في العام 2008، بدأ خبير السياحة البيئية المهندس هاني زكي تصميم وتأسيس مجمع "زوارة إيكولودج" في الفيوم، وهو معسكر سياحي صديق للبيئة بُني من خامات طبيعية كجريد النخل والأخشاب والملح الجبلي والحجارة، وجميع العاملين فيه من السكان المحليين، ويقدم أطعمة تقليدية من محافظة الفيوم، تُطهى عبر تقنية الدفن في الرمال لتكون أكثر صحية.
استغرقت عملية التأسيس نحو عامين، ليبدأ المعسكر الواقع في أحضان صحراء وادي الحيتان في استقبال أول نزلائه عام 2010، وبعد ثماني سنوات من افتتاح المجمع، أقيم فيه بيت الفيوم الطبيعي الثقافي، وهو متحف بيئي يعرض التراث الطبيعي للفيوم والآثار القديمة.
ويعرف الإيكولودج أو المنتجع السياحي البيئي بكونه نوعاً جديداً من المنشآت، يعتمد على المصادر الطبيعية والهدوء لتصفية الذهن وتفريغه من ضغوط الحياة، ويضم أماكن مبيت صديقة للبيئة، ويعتبر محاولة لتحقيق التكامل بين العمارة والبيئة، لتقليل الأضرار الناتجة عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الحديثة.
أطعمة تقليدية وفعاليات فلكية
"راعيت البساطة في تصميم كامب زوارة وأن يكون دائري الشكل ليعطي طاقة إيجابية، واستخدمت الملح الجبلي لامتصاص الطاقة السلبية، وقسمته إلى غرف حجرية ومخيمات للإقامة"، هكذا يوضح هاني زكي لرصيف22.
ويضيف أن المكان يتيح ممارسة أنشطة مثل مشاهدة النجوم واليوغا والتأمل والسفاري وركوب القوارب والسير في الصحراء وتقديم محاضرات جيولوجية وزيارة بحيرة قارون ومحمية وادي الحيتان، وهي أنشطة تجذب الشباب المصريين والسياح الأجانب، لا سيما أن أسعار الإقامة مقبولة، إذ تقدر تكلفة إقامة شخص واحد في الغرفة الحجرية ليوم واحد بنحو 595 جنيهاً مصرياً، أي ما يعادل 20 دولاراً، بينما الإقامة في المخيم يبلغ سعرها 190 جنيهاً للفرد و475 جنيهاً لشخصين.
ويلفت إلى كون معسكره يُقدم لنزلائه في وجبة الغداء لحم الجدي والبط والدجاج المندي والمطهو بشكل طبيعي ودون دهون أو إضافات صناعية، بجانب السلطات والأرز والخضر، أما في وجبتي الفطور والعشاء فيعدون البيض المدحرج والفول بزيت الزيتون، ويراوح سعر وجبة الإفطار بين 120 و 165 جنيهاً (4 إلى 5.5 دولار)، والغداء بين 245 و 285 جنيهاً (8-9.5 دولاراً)، والعشاء بين 325 و 385 جنيهاً.
راعيت البساطة في تصميم الكامب وأن يكون دائري الشكل ليعطي طاقة إيجابية.
وبسبب بعده عن مصادر التلوث الضوئي وصفاء السماء فوقه، بجانب قرب موقعه نسبياً من العاصمة، وجد الدكتور عمرو عبد الوهاب، رئيس جمعية "مصطفى محمود لعلوم الفلك"، ضالته في معسكر زوارة لينظم فعاليات للرصد الفلكي ومشاهدة النجوم.
ويبين لرصيف22 أن تلك الرحلات والفعاليات تجذب محبي السياحة البيئية والفلكية والسفاري من مصريين وأجانب، لا سيما الأوروبيين واليابانيين، من مختلف الأعمار. وتتضمن الفعاليات محاضرات حول نشأة الكون والفيزياء الفلكية وأساسيات علوم الفلك والمعدات الفلكية واستخداماتها، كما تستخدم نظارات الواقع المعزز في تقديم عروض للأطفال بدءاً من عمر السادسة.
طاقة نظيفة ونظام تبريد طبيعي
وفي أقصى جنوب مصر، وعلى تل مرتفع في محافظة أسوان، أسس المصمم المعماري محمد عيسى رفقة شريكه عبد الحكيم عبده، فندقاً ومنتجعاً صديقاً للبيئة يجمع بين الطرازين النوبي والفرعوني، أطلقوا عليه اسم "كاتو دول" أو القرية النوبية.
استمرت عملية تشييده نحو خمس سنوات، لم يستخدم خلالها البناؤون الخرسانة وحديد التسليح أو أي مواد صناعية، بل اعتمدوا فقط على الطوب الأحمر على غرار الطريقة التي كان السكان الأصليون يبنون بها بيوتهم، وعلى طريقة حسن فتحي الذي اشتهر بطرازه المعماري الفريد المستمد من العمارة الريفية النوبية المتمثلة في بناء القباب والأقبية، ما يساعد على خفض درجات حرارة الغرف، إذ تسحب القبة الهواء الساخن للأعلى وتجعل الهواء البارد يهبط للأسفل كنظام تبريد طبيعي. كما بُني الفندق باتجاه الشمال الشرقي لاستغلال أقصى درجة إضاءة وتهوية، أما الحمامات والمطابخ فبُنيت لجهة الغرب.
ويقصد بالفنادق الصديقة للبيئة تلك التي تحد من انبعاثات الكربون، وتصمم للتأثير بشكل إيجابي على البيئة والمجتمع المحلي، وفي ظل أزمة المناخ العالمية بدأت كثير من الفنادق والمنتجعات السياحية في دول العالم التحول إلى تصميمات صديقة للبيئة. وتقع النزل البيئية في بيئات طبيعية نقية، وتتميز بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وحماية التراث الثقافي المحلي ومصادر دخل المجتمعات المحلية، وتوجد عدة نزل صديقة للبيئة في جميع أنحاء مصر، من الصحراء الغربية وصولاً إلى ساحل البحر الأحمر.
ووفقاً لعيسى، فقد تمت عملية البناء والديكورات يدوياً، واعتمد تصميم المنتجع على المنظر الجمالي الصحراوي مستخدمين نباتات عصارية لا تتطلب الكثير من المياه، ويعتمد الفندق على مصادر الطاقة النظيفة، كالطاقة الشمسية للإنارة الخارجية والسخانات الشمسية داخل الفندق، بجانب الإضاءة الداخلية بلمبات الليد الموفرة للكهرباء.
استعنا بعناصر من البيئة في ديكورات المنتجع، مستخدمين ألواناً طبيعية مستخلصة من أكاسيد الحجارة، وخاصة الأصفر والأخضر والأزرق النيلي لارتباطها بالطراز النوبي، أما قطع الأثاث فهي مصنوعة من الأخشاب، وتكاد تكون التكنولوجيا العالية غائبة لإبعاد النزلاء عن نمط الحياة السريعة
وتحاول إدارة الفندق خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عنه. يقول عيسى: "استعنا بعناصر من البيئة المحيطة في ديكورات المنتجع، مستخدمين ألواناً طبيعية مستخلصة من أكاسيد الحجارة، وخاصة الأصفر والأخضر والأزرق النيلي لارتباطها بالطراز النوبي، أما قطع الأثاث فهي مصنوعة من أخشاب شجر السرسوع والزيتون لاحتمالها لدرجات الحرارة العالية. وتكاد تكون التكنولوجيا العالية غائبة عن المنتجع لإبعاد نزلائه عن نمط الحياة السريعة، وتقدم أطعمة عضوية طازجة ومأكولات محلية مطهية في أواني فخار".
ويشير إلى أن السياح من شرق أوروبا هم أغلب النزلاء وهناك أمريكيون وشرق آسيويون ومصريون. وتصل تكلفة الإقامة في هذا النزل البيئي إلى نحو 4000 جنيه لشخصين في الليلة الواحدة أي ما يقارب 135 دولاراً.
جدران ملحية وأسقف من جذوع النخل
وفي الصحراء الغربية حيث واحة سيوة التي تبعد نحو 300 كيلومتراً عن ساحل البحر المتوسط، توجد عدة فنادق ومنتجعات صديقة للبيئة، أبرزها أدريرار أميلال وكنوز شالي وديزرت لودج وقرية بساطة والطرفة لودج والكرم البيئي.
يقول لرصيف22 المرشد السياحي أحمد سليمان، الذي يعمل مسؤولاً للحجوزات، إن هناك عوامل تجعل الفندق صديقاً للبيئة، بدءاً من طريقة ومواد البناء مثل حجر الكرشيف المستخرج من الأراضي العالية الرطوبة والملوحة بسيوة، وأكثر من 60% من تكوينه من الملح ذي الفوائد العلاجية، ولا تستخدم مواد البناء الحديثة كالإسمنت وحديد التسليح، وتصنع الأسقف من جذوع النخل، ويكون الفندق محاطاً بالنخيل أو المياه مما يبعث على الراحة النفسية، بينما الأغطية من صوف الأغنام والأثاث مصنوع من جريد النخيل، وتسخن المياه بواسطة طرق بدائية صحية.
ويضيف أن الأطعمة المقدمة للنزلاء طازجة وغير مُصنعة، ويتم طهو أكلات سيوية تراثية صديقة للبيئة. وفي بعض الفنادق تظهر التكنولوجيا بشكل محدود كوجود مراوح وقوابس تسمح بشحن الهواتف أو الأجهزة اللوحية، على عكس فنادق أخرى لا توجد فيها كهرباء ولا أي تكنولوجيا.
ويُبيّن سليمان أن البحث عن العزلة والبساطة والاسترخاء والتجربة الجديدة والسياحة العلاجية، هو ما يجذب السياح وبعض المصريين للإقامة في فنادق سيوة الصديقة للبيئة، مشيراً إلى أن تكلفة الإقامة فيها ليست مرتفعة مقارنة بتعرفة الفنادق التقليدية، فتبلغ للفرد الواحد 935 جنيهاً (30 دولاراً) لليلة الواحدة و1400 جنيه لشخصين في الليلة.
الانصهار مع روح المكان وتراثه
بحكم تنظيمها لرحلات يوغا علاجية بواحة سيوة، خاضت مدربة اليوغا مروة كمال تجربة الإقامة في عدد من النُزل والمنتجعات هناك، تقول لرصيف22 إنها فنادق بيئية كلياً، وبعضها مبني بالملح الذي يُحسّن التنفس والحالة النفسية، ويخلو من الكهرباء والتكنولوجيا، وهناك فنادق شبه بيئية مبنية بالطين وحجر الكرشيف.
ووفقاً لمروة، تستقطب هذه النزل من يأتون للواحة بغرض السياحة العلاجية وتجربة الدفن في الرمال، بدءاً من حزيران/ يونيو حتى تشرين الأول/ أكتوبر، ومعظمهم من الأجانب، والسياحة الترفيهية من الخريف وحتى أواخر الربيع لزيارة قلعة شالي وقاعة تتويج الإسكندر الأكبر، ومعظمهم من المصريين، مشيرة إلى أن الأطعمة التي تقدمها تلك الفنادق تُطهى في أفران طبيعية داخل حفر تحت الرمال الساخنة.
استمرت عملية تشييد الفندق نحو خمس سنوات، لم يستخدم خلالها البناؤون الخرسانة وحديد التسليح أو أي مواد صناعية، بل اعتمدوا فقط على الطوب الأحمر على غرار الطريقة التي كان السكان الأصليون يبنون بها بيوتهم، وعلى طريقة حسن فتحي الذي اشتهر بطرازه المعماري الفريد
وعن تجربة الإقامة في أحد هذه الفنادق، يتحدث الدكتور أحمد فتحي وهو أخصائي أمراض جلدية، فيشير إلى تجربته لأكثر من فندق، كانت بعيدة عن كل أشكال الحداثة، دون كهرباء وشبكات محمول وإنترنت، مع إضاءة بالمشاعل والشموع المصنوعة من عسل النحل، وأثاث صديق للبيئة مصنوع من الملح وأخشاب شجر الزيتون والنخل والحرير والقطن المصري ومطرز على النهج السيوي، كما أن معظم هذه الفنادق صحية بامتياز، فممنوع التدخين فيها، والخضر والفاكهة تأتي من مزارع بدون أي كيماويات ومياه الشرب من الآبار.
ويوضح فتحي لرصيف22 أن تلك الفنادق جذبته لبعدها عن الفخامة والرفاهية، وانصهارها مع روح المكان وتراثه، والتزامها بنفس نمط البناء في المنطقة، ومحاكاة تجربة عيش السكان المحليين. وكونها أكثر صحية، وهو ينصح الآخرين على الدوام بزيارتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...