لا تفوّت إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة الفرصة لاستغلال التعاطف معها بعد عملية "طوفان الأقصى" لمزيد من "قوننة" ومأسسة اضطهاد المواطنين والأسرى الفلسطينيين وترسيخ الانتقام منهم في قوانينها وإن بتهم واهية وفضفاضة. تراجع التعاطف معها عقب تماديها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية خلال حربها على غزة، لم يمنعها من مواصلة هذا المسلك.
في هذا السياق، يسعى وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي إلى تمرير مشروع قانون يقضي بـ"تنفيذ الإعدام الفوري" بحق كل مواطن فلسطيني يتورط في قتل مواطن إسرائيلي "بباعث من كراهية أو عنصرية" أو "إلحاق الضرر بإسرائيل" حتّى لو كان ذلك "عن قصد أو بسبب اللا مبالاة". المستهدفون بشكل مباشر من هذا القانون هم الفلسطينيون الذين شاركوا في الهجوم على المستوطنات في منطقة غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت.
أعلن بن غفير عن مناقشة المقترح من قبل لجنة شؤون الأمن القومي في الكنيست برئاسة تسفيكا فوغل من حزب "قوة يهودية" اليميني المتطرف الذي يترأسه، في قراء تمهيدية، يوم الاثنين 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، متوقعاً أن يوافق عليه كل الأعضاء. لكنه فوجىء بمعارضة شديدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس خشيةً على أرواح ذويها.
منذ بداية العام، كانت هناك مساعي يمينية حثيثة لتمرير أكثر من 6 مشاريع لفرض عقوبة الإعدام بحق فلسطينيين.
الإعدام كعقوبة مسلّطة على رقاب الفلسطينيين
خلال السنوات الأخيرة، كانت محاولات تمرير قوانين "تُسهّل" إعدام الفلسطينيين، لا سيّما "المقاومين" منهم، عن طريق تخفيف شروط سن هذه العقوبة، دأب الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة.
مطلع العام الجاري على سبيل المثال، كانت هناك محاولات حثيثة لتمرير أكثر من 6 مشاريع لفرض عقوبة الإعدام بحق فلسطينيين مدانين بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. لكن الأمر عادةً كان ينتهي برفضها إذ تبقى عقوبة الإعدام معطّلة ولا تطبّق في إسرائيل مهما كانت التهمة، وتُستبدل بأحكام سجنية لفترات طويلة تصل إلى عشرات وربما مئات الأعوام. كما أن المستشار القضائي السابق للحكومة الإسرائيلية، وخليفته الحالية، لطالما عارضا هذه المشاريع لأسباب مهنية وحقوقية.
مع ذلك، في آذار/ مارس 2023، وعقب سلسلة من العمليات نفذها فلسطينيون في القدس ومناطق أخرى من الأراضي المحتلة ضد جنود ومستوطنين إسرائيليين، صادق الكنيست على قراءة تمهيدية لمشروع قانون يتيح الحكم بإعدام الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين، كان قد اقترحه بن غفير وأيده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لاحقاً مُرر مشروعا قانون آخران.
وفكرة إنزال حكم الإعدام موجودة في القانون الإسرائيلي اليوم سواء المدني أو العسكري، ولكن الشعور السائد هو أن المحكمة لن تجرؤ على استعمال صلاحيتها لأن سياسة النيابة العامة والعسكرية اليوم هي عدم المطالبة بتنفيذ حكم الإعدام والاكتفاء بعقوبة السجن مدى الحياة، بحسب ما تقول المحامية الفلسطينية عبير بكر لرصيف22.
عقوبة الإعدام موجودة في القانون الإسرائيلي اليوم سواء المدني أو العسكري. لكنها تُسبدل بأحكام سجنية طويلة. "الجديد والخطير" في مشروع القانون الذي يدعمه اليمين المتطرف هو أنه بالصيغة المعلن عنها قد لا يترك أمام النيابة أو المحكمة أي خيار سوى المطالبة بتنفيذ الإعدام
ففي مناطق الـ48، الأراضي التي احتلتها إسرائيل إبّان النكبة، توضح بكر تطوّر عقوبة الإعدام في القوانين الإسرائيلية كالتالي:
أ. عام 1949: أُلغيت عقوبة الإعدام بجريمة القتل ولكنها بقيت متاحة في قوانين الطوارئ الانتدابية بتهم حتّى أخف من القتل.
ب. القانون الإسرائيلي اليوم (عام 2023) ما زال يمكّن إنزال عقوبة إعدام ببعض التهم ومنها: مساعدة النازيين وأعوانهم (الإدانة تُوجب الإعدام هنا)، جريمة الإبادة الجماعية (تُلزم الإعدام إلا في حالات استثنائية). وهناك من يعتقد أن هذا البند (إبادة جماعية) يصلح ضد الفلسطينيين في حال عُرّف القتل بأنه جاء من دوافع "إرهابية".
ج. عقوبة الإعدام تجوز حالياً أيضاً في حال الإدانة بتهم أخرى تندرج كلها تحت خانة "الخيانة" سواء خيانة جندي لدولته أو خيانة مواطن مدني للدولة التي يحمل جنسيّتها. والبنود الخاصة بجواز إعدام المدنيين هي: تهمة "مساعدة العدو وقت الحرب"، والمساس بسيادة الدولة، والتسبب بإعلان حرب. علماً أن هذه البنود الموجهة ضد المدنيين لا تُوجب إنزال حكم الإعدام لكنها تتيحه كإمكانية واردة بالحسبان.
أما في "أراضي 1967"، فأدرجت إسرائيل عقوبة الإعدام بحق المواطنين الفلسطينيين في:
أ. الأوامر العسكرية تجيز إنزال حكم الإعدام منذ سنة 1968 ولكنها لا تفرضه. التعديل من 1968 أستبدل كلمة "لزوم" بـ"جواز" أي ليس حتمياً الحكم بالإعدام.
ب. الأوامر العسكرية تلزم إجماع ثلاث قضاة على إنزال حكم الإعدام.
ت. المحاكم العسكرية بعد 1967 أنزلت أكثر من مرة عقوبة الإعدام بحق فلسطينيين والحكم كان يُستبدل بمحاكم الاستئناف بعقوبة المؤبد (السجن مدى الحياة).
تُذكّر بكر بأن المرة الأخيرة التي حكم فيها قاضيان إسرائيليان بالإعدام كانت عام 2003 ضد الأسير رائد الشيخ(المتهم في حادثة اللينش عام 2000 في رام الله). لكن اعتراض القاضية الثالثة أدّى إلى عدم تنفيذ الحكم واستبداله بمؤبّدين.
ماذا عن مشروع القانون الجديد؟
توضح بكر أن مشروع القانون الذي يُناقش حالياً ليس بجديد وإنما هو نفسه الاقتراح الذي حاول بن غفير تمريره مطلع هذا العام، وصودق عليه بقراءة تمهيدية بالفعل، مضيفةً أنه توجد معارضة لمثل هذا القانون الجائر لكنها لا تُثني الوزير المتطرف عن محاولة استغلال وضع الطوارئ والحرب لتمريره كما مرّر قوانين أخرى مسيئة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
أما عن "الجديد والخطير" في هذا المقترح، والحديث لا يزال للمحامية بكر، فهو أن مشروع القانون - بالصيغة المعلن عنها - قد لا يترك أمام النيابة أو المحكمة أي خيار سوى المطالبة بالإعدام.
ينص المقترح الجديد على "تنفيذ عقوبة الإعدام بحق كل شخص يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل". علاوة على القراءة التمهيدية، يتطلب تمرير القانون ثلاث قراءات في الكنيست.
"نحن اليوم مهاجمون فقط لكوننا فلسطينيين. والغزّي من ناحية إسرائيل مصيره فقط الموت دون علاقة بالتفاصيل ومدى ضلوعه الفعلي بإيذاء إسرائيليين"
وتُشير بكر إلى أن "خبراء قانون إسرائيليّين تطرّقوا بالسابق لاحتمال إنزال عقوبة الإعدام بالمواطنين الفلسطينيين في أراضي 48 بعد سن قانون كرامة الإنسان وحريته (الهادف إلى إرساء قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية) ونفوا أن يصمد مثل هذا القانون دستورياً"، لافتةً إلى أنه من المبكر الحكم على مستقبل هذا المقترح في ظل محاولات نفي احتمال تدخل المحكمة الفعلي بإبطال قوانين.
كذلك في أراضي الـ67، لمّحت المحاكم العسكرية إلى ضرورة تسهيل إتاحة إمكانية إنزال عقوبة الإعدام على الفلسطينيين ولذا الحديث عن مشروع قانون ينبت من براعم غرست بقرارات قضائية عسكرية، بحسب المحامية الفلسطينية.
معارضة إسرائيلية مؤقتة ومشروطة
وخلال النقاشات الأولية حول المقترح في الكنيست الاثنين، اتهمت ممثلة عائلات الإسرائيليين الأسرى بيد حماس، نوعام دان، أن انشغال الكنيست بعقوبة الإعدام "عملية عدائية بحقنا" و"مادة تفجيرية ستشكل خطراً مباشراً على حياة أحبائنا".
وكان جيل ديكمان، قريب أسيرتين اثنتين، أكثر حدة في التعبير عن غضبه حين طالب أعضاء اللجنة بحذف مشروع القانون من جدول الأعمال. قال الشاب للوزير بن غفير: "لقد ناشدتك الأسبوع الماضي وتوسلّت إليك أن تتوقف، وألا تجني أي نوع من المكاسب السياسية على ظهر معاناتنا الآن. لا داعي لإجراء محادثات حول عقوبة الإعدام في حين حياة أحبائنا في خطر. أنتم لا تفهمون ما يفعله ذلك بنا. لقد أصبحت في لحظة ابناً لعائلات الثكلى والمختطفين في آن واحد".
أصر بن غفير على التمسك بتمرير المقترح، معرباً عن اعتقاده بأن تشريعه سيساهم في عودة الأسرى. لترد عليه واحدة من الأهالي بسخرية: "في توابيت".
وعقّب زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، على التمسك بمناقشة القانون قائلاً في تغريدة: "أهالي المختطفين يصرخون من وجعهم وألم وطن بأكمله. ليس هناك حد للصمم والوقاحة لدى أعضاء الائتلاف المسؤولين الذين يقدمون المواعظ لعائلات المخطوفين عن الإخفاق".
ويتأكد أن المعارضة الإسرائيلية للقانون مؤقتة ومشروطة من تعليق وزير التربية والتعليم الإسرائيلي يوآف كيش، عبر منصة إكس، حيث غرّد: "لن يتم إقرار قانون عقوبة الإعدام للإرهابيين الآن. وهذا واضح للجميع. الصور التي التقطت اليوم من الكنيست ليست ضرورية، وتضر بالمجهود الحربي وتضر بشكل خاص بعائلات المختطفين الذين يعيشون في أصعب أوقاتهم".
"الهيئات الدولية لن تتدخل بقضية الإعدامات ‘القانونية‘ لأنها لم تتدخل بالإعدامات الميدانية التي تنفذها القوات الإسرائيلية لأطفال ونساء بشكل يومي. غير أن المحكمة الجنائية الدولية نفسها تجيز الإعدام"
وبوجه عام، لا تتوقع بكر أن يمر هذا القانون على الأقل راهناً "ليس لأخلاقية الحكومة الإسرائيلية إنما لتخوّف عائلات الرهائن من مدى تأثيره على عودة ذويهم. في ما بعد وعلى ضوء أجواء الاستشراس الوحشية والتعذيب المستمر داخل المعتقلات، فلا أعجب إن مُرر هذا القانون".
هل يؤثر تمريره على نظرة المجتمع الدولي لإسرائيل؟
ويبدو أن إسرائيل تستغل ظرف "طوفان الأقصى"، وحربها المزعومة على "إرهاب" حركة حماس، لترسيخ مزيد من التشريعات التمييزية ضد المواطنين الفلسطينيين، كقوة احتلال. الأكثر من ذلك أنها تضمن - إلى حد ما على الأقل - تسامحاً من العديد من الأنظمة العالمية مع إجراءاتها هذه، ما يشجعها على مزيد من هذه الإجراءات.
في هذا الصدد، توضح بكر: "بالطبع تنفيذ عقوبة الإعدام سيدرج إسرائيل ضمن الدول التي تتبنى معايير عقوبة قاسية ولاغية ولكن هناك اليوم شبه إجماع عام مدين للجرائم التي نُفذت على يد عناصر فلسطينية ولذا فلا أظن أن طرح عقوبة الإعدام كعقوبة فورية اليوم، سيدفع أي من الهيئات الدولية إلى التحرك".
وتردف: "الهيئات الدولية لن تتدخل بقضية الإعدامات ‘القانونية‘ لأنها لم تتدخل بالإعدامات الميدانية التي تنفذها القوات الإسرائيلية لأطفال ونساء بشكل يومي. غير أن المحكمة الجنائية الدولية نفسها تجيز الإعدام".
وتبقى المشكلة أن إسرائيل تحتجز اليوم نحو 800 مواطن غزّي وليس واضحاً كيف ستجري محاكمتهم، وأي محكمة "عادلة" قد تبحث قضاياهم "بنزاهة"، وفق بكر التي تشدد: "نحن اليوم مهاجمون فقط لكوننا فلسطينيين. والغزّي من ناحية إسرائيل مصيره فقط الموت دون علاقة بالتفاصيل ومدى ضلوعه الفعلي بإيذاء إسرائيليين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون