شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"خلي معك 200 شيكل مصروف"... لصوصية إسرائيل في آخر صيحاتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء نحن وحرية التجمع

الثلاثاء 6 فبراير 202411:55 ص
Read in English:

“Keep 200 shekels to cover your expenses”: Looting is the latest in Israel’s series of crimes against Palestinians

فوجئت إيمان نافع، في الخامس عشر من تشرين الثاني/ يناير الماضي، بقوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تقتحم منزلها ومنزل زوجها نائل البرغوثي، أقدم أسير في العالم بحسب موسوعة "غينيس"، الكائن في قرية كوبر قضاء رام الله. فتقلبه رأساً على عقب وتسرق مبلغ 2000 شيكل وتصادر سيارتها الشخصية. "خلي معك 200 شيكل مصروف"، قال لها الجندي باستهزاء. وكانت إيمان، الأسيرة المحررة، تستعد لسداد دين من هذا المبلغ، إلا أن الجنود استولوا عليه. في نفس الليلة، وفي بلدة بيت ريما قضاء رام الله، اقتحمت قوات من جيش الاحتلال منزل الأسير مجدي ريماوي الذي يكمل عامه الثاني والعشرين في السجون الإسرائيلية. "كسروا كل شيء في البيت وسرقوا رواتبنا"، تقول فتحية الريماوي لرصيف22، وهي زوجة الأسير مجدي المحكوم بالسجن المؤبد و80 عاماً بتهمة التخطيط والمشاركة في اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي عام 2001.

وكان لافتاً في الآونة الأخيرة استهداف منازل عائلات أسرى من ذوي الأحكام العالية، عبر تفجير أبوابها وتخريب مقتنياتها وسرقة أموال أو مصاغ ذهبي أو مصادرة سيارات أفراد هذه العائلات، في ظل ظروف اقتصادية صعبة أصلاً تمر على الفلسطينيين. تضاف هذه المشاهد الحاصلة في الضفة إلى مشاهد أخرى يومية وممنهجة، ينشرها جنود الاحتلال بأنفسهم عبر وسائل التواصل، ينهبون فيها عشرات البيوت والممتلكات والأموال في غزة، دون حسيب أو رقيب. مشاهد تبدو امتداداً طبيعياً لسياسة متجذرة في عقلية الاستعمار الإسرائيلي منذ النكبة، سياسة تبيح سرقة الأرض، الكتب، الطعام، البيوت، وحتى رواتب وجيوب الفلسطينيين/ات.

جنود الاحتلال في بيت الأسير مجدي الريماوي، بلدة بيت ريما، قضاء رام اللهزوجات الأسرى في واجهة الاستهداف

"فوجئنا باقتحام المنزل، علماً بأنه أعيد اعتقال نائل قبل عشر سنوات. لم يبقِ الجنود شيئاً على حاله. ولم تسلم حتى صورة زوجي، إذ مزقوها"، تقول إيمان لرصيف22، مشيرة إلى أن هذه السياسة الجديدة تضاف إلى مجموعة من الجرائم التي ترتكب بحق الأسرى وعائلاتهم بعد السابع من أكتوبر، حيث ألغيت الزيارات وانقطع التواصل. وكان الأسير نائل البرغوثي أعتقل أول مرة عام 1977 بتهمة مقاومة الاحتلال وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد و18 عاماً. ثم أفرج عنه عام 2011 ضمن صفقة "وفاء الأحرار". تزوج بعد الإفراج عنه من إيمان، ليعيشا معاً في كوبر مدة عامين ونصف العام. بعدها، أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله عام 2014، فحكم عليه بالسجن 30 شهراً. لكن الاحتلال رفض الإفراج عنه بعد قضائه مدة محكوميته، ليعيد تطبيق حكمه السابق، بحجة وجود ملف سري.

أعاد جنود الاحتلال ارتكاب تفاصيل الاعتداء نفسها في بيت الأسير مجدي الريماوي. "فبعد تحطيم الباب، بدأت عملية تكسير وتخريب شملت الطابق الثاني من المنزل أيضاً والذي يسكنه ابن. كسروا الأثاث وكل شيء أمامهم. حتى معلبات الطعام فتحوها وألقوها في القمامة"، تقول فتحية، التي لم يخطر ببالها أن المبلغ الذي وضعته جانباً لدفع التزام ترتب عليها سيسرقه الجنود بحجة "دعم الإرهاب"، ثم سيصادرون مبلغاً مماثلاً يعود لزوجة ابنها، ليخرجوا من المنزلين بـستة آلاف شيكل وخراب كثير. وكان أحد الجنود أخرج ورقة مطبوعة باسم مجدي الريماوي باللغة العربية، مفادها أنه وبموجب أنظمة الدفاع (حالة الطوارئ) يحق للجنود التصرف بالممتلكات الخاصة بالأسير بدعوى "استلام أموال من منظمة غير مشروعة وتصنيع وسائل قتالية"، وفي أسفل الورقة، يُطلب من الريماوي "دفع غرامة مالية أو تعويضات لقائد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، بقرار من المحكمة العسكرية". تقول فتحية: "طلبوا مني التوقيع على الورقة. وقالوا لي إنه بإمكاني مراجعة الجهات المختصة في الجيش. لكني رفضت التوقيع. فأخدوا المال وتركوا نسخة من الورقة ورحلوا".

إن زوجات الأسرى هن المتضررات جراء هذه السياسة، كونهن المعيلات لعوائلهن. فتشكل سرقة البيوت ومصادرة الممتلكات معاناة إضافية لهن

تقول أماني سراحنة، الناطقة الإعلامية باسم نادي الأسير، لرصيف22: "إن زوجات الأسرى هن المتضررات جراء هذه السياسة، كونهن المعيلات لعوائلهن. فتشكل سرقة البيوت ومصادرة الممتلكات معاناة إضافية لهن. وهي معاناة تُضاف إلى معاناة الأسرى والأسيرات أنفسهن، والتي تكشفت مع الشهادات التي أدلى بها أولئك الذين أطلق سراحهم خلال صفقات التبادل بين إسرائيل وحماس، أو من خلال المحامين الذين دخلوا السجون. نائل البرغوثي، مثلاً، تعرض للضرب خلال نقله من سجن عوفر إلى سجن جلبوع، وتدهور وضعه الصحي في تشرين الأول/ ديسمبر الماضي. وقد علمت زوجته من محاميته بأنه فقد 10 كيلوغرامات من وزنه بسبب سياسة التجويع التي تمارس بحق الأسرى.

بعد السابع من أكتوبر

"ليست السرقة سياسة جديدة، إلا أننا شهدنا بعد السابع من أكتوبر كثافة في عمليات السرقة خلال اقتحام منازل الأسرى والشهداء. ولا يكاد يمر يوم دون توثيق شهادة بهذا الخصوص"، تقول سراحنة. وكان شهد الأسبوع الأخير عشرات الاقتحامات لقرى ومدن فلسطينية في الضفة، وكأن السابع من أكتوبر جر وراءه سلسلة من مشاهد الانتقام بحق الفلسطينيين أينما وجدوا. فاستُهدفت منازل عائلات الأسرى، لا سيما الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، وتم اعتقال آخرين إدارياً تحت ذريعة وجود ملف سري. إلى جانب انتهاج سياسة مصادرة الأموال والممتلكات وسرقتها وإجراء تفتيش عار لزوجات الأسرى وأفراد آخرين من عائلاتهم، بحسب بيان لنادي الأسير الفلسطيني.

ربما يسعفنا الدخول إلى بيوت هؤلاء الأسرى كي نوثق هذه السرقات، لكن تلك التي تحدث في غزة، لا سيما في الشمال، لا تزال تُرتكب في جنح الظلام وفي المناطق المحاصرة وبعيداً عن عدسات الكاميرات. حيث أشار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان أصدره نهاية تشرين الأول/ ديسمبر الماضي إلى أن الجيش الإسرائيلي يطلق العنان لجنوده في قطاع غزة للإقدام على ممارسات غير أخلاقية بحق المدنيين الفلسطينيين خلال مداهمة منازلهم، تشمل سرقة الممتلكات وأعمال النهب. وكانت نشرت وسائل إعلام الإسرائيلية خبراً يؤكد استيلاء الجيش الإسرائيلي على مبالغ مالية تتجاوز قيمتها 15 مليون شيكل (نحو 4 ملايين دولار أمريكياً)، وتم تحويلها إلى وزارة الأمن لتنقل لاحقاً إلى خزينة الدولة.

تقول نادية (28 عاماً، اسم مستعار)، وهي نازحة مع عائلتها من شمال غزة، إن جنود الاحتلال سرقوا خزنة من منزلها تحوي مصاغ ذهب ومالاً لوالدها الذي يعمل تاجر ذهب. "حين وصلوا الجنوب إلى منطقة قريبة من منزلنا، خرجنا نحمل الملابس التي علينا فقط. لم نستطع أن نأخذ معنا أي شيء. لكن علمنا لاحقاً أن منزلنا هدم بشكل جزئي وأن الخزنة فارغة تماماً"، تقول نادية.

بدأت إسرائيل بتطبيق هذه السياسة على منازل أسرى في مناطق الضفة الغربية في رسالة سياسية ترسلها حكومة نتنياهو للسلطة الفلسطينية مفادها بأن لا حكم سياسي لهذه السلطة في مناطق الضفة وأن القوانين الإسرائيلية تطبق في أراضيها

تاريخ في اللصوصية يشرعن بالقانون

تندرج سياسة اللصوصية التي ينفذها الجنود الإسرائيليون تحت منهجين، الأول هو السرقة الفردية أو ما يعرف بينهم بالـ "الغنيمة"، بمعنى أن كل ما يتم العثور عليه في الحروب يصبح ملكهم كما يحدث الآن في أجزاء كبيرة من قطاع غزة، وهو ما يوقع عليهم العقاب القانوني لاحتفاظهم بتلك الممتلكات. والثاني هو "المصادرة القانونية بقرار من الجيش الإسرائيلي"، يعود تاريخه إلى عام 1948، حينما أصدرت عصابات الهاغاناه قراراً بمصادرة كل ممتلكات الفلسطينيين والاحتفاظ بها. بإمكاننا اليوم تتبع جزء من تلك السرقات، كسرقة الكتب موجودة الآن في المكتبة الوطنية داخل الجامعة العبرية، من أرشيف لمكتبة خليل السكاكيني والنشاشيبي وغيرهم حسب حبّاس.

يقول وليد حباس، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، لرصيف22: "بعض هذه السرقات تأتي تحت إطار قانون إسرائيلي، أقرته الكنيست عام 2019، يقضي بخصم رواتب الأسرى من أمول المقاصة الفلسطينية وهي الإيرادات الضريبية والرسوم والجمارك المفروضة على السلع والبضائع المستوردة إلى فلسطين، عبر إسرائيل وعبر المعابر والحدود حسب إتفاقية أوسلو. تجبيها طواقم وزارة المالية الإسرائيلية بشكل شهري نيابة عن السلطة وتحولها لوزارة المالية وخزينة السلطة الفلسطينية"، ويشير حباس إلى أنه "بموجب هذا القانون الذي اقترحه رئيس الشاباك الإسرائيلي في حينها، آفي ديختر، تمنع السلطة الفلسطينية من تحويل الرواتب لعائلات الأسرى. وعندما تشكلت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية عام 2022 تم تطوير هذا القانون لأول مرّة وإعداد قائمة بأسماء أسرى مقدسيين. فداهمت الشرطة الإسرائيلية منازل 20 أسيراً محرراً في مدينة القدس وتصادر ممتلكاتهم من أموال وسيارات وأجهزة كهربائية وصولاً إلى المصاغ الذهب الخاص بزوجاتهم، على اعتباره من الممتلكات تم شرائها بأموال من السلطة الفلسطينية. والآن، بدأت إسرائيل بتطبيق هذه السياسة على منازل أسرى في مناطق الضفة الغربية في رسالة سياسية ترسلها حكومة نتنياهو للسلطة الفلسطينية مفادها بأن لا حكم سياسي لهذه السلطة في مناطق الضفة وأن القوانين الإسرائيلية تطبق في أراضيها".

لا عجب في استباحة المال ما دامت حياة الفلسطيني مستباحة. ولا عجب أيضاً أن الدولة التي قامت أصلاً على مبدأ السرقة ستصل إلى لحظة يشعر فيها الجندي، ابنها، بنصر عظيم وهو يصور نفسه ناهباً لبيوت الفلسطينيين.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image