شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
قيود على حريّة العبادة في المسجد الأقصى.. هل سيشعل خوف إسرائيل من رمضان جبهةً أخرى؟

قيود على حريّة العبادة في المسجد الأقصى.. هل سيشعل خوف إسرائيل من رمضان جبهةً أخرى؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ربّما لم يساور أحدٌ الشّك في أنّ شهر رمضان سيحلّ على فلسطين مختلفاً هذه السّنة، في ظلّ الحرب الجارية على غزّة، والتي حملت شرارتها اسم مسجد المدينة "طوفان الأقصى". إذ تأهّبت إسرائيل منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024، تحسّباً لأيّ اشتعال في القدس الشرقيّة أو في محيط المسجد الأقصى، فنشرت قوّاتها العسكريّة والشرطيّة، ومتاريسها الحديديّة على أبواب البلدة القديمة وفي أزقّتها التي تفضي إلى المسجد.

مرّت أشهر رمضان في القدس في السنتين الماضيتين بصدامات محتدمة، سبّبها تقييد حركة المصلين إلى المسجد والاعتداء عليهم داخل الباحات وإصابة واعتقال العشرات منهم، سيّما أنّ رمضان تزامن في هاتين السنتين مع الأعياد اليهوديّة ومسيرة الأعلام العبريّة. فكيف بهذا الشهر وهو يجيء بأعداد مهولة من المصلين الفلسطينيين من القدس وأراضي 48، الذين تعتبرهم إسرائيل محطّ انتقام، وقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجهها، والذين قالت المؤسسة الأمنية الإسرائيليّة قبل أيّام إن "المسجد الأقصى سيوحدهم ضد إسرائيل".

وكان اتخذ رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، مساء الأحد 18 شباط/ فبراير 2024، قرارًا يقيّد وصول الفلسطينيين من القدس وأراضي 48 إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وذلك استجابةً لمقترح وزير الأمن القومي بن غفير بتحديد أعمار وأعداد المصلين الداخلين إلى باحات المسجد، وخلافاً لتوصيات الأجهزة الأمنيّة التي تخشى من تفجّر الأوضاع وتقول إنّ "حماس ستربط التقييدات بالحافز الديني وتجرّ فلسطينيي 48 إلى التصعيد".

هل تشتعل القدس؟

يقول حجازي الرشق، رئيس لجنة تجار القدس، لرصيف22: "ستشهد مدينة القدس خلال الأيام المقبلة، ومع بداية شهر رمضان انهياراً اقتصادياً من جهة، وحرباً دينية من جهة أخرى. ما قامت به الحكومة الإسرائيلية، بالمصادقة على تلك القرارات، هو اعتداء صارخ على حرية الأديان والعبادات التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدوليّة، كما أنّ فيها خرقاً للاتفاقات الموقّعة مع الأردن والمتعلقة بالوصايا الهاشمية الأردنية على المسجد الاقصى المبار"، ويضيف: "القدس هي قلب الصراع. وما تشهده فلسطين اليوم والحرب العدوانيّة على غزّة هي جزء من تداعيات الصّراع على القدس".

ستشهد مدينة القدس خلال الأيام المقبلة، ومع بداية شهر رمضان انهياراً اقتصادياً من جهة، وحرباً دينية من جهة أخرى. ما قامت به الحكومة الإسرائيلية، بالمصادقة على تلك القرارات، هو اعتداء صارخ على حرية الأديان والعبادات

لم تكذّب إسرائيل خبراً، فبعد أقل من ساعة من المصادقة على مقترح بن غفير، نشرت شرطة الاحتلال الإسرائيليّ في حي جبل المكبر جنوب القدس ملصقات لتحذير السكان الفلسطينيين من اتخاذ ردّ فعل خلال شهر رمضان المبارك، إضافة لمداهمة عدد من منازل المواطنين وإجبار الشبان على توقيع تعهدات بعدم قيامهم بأعمال عنف في المدينة. ويبدو أنّ هذه القرارات لا تجيء صدى لحرب الإبادة على غزّة وحسب، بل توافقاً مع سياسات الحكومة الإسرائيليّة التي يقول بعض الإسرائيليّين إنّها أصبحت بقيادة بن غفير وليس نتنياهو. فعنونت صحيفة هآرتس عددها الصادر اليوم الثلاثاء 20 شباط/ يناير 2024، بتعبير "فلتحترق الدولة"، موجّهة إصبع الاتهام إلى نتنياهو لانجراره وراء بن غفير في توصياته لتقييد حركة الفلسطينيين، إذ قال بدوره، في مقابلة إذاعيّة، إنّ "المصلين سيرفعون أعلام حماس وصورة السنوار" في باحات المسجد الأقصى.

الأرضيّة مهيّأة منذ السابع من أكتوبر

سيحلّ رمضان في الحادي عشر من آذار/ مارس المقبل، متزامناً مع عيد الفصح اليهوديّ. الأمر الذي يزيد من ترقّب أبناء المدينة لأيّ توترات محتملة ومواجهات متوقّعة مع الاحتلال الإسرائيليّ، سيّما وأنّه يهيّئ لأرضية المواجهات منذ بدء الحرب على غزّة. ومن جهة أخرى، تدعو جمعيّات استيطانيّة متطرّفة إلى اقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. فتضع الدولة ومؤسساتها، المدينة برمّتها، فوق صفيح ساخن.

ولعلّ قرار حكومة الاحتلال بتقييد دخول الفلسطينيين من أبناء مدينة القدس والداخل الفلسطيني المحتل يحمل نيّة مبيّتة. فخلال أيّام الأسبوع وأيّام الجمعة، منذ بدأ الحرب، تسمح السلطات الإسرائيليّة بدخول قلّة قليلة من المصلين إلى المسجد الأقصى. كما شهدت باحات المسجد اقتحامات عدّة من قبل متطرّفين يهود بحماية الشرطة الإسرائيليّة. فوصل عدد المتطرّفين المقتحمين إلى 22456 مستوطناً، حسب إحصاء دائرة الأوقاف. في مستغلّين المناسبات العبرية من أجل تمرير مخططات تهويدية في المسجد كالتقسيم الزماني والمكاني بين اليهود والمسلمين.

أمّا أهالي القدس، فلا يعانون من التدابير المتشددة على دخولهم إلى المسجد فقط، بل يقاسون أوضاعاً اقتصاديّةً مريرة بدأت مع الحرب على غزّة، ويبدو أنّها ستستمرّ حتّى شهر رمضان الذي يعتبره المقدسيّون من أهمّ شهور السنة لتنشيط الحركة التجاريّة والاقتصاديّة. ويقول حجازي الرشق إنّ الأوضاع الاقتصاديّة آخذة في التدهور، وقد تراجعت حركة مرور المواطنين من أحياء القدس نتيجة المخالفات المروريّة الماليّة الباهظة التي تحرّرها سلطات الاحتلال، إضافة إلى ملاحقة موظفي الضرائب أصحاب المحالّ لأسباب تافهة.

أمّا أهالي القدس، فلا يعانون من التدابير المتشددة على دخولهم إلى المسجد فقط، بل يقاسون أوضاعاً اقتصاديّةً مريرة بدأت مع الحرب على غزّة، ويبدو أنّها ستستمرّ حتّى شهر رمضان الذي يعتبره المقدسيّون من أهمّ شهور السنة لتنشيط الحركة التجاريّة والاقتصاديّة

تاريخ مشحون لشهر رمضان في المدينة

على الرّغم من الأجواء المشحونة بالمنع والاعتداء، التي شهدتها المدينة في أشهر رمضان الأعوام الماضية، فإنّ المصلين والمعتكفين في ساحات المسجد الأقصى، الذين وقفوا أمام اقتحام المتطرّفين، وصلوا بأعداد مهولة إلى صلوات التراويح وليلة القدر، وافدين من القدس والداخل الفلسطينيّ، وحتّى من دول أوروبيّة. فوصلت أعداد المصلّين أيّام الجمعة إلى 300 ألف مصلّ. فكيف سيبدو المشهد هذا العام، مع هذه الأعداد، وإسرائيل تنشر قوّاتها المدجّجة داخل باحات المسجد الأقصى لمراقبة تحرّكات المصلين؟ وهل تشهد المدينة إعادةً للمشهد الأكثر عنفاً في السنوات الماضية حين انتفض المقدسيّون في تمّوز/ يوليو من عام 2017 ضدّ قرار سلطات الاحتلال نصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى المبارك، في محاولة لفرض واقع جديد ضمن مساعي فرض السيطرة المطلقة على الأقصى. رفض المقدسيّون حينذاك عبور البوّابات، فتراجعت إسرائيل واضطرّت إلى إزالتها. وكانت بدأت معركة “البوابات الإلكترونية” حينما أغلقت قوات الاحتلال المسجد الأقصى بالكامل، ومنعت المصلين من دخوله لأداء صلاة الجمعة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ احتلال القدس عام 1967، عقب تنفيذ عملية لثلاثة شبان من مدينة أم الفحم أسفرت عن استشهادهم ومقتل اثنين من جنود الاحتلال. إذن، تعتبر إسرائيل ساحة المسجد الأقصى ساحة حرب محتملة، تقوم بنفسها بإشعالها، حتّى تفرض سيطرتها على الأرض. ولمخاوف الإسرائيليين، أنفسهم، تاريخ حقيقيّ مع المدينة ومسجدها والمصلين المدافعين عن حقّهم في العبادة فيها.

حرية العبادة في يد اليمين

"من شأن القرار الصادر عن الحكومة الإسرائيليّة أن يتعارض مع حرية العبادة، سيّما أن الأمة الاسلامية بعامّة، والشعب الفلسطيني بخاصة، على مشارف استقبال شهر رمضان المبارك"، يقول لرصيف22 عكرمة صبري رئيس الهيئة الاسلامية في القدس وخطيب المسجد الأقصى. ويردف: "المسلمون حريصون حرصاً تامّاً على تأدية الصلوات الخمس في رحاب المسجد الأقصى. لأنّ المسجد الاقصى خاص بالمسلمين ولا يخضع لأي قرارٍ سلطوي أو محاكم إسرائيلية".

وحذّر مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين، في بيان، أمس الاثنين 19 شباط/ فبراير 2024، من تداعيات قرار منع دخول فلسطينيي الضفة الغربية إلى المسجد الأقصى، وتقييد دخول فلسطينيي القدس وأراضي 48 من أجل أداء الشعائر الدينية خلال شهر رمضان، وذلك رضوخاً للضغوط اليمينيّة المتطرّفة. وأوضح البيان أنّ القرار الأخير بشأن رمضان يفضح سياسة سلطات الاحتلال ويهدف إلى إفراغ المسجد الأقصى من روّاده، تنفيذاً لمخطط التهويد فيه، وبناء الهيكل المزعوم. كما يمثّل امتداداً للحرب الشاملة التي يشنّها الاحتلال على كلّ ما هو فلسطيني.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard