شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
نسمع في أخبارنا صدى صوت نتنياهو

نسمع في أخبارنا صدى صوت نتنياهو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتاريخ

الأربعاء 10 يناير 202401:35 م

أصبحت مملةً وتدعو إلى الاشمئزاز، محاولات بعض الكتّاب والمحللين اليومية الخوض في الصراع العربي الإسرائيلي وتحليله وشرح طبيعته والتنظير له، خاصةً أولئك القاطنين بعيداً عن الحرب وويلاتها، أو المستجدّين على العمل السياسي، أو أولئك الذين لا تحفل سجلاتهم بأي إنجازات شخصية، ويريدون التعويض عن هذا النقص من خلال أخذ موقع في الشأن العام.

أصبحت مملةً تلك المحاولات، والإصرار على إفهام غيرهم، طبيعة إسرائيل. فطبيعة إسرائيل ليست خافيةً على أي ذي عقل منذ النكبة، ومن لم يفهمها في ذلك الوقت استطاع أن يفهمها في 1967، ومن لم يستطع، أفهمته إياها الانتفاضتان الأولى والثانية وعشرات الهبّات والحروب التي تعرّض لها شعبنا الفلسطيني على مدار سنوات نضاله ومقاومته.

إذاً، هذا الشعب يعرف طبيعة عدوّه التوسعية والإجرامية، وغير ذلك من تنويعات سياسية أو ثقافية على هذين المصطلحين، وهو ليس بحاجة إلى أطراف خارجية أو شبكات إعلام تابعة لأشباه دول، لتشرح له كيف يواجه، وكيف يحقق إنجازاً هنا أو انتصاراً هناك. لكن طفرةً من محللي القنوات انتبهوا إلى أن القارئ ملّ من هذه النغمة المكررة، فما كان منهم إلا الانتقال من تحليل طبيعة الدولة إلى تحليل طبيعة الحكومة في إسرائيل. وبعد أن أشبعوا الموضوع من جوانبه وزواياه كافة تحليلاً ونقداً وتقديماً وتقييماً، انتقلوا إلى دائرة أصغر من التحليل، وتالياً من الاستنتاجات العبقرية في ما يخص طبيعة الوزيرين سموتريتش وبن غفير.

مؤخراً، بدأنا نستمع إلى نغمة جديدة من التركيز على بنيامين نتنياهو شخصياً، الذي نال نصيبه ليس فقط من المحللين إياهم، بل أيضاً من القادة السياسيين والناطقين الإعلاميين باسم بعض الفصائل.

نتنياهو هو العقدة وهو العدو، وإن استطاعت هذه الحرب أن تطيح به فنحن منتصرون. هكذا صار يُهيَّأ للمراقب، أو ربما يراد له أن يعتقد، حين يسمع التحليلات التي تجود بها شاشات الفضائيات هذه الأيام

إذاً نتنياهو هو العقدة وهو العدو، وإن استطاعت هذه الحرب أن تطيح به فنحن منتصرون. هكذا صار يُهيَّأ للمراقب، أو ربما يراد له أن يعتقد، حين يسمع التحليلات التي تجود بها شاشات الفضائيات هذه الأيام، وهذا الضخ الإعلامي يتم تبنّيه من تيارات وأفراد تم تصنيع عقلياتهم في الخارج، أو على الأقل خارج منطقة الصراع. كيف ذلك؟ سأحاول الإجابة بالقدر الذي تسمح به الفكرة من تبسيط، وسأحاول بالموازاة استخدام مثال من الأطراف المتعددة لهذا الصراع، وهو مثال غير حصري على كل حال.

لقد كان الإسلام عبر قرون طويلة جزءاً أصيلاً من هوية بلاد الشام، بما فيها فلسطين، وكان إسلاماً بصبغة محلية وصناعة محلية، منسجماً ومتوافقاً مع العناصر البيئية والمكانية للمنطقة. وكانت مشاركته في الأحداث الوطنية أو الأحداث الكبرى عبر حامليه، وما يمتلكون من عناصر هوياتية أخرى يغلب عليها عادةً العنصر الوطني لا الديني. وما كان عنصر الدين إلا رافداً يستمد شرعيته من عناصر المكان الدينية. فالقدس كانت مدينةً محتلّةً مثلها مثل جنين وغزة، يضاف إلى هذا التوصيف عنصر القدسية الدينية بحكم ما تتمتع به من تاريخ وأماكن عبادة. لم يكن المعيار لجنين أنها أرض رباط لقربها من القدس، ولم يكن التعامل مع خان يونس كقطعة من الوقف الإسلامي الذي خصّنا الله به. فلسطين محتلة، وهذه مشكلة سياسية يعاني منها المكان وساكنوه، وتالياً أداة حل هذه المشكلة يجب أن تكون أداةً سياسيةً أولاً وأخيراً... وهكذا كان.

دون الخوض في الحيثيات التاريخية، ولكن دون التقليل من السبب المهم، وهو أن محتلينا يهود، أي من ديانة أخرى، وبقفز سريع إلى النتيجة، أستطيع القول إنه تم تصنيع دين جديد لمنطقتنا في الخارج؛ في بريطانيا وأمريكا ودول النفط. هذا الدين يشبه من حيث الشكل ديننا، أو على الأقل فإن طبقة الجلد الخارجية شبيهة بديننا المحلي، وهذا ما جعله قابلاً للاعتناق من قبل شرائح كبيرة في المجتمعات، وتالياً جعله قادراً على إزاحة ما كانت تؤمن به جدّاتنا وأجدادنا وما كان يتمظهر في أولوياتهم السلوكية والأخلاقية وحتى الوطنية.

تم نزع هوية المكان أو على الأقل إضعافها لصالح هوية جديدة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار سنوات الظلم التي لحقت بشعوب المنطقة، والهزائم التي تعرضت لها في عهد أطلقت فيه على نفسها، زوراً وبهتاناً، مسميات قوميةً واشتراكيةً، والتي ترافقت مع فكرة أن عدونا البطاش والمجرم يستند إلى قوة عسكرية لا تضاهيها جيوش المنطقة، ومع كمية اليأس التي تصيبنا بعد كل منازلة معه، بالإضافة إلى عوامل هامشية من قبيل أن اليسار ليس يساراً والقوميين لا علاقة لهم بالقومية... مع هذه العوامل كلها وغيرها نفهم كيف استطاعت حركات الإسلام السياسي أن تتصدر المشهد بخطابها ذي النبرة العالية والواثقة من عدل الله وقدرته.

في الجانب الآخر من المنطقة، هناك كيان سياسي قدّم نموذجاً متماسكاً كقوة دينية، وأقصد هنا إيران، راح يفرض على العالم بعض اعتباراته، ويتفاوض معه كندّ قوي ولو كان معزولاً ومهدداً منذ نشوئه في 1979 وحتى اللحظة.

نتنياهو أيضاً يسترخص دمنا، ويريد أن يسفحه دون ثمن، فهل نسمع يومياً صدى صوته دون أن نميّز ذلك جيداً؟ وهل إن انتصرنا عليه سنغير لغتنا... وتحالفاتنا؟

لقد فهمت إيران المعادلة مبكراً، أي منذ زمن الخميني، والمعادلة تقول إن الاستقرار الداخلي يقي من المخاطر الخارجية. وهذا الاستقرار يتحقق عادةً إما برضا المواطنين عن أداء الحكم، وإما بقمعهم إن لم يرضوا. لذلك فأول خطوة قامت بها الثورة الإسلامية هي تأسيس قوات الباسيج، أي قوات التعبئة الشعبية (المتطوعين)، أو ما كان يطلق عليه زمن الخميني "منظمة تعبئة المستضعفين". مهمة هذه القوات المدنية المسلحة، التي تسيطر على مفاصل الدولة وعلى ما يشكل 40% من شركات ومؤسسات الاقتصاد، التي تتلقى أوامرها من قادة الحرس الثوري، هي قمع أي صوت معارض داخل البلد. ببحث بسيط يستطيع القارئ الوقوف على كمية المظاهرات والاحتجاجات التي عمّت إيران وتم قمعها من قبل هذه القوات تحديداً.

ما الذي يعنينا من ذلك؟ يعنينا أن خامنئي خطب في تجمّع لقيادات هذه المنظمة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، قائلاً: "إن إيران أصبحت غير قابلة للهزيمة بسبب وجود الفكر والعمل الباسيجيين، اللذين وصلا إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة، وقريباً سيصلان إلى القدس". ويعنينا ما صرّح به قائد هذه المنظمة الجنرال محمد رضا نقدي، في العام نفسه، إذ قال لوكالة الأنباء الطلابية إن "منظمته تريد إنشاء وحدات لها في مصر والأردن".

قد يحتج البعض من أنصار إيران الإسلاميين أو اليساريين بالقول: وماذا في ذلك؟ هل نرفض الدعم من هذه الجهة أو تلك ما دام يصبّ في خانة العداء لإسرائيل؟ وأنا أجيب بأن هذا احتجاج مشروع، أو على الأقل فات أوان نقاشه. في الأصل، المقال ليس من أجل تأييد هذا الدعم أو هذه التحالفات أو رفضها. هو فقط لإيضاح طبوغرافيا المكان الذي وصل إليه خطابنا حين نستخدم مصطلحات مثل: "خذ من دمنا حتى ترضى"، أو "سنقاوم ما دام في شرايين أبنائنا دم"، أو "الجزائر قدّمت مليون شهيد"، أو "اقتل منّا ما تريد فنساؤنا ولّادات"، أي أنني أقصد هذه المقولات والشعارات التي تسترخص دمنا دون أن تقول لنا ما هو المقابل المنشود. فنتنياهو أيضاً يسترخص دمنا، ويريد أن يسفحه دون ثمن، فهل نسمع يومياً صدى صوته دون أن نميّز ذلك جيداً؟ وهل إن انتصرنا عليه سنغير لغتنا... وتحالفاتنا؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image