ناقشنا في المقال السابق الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلدين المتنازعين، مصر وإثيوبيا، والتي تؤثر على إدارة ملف المياه وتدفع صناع القرار بعيداً عن التوصل إلى تسوية ملموسة للخلاف. ومع ذلك، فإن هناك عاملاً آخر خطيراً ومؤثراً للغاية، ألا وهو كم الموارد المائية المصرية مقارنة بالإثيوبية من حيث الإتاحة وحجم الاستهلاك.
في هذا المقال سنشرح إمكانية البلدين للوصول لمصادر المياه، وكذلك حجم استهلاك كل منهما، باستخدام مفهوم يسمى "المياه الافتراضية".
تعرّف المياه الافتراضية على أنها كمية المياه المستهلكة لإنتاج منتج أو سلعة. وهي مقسمة إلى ثلاثة أنواع مختلفة على النحو التالي:
· المياه الخضراء: التي تأتي من مياه الأمطار المخزنة في التربة وجذور النباتات.
· المياه الزرقاء: هي المياه السطحية التي تتدفق عبر المسطحات المائية مثل الأنهار والبحيرات بالإضافة إلى المياه الجوفية.
· المياه الرمادية: هي مياه الصرف الصحي الملوثة بعد الاستخدامات المختلفة، والتي يجب إرسالها إلى محطات المعالجة للوصول إلى جودة مقبولة لإعادة استخدامها.
في هذا المقال تمثل المياه الخضراء الأمطار، وتتمثل المياه الزرقاء بالأنهار خاصة نهر النيل والبحيرات وموارد المياه الجوفية. أما المياه الرمادية فهي تلك المعاد تدويرها/ المعاد استخدامها.
الموارد المائية لجمهورية إثيوبيا
يمكن وصف الموارد المائية الإثيوبية بكلمة "سخية"، مع وجود العديد من الأنهار الرئيسية والبحيرات والمياه الجوفية، وهطول الأمطار السنوي المرتفع. ويوفر اثنا عشر حوضاً رئيسياً 124.4 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وتساهم 12 بحيرة كبيرة، أكبرها بحيرة تانا بمساحة 3600 متر مربع، بنحو 70 مليار متر مكعب من المياه، في حين تشكل موارد المياه الجوفية 30 مليار متر مكعب. وتنقسم الأحواض الرئيسية إلى 8 أحواض أنهار، و3 أحواض جافة بدون تدفق كبير، وحوض بحيرة واحد.
لا تحتاج إثيوبيا إلى نهر النيل من أجل المياه، ولكنها تحتاج النهر لسببين. أولاً توليد الطاقة الكهرومائية من خلال السدود، وثانياً إثبات نفوذها في القارة السوداء بعد أن كانت مصر على مر التاريخ لها اليد العليا في إدارة المشهد
توجد منطقة المرتفعات الواسعة في قلب أراضي إثيوبيا، وتخدم شبكة الأنهار الثلاثة الرئيسية، النيل وأواش وأومو. علاوة على ذلك، تعتبر إثيوبيا من منابع المياه العليا لثلاثة أنهار وهي النيل والقاش وجوبا شبيلي.
وتعد أحواض الأنهار الأربعة الرئيسية موطناً لنحو 40٪ من الإثيوبيين وتوفر ما يقرب من 90٪ من مياههم. ويعيش الـ 60% الآخرون من السكان، الذين يعتمدون على أقل من 20% من موارد المياه الإثيوبية، في أحواض الأنهار الشرقية والوسطى.
يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في إثيوبيا نحو 848 ملم سنوياً وينتج 936 مليار متر مكعب سنوياً. وتعتمد إثيوبيا على مياه النيل (المياه الزرقاء) لتوليد الطاقة الكهرومائية من خلال 3 سدود قائمة، بينما تعتمد على الأمطار المباشرة (المياه الخضراء) في الاستخدامات الاستهلاكية والزراعة البعلية لإنتاج الغذاء.
وتمتلك إثيوبيا أكبر عدد من الماشية وحيوانات الجر في القارة الأفريقية، وتشمل 57 مليون رأس من الماشية، و30 مليون خروف، وغيرها من الحيوانات، ويتغذى هذا العدد الهائل من الماشية على المراعي البعلية. علاوة على ذلك، تستهلك الماشية 84 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية سنوياً، وهي المياه المستخدمة في ري وإنتاج الأعلاف البعلية الطبيعية. بذلك، تستهلك الماشية الإثيوبية 6 أضعاف استهلاك المياه اللازم للماشية المصرية.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي عام 2018، يقدّر إجمالي الأراضي الزراعية الإثيوبية بنحو 379.030 كيلومترا مربعاً (37.9 مليون هكتار)، وهو ما يمثل 33.6% من الأراضي الإثيوبية. وتقدر نسبة الأراضي الزراعية المروية بحوالي 2.1% من إجمالي الأراضي الزراعية، مما يعني أن نحو 97.9% من الأنشطة الزراعية الإثيوبية تعتمد على الأمطار (المياه الخضراء).
يمكن وصف الموارد المائية الإثيوبية بكلمة "سخية"، فيما تتمتع مصر بموارد مائية محدودة للغاية.
الموارد المائية لجمهورية مصر
عند نهاية مجرى نهر النيل، وعلى صعيد مختلف تماماً، تتمتع مصر بموارد مائية محدودة للغاية، والتي تصل إلى 67 مليار متر مكعب سنوياً. مصدر المياه الرئيسي لمصر هو نهر النيل الذي يساهم بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وهناك ثلاثة موارد أخرى تساهم في توفير المياه في مصر وهي المياه المعاد تدويرها/ المعاد استخدامها، والمياه الجوفية، والأمطار. وهي تساهم سنوياً بـ 9 مليار متر مكعب، و2.7 مليار متر مكعب، و0.3 مليار متر مكعب على التوالي.
ووفقاً لهذه الأرقام، يساهم نهر النيل بنسبة 82.2% من موارد المياه السنوية المصرية، في حين يأتي 13.4% من المياه المعاد تدويرها، و4% من المياه الجوفية، و0.4% من الأمطار.
ويعيش معظم السكان المصريين على طول شريط ضيق للغاية على ضفتي نهر النيل والدلتا، وهي منطقة مثلثة تمثل 2.5% من الأراضي المصرية، حيث ينقسم نهر النيل إلى فرعين ويصل إلى البحر الأبيض المتوسط، ويعيش ما يقرب من نصف سكان مصر في الدلتا.
وفي تناقض صارخ لإثيوبيا، تصنف مصر عالمياً على أنها الدولة الأقل في معدل هطول الأمطار والذي يبلغ 18.1 ملم سنوياً، بينما يقدر متوسط هطول الأمطار السنوي بنحو 0.3 مليار متر مكعب سنوياً. بذلك، تعتمد مصر على نهر النيل (المياه الزرقاء) في توفير معظم احتياجاتها من المياه، وخاصة الري لأغراض الزراعة.
تمتلك مصر 19 مليون رأس من الماشية تستهلك 14 مليار متر مكعب سنوياً من المياه الافتراضية المخبأة في الأعلاف المروية، والتي على عكس أثيوبيا تُروى بمياه النيل (المياه الزرقاء)، أو الأعلاف المستوردة. ويمثل الاستهلاك المصري سدس استهلاك الماشية الإثيوبية من المياه. بالإضافة إلى ذلك، تستورد مصر معظم احتياجاتها من اللحوم ومنتجات الثروة الحيوانية وكذلك بعض المحاصيل المهمة بسبب نقص المياه، وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
ويقدر إجمالي الأراضي الزراعية المصرية بـ 38,359 كيلومتراً مربعاً (3.8 مليون هكتار)، وهو ما يمثل 3.85% من إجمالي الأراضي المصرية. وتستهلك الأنشطة الزراعية المصرية وحدها 70% من حصة مصر من مياه النيل، مما يعني أن معظم الأنشطة الزراعية المصرية تعتمد على مياه النيل.
يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي في إثيوبيا 848 ملم، وفي مصر 18.1 ملم، وتعتمد نحو 97.9% من الأنشطة الزراعية الإثيوبية على الأمطار. وفي المقابل تستهلك الأنشطة الزراعية المصرية 70% من حصة مصر من مياه النيل
تلخص المقارنات التالية الأفكار التي تم شرحها في المقال:
- مصادر المياه الرئيسية: في إثيوبيا 12 حوضاً رئيسياً بإمدادات مياه تصل إلى 124.4 مليار متر مكعب سنوياً، و12 بحيرة كبيرة تساهم بنحو 70 مليار متر مكعب سنوياً، بينما المصدر الرئيسي للمياه في مصر هو النيل الذي يساهم بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.
- تصل كمية المياه الجوفية في إثيوبيا إلى 30 مليار متر مكعب سنوياً، بينما تبلغ في مصر 2.7 مليار متر مكعب سنوياً.
- يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي في إثيوبيا 848 ملم، وفي مصر 18.1 ملم.
- تمتلك إثيوبيا أكبر عدد من الماشية وحيوانات الجر في القارة الأفريقية، وتقدر بـ 57 مليون رأس، أما مصر فتمتلك 19 مليون رأساً من الماشية.
- نسبة الأراضي المزروعة في إثيوبيا والتي تعتمد على مياه النيل والبحيرات هي 2.1% من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تعتمد نحو 97.9% من الأنشطة الزراعية الإثيوبية على الأمطار. وفي المقابل تستهلك الأنشطة الزراعية المصرية 70% من حصة مصر من مياه النيل.
كما يظهر جلياً، لا تحتاج إثيوبيا إلى نهر النيل من أجل المياه، ولكنها تحتاج النهر لسببين. أولاً توليد الطاقة الكهرومائية من خلال السدود، وثانياً إثبات نفوذها في القارة السوداء بعد أن كانت مصر على مر التاريخ لها اليد العليا في إدارة المشهد.
لفترة طويلة، لعب النفوذ الدبلوماسي المصري دوراً كبيراً في منع الاستثمارات من قبل المستثمرين الأجانب والحكومات الغربية من تمويل مشاريع المياه في دول المنبع، حتى نجحت الحكومة الإثيوبية في الحصول على دعم استثماري، وبدأت ببناء سد النهضة. ولهذا حديث آخر في المقال القادم لنناقش البعد التاريخي لمعاهدات نهر النيل والنفوذ المصري على مر التاريخ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...