شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مستوطنون قتلة ينتقمون من الضفة الغربية

مستوطنون قتلة ينتقمون من الضفة الغربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 8 فبراير 202404:09 م

"عثرنا عليه مضرّجاً بدمه بين أشجار الزيتون. وكان واضحاً أنه نزف مدة طويلة، بعد أن أطلق المستوطنون النار عليه"، بهذه الكلمات يصف إبراهيم عاصي قصة استشهاد ابن عمه أحمد عاصي (41 عاماً) في كانون الأول/ أكتوبر الماضي، وهو أب لستة أطفال من بلدة قراوة بني حسان شمال الضفة الغربية المحتلة. هناك أبٌ آخر لأربعة أطفال، استهدف هو أيضاً برصاص المستوطنين في الشهر نفسه. فقد أطلق هؤلاء الرصاص على بلال شاهين (40 عاماً) من قرية الساوية جنوب نابلس، أثناء قطفه لأشجار الزيتون في أرضه.

عشرة مواطنين فلسطينيين من الضفة استشهدوا، منذ السابع من أكتوبر، برصاص المستوطنين المسلحين المحصنين بالجيش والدولة. وقد نفذ هؤلاء المستوطنون، بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وقوات الاحتلال خلال العام الماضي 12161 اعتداءً بحق المواطنين وممتلكاتهم في مختلف المحافظات، سُجلت 5308 اعتداءات منها بعد السابع من أكتوبر 2023. إنها حرب مدنية معسكرة على الأرض وعلى توسيع رقعة الاستيطان، الهدف الأول والأخير، فليس عجباً أن من يتلقى الهجمات الأولى هو المجتمع الزراعي في الضفة. "وثقنا في أول شهرين من الحرب أكثر من 560 انتهاكاً واعتداءً من قبل المستوطنين على المزارعين، منها اعتداءات جسدية وإطلاق نار وقتل ومنع الناس من الوصول إلى أراضيهم"، يقول عباس ملحم، المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين الفلسطينيين، لرصيف22.

القتل دون مقدمات

"قبل يوم من استشهاد ابن عمي، وتحت جنح الظلام، أقدم مستوطنون من مستوطنة خفات يائير على تجريف وشق طريق استعماري يصل إلى منطقة الراس غرب البلدة"، يقول إبراهيم عاصي، رئيس بلدية قراوة بني حسان لرصيف22، مضيفاً: "طلبنا من الأهالي والمزارعين التوافد للمنطقة من أجل حمايتها والتصدي للهجوم. ليحرق المستوطنون مركبتين بشكل كامل وأحد المنازل بشكل جزئي. كما قاموا بالهجوم والاعتداء على منازل المنطقة. وأطلقوا النار علينا بصورة جنونية، فأدى ذلك إلى إصابة ثلاثة مواطنين". وبعد ساعة ونصف من الهجوم، انسحب المستوطنون تحت حماية قوات الاحتلال التي قدمت إلى المنطقة. "وأثناء تفقدنا للدمار والأضرار، عثرنا على الشهيد أحمد عاصي بين الأشجار، وكان قد فارق الحياة"، يقول إبراهيم.

يسترجع محمد شاهين، ابن أخي الشهيد بلال شاهين، بألم، قصة استشهاد عمه: "كنا نحو عشرين شخصاً، رجالاً ونساءً وأطفالاً، نقطف الزيتون من أراضينا المعروفة بـ"الديسي". وعند العاشرة صباحاً لاحظنا أربعة مستوطنين من مستوطنة رحاليم قادمين باتجاهنا. من باب الحذر، همّ بعضنا، ومنهم عمي الشهيد، بإخراج النساء والأطفال من المكان". ويردف: "ثم بدأوا بإطلاق النار قبل أن يصلوا إلينا. اعتقدنا أنهم يطلقون النار في الهواء بهدف إرهابنا، فأخذنا نصرخ أثناء محاولتنا مغادرة الموقع، وإذ بعمي ملقى على وجهه وينزف بغزارة. لقد استشهد على الفور جراء إصابته برصاصتين استقرت إحداهما في قلبه، بينما اعتدى المستوطنون على مزارعين آخرين في المنطقة، وهددوهم بالقتل في حالة عدم مغادرة الارض". يوضح محمد أن حارس المستوطنة كان قدم إلى عمه، وهو يعمل في الأرض، وحذره من العودة إليها. التحذير نفسه كان تلقاه قريب آخر فأجبر على ترك ما قطفه من الزيتون. حتى هذه اللحظة لم يقطف أحد أشجاره في المنطقة. وكلما حاول أحد الاقتراب، كانت له قوات الاحتلال والمستوطنون بالمرصاد.

ويؤكد عباس ملحم في هذا السياق أن "هجمات المستوطنين، منذ بدء الحرب، تتسم بشراسة غير مسبوقة، لا سيما على العائلات الزراعية. تتبدى هذه الهجمات كذلك من خلال خطوة جديدة، وهي إطلاق المستوطنين لتحذيرات موجهة للمجتمعات الزراعية الفلسطينية، عبر وضع منشورات على مركبات المواطنين الذين يقطفون ثمار الزيتون، يطالبونهم فيها بالرحيل والهجرة الى الأردن، وإلا فسيواجهون مذابح على غرار ما حدث في نكبة 1948.

إنها حرب مدنية معسكرة على الأرض وعلى توسيع الاستيطان، الهدف الأول والأخير، فليس عجباً أن من يتلقى الهجمات الأولى هو المجتمع الزراعي في الضفة

سلطة المستوطنين على قوات الاحتلال

"إن اعتداءات المستوطنين تتم بدعم قوات الاحتلال الإسرائيلي. ما كان بمقدور المستوطنين القيام بكل هذه الأفعال دون أن تكون لديهم حماية من قوات الاحتلال وغطاء من حكومتهم المتطرفة، وهو ما يؤكد أن تلك الاعتداءات ممنهجة ومنظمة وتهدف إلى تفريغ الأرض من ساكنيها، واستغلال حالة الطوارئ والحرب لتحقيق ذلك"، يقول ملحم.

وأشار إبراهيم عاصي رئيس بلدية قراوة بني حسان إلى سلطة المستوطنين على قوات الاحتلال في مناطق الاحتكاك، قائلاً: "كثيراً ما نشاهد حراس مستعمرات مجاورة يأمرون قوات الاحتلال بالتنكيل بالمواطنين والمزارعين، ومعاقبتهم عبر منعهم من دخول أراضيهم أو تنظيفها أو قطف الزيتون. وقبل عدة أسابيع أمنت قوات الاحتلال الحماية للمستوطنين الذين كسروا باب أحد منازل منطقة الراس وسرقوا الماشية منه. ما يعني أن الإجراءات التي تتم على الأرض يفرضها المستوطن وليس النظام أو القانون".

"وفي الكثير من الأحيان يكون المستوطنون إما ضباطاً في جيش الاحتلال أو المخابرات أو متقاعدين، ولذلك، في حالة قدوم مواطنين فلسطينيين للدفاع عن المزارعين، تحضر قوات الاحتلال بسرعة، وهو ما يؤكد أن ثمة تنسيقاً دقيقاً بين الطرفين، من أجل إحكام السيطرة على أراضي الضفة الغربية"، يقول خالد معالي، الباحث في شؤون الاستيطان، في حديث لرصيف22. ويضيف: بعد السابع من أكتوبر، وبذريعة الحفاظ على الأمن الشخصي للمستوطنين، وبدعم المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش جرى تسليح المستوطنين بهدف توسيع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، وهي المسألة الأخطر على القضية الفلسطينية، فمن يفقد الأرض يفقد كل شيء آخر".

أما مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم"، الذي يعمل على توثيق وتقصّي انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، فأكد أن عنف المستوطنين هو جزء من سياسة حكومية، وأن "القوات الرسمية للدولة " تتيح تنفيذه وتشارك فيه، كجزء من إستراتيجيّة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الساعي إلى توسيع واستكمال عملية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية".

كثيراً ما نشاهد حراس مستعمرات مجاورة يأمرون قوات الاحتلال بتنكيل بالمواطنين والمزارعين، ومعاقبتهم عبر منعهم من دخول أراضيهم أو تنظيفها أو قطف الزيتون فيها

الهدف الأول والأخير هو الاستيطان

حتى هذه اللحظة، تم تفريغ جزء كبير من سكان المناطق المصنفة (ج)، التي تمثل أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية. ففي بيان نشرته هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في الثامن من الشهر المنصرم، أشارت إلى أن إرهاب المستعمرين أدى إلى تهجير 25 تجمعاً بدوياً فلسطينياً عام 2023 (تتكون من 266 عائلة تضم 1517 فرداً)، منها 22 تجمعاً بدوياً جرى ترحيله بعد السابع أكتوبر. أكد ذلك مركز "بتسيلم"، الذي يعمل على توثيق وتقصّي انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة. حيث قال إنه تم تهجير 16 تجمعاً للعائلات المعزولة قسرياً في الضفة الغربية (تتكون من 151 عائلة وتضم 1009 فرداً)، وذلك تحت ستار الحرب.

أما جمعية حقوق المواطن الإسرائيلية، فأكدت أن الأحداث الأخيرة أبعدت الضفة الغربية عن العيون. فأصبح الميدان مرتعاً للمستوطنين الذين استغلوا الانشغال بالحرب ليقوموا بالاعتداء والسرقة وحرق البيوت وهدم المباني وقطع المياه عن عشرات القرى الفلسطينية ضمن مخطط التهجير والطرد والاستيلاء على الأراضي.

وعلى الرغم من انشغال المجتمع الدولي بالحرب على غزة، فإن التقارير والشهادات والتوثيق الخارج من الضفة بهذا الشأن جعلت مؤسسات دولية تدلي بدلوها، ولو كان كلامها كلاماً على الورق. فوفقاً لتقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، فقد "ازداد عنف المستوطنين بشكل ملحوظ في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر، إذ بلغ المعدل اليومي للاعتداءات سبع حالات، أي أكثر من ضعفَي المعدل المرتفع أصلاً لعام 2023 والذي كان يبلغ ثلاث حالات عنف يومياً". إنها سبع حالات، لكن كل حالة منها تحوي حيوات وعائلات ورزقاً وأرضاً وأماناً من المفترض أن يعيش معها الفلسطيني حياة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها كريمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image