في يوميات المغترب اللبناني، نجد عناصر مهمة وأساسية تدعونا كل يوم حتى نغطي الشمس "بفَي جبينّا"، كالزعتر وفيروز والكبة بالصينية النائمة بالفريزر.
أو كبوستر لأحد أفلام صباح (الذي لم نشاهده قط) معلق فوق الصوفا، في الغرفة التي هي أيضاً صالون وأيضاً غرفة طعام، أو فنجان القهوة الذي اشتريناه ب 25 دولاراً فقط لا غير، لرسمة الشوارب والطربوش عليه، وعبارتي: "هاي كيفك؟ سا فا؟ أوكي حبيبي، مرسي كتير".
يفتخر اللبناني المغترب بطبخة "المدردرة" التي يحضرها لرفاقه الأجانب كلما زاروه، محاولاً التباهي بجودة هذا الطبق النادر والمرهف! وأيضاً، يعرف كل لبناني في بلاد الاغتراب أين يجد أطيب مطعم شاورما دجاج، وأطيب شاورما لحمة (غالباً لا ينجح المطعم نفسه بالاثنين معاً)، لديه عنوان أطيب منقوشة ويعلم إذا ما كان عليك أن تطلبها مشروحة أو ملفوفة، إكسترا أو عادي لأن هذا الفرن بالذات "زعترن كتير طيب، جايي من الجنوب".
ولكن منذ بضع السنوات، أصبح أيضاً اللبناني المغترب يفتخر بالذهاب إلى سهرات راقصة لبنانية، تلعب أغاني التسعينيات والألفينات، أغاني البوب وفنانات أيام الدش و"ميلودي" و"أنغامي".
يفتخر اللبناني المغترب بطبخة "المدردرة" التي يحضرها لرفاقه الأجانب كلما زاروه، محاولاً التباهي بجودة هذا الطبق النادر والمرهف
فيختفي وقار فيروز و"الأرض اللي ربّتنا" و"سيارتها المش عم تمشي"، حتى تترك ساحة "ميس الريم" لهيفا، قائلة: "أهواك فيتكابر"، أو روبي متسائلة: "ليه بيداري كده ولا هو داري كده ولانا داري كده ولانا ده"، أو لِدانا آملة أن يأتي أحد ليوزع "شوكولاته ويطعمينا بلا ما حتى يعرف أسامينا"، فتولع سهرات باريس ولندن ودبي، ويهجّ أولاد العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، خالعين خصورهم، مرددين كلمات الأغاني بأعلى صوت، أمام بعض الأجانب "المستشرقين"، الذين أتوا ليمتعوا نظرهم وآذانهم بهذا الحفل الـ "إيكزوتيك".
هذه السهرات تحصل مرة كل شهرين أو ثلاثة، يكون فيها الـ "دي جاي" لبنانياً، ويذكرنا كل مرة بأغاني جديدة/ قديمة، نعود إلى المنزل ونحن نرندحها على مدى أيام. فيمتلئ أسبوعنا بالتفتيش عن هذه الأغاني على يوتيوب وأنغامي وسبوتيفاي، ويختفي الرقص والزحمة والكحول، لنجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام كلمات الأغاني.
صمت.
تستوقفني بعض الكلمات. أتفاجأ بمحتواها الذي اعتدنا وكبرنا عليه، خاصة بعد أن أنهيت دراساتي بعلم النفس، فقرّرت اليوم أن آخذ عينة من أغاني فنانة أحب أعمالها: نانسي عجرم. سوف أختار ثلاثاً منها، وسوف نحدد كمية الـ "توكسيسيتي"، أي السموم المعشعشة فيها.
طالت المقدمة قليلاً فدعوني أدخل في صلب الموضوع مع الأغنية التي حلت في المرتبة الثالثة:
3- آخاصمك آه!
"أخاصمك آه، أسيبك لا
يمكن عليك بسوق دلالي ويخطر في بالي أعاند هواك
لكن أوام بحن تاني وأصالحك يا غالي وبطلب رضاك".
لا للألعاب والازدواجية والإشارات المضادة. لا للاختفاء وتأجيل الرد ولعب التكبّر و"هوي يدقللي، ليش أنا بدي دقللو؟".
لا لعدم الوضوح والغموض في الأجوبة والتلاعب بمشاعر الآخر.
لا لافتعال المشاكل وعدم الرد على التلفون و"يي سوري، عنجد ما سمعتو دق".
إن العلاقات ليست بأمر سهل، فلا يجب أن نصعّبها أكثر وأكثر.
فلتكن إشاراتنا واضحة وصريحة، وإذا كنا غير متأكدين، فلنأخذ وقتنا لنقول: "قطعة مني متردّدة والأخرى متأكدة، أنا بحاجة إلى وقت لوحدي، (أو للتكلم مع صديق، أو لأي شيء آخر) كي تتضح الأشياء أمامي. هل نستطيع التكلم آنذاك؟".
2- إنت إيه؟
اللطف اللطف ثم اللطف.
فلنحاوط أنفسنا بأناس لطيفين، يكلمون أمهاتهم وجداتهم وجيرانهم بلطف.
ومنذ أول موعد، فلنراقب كيف يكلمون فاليه الباركينج ونادل المطعم والمتسوّل على الطريق.
إذا كان رجلاً، كيف يكلم النساء أمامنا؟ أي كلمات يستخدم للتعامل معهن أو للتحدث عنهن؟
كيف يحكون عن علاقاتهم السابقة، بأي عبارات يصفون الـ "إكس"؟
لا شيء مثير أكثر من شريك لطيف حنون يهتم بنا ويحافظ على مشاعرنا.
استوقفني مرة في أحد شوارع بيروت، شاب في الثلاثينيات، يصرخ بحبيبته ويوبخها بغضب، مع الكثير من الانفعال والعنف، وهي ساكتة خائفة، لا تستطيع الرد. اجتمعنا حولهم مع أصدقائي، وعندما ابتعد، اقتربت منها وسألتها: "أنت منيحة؟ عايزة شي؟"، فتفاجأت بردها المبسّط لخطورة الوضع وهي تقول: "لا لا، هوي بس معصب".
فلنرفض شركاء يتخطون حدودهم عندما يغضبون. فلنرفض الشتائم والتوبيخ وقلة الاحترام، فلنرفض التخويف والترهيب، وخاصة افتعال المشاكل في الأماكن العامة أو أمام العائلة والأصدقاء.
نحن كبار، راشدون، وبإمكاننا أن ننتظر المكان المناسب للتحدث، وبكل احترام، ومهما حصل، مهما كان السبب، لا يحق لأحد أن يعاملنا بعنف لفظي أو معنوي أو جسدي.
"لو كان ده حب يا ويلي منو
الحب لطف واحترام وعطف. الحب لا يدعو للولولة.
ودعونا نتفق أن لعب دور الضحية ليس مثيراً، وليس فرضاً، وليس نصيباً.
إذا كنتم تتعرّضون للجرح في علاقتكم، فمن المستحسن عدم البقاء في العلاقة، وإذا لم يكن هذا ممكناً، فيستحسن محاولة تغيير الديناميكية العلائقية.
1- في حاجات
لا يستطيع أي شريكين المضي قدماً في الحياة إذا لم يكن التواصل سلاحهما، وهذه مهمة صعبة!
لا يستطيع الشريك أن يحزر ما يجول في خاطر شريكه أو شريكته. على كل طرف أن يطلب ويقول ويعبر عما يخالجه، سواء كان في أمور الحياة اليومية أو حتى في الأوقات الحميمة.
فلنقل لبعض ماذا نحب في الجنس، وكيف نحب أن نُلمس، ما هي مناطقنا الحساسة، وما هي الأساليب والطرق التي توصلنا إلى النشوة.
يقول أخصائيو علم التواصل أن التعامل مع الآخرين يبدأ بنا نحن، وأن رفع إصبع الاتهام قد يكون عنيفاً، فبدل أن نقول: أنت تجرحني، يمكننا قول: لقد انجرحت. أو بدل: أنت تركتني لوحدي، باستطاعتنا أن نقول: أشعر بالوحدة. أو بدل: لا تخرج في هذا الوقت! يمكننا أن نقول: أخاف عندما يتأخر الوقت وتخرج لوحدك.
يا نانسي، في المرة القادمة، حاولي أن تختاري شريكاً لطيفاً تتفاهمين معه، يحترمك وتحترميه، تستطيعين أن تكوني على طبيعتك أمامه، فتقولين له ماذا تحبين وكيف تحبين، وتعبري له عما يخالجك
للعلاقة طرفان، وكلاهما مسؤول عن المحافظة على التواصل. هذا ليس بمسؤولية طرف واحد، وإذا كان هنالك أسس متينة للتفاعل، فهنالك أيضا طرق تجعل التواصل أسهل مع الوقت.
*****
لا شيء أكثر إثارة من شريك يستمع ويهتم ويعبر. من شريك يأخذ وقته للمحادثة. وإذا كان غير قادر على التواصل، يقول: هل بإمكاننا التحدث لاحقاً؟ فأنا لست حاضراً الآن.
من أخطاء التواصل الشائعة، نجد مقولة: "ما لازم ننام مختلفين". أحياناً علينا أن نترك الوقت يمرّ، وننام ونرتاح، ونتكلم بالموضوع في صباح اليوم التالي. فلنترك الوقت لنا وللشريك أو للشريكة، ولنتحدث في الوقت المناسب.
عدم التحدث بالمشاكل وإعادة عبارة: "لا لا ما في ولا شي" حين نكون عابسين طوال النهار، يسمى بالسلوك السلبي العدواني. هذا السلوك هو طريقة تعامل عدائية مع من حولنا، دون أن نقول لهم ما يزعجنا. فنرسل رسالتين مضادتين ونخلق ازدواجية محيرة بالتعامل. ينتهي الأمر بلَوْم الآخر على عدم فهم شعورنا دون أن نكون قد شرحنا له ما المشكلة أصلاً.
العلاقة ليست فوازير رمضان، لا للحزازير والأحجيات والـ "وقف تا قلك".
فيا نانسي، في المرة القادمة، حاولي أن تختاري شريكاً لطيفاً تتفاهمين معه، يحترمك وتحترميه، تستطيعين أن تكوني على طبيعتك أمامه، فتقولين له ماذا تحبين وكيف تحبين، وتعبري له عما يخالجك!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.