شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
براءة التغيُّر المناخي… كيف خنقت السياسات العامة ونقص المياه محصول القطن في مصر؟

براءة التغيُّر المناخي… كيف خنقت السياسات العامة ونقص المياه محصول القطن في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الأحد 7 يناير 202403:59 م

في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت السلطات المصرية عن خفض مستهدفاتها في تصدير القطن الخام بنسبة 60% دفعة واحدة، بعد موسم كانت تأمل أن تحصد من خلاله حصيلة دولارية اتساقًا مع ارتفاع نسبة إسهام المنتجات الزراعية في الدخل الدولاري للبلاد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، التي اتجهت فيها الدولة للتركيز على تصدير الحاصلات الزراعية لدعمها في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

بررت الحكومة قرارها بحسب البيان الرسمي، بإعطاء الأولوية لاحتياجات المصانع الحكومية (4 مصانع ضخمة) من القطن الخام على حساب التصدير، ولكن هل هذا هو السبب الوحيد؟

بحسب الأرقام الرسمية المعلنة على لسان الدكتور مصطفى عطية رئيس مركز بحوث القطن في مصر، تراجعت المساحة المنزرعة قطناً في مصر من 332 ألف فدان في موسم 2022، إلى 225 ألف فدان فقط في الموسم المنتهي في (نوفمبر/ ديسمبر 2023)، أي أن المساحة تراجعت بنسبة 32.22% خلال موسم واحد فقط، كما تراجعت إنتاجية الفدان وهو ما عزته الحكومة إلى ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي على الرغم من الدراسات العلمية الصادرة عن مراكز الأبحاث الحكومية نفسها، التي أكدت أن الاحترار في صالح محصول القطن في مصر، فما هي الأسباب الحقيقية لتراجع إنتاج القطن؟

عزت تصريحات رسمية في مصر تراجع إنتاج القطن في الموسم الحالي إلى ارتفاع درجات الحرارة ما تسبب في تراجع إنتاجية الفدان إضافة إلى تراجع المساحات المزروعة قطناً، فهل الاحترار هو السبب الحقيقي؟

منظومة القطن الجديدة

في العام 2020، أعلنت وزارة قطاع الأعمال المصرية التي تدير شركة "مصر لتجارة وحليج الأقطان" المملوكة لها اعتباريًا، عن بدء تطبيق ما يسمى "منظومة تجارة وتداول الأقطان" والتي تعتمد على تولي الوزارة عبر الشركة جمع إنتاج القطن من الفلاحين، وإدارة المزادات لبيع تلك الأقطان. وبحسب نص البيان الرسمي للوزارة فإن المنظومة الجديدة تعتمد على "استلام الأقطان مباشرة من المزارعين دون وسطاء في مراكز للتجميع في مختلف المناطق المزروعة بالقطن، وتطبيق نظام المزايدة العلنية مع ربط سعر الفتح بالسعر العالمي للأقطان، بما يحقق السعر العادل للمزارعين".

بدأ تطبيق المنظومة الجديدة في موسم 2021 بعد إعلانها في العام السابق عليه، ثم طُبِّقت في الموسم الماضي 2022 الذي شهد زيادة تاريخية في مساحة الأراضي المزروعة بالقطن قبل أن تعود تلك المساحة لتنخفض إلى مستويات أدنى مما كانت عليه في موسم 2021 حسبما يظهر تتبع بيانات الهيئة العامة لاختبارات وتحكيم القطن والتصريحات الرسمية التي تفيد بالمساحات المزروعة التي أدلى بها مدير معهد بحوث القطن على مدار المواسم الثلاثة.

في كلمته أمام مجلس النواب في نهاية موسم 2022، أكد وزير الزراعة السيد القصير للنواب الحاضرين أن "منظومة تسويق القطن الجديدة حققت أسعارًا مناسبة للمزارعين".

مهندس زراعي: "منظومة القطن الجديدة فكرة وليدة تشبه النظام التعاوني وبالتالي فهي تحمي الفلاح والقطن، حيث أصبحت الدولة تأخذ القطن من الفلاح مباشرة وقلصت دور التاجر، وتحمي القطن من تدهور السُلالات"

ومع اهتمام الصحف المصرية بتصريحات الوزير، فات كثير منها الإشارة إلى أن تصريحات الوزير نفسها أتت في معرض رده على استجواب مقدم من لجنة الزراعة بالمجلس بشأن شكاوى الفلاحين من انخفاض سعر توريد القطن للشركات بعدما احتكرت الحكومة عبر المنظومة الجديدة جمع وبيع القطن نيابة عن الفلاحين. وعدم التزام الحكومة في هذا الصدد بما تفرضه منظومتها المعلنة بربط سعر فتح مزادات القطن بالسعر العالمي، لتكون الحصيلة هي انخفاض سعر توريد قنطار القطن عن السعر العالمي بنهاية المزاد (بحسب المنظومة فإن السعر العالمي هو السعر الافتتاحي) ما سبب خسائر جمة للفلاحين، حسبما رصدت لجنة الزراعة في البرلمان.

رصيف22 تحدث إلى عدد من ممثلي الأطراف المعنية بزراعة وتسويق القطن للتعرف على مدى ارتباط السياسات الرسمية بتراجع معدلات زراعة وإنتاج القطن في مصر، وما يعنيه ذلك لمستقبل تلك السلعة التي كانت مصر تعدها "من المحاصيل الاستراتيجية".

المهندس عبد المنعم الشاذلي، من ضمن الكوادر العاملة في منظومة القطن الجديدة، وهو مهندس زراعي يعمل لصالح شركة الشرقية للأقطان، ومدير إدارة التسويق والمشتريات بقطاع التصدير سابقًا.

يشرح الشاذلي لرصيف22 إن منظومة القطن الجديدة "فكرة وليدة تشبه النظام التعاوني وبالتالي فهي تحمي الفلاح والقطن، حيث أصبحت الدولة تأخذ القطن من الفلاح مباشرة وقلصت دور التاجر، وتحمي القطن من التدهور السُلالي للأصناف لأن بعد خروج القطاع العام من تداول القطن سنه 1994 وترك القطن للتجار وشركات القطاع الخاص حتى عام 2019، أدي لتدهور الصنف طويل التيلة، أما الآن دخل القطاع العام مرة أخري كمنافس لشركات القطاع الخاص وبالتالي يوجد رقابة على القطن وهذه المنافسة في المزادات ترفع من سعر القطن".

اتجهت الدولة خلال العامين السابقين إلى التوسع في بيع حصصها في مصانع وشركات الأسمدة المحلية إلى صناديق سيادية عربية في ظل الأزمة الدولارية الخانقة، وارتفعت حصيلة تصدير الأسمدة المحلية في خطوة احتفت بها الأجهزة الرسمية من دون التفات إلى تبعات ذلك على الإنتاج الزراعي المحلي

الشاذلي الذي يجد في المنظومة خطوة إيجابية تفيد الفلاحين وغيرهم من الأطراف المرتبطة بزراعة القطن، يعتقد أن الحرب الروسية الاوكرانية هي السبب في تراجع مساحة زراعة القطن، "زيادة أسعار الغذاء دفع الفلاحين لتفضيل زراعة المحاصيل الغذائية على حساب القطن" إلا أن افتراضاته لا تدعمها إلى الآن أية دراسات صادرة عن الجهات البحثية المعنية التابعة لهيئة البحوث الزراعية في وزارة الزراعة المصرية أو غيرها من المراكز والجهات الإحصائية الرسمية أو المستقلة.

جلاء الحلاج، مزارع قطن في مدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ، يقول لرصيف22 إنه تحمس لمنظومة القطن الجديدة لما تضمنته من عودة "القطاع العام" - يقصد شركات الدولة - لتداول القطن "بدلًا من ترك الفلاح في مواجهة التجار"، إلا أن المعلن عن المنظومة الجديدة في التصريحات الحكومية لا يجري تطبيقه على أرض الواقع.

بحسب الحلاج، انخفضت خلال الموسم المنتهى جودة الإنتاج ومعدلات إنتاج الفدان الواحد، نتيجة ضعف نقاء البذور وسوء المبيدات المستوردة التي أتيحت للفلاحين مقابل اختفاء الأسمدة المحلية عالية الجودة.

واتجهت الدولة خلال العامين السابقين (2022- 2023) إلى التوسع في بيع حصصها في مصانع وشركات الأسمدة المحلية إلى صناديق سيادية عربية في ظل الأزمة الدولارية الخانقة، وعلى ضوء ذلك؛ تغيرت السياسات المتعلقة بتوزيع الأسمدة لتتراجع قدرة الدولة على كفاية احتياج السوق المحلية، وارتفعت حصيلة تصدير الأسمدة المحلية في خطوة احتفت بها الأجهزة الرسمية من دون التفات إلى تبعات ذلك على الإنتاج الزراعي المحلي.

التغير المناخي برئ

أما علي محمد السعيد التمامي، المزارع في مركز شربين بالدقهلية، فيؤكد لرصيف22 إنه قرر خفض المساحة المزروعة قطن من 9 أفدنة في العام 2022 إلى 4.5 فدان فقط في الموسم االمنتهي في 2023، ويواصل "والله هيخلوني ترحم على يوسف والي (وزير الزراعة الأسبق الذي أدين بالفساد) أيامه كانت بذرة القطن أفضل من البذرة الحالية. الآن نواجه فساد البذرة وفساد الأدوية والمبيدات لعدم وجود رقابة، وليس بسبب ارتفاع الحرارة كما يدعي المسؤولين، لأن القطن يتحمل الحرارة العالية، لقد كلفتني هذه الأدوية وحدها ما يقرب من 25 ألف جنيه، وأنا ضد أسعار المنظومة وقُمت بتخزين قطني للعام القادم".

رئيس بحوث تنمية القطن: انخفاض كميات المياه المتاحة للإنتاج الزراعي كانت ذات أثر مباشر على زراعة القطن وغيره من المحاصيل الزراعية هذا العام، كما تراجعت نسب المغذيات في التربة، ولم تعوضها الأسمدة المستخدمة، علاوة على انتشار الإصابة بدودة لوزة القطن

في ورقتها المنشورة بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على قطاع الزراعة في مصر"، عبر شبكة اتصال التنمية الزراعية والريفية، تبين الدكتورة سامية المرصفاوي أستاذ البحوث الزراعية أن التغيرات المناخية "تؤثر تأثيرًا ايجابيًا على إنتاجية محصول القطن، وسوف تزداد إنتاجيته حوالى 17% عند ارتفاع درجة حرارة الجو حوالي 2°م. وسوف يرتفع معدل الزيادة فى هذا المحصول إلى حوالى 31% عند ارتفاع درجة الحرارة 4°م، ومن ناحية أخرى سوف يزداد استهلاكه المائي حوالي 10% مقارنة باستهلاكه المائي تحت الظروف الجوية الحالية".

على الجانب الآخر، يطالب التمامي بتعيين "وكيل وزارة يكون مساعد الوزير للقطن فقط، يهتم بالأدوية والإرشاد الزراعي كما في السابق، مطلوب وزير للزراعة يكون مهندس زراعي حاسس بما يعانيه الفلاحين، لا نريد وزير أكاديمي نازل علينا من السماء ولا من البنك الزراعي مثل الوزير الموجود حاليًا، ونحتاج نقيب الفلاحين في كل محافظة، وأتمنى يكون تصنيع وبيع الأدوية تحت إشراف وزارة الزراعة لأن معظم الأدوية مغشوشة".

تصدير المبيدات والأسمدة المحلية أضرت بالقطن

الدكتور أحمد عبد المغني، رئيس بحوث تنمية القطن بالمعهد القومي لبحوث القطن، فسر لرصيف22 أثر التغيرات المناخية الذي تدفع به السلطات سببًا لتراجع الإنتاجية، موضحاً أن انخفاض كميات المياه المتاحة للإنتاج الزراعي كانت ذات أثر مباشر على زراعة القطن وغيره من المحاصيل الزراعية هذا العام، كما تراجعت نسب المغذيات في التربة، ولم تعوضها الأسمدة المستخدمة، علاوة على انتشار الإصابة بدودة لوزة القطن، وكانت المبيدات الزراعية المتوفرة في الأسواق المصرية قادرة على مكافحتها في السابق.

أما عن انخفاض المساحات المزروعة، فيرجعها رئيس بحوث تنمية القطن إلى الأسعار غير المرضية للفلاحين حتى مع تطبيق المنظومة الجديدة "الموسم السابق بدأت الأسعار منخفضة ثم ارتفعت، أما الموسم الحالي الأسعار بدأت مرتفعة ثم انخفضت آخر مزاد".

ويواصل: "هناك قرار بمنع تصدير القطن الخام بحلول عام 2025 فهل سينفذ أم لا الله أعلم، ولا يمكن إعطاء إحصاءات منضبطة عن وضع الإنتاج والتوريد إلا بنهاية الموسم". مبيناً أن "موسم هذا العام طويل على غير المعتاد نتيجة لتذبذب الأسعار وعزوف بعض المزارعين عن التوريد على أمل ارتفاع الأسعار".

النائبة راوية مختار عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب المصري، تقدمت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بطلب إحاطة يتصل بدور الجمعيات الزراعية في التأثير على نشاط الزراعة واحتياجات الفلاحين. وأكدت مختار في مكالمة هاتفية مع رصيف22 على ما ذهب إليه الفلاحون الذين تحدثوا إلينا حول غياب دور الجمعيات الزراعية في مساعدة الفلاحين على التعامل مع التحديات التي يواجهونها سواء في زراعة القطن أو غيره من المزروعات، نتيجة غياب دور الجمعيات بشكل عام، إضافة إلى غياب دورها في الرقابة على الأسمدة والمبيدات والبذور المستخدمة.

وتواصل رصيف22 مع مكتب وزير الزراعة المصري السيد القصير للرد على جملة أسئلتنا المتعلقة بشكاوى الفلاحين المرتبطة بالمياه والأسمدة والمبيدات والبذور وغياب الإرشاد الزراعي وجميعها عناصر مسؤولة عنها وزارة الزراعة، فيما تعد وزارة التجارة والصناعة مسؤولة عن أسعار التوريد إلا أن المسؤول عن اتصالات الوزير "مدير مكتبه" رفض التواصل أو المساعدة في الحصول على الرد الرسمي من الوزير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard