إلى اليوم الذي أكتب في هذه الكلمات، قُتلت في غزة أكثر من أربعة آلاف امرأة، تفاوتت أساليب القتل بين الأسلحة المحرّمة دولياً وبين الموت أثناء النزوح سيراً على الأقدام، إذ اضطرّت بعض النساء إلى النزوح أكثر من خمس مرات بين قطاعات غزة المختلفة، ونحو الجنوب باستمرار، وبعضهن متن برداً، وأخريات جوعاً، ومنهن من قتلن تحت الأنقاض، غير من تعرّضن للعنف في السجون، ناهيك عن الموت من القهر كل يوم. أين النسوية من كل هذا الموت والذل الذي تشهده النساء، وكيف فشلت النسوية المزيّفة من جديد؟
نسوية في حي شعبي
كل ذلك الاختلاف لم يعجب أحداً، حينها بدأت أبحث عن مفهوم وسبب لاختلافي يجعلني أتقبّله، وإن فشلت في تقبّله سأفشل بالضرورة في الاستمرار عليه، وسينتهي أمري بالخضوع للنظرة العامة الأكثر أماناً، والتي تجعل مني فتاة جيدة. ما الذي تريده الفتاة منا في النهاية سوى أن تكون محبوبة، أن تكون مطيعة فحسب؟ يبدو الأمر سهلاً.
صيحات النسوة البرجوازيات نحو المزيد من الإدارة والاستقلالية، زادت من الضغط المجتمعي على اللواتي لا تعلمن ما السر وراء الشركات، من لا يرتدين التنورات الضيقة ولا يملكن الرفاهية الكاملة للحصول على فنجان اللاتيه كل صباح
هن جميعاً، من أول العاملات في المصانع إلى الطبيبات في المستشفى، النساء في الشيفت الإضافي، من تقضين يومهن بالكامل بعيداً عن منازلهن، فلا تكن أبداً كافيات كزوجات أو ربات منزل، فيتعرضن لنوع ما من العنف في الدائرة الأكثر حميمية لهن.
تتسع الدائرة، فبعد أن كنت أرى أن النسوية ستنقذ هؤلاء النساء، رأيت يدها التي وضعتهن جميعاً في تلك الدائرة المفرغة من الضغط المجتمعي، فصيحات النسوة البرجوازيات نحو المزيد من الإدارة والاستقلالية، زادت من الضغط المجتمعي على اللواتي لا تعلمن ما السر وراء الشركات، من لا يرتدين التنورات الضيقة ولا يملكن الرفاهية الكاملة للحصول على فنجان اللاتيه كل صباح، و لن تحصلن، بأي شكل، على الحياة اللامعة التي حصلت عليها النساء في الطبقات الأعلى، ولم ينته الأمر عند تفاقم الطموح لدى تلك النساء وحسب، ولا على الضغط المجتمعي الواقع عليهن، بل أصبحت نساء المؤسسات بكل بساطة جزءاً من النظام الضاغط، بشكل مباشر أو غير مباشر، فهذه النسوية التي لا تراعي الشأن الطبقي أصبحت جزءاً رئيسياً لخدمة النظام الطبقي نفسه، وما زاد من تباين مفهوم النسوية مؤخراً، شكل الترويج لها على منصات التواصل الاجتماعي، فأصبحت دعوة النسوية كحل لفكرة العنصرية والعنف القائم على النوع مجرّد أشكال ربحية لخدمة مجموعة من النساء بعينهن، دون الالتفات للأغلبية العظمى التي لا تستفيد بأي شكل من مميزات النسوية، حتى مناهضة العنف ضد النساء هي وسيلة مبتورة الذراع عند الحديث عن المجتمعات الفقيرة، والتي يتلاعب نظام محكم الفساد في مصيرها ومصير نسائها بشكل خاص، فالمرأة الكادحة في بيئة عمل قد تكون في الشوارع لا تضمن لها أي خصوصية أو حماية لجسدها ولا لطاقتها المهدورة بمبلغ سخيف من المال، ومع ذلك هي لا تملك رفاهية التخلي عنه، فهو، بشكل ما، يحميها من عنف آخر في بيئتها الأكثر حميمية، نظام العمل كله يسلبها اختياراتها.
ماذا إذن عن نسوية من أجل 99%؟
هذه النسوية المزيفة التي تتحالف مع المراكز المالية العالمية في الولايات المتحدة بينما توفر غطاء لعداء الإسلام في أوروبا، هي نسوية الإناث صاحبات السلطة
صدر هذا المانفسيتو عام 2021، وتحرّكت هذه الموجة من الادعاءات والتوجهات نحو نسوية جديدة، لا تفرق في توجهها بين أي شكل من أشكال العنف والاضطهاد، وتحارب في الأصل النظام العالمي الذي يسحق الأقليات، والآن وفي 2024، وبينما تحدث الإبادة الجماعية في غزة و تهجّر النساء وتتم إبادتهن عرقياً، لم تنتفض النسوية من أجل هذا.
في نفس العالم الذي قتلت فيه لوسيا بيريز، عام 2016، والتي وقعت ضحية جريمة بشعة من التعدي عليها ثم تركها لتموت، فانتفضت النساء في الأرجنتين بصيحة نضالية بارزة "لن يحدث لامرأة أخرى"، فعبرت صرخاتهم إلى إيطاليا وإسبانيا والبرازيل وتركيا وبيرو والولايات المتحدة وتشيلي، وعشرات الدول من أجل فتاة واحدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...