شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الضفة تتهيّأ لحرب طويلة الأمد... مستوطنون يقتلون من يريدون

الضفة تتهيّأ لحرب طويلة الأمد... مستوطنون يقتلون من يريدون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

صحيح أن الحدث في غزة، والعدوان عليها وعلى أهلها، لكن يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وعملية "طوفان الأقصى"، لا ينفصلان عمّا جرى ويجري في الضفة الغربية والقدس المحتلة، منذ ما يزيد عن عامين. إذ تعيش الأولى حالةً من التأهب والعمل المقاوم المستمر، وهذا مقترن باعتداءات المستوطنين بشكل مباشر، وتحديداً في جنوب الضفة الغربية ووسطها ومنطقة الأغوار بسبب التوسع الاستيطاني فيها، إذ إن عدداً كبيراً جداً من المستوطنات يتمركز في جنوب الضفة الغربية، وهو ما شكّل خطراً حقيقياً على حياة الفلسطينيين منذ اليوم الأول لبداية معركة "طوفان الأقصى". كان ترهيبهم واضحاً من خلال انتشار المستوطنين في الشوارع وتأمينهم من قبل الجيش الإسرائيلي.

مجزرة في قصرة

كان أبشع ما ارتكبوه في بلدة قصرة جنوب نابلس، حيث قتلت عصابات المستوطنين 4 شبان من البلدة بالرصاص الحي، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية. الصحافية رغد قصراوي التي كانت قريبةً من المكان، تروي لرصيف22، ما جرى: "بداية الحدث، كانت عبارة عن هجوم للمستوطنين بالقرب من منطقة 'الحاووز'، وعندما عرف الشبان، خرجوا لمنعهم من التقدم وحاولوا صدّهم، ثم انتقلت الأحداث إلى المنطقة الجنوبية بالقرب من منازل المواطنين، وتحديداً بالقرب من منزل الشهيد محمود عوض". وتضيف أن "كل مستوطن كان مدججاً بسلاحه ويستهدف المنازل والشبان بشكل مباشر بالرصاص الحي. لم يفرّقوا بين صحافي ومواطن، فكلما كنت أحاول رفع الكاميرا كانوا يطلقون النار باتجاهي بشكل مباشر".

وتتابع حديثها: "في تلك اللحظات، تعرّض عدد من الشبان للإصابة، ولم تستطع سيارة الإسعاف الوصول إليهم، فحاول شبان بسياراتهم الخاصة نقل المصابين، مع العلم بأن أي شخص كان يحاول الاقتراب من أي مصاب كان يتم استهدافه".

"كل مستوطن كان مدججاً بسلاحه ويستهدف المنازل والشبان بشكل مباشر بالرصاص الحي. لم يفرّقوا بين صحافي ومواطن، فكلما كنت أحاول رفع الكاميرا كانوا يطلقون النار باتجاهي بشكل مباشر"

بعد ذلك، أعلن المركز الفلسطيني للإعلام نقلاً عن جمعية الهلال الأحمر، عن "أسماء أربعة شهداء، هم عبادة سائد أبو سرور ومصعب عبد الحليم أبو ريدة ومعاذ رائد عودة وحسن مهند أبو سرور". في اليوم التالي، وفي أثناء تشييعهم، هاجم المستوطنون الجنازة وأطلقوا النار بشكلٍ مباشر نحو المشيعين، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم هما إبراهيم وادي ونجله أحمد وادي.

منطقة عسكرية مغلقة

منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، تحوّلت الضفة إلى منطقة مغلقة شبه عسكرية، حيث بات صعباً التنقل من منطقة إلى أخرى، بسبب الإغلاقات التي فرضها الجيش الإسرائيلي ضمن سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها بحق الفلسطينيين، فشُلّت الحياة بشكل كبير جداً وتوقفت المدارس والجامعات عن دوامها، وتحولت إلى نظام التعليم عن بُعد؛ لأن الطلبة بات صعباً عليهم الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم خوفاً من مجموعات المستوطنين التي عملت الحكومة الإسرائيلية وجيشها على تسليحهم وتوفير الحماية لهم.

جزء كبير من القرى والبلدات الجنوبية المحاطة بعدد من المستوطنات، عمل الجيش الإسرائيلي على إغلاق مداخلها ما أدى إلى محاصرة سكانها، مثل بلدة واد فوكين بالقرب من مدينة بيت لحم، حيث يقول أحد السكان: "البلدة محاطة بأربع جهات من المستوطنات، وتم إغلاق مدخلها الوحيد ومنع السكان من الخروج منها والدخول إليها".

ويروي قصة طفل صغير تعرض لوعكة صحية، منعوا نقله إلى المستشفى لساعات عدة، وعندما عاد الأهل منعوهم من العودة إلى القرية. ويضيف أن "المستوطنين ينتشرون في شوارع البلدة موجّهين أسلحتهم النارية تجاه المدنيين، وهذا ما شكّل حالةً من الخوف بين السكان، إذ تحوّلت البلدة إلى قرية أشباح لا حركة فيها".

تهجير قسري

ما يحصل في محافظة الخليل آخر محافظات الضفة الغربية، وأكبرها مساحةً وتعداداً، هي حربٌ فعلية أخرى تشنّها مجموعات المستوطنين والجيش الإسرائيلي على القرى والبلدات. حربٌ أشبه بالتهجير القسري لسكان المنطقة، وحملات اعتقالات يومية بأعداد كبيرة جداً.

يتحدث الناشط أسامة خمامرة، عما يجري في بعض بلدات الخليل، وتحديداً مسافر يطا التي تعرضت لأبشع أنواع التهجير خلال السنوات السابقة، ومع بداية المعركة ازداد التهجير بشكل أكبر عن السابق. يقول لرصيف22: "استغل المستوطنون الظرف الراهن في قطاع غزة، واغتنموا فرصة تطوعهم أو خدمتهم في الجيش للتضييق على الأهالي والاعتداء عليهم والتنكيل بهم، حيث قاموا بمهاجمة القرى، كما حدث في 'خربة مغاير العبيد' وقرية 'التوانة'، إذ قاموا بالاعتداء على شحادة مخامرة وعائلته وأصابوهم برضوض وكسور، وكما حدث أيضاً مع حافظ الهريني في قرية التوانة إذ أصيب بعد الاعتداء عليه بالقرب من منزله".

وعلى مدخل واد الجوايا، قام مستوطنون بالتنكيل بالمواطنين الذين حاولوا العبور من المنطقة باتجاه مسافر يطا، وإطلاق النار باتجاه المواطن هاني أبو عرام في أثناء رعاية أغنامه في منطقة واد رحيلة، القريبة من مدخل التوانة الكرمل، فقتلوا وأصابوا عدداً من الأغنام.

وفي منطقة خلة المية، أطلق مستوطنون النار باتجاه باص ينقل طلاب رياض الأطفال، وقاموا بالتنكيل بالمواطنين على الحواجز واستغل المستوطنون الفرصة لتدمير منازل المواطنين باستخدام جرافة الجيش والمعدات اليدوية، كما قاموا بهدم خيام أغنام وحظائر مواشٍ في منطقة سمري القريبة من شعب البطم تعود ملكيتها لعائلة الجبارين. وصباح يوم الجمعة الماضي، قاموا باستخدام جرافة أيضاً لهدم غرفة في منطقة أم نير.

في قرية المفقرة، هاجم المستوطنون بلباس الجيش الأهالي، وهدموا غرفة المواطن قاسم محمد الحمامدة، باستخدام المعدّات اليدوية، كما قاموا بتكسير الطاقة الشمسية وحظيرة أغنام، وفي منطقة شعب فرصة، قاموا بتكسير ألواح الطاقة الشمسية وتدمير خزانات مياه واقتلاع أشجار وتقطيع أسلاك كهرباء للمواطن أحمد محمود الحمامدة.

وتأتي هذه الاعتداءات لتهجير الأهالي من قراهم، وتنفيذ قرار التهجير الذي أقرّته الحكومة الإسرائيلية في شهر أيار/ مايو من العام 2022، والآن أصبحت قرى مسافر يطا محاصرةً بشكل كامل، لا يستطيع أهاليها الذهاب إلى مدينة يطا لشراء احتياجاتهم اليومية. وكونهم يعتاشون من الثروة الحيوانية قُطعت عن مواشيهم الأعلاف.

استغل المستوطنون الظرف الراهن في قطاع غزة، واغتنموا فرصة تطوعهم أو خدمتهم في الجيش للتضييق على الأهالي والاعتداء عليهم والتنكيل بهم، فقاموا بمهاجمة القرى، وتحطيم الممتلكات

منذ بداية الأحداث في قطاع غزه، قامت قوات الاحتلال بإغلاق جميع مداخل مدينة يطا والمسافر بشكل كامل، وتقطيع أوصال القرى ومحاصرتها بشكل كامل أيضاً، ومنع التنقل عبر المداخل، وما شاهدناه في الفترة الحالية أن مستوطني المستوطنات المقامة على أراضي مسافر يطا، تطوعوا في الجيش. ويقول شهود عيان إن من يقف على الحواجز هم مستوطنون بلباس الجيش ويقومون بإطلاق النار باتجاه كل مواطن يقترب من الحواجز.

حرب شاملة

كل ما كان يحدث قبل الحرب، جعلهم يصلون إلى مرحلة من اليأس نتيجة القهر والظلم الذي عاشوه على مدار سنوات طويلة. وعلى الرغم من شلال الدم الذي يسيل من غزة والضفة، إلا أن لسان أغلب الفلسطينيين ينادي ويدعو إلى أن تكون هناك حرب على جبهات عدة، وهذا كان واضحاً من خلال استعدادات الناس التموينية للحياة القادمة، وكأن الحرب طويلة الأمد قد بدأت.

ما يجري اليوم كان مغايراً لما حدث خلال الحروب السابقة على غزة، حيث بدأ الناس بتموين بيوتهم استعداداً لما هو قادم. بالنسبة لهم يأتي ذلك نتيجة زخم المعركة الحالية التي بات واضحاً للجميع أن رقعتها تتسع شيئاً فشيئاً. ففي جنين وشمال الضفة تحديداً، وخلال اليوم الأول للمعركة، نفد الوقود في جميع محطات المحافظة، وما زالت أزمة الوقود مستمرةً حتى هذه الأيام، بعد مرور أكثر من أسبوع على المعركة.

الأجهزة الأمنية في الضفة

كانت مجزرة مشفى المعمداني هي الأصعب إنسانياً منذ بداية المعركة؛ ما يزيد عن 500 ضحية بضربةٍ واحدة، تلتها مظاهرات غاضبة ومواجهات على نقاط التماس في أنحاء الضفة، تحولت إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وعناصر الأجهزة الأمنية ما خلّف عدداً من الإصابات، كما حدث في رام والله وفي طوباس. أما في جنين، فكانت الأحداث أصعب، حيث تحولت المسيرة الغاضبة إلى اشتباكات مسلحة وعنيفة بين أجهزة السلطة والمقاومين، فاستشهدت الطفلة رزان تركمان (11 عاماً)، إذ تزامن وجودها في مكان المسيرة الغاضبة، وخلال تبادل لإطلاق النار بعدما اعترضت الأجهزة الأمنية الفلسطينية المسيرة، أصيبت رزان برصاصة في الصدر، ولاحقاً أُعلن عن وفاتها في بيان رسمي لعائلتها. كما تعرض عدد من الشبان للإصابة بالرصاص الحي خلال الاشتباكات التي استمرت لساعات طويلة.

في الضفة، تحولت المسيرات والمواجهات إلى مصرعَين؛ مع الاحتلال وأفعاله من جهة، ومع سياسة السلطة وممارسة أجهزتها من جهةٍ أخرى. وبدأت الوتيرة بالارتفاع. ففي مسيرات اليوم التالي للمجزرة، كان صوت الشارع في الضفة مطالباً بإسقاط النظام ورحيل الرئيس محمود عباس، إذ يرى الناس أن موقف الحكومة الحاليّة انهزامي وموقف الحكومات العربيّة كان مشرفاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image