشعب طائرة مساعدات إلى الولاية من دون إبلاغ سلطاتها، في شهر تموز/ يوليو 2022، ما أدى إلى قتال بين أمن المطار وأمن الولاية.
فضلاً عما سبق، تسببت قضايا عدة أخرى في تعميق الشرخ بين رئيس الجمهورية حسن شيخ محمود، ورئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني، منها عدم رضا بونتلاند عن موقف مقديشو من الأزمة السياسية الدموية في إقليم لاسعانود، المتنازع عليه بين إقليم صوماليلاند وولاية بونتلاند. وبسبب تلك الخلافات رفضت بونتلاند مشروع قانون قدّمته الحكومة الفيدرالية بشأن صيد الأسماك قالت إنه مخالف لدستور البلاد، في وقت تعاني البلاد من الصيد غير المشروع من قبل شركات دولية في مياهها الاقتصادية.
ختاماً، يمثّل الخلاف الشخصي بين الرجلين عقبةً أمام العمل الحكومي الفيدرالي والإقليمي في البلاد، التي يُلزم دستورها مستويَي الحكم بالعمل معاً سواء في مسار استكمال بناء الدولة أو في مسار العلاقات الخارجية التي تُعدّ أهم عوامل بقاء الدولة الفيدرالية، من حيث الأمن والاقتصاد والدعم السياسي والمالي.
واللافت أنّ حسن شيخ محمود لا يعارض من حيث المبدأ نظام الاقتراع (مواطن واحد، صوت واحد)، إذ أعلن عن نيته إقرار ذلك النظام في البلاد، ما جعله هو الآخر محط هجوم من معارضيه، الذين اتهموه بمحاولة التمديد لنفسه لمدة عام، وتوظيف ذلك في ضمان ولاية رئاسية جديدة.
وبحسب بيانات البنك الدولي لعام 2022، نحو 70% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ونحو أربع نساء فقط من بين كل 10، يشاركن في قوة العمل، مقارنةً بسبعة رجال من بين كل 10. وتعاني البلاد منذ سنوات عدة من موجات جفاف طويلة الأمد، تسبب في أزمة إنسانية كبيرة، أدت إلى حركة نزوح داخلية لمئات الآلاف من السكان، ونفوق عدد كبير من قطعان الماشية، التي تُعدّ أحد أهم موارد البلاد الاقتصادية، في وقت تعاني البلاد فيه من الفوضى الأمنية جراء سيطرة حركة الشباب المصنّفة إرهابيةً على مناطق واسعة في وسط البلاد وجنوبها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم