شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
إيران والهاشميّون...

إيران والهاشميّون... "قدسية آل البيت" لا تمنع التدخّل في الشؤون الداخلية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والخطاب الديني

السبت 3 فبراير 202403:33 م

هل تأخذ إيران في الاعتبار أن العائلة المالكة في الأردن من "آل البيت" لدى رسم سياساتها مع المملكة الهاشمية؟ للإجابة على السؤال لا بد من التفرقة بين الأسس الدينية التي تجمع البلدين، وبين المصالح السياسية التي تتناقض بقوة بينهما.

بعض أبرز وأقدم الفواصل التي صنعت الشرخ التاريخي بين البلدين كانت في العام 1979، أي مع نجاح الثورة الإسلامية وسقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي، إذ قطع الأردن علاقته بإيران، حاله حال كثير من الملكيات في العالم التي لم تكن تعترف حينذاك –في ذروة الانقلابات العسكرية- بالأنظمة السياسية التي تقوم على إسقاط الملكيات.

فبحسب كثير من المؤرخين تتحفظ معظم الملكيات لفترة من الزمن عن التعامل والتبادل التجاري مع الأنظمة السياسية التي تقوم على هذا النوع من الثورات، وبالأخص الأنظمة المقربة من التاج البريطاني (كالأردن ونظام الشاه سابقاً) الذي يعتبر العرش الداعم للعائلات المالكة، والراعي لبقاء معظم الملكيات في العالم.

ثم عزز تأييد الملك الراحل الحسين بن طلال للعراق في الحرب العراقية الإيرانية، وتأييده لأحقية الإمارات في الجزر الثلاث المتنازع عليها مع إيران، التباعد بين البلدين. كذلك شهد العام 2002 أزمة دبلوماسية بعدما أعلن الأردن تأييده لخطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن حول "محور الشر" والذي يشمل إيران.

وشهدت فترة الربيع العربي بعض التوتر أيضاً إثر اتهام الأردن لإيران بضلوعها في مشاريع تساهم في تنغيص أمن المنطقة، ووصل التوتر ذروته في العام 2016 حين رفض الأردن فتح الباب أمام "السياحة الشيعية" للمزارات التي تكثر في الأردن لأسباب "داخلية" أو "أمنية".

أما الفترات التي بين الأزمات فيمكن وصفها بالفاترة أكثر منها بالهادئة، باستثناء العامين 2014 و2015 حين حصلت زيارات دبلوماسية متبادلة بين البلدين كانت ذروة تمثيلها الدبلوماسي بزيارتي وزيري خارجية البلدين، حيث بدت بوادر تطور للعلاقات وانفراج سياسي ما لبثت أن ذهب أدراج الرياح، لتعود العلاقة إلى مستوياتها المألوفة.

ما تجمعه "ٌقدسية آل البيت" تفرقه الانقلابات ضد الملكيات

منذ العام 1989 أي بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وهي -العلاقات- تراوح مكانها خطوة إلى الوراء وخطوة إلى الأمام، لكن أخيراً ازدادت حدة العلاقات بعد أن اقترب التدخل الإيراني من الأرض الأردنية، ولم يعد سبب "عدم الانسجام" يتعلق بآراء الأردن حول ما يحدث في البلدان المجاورة.

فاتَّهم الأردن إيران بأنها تسعى إلى تنغيص أمنه الداخلي من خلال الدعوات للحشد على الحدود الأردنية العراقية لأنصار مقتدى الصدر بهدف الوصول إلى إسرائيل من خلال حدوده الغربية، وأيضاً من خلال محاولات اختراق الحدود السورية الأردنية من قبل "ميليشيات موالية لإيران" كما صرح الأردن أكثر من مرة على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي وغيره من المسؤولين، وذلك في وصف عمليات تهريب المخدرات والأسلحة من حدوده الشمالية. 

بعض أبرز الفواصل  التاريخية التي صنعت الشرخ بين البلدين كانت في العام 1979 مع نجاح الثورة وسقوط حكم الشاه، إذ قطع الأردن علاقته بإيران، حاله حال كثير من العائلات المالكة في العالم التي لم تكن تعترف حينذاك بالأنظمة السياسية التي تقوم على إسقاط الملكيات

تُقدّم العائلة الحاكمة في الأردن نفسها بأنها من آل البيت، وبحسب الديوان الملكي الهاشمي: "تنتسب الأسرةُ الهاشمية إلى هاشم، جدّ النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، من قبيلة قريش في مكة المكرمة. وآل هاشم هم أحفاد النبي محمّد من ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وزوجِها الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، رابع الخلفاء الراشدين".

وأيضاً: "احتفظ بنو هاشم بريادة السلالة القرشية، وظلّوا يمثِّلون طليعة المجتمع في الحجاز، بوصفهم صفوة أخلاقية وأهل الإدارة السياسية والاقتصادية، وحظوا بتقدير زوار البيت الحرام واحترامهم. وفي التاريخ الحديث، قاد الهاشميون ثورة العرب نحو بناء الدولة الموحَّدة، حيث شكّل إطلاق رصاصة الثورة العربية الكبرى عام 1916 الخطوة الأولى لنيل الاستقلال".

بالاتجاه شرقاً إلى إيران ذات الحكم الشيعي منذ العام 1979، والتي يضع سياساتها العليا "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية"، يُرفع أيضاً شعار "آل البيت" كجزء أساسي من المبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الإسلامية. الأمر الذي يدفع للتساؤل لماذا لا تتخذ سياسات إيران تجاه الأردن منحى أكثر لطفاً أو تودداً؟ 

"نصيحة" ناهض حتّر

هل اتخذت الدولة العميقة في الأردن ثاني أفضل خيار بانضمامها إلى المحور السُّنّي على حساب الشيعي، وحين فضّلت الانسجام في محيطها السني بدلاً من المراهنة على "محبي آل البيت" في إيران؟ أو لماذا كان على الأردن "الهاشمي" أن يختار بين المحورين في المقام الأول؟ 

يجمع الأردن مع إيران "قدسية" آل البيت، ويفرقهم انحياز المملكة للمحور السني مقابل الشيعي، والمصالح الإقليمية المتضاربة بين البلدين.  

التنظير الصريح لهذه السياسة جاء في حديث المفكر الأردني الراحل ناهض حتر في أحد لقاءاته، حين قال إنه كان الأجدى بالهاشميين بعد أن حكموا الأردن أن يتخذوا سياسة الحياد والترفّع عن النزاع السني- الشيعي في المنطقة بدلاً من الانحياز إلى الهلال السني، وأن هذه السياسة –لو تم اتباعها- كانت سترفع الأردن إقليمياً وتكرس شرعية الهاشميين الدينية كعائلة مالكة في الأردن من آل البيت.

ومن اللقاء نفسه: "شرعية الهاشميين تأتي من كونهم لا شيعة ولا سنة، هم من آل البيت، وفوق هذه القصة كلها".

وجاء في حديث حتر الذي اغتيل على باب محكمة قصر العدل أيلول/ سبتمبر 2016: "حين وضع الهاشميون أنفسهم في جبهة سنية ضد الشيعة، فقدوا الشرعية الدينية".

إيرانياً، ليس كل الهاشميين من آل البيت

لكن، حتى لو كان الخيار التاريخي الذي اتخذه الأردن هو الأصح كما ارتأى حتّر، لا يبدو أن كل "إيران" تعترف بأن الهاشميين من آل البيت، نقرأ في موقع "الحوزة" الذي يجيب على أسئلة المستفتين: "ليس كل بني هاشم من آل النبي. ما يجب أن نفهمه بوضوح هو أن كلمة "آل محمد" لا تشمل جميع المنتسبين إلى النبي، أي أن الكلمة لا تشمل معظم الهاشميين وذرية النبي محمد. ولو كان الأمر كذلك لاعتبر نوعاً من التفرقة، لأن كثيراً من المنسوبين إلى النبي لم يتبعوا خطاه، ولم يخدموا الإسلام كما أراد النبي. فإذا كان لهم جميعاً هذه الميزة وكان من الضروري تكريمهم، فهذا نوع من الدعوة إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات والاعتقاد بالامتيازات القبلية. وهذا المضمون يتناقض مع المبدأ القرآني القائل بإن الفضل للتقوى، وحتى مع الإسلام نفسه". 

ارتأى الكاتب الراحل ناهض حتر أن الأردن كان الأجدر به الترفّع عن النزاع السني الشيعي بدلاً من الانحياز إلى الهلال السني، وأن هذه السياسة –لو تم اتباعها- كانت سترفع الأردن إقليمياً وتكرس شرعية الهاشميين الدينية كعائلة مالكة في الأردن من آل البيت

بينما تبدو بعض الآراء الرسمية أو شبه الرسمية من داخل إيران أكثر تقارباً مع الرواية الرسمية الأردنية، فتصنف العائلة الهاشمية الحاكمة بأنها من آل البيت لأن نسبهم يعود للنبي محمد. بيد أن هذا التقارب أو التباعد بين الروايتين لا يؤثر -على ما يبدو- في السياسة الإيرانية تجاه الأردن الهاشمي وحكامه من آل البيت.

سياسات الدولة الدينية "غير دينية"

يقول الأستاذ الجامعي والكاتب يوسف ربابعة من الأردن تعقيباً على العلاقة الأردنية الإيرانية: "لا أظن أن سبب اتخاذ إيران استراتيجية مختلفة تجاه الأردن ينبع من كون العائلة المالكة من آل البيت، ذلك أن إيران تتعامل في سياساتها الخارجية من منطلق مصالحها الوطنية ومصالحها في المنطقة، وهي قضية استراتيجية وحساسة بالنسبة لإيران، ولذا فهي تتخذ موقفاً معتدلاً من الأردن ولا تريد التصعيد معه لأسباب جيوسياسة، إذ تريد أن تحفظ التوازن مع الدول التي تمثل محور الاعتدال من جهة، ومن جهة أخرى حفظ التوازن مع الدول التي تمثل السنة في المنطقة".

محللون: "إيران لا تقيّم علاقاتها الخارجية من المنظور الديني حتى وإن كانت دولة دينية، وإنما على أساس المصالح في المنطقة ولأسباب جيوسياسية". 

ويضيف في حديثه لرصيف22: "في نفس الوقت يتبنى الأردن سياسة معتدلة تجاه إيران ولا يتخذ مواقف حاسمة، وإن كان قد حصل أو يحصل في مراحل معينة، لكن يبدو أن الدولة اتخذت موقف الاعتدال من قضايا إيران وعلاقتها مع السعودية التي كانت متوترة".

يتفق معه في جزئية تنحية الفكر الديني من العلاقة بين البلدين المحلل العسكري الأردني د. عمر الرداد، يقول لرصيف22: "إيران لا تقيم علاقاتها على أسس دينية حتى وإن كانت دولة دينية، هي تعلم تماماً أن الهاشميين من آل البيت، لكنها تستطيع تجاوز هذا الأمر إذا استدعت مصلحتها هذا الأمر".

ويشير إلى أن الأردن أيضاً لا يعتبر المنطلق الديني نقطة ارتكاز في علاقته مع الجمهورية الإسلامية، وإلا لكان تاريخ العلاقات الدبلوماسية معها اتخذ مساراً آخر. وإلى أن المشاريع التوسعية الإيرانية في المنطقة ستكون دائماً حجر عثرة في تطور العلاقات بين البلدين. 

قوة الجار الخليجي  

بيد أن المرجعية الدينية المشتركة على اختلافاتها -إن صح التعبير- بين الأردن وإيران والمتعلقة بـ"آل البيت"، لن تكون كافية لبناء أرضية تفاهم مشتركة إذا أخذنا في الاعتبار كمية ونوع تضارب المصالح الذي يتأتى من التعارضات في المصالح العليا وعلى رأسها المصلحة الاقتصادية المرتبطة بشكل وثيق بدول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. 

فبالإضافة إلى حوالات المغتربين التي بلغت قيمتها 3.5 مليار دولار في العام 2023، والتي يأتي 80% منها من دول الخليج، يشكل الدعم الخليجي للأردن صمام أمان من التعثرات الاقتصادية وأحياناً السياسية، لا سيما المنح والمساعدات لا القروض، وأكبرها على الإطلاق كانت المنحة الخليجية التي امتدت على عشر سنوات وبدأت في العام 2011 وبلغت 5 مليارات دولار، والتي حالت دون اضطرار الأردن لاتخاذ إجراءات اقتصادية تقشفية كرفع دعم الخبز خلال فترة الربيع العربي والمظاهرات الداعية إلى الإصلاحات الاقتصادية.   

العلاقة الاقتصادية بالسعودية تحديداً شكلت نوعاً ما العلاقة السياسية،  لذا فمن البديهي ألا يتخذ الأردن في سياساته تجاه إيران أي خطوة تسبق خطوات الدول الخليجية في التقارب، أو -تزعجها-. 

وسطوة الحليف الأمريكي 

لكن ورغم قوة تأثير الجار الخليجي، يظل لوجود الأردن داخل "محور الاعتدال" وضمن حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة الكلمة الأخيرة، ومع وجود مجلس التعاون الخليجي داخل هذا المحور نفسه، لا يبدو السعي باتجاه تطوير العلاقات مع إيران أمراً وارداً في المستقبل المنظور، ما لم تتغير علاقة إيران نفسها مع حلفاء الأردن من القوى العظمى، سواء في المنطقة أو خارجها.  

فالولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت على مدى سبعة عقود أكثر من 20 مليار دولار كمساعدات للأردن بحسب موقع السفارة الأردنية في المملكة، كان آخرها منحة كبرى بقيمة 845 مليون دولار لدعم الموازنة العامة، ودائماً ما كانت الولايات المتحدة معنية باستقراره وغالباً ما وصفت المملكة بالصديقة والحليفة في الخطاب الرسمي الأمريكي، وبشقيه الديمقراطي والجمهوري.  

وبحسب دراسة لمعهد واشنطن عن العلاقات بين البلدين: "تدعم الولايات المتحدة الأردن باعتباره حليفاً قديماً في منطقة صعبة يتشارك فيها حدوده مع منطقة حرب نشطة في سوريا، ومع العراق غير المستقر بشكل دائم، بينما يشكل أيضاً عنصراً رئيسياً في أمن إسرائيل. وبالتالي، من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على الاستقرار في المملكة الهاشمية - التي تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري يمثلون حوالي 15 في المائة من سكان الأردن. وصحيح أن تكلفة المساعدة الأمريكية المقدمة إلى الأردن بالدولار مرتفعة نسبياً، إلا أن المزايا تنطوي على شراكة وثيقة في القضايا الأمنية والسياسية".

كذلك حرصت الولايات المتحدة خلال سنوات "الربيع العربي" على تقديم المساعدات الاقتصادية واللوجستية، ولم تشجع حراك الشارع بقدر ما دفعت باتجاه "الإصلاح لحفظ أمن الأردن"، ولعل جملة "معنيون باستقرار الأردن" هي الأكثر صدوراً من الإدارات الأمريكية المتعاقبة،  الأمر الذي جعل الأخير في الغالب متوائماً في سياساته الخارجية مع السياسات الأمريكية، وباستثناء الصراع العربي الإسرائيلي، قلّما نسمع تضارباً في التوجهات بينهما.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لا سلطان على الإنسان إلّا عقله

أُنزِلت الأديان رحمةً للعالمين، لكن هل كنّا نعلم أنّها ستُستعمل لمآرب متطرّفة لا تُشبه غايتها السامية؟ هل كنّا نعلم أنّها ستُستخدم ضدّنا، وعلينا، لتصبح خنجراً في الخاصرة، ليس بإمكاننا انتشاله كي لا يتفاقم نزفنا؟

بالإيمان الصوري، والتدين وجاهيّاً، والذكورية الصفيقة، والقداسة الموزعة "غبّ الطلب"؛ استعملت السلطات الدين، وسلّحته ضدّنا في العالم العربي، لتفريقنا، والسيطرة علينا وقمعنا.

"هذا ممنوعٌ وهذا مسموحٌ وذاك مرغوب، هذا حرامٌ وهذا حلال". لكن في رصيف22، شعارنا الوحيد هو "لا للعيش وفق تفسيرات الآخرين". 

Website by WhiteBeard
Popup Image