شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الثورة التي غيرتني سهواً مع البلاد

الثورة التي غيرتني سهواً مع البلاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والحقوق الأساسية

السبت 27 يناير 202412:54 م



انطلقت الشرارة، واشتعلت الأرض هذه المرة بلا رجعة، محاولات وتخمدها الحكومة، محاولات وتخمدها الحكومة. هذا اليوم تحديداً سلم الجميع أرواحهم للسماء، وخرجوا متحدّين الأرض وحكامها، الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت الأرض تنبت الشباب، وتتشرب الدماء التي تقع عليها لينمو بداخلها أكثر وأكثر، عيش، حرية، عدالة اجتماعية. مطالب بسيطة لدرجة أن الإنسان قد يبكي بلا توقف حينما يتأملها: رغيف من الخبز، وحرية لأفعل ما أريد، وعدالة بين كل أفراد الشعب، في الوقت الذي يزهد فيه بعض البشر في الحياة، ويتمنون لو يقتاتون فقط من الهواء حولهم والشمس فوقهم، وتراب الأرض أسفلهم، يرى البعض الآخر أن هذه المطالب كبيرة، وشوكة في الحلق، يستحق كل من يفكر فيها أن تنتزع حياته نزعاً، وأن يرى الجميع دماءهم حتى يتعظوا ويرضوا بما قسم واختار لهم الأخ الأكبر.

كانت الشوارع تعجّ بالناس، وقنوات التلفاز تنقل الأحداث لحظة بلحظة، فمنذ سنوات ومياههم الراكدة لا تجد صخرة صغيرة، اللهم إلا حركة تمرّد يسارية تخمد سريعاً، أو زوج ألقى زوجته من الشرفة بعد شجار حاد بينهم. كان الجميع يحلمون بغد أفضل، أما أنا، ونظراً لسنّي الصغير وقتها، فكنت أكره الثورة والثوار، وأرى أنهم زعزعوا الحالة الأمنية للبلاد، وتركونا عرضةً للبلطجية وأحداث الشغب. ما رأيته بعيداً وغريباً على التلفاز عرفت بعدما كبرت قليلاً أنه غير حياة ملايين المصريين للأبد.

*****

كنت ارتاد مكتبة المدرسة كثيراً، وكانت السجالات بيني وبين زملائي لا تنتهي، تارةً بسبب الإنجيل في يدي، وتارةً بسبب مسألة أتناولها بطريقة غير التي نتعلمها في المسجد، غير أني، ومع كل ذلك، كنت أحافظ على جذوري السلفية، وأعرف أن هناك معتقدات راسخة لا تتغير أبداً، ولو ضُرِبت بكل فؤوس الأرض، ولو أقيمت الصلوات والشعائر والطقوس.

هذه المعتقدات الراسخة بدأت بالاهتزاز بأكثر الطرق بساطة وغرابة، في هذه الأيام كنت أحب الفتيات من بعيد مثلي مثل باقي جيلي، وحتى حينما كنا نسرق من القدر ساعة ومن الأرصفة متراً مكعباً، كان الأفضل أن نثبت مدى تديّننا وارتفاع أخلاقنا بدلاً من استراق القبلات وتجربة ما نراه في الأفلام.

كان صوت الشيخ يرتفع بالكثير من الخشوع والتأثر في تأكيد أن الله في علاه أرسل تسونامي لأن امرأة كشفت عن قدمها أو بطنها على شاطئ البحر... مجاز

كنت أسمع قصص المرأة العفيفة التي قتلت نفسها لأن يدها لمست يد البائع، وكان الشيخ خالد الراشد خير من يصدح فمه بهذه القصص، وكان صوته يرتفع بالكثير من الخشوع والتأثر في تأكيد أن الله في علاه أرسل تسونامي لأن امرأة كشفت عن قدمها أو بطنها على شاطئ البحر.

هذه الصور عن المرأة تجعل المتدينين والمحافظين يبحثون عن نموذج محدّد للغاية من النساء، والحقيقة أن هناك طيفاً واسعاً من النساء يعددن أنفسهن جيداً ليكن مثلما سمعن من المشايخ الكبار، ولذلك يقتصر معظم الكلام مع الفتيات عن الأخلاق والعفة والصون، وأني سأكون لها كالصحابة، وستكون هي كزوجات الصحابة والصالحين، والحقيقة أن هذه الخطابات مازالت تجد صدى واسع في المجتمع المصري، خصوصاً في "زواج الصالونات"، فنجد أحياناً أن الاهل قد يقبلوا بالزوج لأنه لا يدخّن، أو لأنه يحافظ على صلاة الجماعة.

لا أنسى قصة الشيخ مازن حينما اجتمع بنا أثناء اعتكافنا في المسجد وقصّ علينا قصة زواجه، وكيف أن والدها أخبره أنه لا يريد مهراً لابنته غير القرآن، وكنا جميعاً متأثرين أشد التأثر، لكن ما لم يتحدث عنه الشيخ هو زواجه من ثلاث أخريات، وما لا يعرفه أن أمي كانت تحكي لنا كيف تشتكي زوجته الأخيرة من ضربه وتعنيفه لها.

يبحث الإنسان عن قصة، ويعشق الأسطورة ويقع في فخاخها، قد يمجّد لعام زواجه بآية من القرآن، لكنه لا يتحدث عن تعامله مع زوجته بشكل عملي وواقعي، أو عن رأيه في عملها أو خروجها أو سفرها، كل ما يملكه الزوج أسطورة، وكل ما تملكه الزوجة جحيم مستمرّ.

*****

ورقة خلف ورقة تسقط من شجرة التقويم، عشرات الشباب سكنوا القبور، اعتاد الناس الرصاص، وأعطيت الإشارة الخضراء لعدّاد الموت، كانت الأقدار ترقص بين الأمل واليأس، لكن لم تذهب الدماء سدى، وبعد 18 يوماً تنحى مبارك عن الكرسي، يستسلم أخيراً لقرار الشعب، فضحت ثورة يناير عشرات القضايا الأخرى، من أهمها القضية الدينية في مصر، فبعدما ضاعت سنوات على المشايخ وخطبهم، وعلى المواعظ والقصص التي تتحدث عن الوقوف في وجه حاكم ظالم، بدأت هذه القضايا تخبت سريعاً، ومن كانوا منذ قليل صلتنا مع الله، والطريق المتبقي بين السماء والأرض، أصبحوا يتنازعون على السلطة.

 الدعوة السلفية التي كانت تحرم الديمقراطية والأحزاب واللهث وراء الحكم، اكتشفت في يوم وليلة أن الأحزاب لن تضر الله كثيراً، وأقامت حزب "النور"، وبدأ صيته ينتشر، لا من خلال حب قطاع واسع من الشعب لشيوخه من الأساس، بل بسبب الدور السلفي المهم الذي حدث أعقاب الثورة وبعد التنحي، سواء من خلال اللجان الشعبية التي كانت تقسم الرجال في المنطقة وتعطيهم بعض الأسلحة مثل العصي والسيوف للدفاع عن منازلهم أو لترهيب البلطجية، خصوصاً بعد اقتحامات عديدة للمتاجر والبيوت، أو من خلال اهتمامها بجلب السلع الأساسية، وتنظيمها لبعض حركات الحياة اليومية.

أتذكر أن هناك شيخاً كان يقف على طابور العيش لينظم الناس، لكن الأمر كان أكبر من بعض الخضروات أو من مساعدة الداخلية في إحكام قبضتها الأمنية على الشوارع، ما يحدث على أرض الواقع أن جوهر هؤلاء الشيوخ وخطاباتهم بدأ يتغير بشكل كبير. لم أفق بعد من موقف الضبعة، وإذا بي أجد أن المواقف السيئة للمشايخ قد تكون على نطاق أوسع بكثير.

في الوقت الذي كانت تشق فيه السلفية طريقها نحو الحكم، كان الإخوان أيضاً يعودون لأحلامهم وأمانيهم التي خبت منذ مدة. قرّر الجميع التكالب على الحياة ونعمها الزائلة، من هنا ومع مرور الوقت، بدأت أتيقن أن هناك أمراً أكبر من الخطابات الدينية التي نشاهدها على التلفاز، فبالنظر لمرتبات وسيارات ومساكن المشايخ الذين يدعون للفقراء والمساكين، ويخبرون أن الرسول كان يأكل العيش بالزيت وأن الصحابة كانوا يربطون الصخور على بطونهم لتقليل الشعور بالجوع، بدأ الشعور بأن هناك مشكلة في جوهر كل هذا.

*****

من المحادثات البليدة مع بعض الفتيات، ومن محاولات إثبات التدين والأخلاق وأني سأكون لها في خجل عثمان وصرامة عمر ورجاحة أبو بكر وبلاغة علي إلى منة. عرفت منة بصدفة غريبة على فيسبوك، وتحدثنا كثيراً، لكن هذه المرة كنا نتحدث في أمور عادية، كنا نتحدث عن الفلسفة والتاريخ، وعن نظريات المؤامرة، وكلما تذكرت أو عرفت أمراً غريباً لا يعرفه معظم الناس، ذهبت إليها فوجدت لديها ما تقوله بشأنه، من هنا بدأت نظرتي للفتيات تتغير بشكل جذري، فها أنا للمرة الأولى أتعامل مع فتاة من لحم ودم، تتعارض تصرفاتها مع كل السرديات التي أرضعونا إياها منذ الطفولة، فكيف يمكنني تكرار الروايات التي تدور حول أن المرأة ناقصة عقل، هل يمكن تصديق هذه الروايات بعد مناقشة منة في أمر فلسفي، ومناقشة صديق لي في الأمر نفسه، فلا يفهم ما أقوله من الأساس؟

بالنظر لمرتبات وسيارات ومساكن المشايخ الذين يدعون للفقراء والمساكين، ويخبرون أن الرسول كان يأكل العيش بالزيت وأن الصحابة كانوا يربطون الصخور على بطونهم لتقليل الشعور بالجوع، بدأ الشعور بأن هناك مشكلة في جوهر كل هذا... مجاز

لكن كان الأمر أكثر تعقيداً حينها، فكنت بالفعل قد عرفت طريق الأدب والقراءة، وعرفت ما تفعله وتقدمه المرأة في كل المجالات، وعلى مر التاريخ، ربما ما ميز الأمر مع منة أنه يعتبر اختباراً على نطاق ضيق لما أراه في دوائر أوسع وأبعد من عالمي، ما غير كل شيء حقاً هو سؤال. في أحد الأيام أرسلت لي منة رسالة: "هتعمل أيه لو كل اللي نعرفه طلع غلط؟"، وكانت تقصد التقاليد والعادات والأفكار الموروثة والثوابت الاجتماعية. أغضبتني جملتها كثيراً، وظللت انتقد السؤال وطريقة التفكير المطروح بها، كيف يمكن أن يكون كل ما نعرفه خطأ؟ ومن سيحكم على هذا؟ أنا وهي في سننا الصغير هذا؟

ظننت أن رأسي لن تتلقى ضربة أكبر من هذه، خصوصاً وأن الأبواب الفكرية التي تفتح يصعب غلقها إذا كان لدى الشخص بعض الفضول. بعد أيام قليلة أرسلت لي رسالة أخرى تعتبر هي الضربة الأكبر لي وللخلايا العصبية في المخ: "هتعمل أيه لو الحاجات الدينية اللي عرفينها طلعت غلط؟".

قام السلفي الذي بداخلي من ثباته، وبدأ يصرخ في جو من الهرجِ والمرجِ والأقوال المتضاربة، هذه المرة لا يمكن أنها تقصد ما أرسلته بالفعل؟ ألا تنظر حولها لترى كيف تدل نسمات الهواء والوحش في الفلوت وتقسيم الأرزاق بين المؤمنين والغوغاء على أن كل ما نعرفه صحيح ؟

*****

عرفت سريعاً أن النقاش لن يجدي نفعاً، وأن معظم أدلتي وحججي أمامها تعتبرها من الدين نفسه، وهكذا فأنا أدور في دائرة مغلقة، مغالطة منطقية بسيطة لا توصلنا لأي شيء، لكن الذي لن تستطيع أن تجادل فيه هو الحقائق العلمية. علماء ناسا واكتشافهم للقمر المشقوق، والعلماء الذي درسوا بيوت العنكبوت، والثقوب السوداء الكنس، ومراحل خلق الحنين، وخلق الكون من ماء، وغيرهم عشرات الأدلة الموثقة. علماء غربيين اكتشفوا أن الإسلام دين الحق لأن إثباتهم العلمي الذي وصلوا إليه موجودٌ في صفحاته منذ 1400.

 أخبرتها بهذه الأمور العلمية، وتحدثت بالعقل رامياً بالعاطفة في صندوق خشبي مغلق في أعمق محيطات العالم، وأخيراً جاء الرد الذي انتظره، وهو أن آتي بدليل على كلامي، قصة واحدة موثقة عن عالم اكتشف مسألة علمية، ثم وجد في الإسلام ما يطابقها، ودخل الإسلام بعد ذلك.

عند هذه النقطة ظننت أن الأمر انتهى، دقائق وأحضر المراجع ويغلق هذا الباب وتعود حياتي إلى سابق عهدها. هرولت إلى صديقي العزيز جوجل، وبدأت أبحث عن القصة خلف القصة، المئات من المصادر العربية والإسلامية، لكن وبالقليل من البحث، تكتشف أنه لا يوجد شيء حقيقي تستند عليه هذه القصص، لا شيء على الإطلاق، صحراء فارغة، وكهف يرتد إليك فيه صوتك، تصرخ ولا يسمعك أحد، تجثو على ركبتيك وتفتح يدك نحو السماء وتبكي: يا الله... دليل واحد.

مرت الأيام والشهور والسنوات، وأنا لا أجد ما أعود به لصديقتي، حتى خفي حنين سرق مني، فالمشكلة لم تقتصر على عدم وجود الدليل العلمي القاطع، بل في عشرات ومئات الخيوط الجديدة التي تفتح لك كلما بحثت. سنوات وأنت تجري خلف الشقوق والرتوق وتحاول حل مسألة فتقع في شراك أخرى، وبعد أن يتسع الفتق على الرتق، وتستسلم تماماً، تضيء في ذهنك فجأة فكرة جديدة، لماذا هذه الطريقة من الأساس؟ لماذا نبحث عن الله في المعامل والأوراق البحثية، أليست الحياة أكثر رومانسية من هذا الجمود؟

*****

في عام 2019، أخرجت قناة الجزيرة فيلماً وثائقياً بعنوان "في سبعِ سنين" ترصد من خلاله التغيرات الفكرية والدينية التي طرأت على الشباب في المجتمع المصري بعد الثورة. تذكرت وأنا أشاهد الفيلم أصدقائي الذين قصّوا عليَّ كيف أثرت الثورة عليهم وهم لا يشعرون. صديقتي أريج مثلاً تعرفت على فيسبوك بسبب الثورة، وفتح لها فيسبوك العالم على مصراعيه، عرفت أن هناك أموراً أكبر من التي تعلمها، وعرفت كيف تعترض وتتمرّد، وكانت هذه المرحلة بداية خلعها الحجاب، وتفكيرها في كل شيء.

هذا التزامن العجيب بيني وبينها، عرفت مع الوقت أنه لم يكن حكراً علينا، وقد أثبت لي فيلم الجزيرة هذا الأمر، لكن لم تكن كل التغيرات نفوراً من رجال الدين، وتغير تفكيرنا في الحياة، وما تربينا عليه ومحاولة نخله وتفنيده ونقده، بل هناك من تغيروا على النقيض تماماً، فبعض الذين فقدوا الثقة في الشيوخ والخطب الدينية الرائجة لم يتخلوا عن هذه الحياة، بل تشبثوا بها أكثر واختاروا أن يكونوا أصوليين يدورون حول جوهر النصوص، وبالطبع تحول هؤلاء الشباب إلى مجاهدين، كما يسمون أنفسهم، تحولوا إلى حلقة أخرى في سلسال الدم، بعض هؤلاء الشباب أيضاً خرجوا من زنازين الحكومة وقد دفعهم ثأرهم الشخصي، وخوفهم من أن يكونوا جزءاً من دائرة كهربائية مرة ثانية لأن يحملوا السلاح ليكون لديهم بعض القوة.

يشرح الفيلم التحولات العاطفية البطيئة للملحد وللفتاة التي تقرّر خلع الحجاب، وبالقليل من التأمل في مجتمع متدين يهتم بالمظاهر مثلنا، ستعرف لم يمكن أن تتحول قصة خلع الحجاب إلى حكاية تناطح الأساطير. أرى أن أهم ما يميز الفيلم، وتجربتي، وتجربة البشر جميعاً هو سؤال واحد فقط: "أنت ليه خايف تفكر؟"، ولكن هذا السؤال يتطلب الكثير من الشجاعة مع النفس، كما يحتاج إلى الكثير من الحرية في المجتمع.

*****

لم تخرج الشخصيات المختلفة كثيراً في الفيلم وحكاياتها عن العواطف الجياشة، فالملحد الذي لم يجد في مشايخه ما يتفق مع نظرته عنهم قرّر أن يثور على كل شيء، حتى الإله والدين، بدلاً من الثورة على المشايخ نفسها، ونرى أنه وجد نفسه الجديدة في البار والسجائر، والتحدث مع الفتيات عن الإله بتعجرف، وعلى الناحية الأخرى، الشخص الذي قرّر أن يحمل السلاح ويقتل إنساناً آخر من أجل أفكاره، نجده يذوب بسهولة تحت وطأة سؤال عن حبه القديم، أو عن الأغنية التي يحبها، لكن الغريب أن هذا الإنسان الذي يقتل الإنسان حينما سُئل عن الجهاد وأراد أن يستشهد بحديث في فقه الجهاد، تعثر في قوله، فاستعمل جملة "فيما معناه". شاب صغير في السن قرّر أن يترك أغنيته التي يحبها والفتاة التي يرقص قلبه حين يراها، من أجل حديث لا يتعدى السطر الواحد، لا يتذكر نصه من الأساس.

طوفان المشاعر الجياشة التي صاحبت الثورة كان يلقي، غير مبال، بالشباب يميناً ويساراً، بعضهم فاق من سكره وأعاده العقل إلى طريق آخر، والبعض الآخر ظل أسير اللحظة الرومانسية الأولى التي غيرت حياته كلها... مجاز

*****

نزل الكثير من الحالمين بغد أفضل لتغير رئيس البلاد وتغير أحوالها، تغيرت الأحوال بالفعل، لكن على مستويات أكثر وأكبر من التي يتم رصدها، فالمجتمع الديني الذي عرفته في طفولتي تغير شكله للأبد.

طوفان المشاعر الجياشة التي صاحبت الثورة كان يلقي، غير مبال، بالشباب يميناً ويساراً، بعضهم فاق من سكره وأعاده العقل إلى طريق آخر، والبعض الآخر ظل أسير اللحظة الرومانسية الأولى التي غيرت حياته كلها. بين سؤال صديقتي الذي يحمل الشك على ما كل ما نحن فيه، وبين من وقفوا على العتبات لأنهم يخافون التفكير الكثير من العوالم والاحتمالات، لكن حتى يتنقل الإنسان فيهم يحتاج إلى الشعارات الأساسية للثورة، العيش، والحرية والعدالة الاجتماعية، وفهم الحرية هي النقطة الأهم هنا، لأن الإنسان حتى وإن كان ريشةً في مهب العواطف المختلف فلا يجب عليه أن يملي عواطفه على الآخر، فبين ليلة وأخرى تحول المؤمن بالله لمشكك، والمشكك إلى مؤمن، وبعضهم إلى إرهابي يمسك السلاح في وجه المختلف عنه، وفعل مثل هذا لن ينتهي إلى الفهم الحقيقي لأهمية إعطاء الآخرين حريتهم، بل تركهم على حريتهم قد يجعلهم مع الوقت على الفكر الذي نظن أنه الصواب، أو قد تغيرنا نحن الأيام ونفهم من التجارب ما كنا نجهل ونصبح مكانهم.

*****

تغيرت أفكاري بشكل كبير عقب الثورة، وبدأت مع تغير الدائرة التي حولي، بولوج أكثر وأكثر في كتابات الأديان والفلسفة والأدب، لكن رحلة التغير والتحول البطيء نحو حياة أكثر عقلانية، كان بها الكثير من علامات الاستفهام، وأتذكر أكثر ما أتذكر منها أحلامي في المرحلة الابتدائية بهدى، فكيف يمكن أن تتحقق أكثر من خمسة أحلام بهذا الشكل الروحاني، بطريقة لا تتعارض مع المعارف العلمية الجديدة؟

رحلة طويلة تشكلت ببطء، لكنها انفرجت في النهاية عن تفسيرات كثيرة، وحلول لأمور انغلقت أمامي مخارجها كثيراً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard