شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ما لا يجبُ أنْ نتصالحَ معه

ما لا يجبُ أنْ نتصالحَ معه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الخميس 1 فبراير 202411:03 ص

بعد نحو ساعتين من الوقوف في طابور خانق، جاء دوري أمام موظفة في مصلحة حكومية، وقبل أن أقدّم لها معاملتي دخل شخص من ناحيتها وقدّم معاملةً فأهملتني الموظفة ريثما تنتهي من معاملة هذا الشخص الذي ربما كان زميلها، وهنا، ارتفع صوتي وسألت الموظفة عمّا إذا كان ما يحدث أمراً لائقاً، لم تجب الموظفة وإنّما أجاب الشخص قائلاً: "أيوه، إحنا نعمل اللي عايزينه".

هذه القصة المملّة، تلخّص رؤية دولة كالدولة المصرية، بموظفيها وأخطبوطها البيروقراطي لمواطنيها، أو تلخصها عبارة كالتي قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الجدل الذي دار حول جزيرتي تيران وصنافير، فقد وبّخ مواطنيه قائلاً: "مش عايز حد يتكلم تاني في الموضوع"، أو تخلصها عبارة شهيرة في مصر: "إنت مش عارف أنا مين"،

والمغزى أنّك كمواطن لا تتحرك في بلدك أو في دولتك محميّاً بالقانون، أو بأيّ معيار آخر، كالحقوق والواجبات والحرية والديموقراطية، والتسلّط على أي حال لا يضغط عليك من أعلى إلى أسفل فقط، إن احتكمنا إلى مفهوم كالديكتاتورية، وإنّما يضغط عليك التسلّط من كلّ اتجاه، مسقطاً قبل أي شيء كرامتك الإنسانية، وإلى حدّ أن تكون غير مرئيّ للآخرين.

رئيس الجمهورية يعتقد أنّه وحده الّذي يملك "حقّ الكلام"، إلى حدّ أنّه دعا مواطنيه إلى أن "يبطلّوا هرْي" في وسائل التواصل الاجتماعي

هذه قصة مملّة ثانية: تفصل بيني وبين البائع في دكان فاترينة من خشب وزجاج، يمتد منها رفّ عليه منتجات كالبسكويت والشوكولاته وغيرهما، وبينما أقف منتظراً أن يعطيني البائع علبة سجائر، تقدّمت سيدة من خلفي، التصقت بي التصاقاً كاملاً ومدت يدها وأخذت بسكويتاً وشوكولاته من على الرّف، وهنا التفتّ إليها قائلاً: "مش كده يا هانم والله"، وكان ردّها: "محصلش حاجة يا حاج"، ورددت قائلاً: "لا حصل، لأنّي لو عملت معاكي كده، هتقولي إنّي بتحرّش بيكي".

وفي الشارع المصري، في الحياة المصرية، في المؤسسات المصرية، في الأسواق المصرية، في أي مكان في مصر، لا تأمن حياد الآخرين تجاه جسدك أو وجودك أو نفسك، وإن لم تكن ذا يد عليا بالقوة أو بالسلطة أو بالمال أو بأي وسيلة من وسائل النفوذ، فإنّه من اليسير للغاية أن يداس عليك، وما يبدو تافهاً كقصة الموظفة الحكومية، أو قصة السيدة التي التصقت بظهري لكي تأخذ علبة بسكويت، يكون في أشكال أقسى وأمرّ يتعايش معها المصريون وكأنّها أمور طبيعية، أو المجتمع ككلّ لا يحتكم إلى نظام قيم يحفظ لكلّ فرد فيه موقعه وكرامته وإنسانيته.

وأعتقد أنّ هذا هو السبب الأساسيّ في فشل ثورة 25 يناير عام 2011، التي نادت من بين ما نادت بالكرامة الإنسانية، فيما المجتمع ذاته لا يعطي هذه الكرامة إلّا لمن يراهم محظوظين بالسلطة أو بالقوة أو بالمال أو بالنفوذ، وهذا أيضاً ما يعكسه فصل من فصول رواية "قاموس ماتشياو" للكاتب الصيني هان شاو غونغ، إذ يتحدّث الكاتب عن "حق التعبير" أو "حق الكلام" الّذي لا يعطى إلّا لأصحاب المواقع الأعلى، وخاصةً من الرجال، في مجتمع قرية ماتشياو جنوب الصين، وهؤلاء فقط من ستكون لهم "أهلية" للحديث في شؤون القرية العامة، وبالعودة من جنوب الصين إلى مصر، فإنّ رئيس الجمهورية يعتقد أنّه وحده الّذي يملك "حقّ الكلام"، إلى حدّ أنّه دعا مواطنيه إلى أن "يبطلّوا هرْي" في وسائل التواصل الاجتماعي.

وقف نائب برلمانيّ بملابسه الداخلية "الفانلة واللباس" على سطح بيته أمام شواية لحم، متحدّثاً كيف أنّنا نعيش مطمئنين في بلدنا ونشوي اللحم كما نشاء، والفضل في كل ذلك يعود لرئيس الجمهورية الّذي دعانا النائب البرلمانيّ إلى تقبيل حذائه

وسوف تشير قصة مملّة ثالثة إلى جوهر المأساة، إذ وقف نائب برلمانيّ بملابسه الداخلية "الفانلة واللباس" على سطح بيته أمام شواية لحم، متحدّثاً في فيديو عن الأمن والأمان في مصر، وذلك خلال الانتخابات الرئاسية في شهر ديسمبر الماضي، وكيف أنّنا نعيش مطمئنين في بلدنا ونشوي اللحم كما نشاء، والفضل في كل ذلك يعود لرئيس الجمهورية الّذي دعانا النائب البرلمانيّ إلى تقبيل حذائه، أو على حد تعبيره "نبوس جزمة الرئيس".

وإذ لا يكون التّدني مرئياً ومسموعاً أكثر من ذلك، ومن نائب ينوب عن الشعب، فإنّ ذلك بالضبط هو ما لا يجب التصالح معه على الإطلاق، فبغض النظر عن الأمن والأمان، وهما على أي حال معدومان في مصر، وبغض النظر عن الأزمات الاقتصادية، وبغض النظر عمّا آلت إليه ثورة 25 يناير عام 2011، فإنّ الكرامة الإنسانية تبقى المحدّد الأول لوجود الإنسان: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard