من دون مبالغة، يمكن القول إن تاريخ القضية الفلسطينية وشكل علاقة العرب بإسرائيل يُكتبان ويُرسمان الآن، وذلك حتى لا نكرر كارثة الماضي حين غاب التدوين فتاهت الحقيقة، وحلّت محلها رواية مصطنعة، مبنية على معلومات مجتزأة، تم إخراجها لتخدم السردية الصهيونية عن الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم.
للتاريخ والأجيال القادمة حقٌ علينا في أن نكتب قراءتنا في نطاق معرفتنا وما نشاهده بأعيننا، عما يحدث في غزة اليوم. ومن أهم النقاط التي يجب توضيحها، طبيعة علاقة إيران بحماس؛ هل خططت إيران لعملية "طوفان الأقصى"، ودرّبت وموّلت، أم أن ما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عملية فلسطينية خالصة؟
ما بين غزّة وإيران، تردد اسم قاسم سليماني مرتين في أسبوع واحد؛ فهل خططت إيران لعملية "طوفان الأقصى"، ودرّبت وموّلت، انتقاماً لسليماني، أم أن ما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عملية فلسطينية خالصة؟
ما بين غزّة وإيران، تردد اسم قاسم سليماني مرتين في أسبوع واحد؛ فما هو الخيط الواصل والخط الفاصل بين القصتين؟ هل صنعت إحداهما الأخرى؟ أم هل سعى طرف إلى استغلال الآخر والقفز فوقه؟
الانتقام لسليماني وتفجيرات قبره
"إن عملية طوفان الأقصى كانت إحدى عمليات الانتقام لاغتيال سليماني، التي سوف تستمر طويلاً"؛ بهذا صرح المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف، في أعقاب اغتيال مستشار الحرس الثوري الإيراني في سوريا، العميد رضي الموسوي، إثر غارة إسرائيلية يوم 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ما أكسب تصريح شريف ثقلاً يتجاوز مداه حدوده، تطابقه مع تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال"، الذي كشف وفقاً لمصادر مطلعة، أن من خطط لعملية "طوفان الأقصى"، هم ضباط من الحرس الثوري الإيراني، الذين لم يقتصر دورهم على التخطيط فحسب، بل امتد ليشمل تدريب عناصر حركة حماس على تنفيذ المهمة.
توافق التقرير مع أصابع الاتهام الموجهة من إسرائيل والولايات المتحدة إلى طهران بالضلوع في ما وصفتاه حينها بالعمل الإرهابي. وقبل أن تكبر القصة، نفى المرشد الإيراني علي خامنئي، في اليوم نفسه الذي نُشر فيه التقرير، أي علاقة لبلاده بالعملية، وعدّ أن الاتهامات الموجهة إلى الحرس الثوري لا تعدو كونها دعايةً صهيونيةً لاستهداف بلاده، وهو ما أيّدته قيادات حماس، ولاحقاً أشار إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
لكن تصريح المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري الإيراني مؤخراً، والذي نسب عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى بلاده، أعاد السردية الإسرائيلية إلى الواجهة مجدداً، وأكسبها هذه المرة مصداقيةً حاول نتنياهو التكسب منها إلى أقصى درجة ممكنة.
مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى قال إن "طوفان الأقصى" كانت من تدبير بلاده انتقاماً لتصفية قاسم سليماني، ثم تراجع الحرس الثوري عن التصريحات تلك. فكيف ستنتقم إيران لمقتل رضي الموسوي؟
فها نحن إزاء مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى قال بصراحة إن "طوفان الأقصى" كانت من تدبير بلاده انتقاماً لتصفية قاسم سليماني. وسرعان مع أصدر الحرس الثوري بياناً مقتضباً، تراجع فيه عن تصريحات المتحدث الرسمي المتلفزة، موضحاً أن "نتائج" عملية "طوفان الأقصى"، "تتماشى" مع خطط الانتقام لقاسم سليماني.
مكاسب إيران من حرب غزة
محاولة فهم علاقة إيران بعملية "طوفان الأقصى"، تبدأ من استيعاب ترتيبات المشهد الإقليمي ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فحتى وقت قريب، كانت الهرولة صوب ركوب قطار التطبيع سيدة الموقف في الشرق الأوسط، وهو القطار الذي مرّ بعواصم عدة من المحيط إلى الخليج، وذلك بعد أن نجحت إسرائيل إلى حد كبير في إقناع الدول العربية الفاعلة في المنطقة بأن الخطر الحقيقي الذي يعيق استقرار الإقليم ليس القضية الفلسطينية، وإنما النفوذ الإيراني، وأن التحالف مع تل أبيب هو الخلاص الحقيقي لها من "الخطر الشيعي".
من هنا تصبّ "طوفان الأقصى" في صالح إيران إذ خدمتها بكسر الطوق عنها، وبدا ذلك جلياً في دعوتها إلى مؤتمر القمة الإسلامية المنعقد في الرياض، فضلاً عن أن الضغط على إسرائيل يخفف الضغط عليها.
لكن السؤال هنا: هل تحققت تلك المكاسب لإيران بفعل الأقدار، أم أنه كان لها دور محوري في صناعة الطوفان؟
سلاح غزة
اختصار فكرة المقاومة الفلسطينية المسلحة في "حماس" قراءة منقوصة، وتقدير غير دقيق للمشهد، سواء على الأراضي الفلسطينية أو عبر إمدادات وتشابكات إقليمية مع الدول الفاعلة. فالحقائق تخبرنا أن هناك ثلاثة تنظيمات مسلحة رئيسية في فلسطين، وليس تنظيماً واحداً.
1- كتائب شهداء الأقصى
ظهرت "كتائب شهداء الأقصى"، خلال الانتفاضة الثانية كذراع شبه عسكرية مرتبطة بحركة فتح، بالرغم من عدم الدعم المعلن لقيادات فتح لها أو الاعتراف بها رسمياً كذراع عسكرية للحركة. وبعكس "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، فإن نهج "كتائب شهداء الأقصى"، كان متناغماً مع توجهات حركة فتح من حيث الميل إلى الحل السياسي وتبنّي نهج وسطي أقرب إلى العلمانية.
لكن التحول الأبرز في مسار الكتائب حدث في النصف الثاني من العام 2001، في أعقاب اغتيال زعيم الكتائب ياسر بدوي، لتميل شهداء الأقصى أكثر نحو الكفاح المسلح، وإن اقتصر هذا الميل بشكل عام على استهداف الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما تم على إثره تصنيفها منظمةً إرهابيةً من قبل الولايات المتحدة، بالرغم من أنه لا تربطها أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران.
2- كتائب سرايا القدس
تمثل الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي التي تتبنى المقاومة المسلحة طريقاً وحيداً لتحرير فلسطين وإنهاء الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. تأسست سرايا القدس عام 1981، تحت اسم "مجموعة الطليعة الإسلامية"، على يد الأمين العام السابق للجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي. مع الوقت، تطورت عملياتها من الطعن الفردي إلى العمليات العسكرية النوعية، وبفعل قوة علاقتها بإيران باتت لديها صواريخ متقدمة ومسيّرات استطلاعية وهجومية وقاذفات صواريخ، ونجحت سرايا القدس في تنفيذ مهام عسكرية وفي توسيع عملياتها العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة والعمق الإسرائيلي وجنوب لبنان.
3- كتائب عز الدين القسام
"كتائب عز الدين القسام" هي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقد تكونت عام 1986 تحت اسم "المجاهدين الفلسطينيين" على يد صلاح شحادة، وظلت تحمل ذاك الاسم حتى عام 1992، حين غيّرته إلى "كتائب عز الدين القسام"، التي تُعدّ جزءاً أصيلاً من تكوين حركة حماس، تنظيمياً وإدارياً وإن كانت مستقلةً إلى حد كبير عسكرياً.
وبنظرة إجمالية، يمكن القول إن اختصار المقاومة الفلسطينية المسلحة في "كتائب عز الدين القسام"، أمر مخلّ، فهناك تنظيمان آخران غيرها. الفرق هنا هو علاقة تلك التنظيمات بالقوى الإقليمية من حيث التمويل والتدريب.
في محادثة هاتفية مع اللواء سيد غنيم، الخبير العسكري لحلف الناتو، يكشف الرجل أن الأموال تأتي للجميع بالأساس من قطر وتركيا وإيران. لكن هناك تقسيمة داخلية، فحماس تلقى دعماً قطرياً، أما إيران فتتولى دعم "سرايا القدس"، الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي.
هذا لا يعني أنه لا علاقة لحماس بطهران. هناك دعم بالطبع، لكن لا يمكن عدّها إحدى أذرع إيران في المنطقة، فهي ليست حزب الله على سبيل المثال. وإذا أردنا دراسة عمليات التسليح، خاصةً الصواريخ الحمساوية -والحديث ما زال لغنيم- فمن الثابت أنها صُنعت في غزة ولا خلاف على ذلك، لكن السؤال هو: كيف صُنعت؟
تشير التقارير إلى أن المكونات أتت من إيران، والتقنية والفنيات أتت من روسيا، أما التصنيع فتم في غزة. وعليه فإن دور إيران في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لا يعدو ذلك النطاق، أما ما ادّعاه الجنرال الإيراني بأن الحرس الثوري هو المخطط والمدبر لطوفان الأقصى، فلا يعدو كونه قفزاً فوق النتائج ليس إلا.
ويبقى السؤال الآخر والأكثر غموضاً: كيف دخلت المواد الأولية اللازمة لصناعة الصواريخ من إيران إلى غزة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه