"حطوني أنا وبنتي بغرفة بالبيت وجابولنا مُجنّدة معها كلب بوليسي. طلبت منا نشلح أواعينا بالكامل. شلحناهم. وعملت حالي عمياء وخرسة وطرشة عشان ما يضربوا إبني"، هذه كلمات سهاد الخمور (49 عاماً) من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، خلال حديثها لرصيف22. قوات كبيرة من جيش الاحتلال، مدججة بالسلاح، حاصرت منزل سهاد (أم لثلاثة أبناء وابنة) في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فاقتحمته وحطّمت محتوياته. أبقى الجنود زوجها وابنها في غرفة الجلوس، أما هي فأُدخلت برفقة ابنتها إلى غرفة النوم. تحت تهديد السّلاح وفكيّ الكلب البوليسيّ، أجبرت المجندة سهاد وابنتها على خلع ملابسهما، ثمّ ارتدائها مجدداً والخروج من المنزل بسرعة. خرجتا حافيتين، تنتظران، في البرد، انتهاء التحقيق مع زوجها وابنها محمد (26 عاماً). وعندما خرجوا اقتادوا ابنها معهم، ليفرجوا عنه بعد ساعتين. لم تنته القصّة هنا، فقد أعاد الجيش اقتحام المنزل في 4 كانون الأول/ ديسمبر، وعاث فيه خراباً واقتاد محمد إلى سجن عوفر القريب من رام الله. لسهاد تاريخ قاس مع الاحتلال. فابنها إبراهيم (20 عاماً) معتقل في سجن نفحة ومحكوم بالسجن 5 أعوام، وابنها عمر (14 عاماً) استشهد مطلع عام 2023 متأثراً بجروح أصابته بعد استهدافه بالرأس برصاص قوات الاحتلال. ما تبقى لسهاد من أبنائها في المنزل هي ابنتها رونا (24 عاماً)، والتي تعاني من حالة نفسية سيئة للغاية.
سهاد هي واحدة من مئات النساء اللاتي اعتُقلن أو اعتُقل أفراد عائلتهنّ في الضفّة الغربيّة والقدس وغزّة، وواجهن طرائق الإذلال والعنف المختلفة. فقد اعتقلت، حسب نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، نحو 300 أسيرة عام 2023، منهن 184 بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وهو اليوم الذي صعدت بعده إسرائيل، من خلال قواتها وسجونها، من حملات الاعتقال واستهداف أجساد النساء عبر تعذيبهن والتنكيل بهن وتفتيشهن عاريات وخلع حجابهن. فضلاً عن حرمانهنّ من احتياجاتهن الأساسية وتجويعهن، واحتجازهن في ظروف قاسية ومأساوية في السجون والمعسكرات. وقد برزت مؤخراً شهادات، تسرد أدوات الإذلال نفسها، من أسيرات غزيات اعتقلن خلال الاجتياح البري الإسرائيلي. بينما لم نسمع حتى اللحظة أصوات من يفرض الاحتلال عليهن الإخفاء القسري.
قيدوها وعصبوا عينيها واقتادوها إلى جيب عسكري ورموها فوق أرضيته. تعمدت المجندة استفزازها بالحديث بالعبرية بصوت مرتفع طوال الوقت وتهديدها بإرسالها إلى غزة وتعذيبها هناك.
إحكام طوق الاحتلال عبر استباحة الجسد
أطلق سراح الأسيرة ربى عاصي ضمن الدفعة الخامسة من صفقة التبادل بين حركة حماس وإسرائيل في 28 من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم. سردت ربى لرصيف22 تفاصيل اعتقالها الثاني بعد السابع من أكتوبر 2023، الذي لا شك شهد مظاهر أشد عنفاً وإذلالاً من الاعتقال الأول الذي جرى عام 2020 وامتد واحداً وعشرين شهراً. هذه المرة، فجرت قوات الاحتلال الإسرائيلي باب منزلها واقتحمته. فصلوا أفراد الأسرى في الغرف واعتقلوا ربى دون السماح لها بتوديع أهلها أو ارتداء جاكيت. قيدوها وعصبوا عينيها واقتادوها إلى جيب عسكري ورموها فوق أرضيته. تعمدت المجندة استفزازها بالحديث بالعبرية بصوت مرتفع طوال الوقت وتهديدها بإرسالها إلى غزة وتعذيبها هناك. وعندما وصلت أحد المعسكرات الإسرائيلية، معصوبة العينيين، تعمد الجنود الاقتراب منها والحديث قرب أذنها وشتمها. وبعد نقلها إلى مركز توقيف هشارون تعرّضت للتفتيش العاري، إذ طلبت منها سجانتان الدخول إلى غرفة، وتم تفتيشها هناك "التفتيش ليس خياراً. وفي حال رفضته الأسيرة، تتعرض للضرب المبرح"، تقول ربى. وبعد نقلها إلى سجن الدامون، وضعت في العزل. هناك "لم يتوفر الطعام الكافي، ولا المياه. حرمنا من الاستحمام، وتعرضنا للقمع دون مبرر مسبق وفي أي وقت. كما تعرضت الأسيرات للإهمال الطبي المتعمد دون مراعاة ظروفهن الصحية. حتى عندما كنا نستعد للإفراج بعد ورود أسمائنا في قوائم صفقة التبادل، تعرضنا للتفتيش العاري"، تضيف. إن معظم الشهادات التي أدلت بها الأسيرات المحررات للمؤسسات الفلسطينية المختلفة، كشفت أيضًا عن تعرضهنّ لعمليات تعذيب وتنكيل وضرب مبرح، وتهديدات وصلت حد التهديد بالاغتصاب، وشتمهن بألفاظ نابية، فضلاً عن استخدامهن كرهائن للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه. ولا تنتهج إسرائيل هذه السياسة بحق الأسرى والأسيرات داخل سجون الاحتلال وحسب، بل أثناء اقتحام المنازل الفلسطينية وأثناء زيارات الأهالي لأبنائهم وبناتهم في السجون أو على الحواجز الإسرائيلية.
سياسة انتُهجت منذ أن شُكلت سجون إسرائيل
ولعل مسألة استخدام التفتيش العاري، أداة قمع وإذلال، ليست جديدة على إسرائيل، لكنها برزت في الآونة الأخيرة باعتبارها جزءاً بصرياً من مشهد الإبادة الحاصل في غزة. "رأينا في غزة كيف يتم تعرية الرجال وتصوريهم على الكاميرات بهدف تعرية الإنسان من داخله وخلق شعور بالدونيّة والعجز لديه"، يقول عصمت منصور الأسير المحرر والخبير في الشأن الإسرائيلي لرصيف22. ويشير إلى أن التفتيش العاري يعتبر أداة من أدوات الاحتلال، ترمي إلى انتهاك الخصوصية واستباحة المساحة الخاصة للفلسطينيين وتقزيم إنسانيتهم. وهو إجراء مقصود في ذاته وليس شكلياً أو مكملاً لإجراء آخر.
بدورها أكدت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان لرصيف22 أن سياسة التفتيش العاري ليست جديدة وترافقت مع بدء تشكيل السجون، لكن منذ بدء الحرب على غزّة أصبح العنف يرافق التفتيش الجسدي بصورة جلية وفقاً لشهادات أسيرات محررات تعرضن للضرب والاعتداء الجسدي أثناء التفتيش العاري، خاصّة في مركز توقيف هشارون. ووثقت الضمير شهادات تؤكد تعمد وحدات القمع التابعة لإدارة سجون الاحتلال اقتحام أقسام وغرف الأسيرات بهدف إرباكهن وإذلالهن.
يقول العاملون في الضمير "إن الأسيرة تتعرض لحظة الاعتقال، وفي مركز التوقيف، للتفتيش العاري، ويطلب منهنّ أحياناً الجلوس بوضعية القرفصاء وهي سياسة تطبق على الأسرى كذلك وتهدف إلى إحكام السيطرة على الجسد وإذلال وامتهان كرامة الأشخاص". مؤكدة بأن الشهادات التي وثّقتها بعد السابع من أكتوبر تشير إلى تعرض الأسيرات للتهديد بالاغتصاب والتحرّش اللفظي، ضمن سياسات تهدف لاستباحة الجسد وتهديد النساء بالتخويف من خلال التلويح بالاغتصاب.
يرى الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين، حسن عبد ربه، بأن "هذه الجريمة ترمي بالأساس إلى المساس بالكرامة الوطنية والإنسانية، وإرسال رسالة لكافة الفلسطينيات مفادها بأن كل من تفكر القيام بعمل ضد الاحتلال، ستمتهن كرامتها وتمس خصوصيتها. وبالتالي هي محاولة للضغط على المرأة وتحييدها عن دورها النضالي"، كما قال لرصيف22.
هذه الجريمة ترمي بالأساس إلى المساس بالكرامة الوطنية والإنسانية، وإرسال رسالة لكافة الفلسطينيات مفادها بأن كل من تفكر القيام بعمل ضد الاحتلال، ستمتهن كرامتها وتمس خصوصيتها. وبالتالي هي محاولة للضغط على المرأة وتحييدها عن دورها النضالي
لكن، من سيحاسب إسرائيل على استباحة أجساد النساء؟
"عندما تتم الانتهاكات بحق الأسرى بشكل منظم ومتكرر ، وتُنتهك القوانين والمواد التي تحفظ حقوق الأسرى بشكل مستمر، سترتقي السياسة حسب التعريفات الدولية والقانونية إلى جريمة حرب ضد الإنسانية"، تقول د. دلال عريقات المتخصصة في القانون الدولي لرصيف22.
تؤكد عريقات أن سياسة التفتش العاري تخالف القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، مشددة على أن الانتهاكات لا تقتصر على هذه السياسة بل تشمل حرمان الأسيرات من حقوقهن الأساسية مثل الطعام، وتوفير البيئة الصحية. "استغلت السلطات الإسرائيلية انشغال مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات المعنية بمراقبة انتهاكات الاحتلال في غزة من أجل التنكيل بالأسرى"، تقول عريقات.
وكان طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل كشف مصير النساء الغزيات اللاتي اعتقلن ولم تعرف عائلاتهن عنهن شيئاً. علماً بأن الإخفاء القسري طال قرابة 3 آلاف من المعتقلين الفلسطينيين في غزة، من ضمنهم أطفال قاصرون. وقال المرصد إن الجيش الإسرائيلي يواصل اعتقال العشرات من النساء مع أطفالهن الرضع والقاصرات، جميعهن يخضعن لظروف اعتقال مهينة، يتم تفتيشهن عاريات، يُخلع حجابهن، ويتعرضن للتهديد بالاغتصاب، كما جاء في شهادات معتقلات مفرج عنهن.
يقول نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين إن كثافة الجرائم الحاصلة بحق النساء تشكل اليوم أبرز وقائع هذه المرحلة وأشدها خطورة. صحيح أنها تشكل امتداداً لتاريخ طويل من استهداف النساء واستباحة حيواتهن وأجسادهن. لكن هل ستسجّل حقبة الحرب على غزة تجربة جديدة، أشد وأقسى، من التجارب الماضية في تاريخ الاحتلال؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه