من تحقيق إنجازات عسكرية متتالية إلى كمونٍ في العمليات العسكرية، ثم إلى انسحاب من مناطق بعد تحريرها من قبضة حركة الشباب المصنّفة منظمةً إرهابيةً؛ هكذا هي حال الحرب الحاسمة التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أشهر من تنصيبه رئيساً للبلاد لولاية ثانية، في أيار/ مايو 2022.
دفعت تلك التطورات بالرئيس إلى التواجد في الجبهات الأمامية للقتال ضد الحركة الإرهابية، معرّضاً حياته للخطر، حيث نجحت القوات الأمنية في إحباط هجوم بسيارة مفخخة على بعد 10 كم من مدينة محاس في إقليم هيران وسط البلاد، والتي كان الرئيس يزورها ضمن جولته لتفقد الجبهات.
الحرب الشاملة
فور تنصيبه رئيساً لولاية ثانية، تعهّد حسن شيخ محمود، بتطهير البلاد من حركة الشباب المتطرفة، التي يبلغ عدد قواتها نحو سبعة آلاف مقاتل، مقابل عشرين ألفاً في القوات الحكومية، بالإضافة إلى آلاف المسلحين العشائريين. وشكك كثيرون في جدّيته، لكن بعد هجوم دامٍ قامت به الحركة بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه، استهدف فندق حياة القريب من مطار مقديشو، أعلن الرئيس عن الحرب الشاملة ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ونجحت العمليات العسكرية التي اتخذت اسم "المرحلة الأولى"، في تقليص نفوذ حركة الشباب في وسط البلاد وجنوبها، للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة الفيدرالية الحديثة عام 2004، وذلك بسبب تكاتف قوات المسلحين العشائريين المعروفين باسم "معويسلي" مع القوات الحكومية. وتبعاً للنجاحات الحكومية انسحبت حركة الشباب من أقاليم إستراتيجية مثل شبيلي الوسطى وهيران ومودغ، وتم تحرير نحو 60 منطقةً (بين بلدات وقرى ومدن)، في أقاليم هيران وشبيلي الوسطى وغالغادود، من بينها جيوب ساحلية إستراتيجية مطلّة على المحيط الهندي، كانت تغذي شريان الحركة بالسلاح، وتُشكّل مصدراً كبيراً للدخل المالي.
وعُدّ تحرير الجيش مدينة أدن يبال الإستراتيجية في كانون الأول/ ديسمبر 2022، ذروة الانتصارات العسكرية ضد الحركة التي خسرت بفقدان المدينة أهم معقل لها في إقليم شبيلي الوسطى منذ العام 2016. وبتحقيق انتصارات كبيرة، وطرد مسلحي الحركة الإرهابية من مناطق واسعة في ولايتي هرشبيلي وغالمودغ، انتهت بذلك المرحلة الأولى من الحرب الشاملة ضد الإرهاب، على أنّ تشمل المرحلة الثانية استكمال تحرير باقي الولايتين، ونقل الحرب إلى ولايتي جنوب الغرب وجوبالاند، والأخيرة تُعدّ معقل الحركة الأساسي.
الحرب الحالية ضد الحركة تختلف تماماً عن سابقاتها لأسباب عديدة؛ أولها تصميم الرئيس حسن شيخ محمود النابع من إيمانه بعدم إمكانية تحقيق التنمية والازدهار مع وجود الحركة، وثانيها الدعم الشعبي غير المسبوق للعمليات العسكرية الحكومية
في تصريح لرصيف22، يقول نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، والقيادي المنشق عن حركة الشباب، إبراهيم آدم نذارا، إنّ "الحرب الحالية ضد الحركة تختلف تماماً عن سابقاتها لأسباب عديدة؛ أولها تصميم الرئيس حسن شيخ محمود النابع من إيمانه بعدم إمكانية تحقيق التنمية والازدهار مع وجود الحركة، وثانيها الدعم الشعبي غير المسبوق للعمليات العسكرية الحكومية". ويضيف المسؤول الصومالي أنّنا نرى "النساء يحملن السلاح قبل الرجال، وكلٌ يشارك بما في وسعه، في ثورة شعبية ضد الإرهاب، ليتحقق أخطر مخاوف الحركة بعد الإجماع الشعبي ضدها".
كمون العمليات العسكرية
وحظيت جهود الصومال في مكافحة الإرهاب بدعم أمريكي، مالياً وعسكرياً، شمل الغارات الجوية وتنسيق عمليات ميدانية من خلال قوات "دنب" الخاصة، التي تدربها وتمولها وتشرف عليها القوات الأمريكية في الصومال، فضلاً عن دور القوات الإفريقية "أتميس" المساند.
واستثماراً لنجاحات المرحلة الأولى، استضاف الرئيس حسن شيخ قمةً رباعيةً إقليميةً لرؤساء دول وحكومات جيبوتي وكينيا وإثيوبيا، وخرجت القمة باتفاق على مشاركة إقليمية عسكرية في المرحلة الثانية من الحرب ضد حركة الشباب، وذلك في شباط/ فبراير الماضي. لكن بعد مضي ستة أشهر لم يُترجم الاتفاق إلى واقع، بينما فقدت الحرب على الحركة الإرهابية زخمها. كما أدت الخلافات السياسية إلى تعطيل الحرب ضد الإرهاب، ومن ذلك إقالة حاكم إقليم هيران، علي جيتي، من منصبه بقرار من رئيس ولاية هيرشبيلي علي غودلاوي، ودخول الرئاسة على خطّ الأزمة.
وأثّر عزل جيتي على مشاركة القوات العشائرية في الحرب ضد الإرهاب؛ كون الرجل من أوائل الزعماء القبليين الذين حشدوا مقاتليهم وأعلنوا الحرب ضد الحركة، محققاً انتصارات منها تحرير كامل شمال إقليم هيران وشرقه من دون دعم من الحكومة. ولأهمية دور علي جيتي وقبيلته "حوادلي" في الحرب، زار حسن شيخ مدينة محاس معقل القبيلة، ونجح في الاتفاق مع زعمائها على عودتهم للقتال ضد الحركة، وذلك ضمن جولته الحالية لحشد القبائل في الحرب ضد الإرهاب، بعد خسائر ثقيلة تعرضت لها القوات الحكومية وحلفاؤها.
يقول الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية أحمد شرعي، إن "الحكومة لا تستطيع التخلص من الخوارج (حركة الشباب) بمفردها، ولا بد أن يكون للعشائر المحلية دورٌ أكبر كما حدث في هيران، لأنّ أفراد الجيش لا يعرفون مناطق العمليات، ولا يتمتعون بحماية القبائل".
ويضيف لرصيف22، أنّ هناك مساعٍ لتحشيد القبائل، وفق إستراتيجية جديدة تقود فيها القوات العشائرية القتال، ويقدّم الجيش لها المساعدة، مع توفيق أوضاع أفرادها ومنحهم رواتب شهريةً تبلغ نحو 200 دولار، وربما يلقى ذلك قبولهم لأنّهم كانوا يقاتلون بلا مقابل قبل ذلك.
ويتوقع الباحث الصومالي أنّه "إذا ثارت القبائل على الخوارج فيمكن التخلص منهم خلال عامين في المناطق الوسطى أو أراضي قبيلة الهوية". لكن تلك الإستراتيجية التي أثبتت نجاحها تُواجَه بمعارضة من رئيس ولاية جوبالاند، أحمد محمد إسلام "مدوبي"، الذي يخشى تسليح قوات معويسلي ومنحها سلطات خارج مناطقها، لأنّ عشيرته الحاكمة تخشي من تسليح العشائر الأخرى.
الإرهاب يتأقلم
بدورها، استغلت حركة الشباب حالة الكمون التي دخلت فيها القوات الحكومية وحلفاؤها العشائريون، لترتيب صفوفها، في ما يبدو امتصاصاً لحدة الهجوم الحكومي غير المسبوق. ويؤرَّخ لهذا التحول بشهر أيار/ مايو الماضي، الذي شهد عقد الحركة مؤتمراً لكبار قادتها ورجال قبائل موالين لها، حضره أمير الحركة أبو عبيدة أحمد عمر، بحسب مصادر الحركة. حمل المؤتمر اسم "الاجتماع التشاوري حول قضايا الجهاد في شرق إفريقيا"، ومثّل حضور هذا العدد من قادة الحركة، لمدة ثمانية أيام، دون علم الحكومة الصومالية أو القوات الأمريكية، إخفاقاً استخباراتياً.
ومنذ المؤتمر وحتى اليوم، عادت المبادرة من نصيب الحركة، ويمكن فهم نهجها الجديد من خلال استقراء العمليات التي نفذتها خلال تلك الفترة، ويقوم على حرمان القوات الحكومية والعشائرية من دعم قوات البعثة الإفريقية، من خلال شنّ هجمات على قواعد تلك القوات، واستئناف العمليات الإرهابية بوتيرة عالية في مقاطعة مانديرا شمال غرب كينيا، لنقل المعركة من الصومال إلى كينيا. ومثال على ذلك، الهجوم على قاعدة للقوات الأوغندية، واستهداف القوات الإثيوبية والبوروندية، فضلاً عن استهداف العاصمة مقديشو والعديد من القواعد العسكرية للقوات الصومالية والمسلحين العشائريين.
ومع ذلك استمرت عمليات القوات الحكومية والمسلحين العشائريين في تحرير بلدات، إلا أنّ تلك القوات تلقت في أثناء تقدّمها ضربة قاصمةً في نهاية آب/ أغسطس الماضي، بعد هجوم الحركة الكبير ضد معسكرات الجيش في بلدة عوسويني في إقليم غلغدود وسط البلاد. وانسحب الجيش بعدها من العديد من المناطق المحررة، التي استردتها حركة الشباب، وهو ما دفع بالرئيس إلى نقل مقر إقامته إلى مدينة دوسمريب القريبة من الجبهات، وبدء جولاته بين الجنود في الميدان.
وبينما برر وزير الدفاع انسحاب القوات الحكومية بأنّه انسحاب إستراتيجي، اعترف الرئيس بأنّ عدداً من الضباط تركوا الجبهة، وعادوا إلى مقديشو، معلناً القبض عليهم، كما اعترف بوجود أخطاء وتمرّد بين الجنود.
تحديات محاربة الإرهاب
ويتبادل الطرفان؛ الحكومة والحركة الإرهابية، نشر بيانات عن عدد القتلى في صفوف الطرف الآخر، دون وجود مصادر مستقلة يمكنها تأكيد الحقيقة، غير أنّ المئات من الطرفين قُتلوا خلال المواجهات المندلعة منذ أشهر، وتقول الحكومة إن الآلاف من الإرهابيين لقوا حتفهم خلال القتال.
أما عن التحديات التي تواجه الجهود الحكومية في حربها ضد الإرهاب، فيأتي على رأسها استمرار حظر واردات الأسلحة المفروض على البلاد منذ عام 1992، برغم تكرار طلب الحكومة الصومالية برفعه، فضلاً عن عدم قدرة الحكومة على رصد ميزانية مالية للحرب ضد الإرهاب، في وقت لم تتجاوز الموازنة العامة لعام 2023 مليار دولار، 70% منها من المنح والدعم الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، تعيق الخلافات السياسية التي تتحول إلى اشتباكات مسلحة في العديد من أقاليم وولايات البلاد توحيد الجهود السياسية وحشد الإمكانيات لدعم الحرب ضد الحركة الإرهابية. ومن ذلك أزمة محافظ إقليم هيران المُقال علي جيتي، والأزمة السياسية التي تحولت إلى اشتباكات في ولاية جنوب الغرب على خلفية انتهاء ولاية رئيسها عبد العزيز لفتاغرين، مطلع العام الجاري.
وداخل الجيش، هناك أقاويل عن تذمر واسع النطاق في صفوف الجنود في جبهات القتال؛ بسبب عدم صرف رواتبهم، والنقص في الذخيرة والمؤن، إلى جانب تدنّي مستوى تدريب القوات، وإرهاق التشكيلات التي ظلت مرابطةً لأشهر، دون استبدالها بالقوات المدربة حديثاً، التي أُوكلت إلى بعضها مهمة تأمين العاصمة، وربما تكون تلك العوامل وراء انسحاب الجنود الأخير من الجبهات، إلى جانب تقدم حركة الشباب.
أهمّ الأخطاء التي وقعت فيها حكومات الصومال منذ أعوام، الضغط نحو خروج قوات البعثة الإفريقية، التي تعمل وفق قرارات من مجلس الأمن الدولي، بدعوى قدرة القوات العسكرية والأمنية الصومالية على تولي المسؤولية الأمنية كاملةً
إستراتيجية حكومية جديدة
وأحد أبرز الأخطاء التي وقعت فيها حكومات الصومال منذ أعوام، الضغط نحو خروج قوات البعثة الإفريقية، التي تعمل وفق قرارات من مجلس الأمن الدولي، بدعوى قدرة القوات العسكرية والأمنية الصومالية على تولي المسؤولية الأمنية كاملةً، فضلاً عن أنّ الطلب الحكومي جاء مسايرةً لمطالب شعبية بخروج تلك القوات. واستجابةً لذلك، بدأت البعثة بعد موافقة مجلس الأمن الدولي بسحب الآلاف من الجنود، وتسليم القواعد للجيش الصومالي.
لكن مراقبين يحذرون من تأثير ذلك على التصدي لخطر الإرهاب، فحتى لو لم تشارك تلك القوات في الهجوم على الحركة، إلا أنّها توفر الأمن في الخطوط الخلفية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وللمفارقة فإن الرئيس حسن شيخ يسعى منذ أشهر إلى إقناع مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي بتأجيل سحب تلك القوات، المقرر في نهاية عام 2024.
وأمام العقبات التي واجهت استكمال الحرب ضد الإرهاب، كشف مسؤولون عسكريون كبار لإذاعة "VOA" عن إستراتيجية جديدة لمواجهة الحركة، تقوم على منح المقاتلين العشائريين الدور القيادي في القتال ضد حركة الشباب، بينما ستلعب قوات الحكومة الفيدرالية دوراً داعماً، إلى جانب تدقيق وتسجيل المقاتلين العشائريين، ومنحهم رواتب، والعمل على دمجهم في الجيش وفق خطة طويلة الأمد، وهو ما يُعدّ عودةً إلى الإستراتيجية التي ساعدت الحكومة والمقاتلين المحليين على تحرير مناطق واسعة من حركة الشباب في بداية الحرب بين آب/ أغسطس 2022، وكانون الثاني/ يناير 2023، فضلاً عن خطط لاستبدال الجنود الذين قضوا أشهراً في جبهات القتال، والسماح للمسلحين المحليين بالتمركز في البلدات المحررة، وفوق ذلك يأتي تواجد الرئيس في الخطوط الأمامية بمثابة عامل دفع كبير لزخم العمليات العسكرية، وتوفير مرونة أكبر في اتخاذ القرارات التي تتداخل فيها السياسة مع الأمن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...