شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ما هي خيارات مصر والصومال لمواجهة الخطر الإثيوبي المقبل؟

ما هي خيارات مصر والصومال لمواجهة الخطر الإثيوبي المقبل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 26 يناير 202406:21 ص

أثناء المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، توجه السيسي في منتصف كلمته إلى ضيفه، قائلاً "فخامة الرئيس اطمئن إن شاء الله".
استدعت "مذكرة التفاهم" بين إثيوبيا وصوماليلاند رداً قوياً من القاهرة ومقديشو، مدفوعاً بتوقيتها، الذي سبقه تعليق القاهرة مفاوضات سدّ النهضة مع إثيوبيا، واتهامها بإضاعة الوقت مع التشديد على التمسك بحق "الرد ضد أي تهديد للأمن المائي لمصر". ومن الجانب الصومالي جاءت بعد يوم واحد من توقيع حسن شيخ ورئيس صوماليلاند في جيبوتي "إعلان" كان يمهد لتصفية المشكلات. 
وبموجب المذكرة، تحصل إثيوبيا على منفذ بحري على خليج عدن، مقابل الاعتراف باستقلال صوماليلاند، ومزايا اقتصادية ومالية، ما يعني انتهاك سيادة جمهورية الصومال ومزيد من النفوذ الإثيوبي لصالح الأطراف (صوماليلاند، وكل طموح في إحدى الولايات الخمس) ضد الحكومة الفيدرالية في مقديشو، بما لذلك من انعكاس على العلاقات الممتدة بين البلدين. بينما تمثّل المذكرة لمصر انتهاكاً لسيادة دولة عضو في الجامعة العربية، وتنامي خطر السياسة الإثيوبية على مصر ومصالحها في نهر النيل والبحر الأحمر، ما لذلك من انعكاسات على القضايا الخلافية الأخرى كما في السودان.

رسائل السيسي

يقول آدم شيخ حسن حسين، مستشار وزير الداخلية الصومالي في السياسة الشاملة، ومدير مركز المستقبل للحوار والدراسات، إنّ "الشعب الصومالي استقبل خطاب الرئيس المصري بالأمل، لأن مصر تساند الصومال الرافض للأطماع الإثيوبية، التي تمثّل انتهاكاً لسيادة الوطن، وتخلق حالة من الاضطراب في الأمن الإقليمي والعربي". متابعاً لرصيف22، بأنّ الخطاب حمل إشارات واضحة أن مصر ومعها الدعم العربي ستدافع عن الصومال إذا اقتضى الأمر. 
منذ أن تفككت الحكومة الصومالية عام 1991، باتت إثيوبيا هي صاحبة النفوذ الأكبر في البلاد، بغطاء أمريكي-أوروبي، بينما تراجع الدور المصري، حتى أن السفارة المصرية لم تنتقل بعد إلى العاصمة "مقديشو" وما تزال تعمل من العاصمة الكينية "نيروبي"
وكان التقى حسن شيخ بالسيسي في اليوم الثالث والأخير من زيارته إلى القاهرة، بعد لقاءات شملت شيخ الأزهر وأمين عام جامعة الدول العربية ورئيس البرلمان العربي. وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع ضيف البلاد، قال السيسي إنّ محاولة القفز على أي أرض من الأراضي "عشان تسيطر عليها بشكل أو بآخر زي اتفاق "أرض الصومال"، مفيش حد هيوافق على كدا". وأكد أنّ الصومال دولة عربية، لها حقوق طبقاً لميثاق الجامعة في الدفاع المشترك ضد أي تهديدات، مشدداً "لا نهدد أحد ولن نسمح لأحد أن يمس الصومال". محذراً: "محدش يجرب مصر، ويحاول يهدد أشقاءها، خاصة لو أشقاءها طلبوا أن إحنا نبقى موجودين معاهم".
ومنذ أن تفككت الحكومة الصومالية عام 1991، باتت إثيوبيا هي صاحبة النفوذ الأكبر في البلاد، بغطاء أمريكي-أوروبي، بينما تراجع الدور المصري، حتى أن السفارة المصرية لم تنتقل بعد إلى العاصمة "مقديشو" وما تزال تعمل من العاصمة الكينية "نيروبي". لكن الأزمة الحالية كسرت حالة الخمول في العلاقات الثنائية، وظهر ذلك في تكوين الوفد المصري الذي شارك في لقاءات الرئيسين، وضم وزيري الدفاع والخارجية ورئيس المخابرات العامة.
يرى آدم شيخ أنّ زيارة الرئيس حسن شيخ جاءت في توقيت دقيق، فمن ناحية لم تكن إثيوبيا تظن أنّ الصومال سيتحرك بهذه القوة والفعالية والسرعة على المستويات الدبلوماسية والعسكرية، كما أنّها حملت رسالة مفادها أنّ الصومال يستطيع الدفاع عن سيادته بمساعدة مصر وأشقائه العرب. يقول: "مصر دولة مهمة في الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم العربي، ولذلك زيارتها والتنسيق معها في وقت مبكر يخدم البلدين".

خطر إثيوبيا المشترك

ما فعلته إثيوبيا جاء في توقيت صعب على كل من مصر والصومال؛ فالأولى تعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، والثانية منشغلة بالحرب ضد الإرهاب وقضية تعديل الدستور. فور الكشف عن توقيع "مذكرة التفاهم" بين رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، ورئيس جمهورية صوماليلاند (أرض الصومال) غير المعترف بها، أجرى حسن شيخ اتصالاً هاتفياً بالسيسي. وأصدرت الخارجية المصرية بياناً يدين المذكرة، كما نشطت الدبلوماسية المصرية لدعم الصومال في جامعة الدول العربية ومحافل أخرى.
ولدى القاهرة ومقديشو مخاوف تجاه الخطوة الإثيوبية، فالأولى ترفض انتهاك سيادة بلد عربي وعضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وتتصدى لتوسع النفوذ الإثيوبي في مناطق تمس الأمن المصري، مثل الحصول على منفذ بحري لإقامة قاعدة عسكرية، تتبع سلاح القوات البحرية التي بدأت إثيوبيا العمل على إحيائها منذ العام 2020، لتملك تأثيراً على المدخل الجنوبي لقناة السويس، وهو ما يمس الأمن المصري.
يذهب سيد غنيم، زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا الإستراتيجية، والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، إلى أنّه في الظروف الحالية والعلاقات المتوترة بين أديس أبابا والقاهرة، فإن أي تحرك توسعي إثيوبي من شأنه أن يكسبها مقومات وعناصر قوة إضافية تمثل عامل إنذار للجانب المصري. قائلاً لرصيف22، إنّ "هناك تخوفاً من تحول التحركات الإثيوبية من مجرد مسبب إنذار إلى تهديد مباشر على الأمن القومي المصري، يزيد من مخاطر التهديدات القائمة تجاهه بسبب سدّ النهضة من جانب، والتوترات في البحر الأحمر من جانب آخر".
ويلفت غنيم إلى أنّ المنطقة التي حددتها "مذكرة التفاهم" بين إثيوبيا والإقليم الانفصالي صوماليلاند، تمنح الأولى انتشاراً عسكرياً على خليج عدن، المواجه لليمن، بما يمنحها مركزاً مؤثراً فيه، يمتد على الأمن في جنوب الإقليم، الذي يضم مضيق "باب المندب" الذي تعتبر القاهرة المساس به "خط أحمر".
"الشعب الصومالي استقبل خطاب الرئيس المصري بالأمل، لأن مصر تساند الصومال الرافض للأطماع الإثيوبية، التي تمثّل انتهاكاً لسيادة الوطن، وتخلق حالة من الاضطراب في الأمن الإقليمي والعربي. خطاب السيسي  حمل إشارات واضحة أن مصر ومعها الدعم العربي ستدافع عن الصومال إذا اقتضى الأمر"
أما الصومال فلديها مخاوف من أنّ تفقد سيادتها على المناطق التي تريد إثيوبيا الحصول عليها في إقليم صوماليلاند، أو ينال الإقليم الاعتراف كدولة مستقلة من إثيوبيا، بما سيؤدي إلى زيادة احتمالات الصدام المسلح بين الطرفين، ولما له من تبعات على مكافحة الإرهاب في الصومال، ووحدة الصومال ككل.
بدوره، يقول عبد الرحمن محمد غوري، مساعد رئيس بعثة جامعة الدول العربية في الصومال، إنّ الصومال انتصرت دبلوماسياً، لكن الواقع الميداني يتطلب مزيداً من التحرك، بعد الأنباء عن تحشيد إثيوبيا قوات على الحدود مع إقليم صوماليلاند. مضيفاً لرصيف22 أنّ على الصومال طلب دعم عسكري من الأشقاء ولا سيما من مصر، "الكرة الآن في ملعب الرئيس حسن شيخ، ننتظر منه أن يطلب الدعم من مصر رسمياً".
هذه المعلومات ذكرتها وسائل إعلام صومالية مستقلة أيضاً، لكن بتفاصيل أخرى، تقول إن إثيوبيا اجتازت الحدود الدولية مع الصومال، من منطقة إقليم "جيدو" في ولاية جوبالاند، أي في جنوب البلاد وليس في الشمال حيث أراضي صوماليلاند. في المقابل نفى مصدر قريب من فريق الرئيس حسن شيخ تلك المعلومات، ووصفها في حديثه لرصيف22 بأنّها "كاذبة" لكن لم يستبعد إقدام إثيوبيا مستقبلاً عليها. 
وسواء كانت المخاطر آنية أم على مديات زمنية أطول، فإن الموقف الحازم للرئيس الصومالي والاستجابة الفورية الداعمة من مصر، سيكون لهما تأثيراً على كافة قضايا القرن الإفريقي والسودان وسدّ النهضة. لهذا تدخلت القاهرة منذ الساعات الأولى للأزمة بإعلانات رسمية للتأكيد على سيادة واستقلال الصومال، وحشدت الدعم العربي والأفريقي، ضد الموقف الإثيوبي، ما ساهم في وضع الأخيرة في موقف صعب أمام الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي. كما استفادت الصومال من التعهدات المصرية بمساعدتها إذ "طلبت" كدولة عربية لها حقّ في الدفاع المشترك وفق ميثاق الجامعة العربية، بتوجيه إنذار لإثيوبيا بالتصعيد وطلب مساعدة مصر إذا لم تتراجع عن "مذكرة التفاهم" مع صوماليلاند.

ساحة معركة دولية

وخالفت إثيوبيا مبادئ الاتحاد الأفريقي التي تنصّ على احترام سيادة واستقلال الدول، والقبول بالحدود التي تركها الاستعمار، ما وضعها في موقف حرج، جعلها تستجيب للعديد من الوساطات الأممية والأفريقية لحل الأزمة بالدبلوماسية والحوار مع الصومال، لكن الأخيرة رفضت قبل تراجع إثيوبيا عن مذكرة التفاهم.
يقول زميل الأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا، سيد غنيم، إنّ المخاطر الإثيوبية على مصر مؤكدة، لكن ليست آنية، بل على المديين المتوسط والبعيد. مشيراً إلى أنّها تمثل مخاطر قريبة ومتوسطة على المصالح الأوروبية والأمريكية ومنطقة الخليج العربي، رغم أن بعض من تلك الدول يدعمون فكرة خلق دور إثيوبي في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر.
ويرى أنّ ذلك سيؤدي إلى تحول الإقليم إلى ساحة معركة للدول الكبرى، حيث دعمت روسيا مذكرة التفاهم واقترحت على أديس أبابا شراء "جيش" ليستقر على شاطئ زيلع في صوماليلاند، بينما كانت أطراف غربية تفضل توجه أديس أبابا نحو ميناء عصب في إريتريا، لقطع الطريق على خطط روسيا لنيل قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
تأخذ مصر خطوة استباقية لمنع تصاعد أزمة سيطرة إثيوبيا على أحد شواطئ صوماليلاند بما يسمح بتحولها إلى أزمة دولية، تفرض عليها أعباءً أكبر.
إزاء كل ذلك، تأخذ مصر خطوة استباقية لمنع تصاعد الأزمة بما يسمح بتحولها إلى أزمة دولية، تفرض عليها أعباءً أكبر. ويأتي موقفا القاهرة ومقديشو ضمن ما ينص عليه القانون الدولي كونهما دولتين تتمتعان بكامل السيادة في الأمم المتحدة، وأمام القانون الدولي، ولهما الحق في عقد اتفاقيات ومعاهدات للتعاون بكافة صوره بما فيه العسكري. وعربياً فهما مشمولتان باتفاقية "الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي". إذ ينص البند الثاني من الاتفاقية على أنه "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعاً، ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما".
ومن غير المحتمل أنّ تتصاعد الأزمة بين الصومال وإثيوبيا على الفور، بعد الموقف الدولي المساند لوحدة وسيادة الصومال، خصوصا من دول تركيا والصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة، والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. لكن لا يزال الخطر قائماً، ولهذا ذهب الرئيس الصومالي إلى القاهرة للبحث عن حليف يشاركه المخاوف نفسها مع إثيوبيا. 
يقول مساعد رئيس بعثة الجامعة العربية في مقديشو، عبد الرحمن غوري، إنّ "الرئيس السيسي مدرك للتهديد الذي تشكله إثيوبيا على الأمن القومي العربي عموماً، والصومالي والمصري خصوصاً، ويرى أنه من الضروري تفعيل البند المتعلق بالدفاع العربي المشترك، لكن على الصومال طلب ذلك". مضيفاً أنهإذا كانت هناك "صعوبة في تحريك الجيش المصري نحو الصومال، فتقديم التسليح والتدريب للجيش الصومالي أمر أيسر، ومطلوب الشروع فيه". 
من جانبه، يؤكد مستشار وزير الداخلية الصومالي، آدم شيخ على أنّ تشديد الرئيس السيسي على عضوية الصومال في الجامعة العربية هو تذكير بأنّ "الأمن الصومالي جزء لا يتجزأ من الأمن العربي وهذا تحذير لإثيوبيا، وتأكيد على مساندة الصومال عسكرياً لو تطلب الأمر".
وتجدر الإشارة إلى أنه صدر قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب يدعم الصومال ويعتبر المذكرة وما يترتب عليها لاغياً، كما اتخذت الأمانة العامة للجامعة برئاسة أحمد أبو الغيط موقفاً صريحاً بإدانة إثيوبيا دعم الصومال. لكن الموقف ليس موحداً كما ظهر، فما تزال هناك شكوك حول الموقف الإماراتي من المذكرة، في ظل ما لأبو ظبي من نفوذ كبير في صوماليلاند وإثيوبيا. وستكشف الأيام المقبلة عن الحجم الحقيقي الذي ستتخذه الأزمة، كما ستوضح مدى جدية التعهدات المصرية للصومال، والتزام البلدين بتطوير التعاون الثنائي بشكل مستدام، في ظل ما يقولان إنّه "خطر إثيوبي" يهددهما.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard