شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
يا بِت.. فُكِّكْ من القراية

يا بِت.. فُكِّكْ من القراية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 27 فبراير 202410:33 ص

لاعب كرة قدم لم يسبقْ أن سجّل هدفاً واحداً، ولا يعرفه أحد، يرفع الكرة من خلف جميع اللاعبين، ويشوطها في مرمى الخصم، ليسجّل هدفاً يصبح حديث الجميع، ويصبح هذا اللاعب مشهوراً بين عشية وضحاها، وما أن تغرب الشمس أو تشرق، حتى يطوي النسيان اللاعب وهدفه الذي يقال فيه الكثير من النقد، مثل أنّ اللاعب لا يتقن "قواعد كرة القدم"، وأنّه لاعب لا يتمتّع بمهارات وموهبة تضعه في مصاف المبدعين.

ما سبق قصة ملفّقة، وإن حدثت، فإنّما تحدث في مباراة "كرة شراب" في حارة، وليس في ملاعب كرة القدم التي تضمّ محترفين، ضمن اقتصاد رياضيّ بمليارات الدولارات. لكن القصّة الملفّقة تصبح حقيقيةً في عالم الكتابة، ومن "زاب ثروت" إلى "كنزي مدبولي"، سنرى هذا الكاتب الذي يأتي من خلف جميع الكتّاب، مبدعين أو غير مبدعين، ويحدث ضجةً كبيرةً حول "كتابه"، ويهمين بالشهرة الطارئة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، على المعرض كلّه، فيما تمتدّ طوابير "القرّاء الشباب" أمام جناح ما، ليوقّع لهم هذا الكاتب روايته أو كتابه الشّعري.

من "زاب ثروت" إلى "كنزي مدبولي"، سنرى هذا الكاتب الذي يأتي من خلف جميع الكتّاب، مبدعين أو غير مبدعين، ويحدث ضجةً كبيرةً حول "كتابه"، ويهمين بالشهرة الطارئة في معرض القاهرة الدولي للكتاب

وإذ يحدث ذلك "مراراً وتكراراً" يندلع الجدل كذلك "مراراً وتكراراً" حول تدنّي وعي القرّاء وذوقهم في القراءة، لأنّ هؤلاء لا يتزاحمون على جناح فيه كتاب لروائي مثل نجيب محفوظ، وكأنّ صاروخاً نووياً قصف المعيار الأسمى للكتابة والإبداع، فهل القصّة بالضبط في "زاب ثروت وكنزي مدبولي" وغيرهما من الّذين يكتبون كلاماً كهذا:

"يعني مش هتكون رومانسي معايا يعني!

يا بت فكك من شغل الرومانسية بتاع العيل السيس ده.. أنا أحب الرومانسية بتاعتي أنا.. أنا رومانسي جداا أصلاً.. إنتي مشفتنيش وأنا بحضن المخدة.. مشفتنيش يبقى متحكميش.. عايزك تحبي المنتج المحلي".

ويذكّرنا كلام كهذا بمثله في أفلام الكوميديا المصرية الأبيض والأسود، لكنّه الآن كتب يقرؤها الكثيرون، وخاصةً من الشباب، وتلك هي القصّة، أو الجانب الذي يجب أن ننظر إليه من القصّة، أي "القرّاء الشباب"، إذ إنّ كاتبي روايات وقصائد "بحضن المخدة" من اليوتيوبر الذين يحظون بنسب مرتفعة من المتابعين على اليوتيوب، وبالتالي فكتبهم هي امتداد طبيعيّ للفيديوهات التي يصورونها ويتحدثون فيها عن أيّ شيء.

وحتى هنا، لا يوجد "ما يوجع الكتّاب والقرّاء الجادين أو المخضرمين"، لكن في معرض الكتاب، تصبح الظاهرة موجعة، حتى أنّ البعض يصفها على فيسبوك بـ"إيه القرف ده"، وهو ما لفت نظر الشاعر والمترجم المصري عبد المقصود عبد الكريم، فكتب على صفحته في فيسبوك: "الحديث كثيراً عن التافهين والأعمال التافهة سهل، وبالمناسبة يرسّخ وجودهم ووجود أعمالهم، أي أنّه يصبّ في مصلحتهم في النهاية، لأنّه يمنحهم أهميةً ويركّز الأنظار عليهم. وأظنّ أنّه لو بذل نصف الجهد المبذول في الحديث عنهم، في البحث عن أصوات أصيلة وأعمال جيدة، لكانت النتيجة أفضل بكثير".

إنّني أتفق تماماً مع الشاعر والمترجم عبد المقصود عبد الكريم، وفي الوقت ذاته أتذكّر كتاب "الهامسون بالكتب ـ إحياء القارئ الكامن داخل كلّ طفل" لمعلّمة القراءة الأمريكية دونالين ميلر، والتي تحكي في كتابها عن تجربتها لسنوات في تعليم القراءة للأطفال في مراحل دراسية مختلفة.

حتى الله يقول لهذا "المجتمع المتديّن بطبعه" اقرأْ، لكنّه لا يقرأ ولا يعلّم أطفاله القراءة، فيصطفّون، شابات وشبّاناً، أمام "زاب ثروت وكنزي مدبولي"

تقول ميلر في كتابها الذي ترجمته إلى اللغة العربية أميرة علي عبد الصادق، في الصفحتين 33،34: "إنّ القراءة رحلة معرفية ووجدانية في الوقت نفسه، وقد اكتشفت أنّه من واجبي، بصفتي معلّمةً، أن أعدّ المسافرين في هذه الرحلة بما يحتاجونه من أدوات، وأعلّمهم كيفية قراءة الخرائط، وأوضح لهم ما ينبغي عليهم فعله عندما يضلّون الطريق، لكنّ الرحلة تظلّ في النهاية رحلتهم وحدهم".

لقد كانت ميلر تعمل مع طلابها على أن يقرأ كلّ طالب نحو 40 كتاباً في العام الدراسي، وبذلك يمكن القول، إنّها كانت تؤسس داخل كلّ طالب قاعدةً صلبة، تساعده في المستقبل على أن يكون "قارئاً جيداً" أو "قارئاً حرّاً" خارج كتب الدراسة، وإن قارنا ذلك بما يحدث في مدارسنا في مصر وفي العالم العربي، فلن نجد غير الكراهية الشديدة للكتب، وأنّ حصص القراءة في مدارسنا تقتصر فقط على "قطع إنشاء" أو على كتاب واحد في العام ضمن المنهج الدراسي، كما هو الحال مع رواية "واسلاماه" لعلي أحمد باكثير، المقرّرة على الصف الثاني الثانوي، وهي رواية ذات توجه أيديولوجي ديني، لا يأخذ في اعتباره أنّ الطلاب في  المدارس المصرية ليسوا "مسلمين فقط" وإنّما كذلك "أقباط" لا يجب أن نفرض عليهم أيديولوجية الأغلبية الدينية، عملاً حتى بالدستور الذي ينصّ على "حرية العقيدة" وما يتبع ذلك بالطبع من مسارات دينية أو تعليمية، وهذا مختلف عن أن يقرأ المسلم أو القبطيّ أو الملحد كتباً تتحدّث عن أيّ دين بوصفه هنا "قارئاً حرّاً.

وإن دقّقنا في ذلك جيداً، فسوف نكتشف أنّ اللاعب أو الكاتب الذي يأتي من خلف الجميع ويسجّل هدفاً، رغم افتقاره لأيّة مقومات، هو في الحقيقة النتيجة الطبيعية "لتربية أطفالنا وتعليمهم"، إذ لا يوجد أي سياق محترم للقراءة داخل المدرسة أو خارجها، بل بالعكس، ينظر المجتمع المصري إلى القراءة نظرة احتقار وهدر طاقة في غير مكانها، وإن كان يشدّد على "قراءة كتب المناهج الدراسية" لأغراض الشهادات والوظائف والمكانة بعد التخرج من الجامعة.

ويحضرني هنا شطر من بيت شعري للشاعر أحمد شوقي من قصيدته "نهج البردة": "ونودي اقرأْ تعالى الله قائلها".

أي، حتى الله يقول لهذا "المجتمع المتدين بطبعه" اقرأْ، لكنّه لا يقرأ ولا يعلّم أطفاله القراءة، فيصطفّون، شابات وشبّاناً، أمام "زاب ثروت وكنزي مدبولي" ثم سرعان ما تأخذهم الحياة فينسون زاب وكنزي والجيد والرديء، ويصطفّون مع محتقري وكارهي القراءة والكتب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image