شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سد النهضة (8)... البُعد التاريخيّ بعد حقبة الاستعمار

أبعاد أزمة المياه في مصر وتداعيات سد النهضة (8)... البُعد التاريخيّ بعد حقبة الاستعمار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 21 فبراير 202410:30 ص

في المقال السابق، شرحنا وحللنا البعد التاريخي للأزمة والنزاع حول مياه نهر النيل، وركزنا على معاهدات نهر النيل التي وقعت في الحقبة الاستعمارية، من عام 1891 إلى عام 1929. وسيتناول هذا المقال معاهدات ما بعد الاستعمار من عام 1959 إلى اليوم.

المعاهدة المصرية السودانية (1959)

حصلت جمهورية السودان على استقلالها في عام 1956. وتأكيداً على استقلال السودان، طلب رئيس الوزراء السوداني إعادة النظر في المعاهدة الإنجليزية المصرية لتقسيم المياه لعام 1929، والتي أنابت فيها بريطانيا عن مستعمراتها آنذاك، ومنها السودان، وقسمت المياه إلى 48 مليار متر مكعب لمصر، و4 مليارات متر مكعب للسودان، وفائض النهر لم يخصص.

كانت المطالب السودانية تتوافق مع الرؤية المصرية للرئيس المصري جمال عبد الناصر وقتذاك في إعادة النظر في المعاهدة، في ضوء البناء المرتقب للسد العالي في أسوان والذي من شأنه أن يغمر بعض الأراضي السودانية.

أدركت مصر، باعتبارها واحدة من الدول الأكثر نفوذاً في المنطقة، أهمية التعاون بين دول حوض النيل.

تم التوصل إلى اتفاق في تشرين الثاني/ نوفمبر 1959، بعد الانقلاب السوداني، وقسمت المعاهدة الجديدة إجمالي التدفق السنوي لنهر النيل إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، و10 مليارات متر مكعب للبخر والتسرب المتوقع من خزان السد المصري.

أفاد هذا التقسيم الجديد السودان كثيراً، إذ بلغت نسبة توزيع المياه الجديدة 1:3 بدلاً من 1:12 وفقاً لمعاهدة 1929. كما نصت الاتفاقية على وجوب مناقشة طلبات دول المنبع للحصول على المياه والاتفاق عليها من قبل مصر والسودان معاً، مع أخذ أي عمليات إعادة تخصيص بالتساوي من الحصتين المصرية والسودانية.

وقد حققت هذه المعاهدة مكاسب للطرفين. بالنسبة لمصر، احتاج المصريون إلى موافقة السودان والتأكيد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل لجذب الاستثمارات لمشروع السد العالي بأسوان. أما بالنسبة للسودان، فاحتاج السودانيون إلى موافقة مصرية لبناء سد الروصيرص على النيل الأزرق، كشرط للحصول على تمويل من البنك الدولي لبنائه وإعادة توطين الشعب السوداني النوبي، وهو ما حدث بالفعل.

كما وحّدت هذه المعاهدة مصر والسودان حول أهدافهما المشتركة المتعلقة بنهر النيل، لكنها عزلتهما في الوقت نفسه عن بقية دول الحوض التي شعرت بأن حقوقها قد تم التغاضي عنها. وأصبح الوضع أكثر تعقيداً بعد أن حصل جنوب السودان على استقلاله من السودان في تموز/ يوليو 2011. وبينما يمكن تقديم حجة لاستخدام "مبدأ خلافة الدول" في القانون الدولي، إلا أنه لا شيء يمكن أن يجبر جنوب السودان على الالتزام بهذه المعاهدة.

مبادرة مشروع الهيدروميت (1967)

أنشئ مشروع خاص بدراسة الأرصاد الجوية الهيدرولوجية عام 1967 من قبل مصر والسودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وانضمت بوروندي ورواندا إلى هذا المشروع لاحقاً.

كانت الأهداف الأساسية منه هي مراقبة التوازن المائي في بحيرة فيكتوريا، ومسح الأرصاد الجوية المائية لمنطقة البحيرات الكبرى وبحيرات فيكتوريا وكيوجا وموبوتو سيسيكو. أدت النتائج المخيبة للآمال إلى انسحاب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1982، فموّله الأعضاء بأنفسهم من عام 1982 حتى اكتماله في عام 1992. ورغم فشل هذا المشروع في تحقيق نتائج ملموسة، إلا أنه اعتبر أول محاولة لإقامة تعاون في حوض النيل تدعمه الوساطة الدولية.

بسبب التغييرات السياسية الحادثة في المنطقة والتي شملت استقلال جنوب السودان (2011) والثورة المصرية (2011)، بدأت تظهر مطالب ببعض البرامج والمشروعات الأحادية الجانب من بعض دول الحوض، والتي يعتبر سد النهضة مثالاً واضحاً عليها

مبادرة أوندوجو (1983)

تأسست مبادرة أوندوجو عام 1983 من قبل مصر (المحرك الرئيسي)، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ودُعيت تنزانيا وكينيا وإثيوبيا كمراقبين. وخلقت هذه المبادرة منصة لمناقشة التعزيز الاقتصادي لمنطقة النيل الأبيض. فقد أدركت مصر، باعتبارها واحدة من الدول الأكثر نفوذاً في المنطقة، أهمية التعاون بين دول حوض النيل، وأظهرت ريادتها ونفوذها في شؤون النيل من خلال إطلاق هذه المبادرة.

عام 1992، تغير اسم المبادرة إلى "اللجنة الفنية لتعزيز التنمية وحماية البيئة في حوض النيل" خلال الاجتماع رقم 67، الذي حضره الأعضاء الحاليون مصر والسودان وأوغندا وتنزانيا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع بقية دول الحوض بصفة مراقب. وكانت خطة عمل حوض نهر النيل، التي ركزت على التنمية الاقتصادية للحوض، أهم مخرجات هذه المبادرة. وشملت المبادرة أنشطة أخرى مثل "مؤتمرات النيل 2002" واجتماعات الخبراء الفنيين التي انطلقت عام 1993 واستمرت حتى عام 2002.

وركزت هذه المبادرات على القضايا العلمية والفنية، وليس الصراعات القانونية، ولم يتم تضمين كل دول حوض النيل حتى كمراقبين، لذلك لم يكن لها تأثير ملحوظ على الصراع بين مصر وإثيوبيا.

مبادرة حوض النيل (1999)

أدركت دول الحوض أهمية التعاون الاقتصادي الإقليمي فيما بينها باعتباره مفتاح النجاح للمنطقة بأكملها منذ التسعينيات، وأدى الطلب المتزايد باستمرار على مياه النهر وتخصيصها وتوزيعها إلى تعزيز الحاجة إلى التعاون. في عام 1999، حلت مبادرة حوض النيل - وهي شراكة حكومية دولية - محل اللجنة الفنية لتعزيز التنمية وحماية البيئة في حوض النيل وخطة عمل حوض النهر.

مبادرة حوض النيل هي الأولى التي تشمل جميع دول حوض النيل العشر، وهي ثمانية في الأصل مع إريتريا كمراقب، وانضم جنوب السودان في تموز/ يوليو 2012. والهدف منها "تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة من خلال الاستخدام العادل والاستفادة من الموارد المائية المشتركة في حوض النيل".

وصف وزير الموارد المائية والري المصري معاهدة عنتيبي بأنها كطلب من المصريين التخلي عن ثقافتهم وحياتهم.

ضمت هذه المبادرة مشروعات الأحواض الفرعية، وقد قسمت إلى منطقتين تقع تحت كل منها مجموعة من المشروعات: مشروعات نيل هضبة البحيرات الإستوائية، ومشروعات النيل الشرقي، ومشروعات الرؤية المشتركة على مستوى دول الحوض، والتي ركزت على الحصول على الاستثمار لتعزيز البيئة وبناء الثقة.

وموّل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والوكالة الكندية للتنمية الدولية هذه المبادرة إلى جانب دول الحوض.

اتفاقية الإطار التعاوني "معاهدة عنتيبي" (2007)

وُقعت هذه الاتفاقية في عنتيبي بأوغندا عام 2007، وتهدف إلى إنشاء اتفاقية قانونية دائمة وموحدة تشمل جميع دول حوض النيل، وتتناول الجوانب القانونية والمؤسسية المستثناة من الاتفاقيات السابقة بسبب طبيعتها المثيرة للجدل. وقد أسست هذه الاتفاقية منظمة دائمة لمفوضية حوض النيل لتحل محل مبادرة حوض النيل.

وقعت سبع من دول الحوض، وهي رواندا وأوغندا وبوروندي وإثيوبيا وتنزانيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، على الاتفاقية وصدقت عليها في عام 2010، ورفضت مصر والسودان التوقيع عليها لأنها ستحل محل الاتفاقية المصرية السودانية (معاهدة 1959)، مما قد يفقد الدولتين حقوقهما التاريخية المعروفة في النهر. ووصفها وزير الموارد المائية والري المصري بأنها كطلب من المصريين التخلي عن ثقافتهم وحياتهم.

لجنة النيل الثلاثية (2011)

بسبب التغييرات السياسية الحادثة في المنطقة والتي شملت استقلال جنوب السودان (2011) والثورة المصرية (2011)، بدأت تظهر مطالب ببعض البرامج والمشروعات الأحادية الجانب من بعض دول الحوض، والتي يعتبر سد النهضة مثالاً واضحاً عليها. لم يتم الإعلان عن هذه البرامج أو تضمينها في أي اتفاقيات سابقة، ولم تقبلها دول المصب عند إعلانها.

بعد اعتراضات مصر والسودان على سد النهضة، أنُشئت لجنة النيل الثلاثية في تشرين الثاني/ نوفمبر (2011)، لتقييم آثار السد على كل من مصر والسودان وإثيوبيا. وتتكون اللجنة من عشرة خبراء: اثنين ممثلين عن كل دولة وأربعة خبراء دوليين. وصدر تقرير اللجنة، الذي وقعه جميع الأعضاء العشرة، في أيار/ مايو 2013، فوجد مشاكل مختلفة تتعلق بالتحليلات والوثائق التي قدمتها إثيوبيا بشأن السد، وانتقد عدم وضوح التحليل في العديد من القضايا الحاسمة، وشمل التقرير ملاحظات عدة تمت مناقشتها في مقال سابق.

حققت المعاهدة المصرية السودانية (1959) مكاسب للطرفين، كما وحّدتهما حول أهدافهما المشتركة المتعلقة بنهر النيل، لكنها عزلتهما في الوقت نفسه عن بقية دول الحوض التي شعرت بأن حقوقها قد تم التغاضي عنها

في 28 أيار/ مايو 2013، قبل ثلاثة أيام من نشر اللجنة لتقريرها، حوّلت إثيوبيا مجرى النيل الأزرق للبدء في بناء سد النهضة، وتم تفسير ذلك على أنه إشارة إلى النوايا الإثيوبية في المضي قدماً في بناء السد دون موافقة دول المصب.

اعترضت مصر على تحويل مسار النهر ولكن دون جدوى، وطلبت من إثيوبيا وقف البناء حتى الانتهاء من الدراسات التي أوصت بها اللجنة، وردت إثيوبيا بأن اللجنة لم تطلب منها إيقاف العمل، زاعمة عدم وجود تناقض بين بناء سد النهضة والعمل على الدراستين المطلوبين.

في المقال المقبل، سننهي البعد التاريخي للنزاع مع اتفاق إعلان المبادئ لسد النهضة، وسنناقش كيف كانت التفسيرات التاريخية والمعاهدات من الأسباب الرئيسية في تهويل المواقف وعرقلة جهود إنهاء النزاع وإيجاد بيئة مستقرة في المنطقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard