شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
بين الأمل والاستغلال السياسي… نبوءات قتال اليهود في المُتخيل الإسلامي

بين الأمل والاستغلال السياسي… نبوءات قتال اليهود في المُتخيل الإسلامي

في الآونة الأخيرة، انتشرت العديد من الروايات التي تحدثت عن نبوءات إسلامية بالانتصار على اليهود في آخر الزمان. تزامن رواج ذلك النوع من الروايات مع الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء. ما هي أبرز تلك النبوءات؟ وكيف تطورت لتتماشى مع الظروف والمتغيرات السياسية والمذهبية؟ وكيف تم تطويع التفسيرات القرآنية لتلبي حاجة الشعوب الإسلامية إلى الأمل في النصر وسط عتمة الهزائم المتلاحقة؟

التفسيرات التراثية السنية

أشار النص القرآني للمعارك والغزوات التي وقعت بين المسلمين واليهود في فترة البعثة النبوية. وهي المعارك التي بدأت بغزوة بني قينقاع في السنة الثانية من الهجرة، وانتهت بفتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة. وتمكن المسلمون من الانتصار فيها جميعاً. في هذا السياق، بشر النص القرآني في الآية رقم 111 من سورة آل عمران المسلمين باستمرار التفوق العسكري الإسلامي على اليهود. جاء في تلك الآية "لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ".

فسّر شمس الدين القرطبي تلك الآية في كتابه "الجامع لأحكام القرآن" بقوله: "الآية وعد من الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، أن أهل الكتاب لا يغلبونهم وأنهم منصورون عليهم لا ينالهم منهم اصطلام إلا إيذاء بالبهت والتحريف، وأما العاقبة فتكون للمؤمنين".

أشار النص القرآني للمعارك والغزوات التي وقعت بين المسلمين واليهود في فترة البعثة النبوية. وهي المعارك التي بدأت بغزوة بني قينقاع في السنة الثانية من الهجرة، وانتهت بفتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة، وتمكن المسلمون من الانتصار فيها جميعاً

إذا ما انتقلنا للمدونة الحديثية -والتي تشغل المرتبة الثانية في هرم التشريع الإسلامي بعد القرآن- لوجدنا أن هناك العديد من الأحاديث النبوية التي أشارت لحتمية قتال اليهود في آخر الزمان. على سبيل المثال جاء في صحيح البخاري: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".

أورد مسلم الحديث نفسه في صحيحه غير أنه زاد فيه "إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود". بشكل عام، وضع التراث الإسلامي الحرب الكبرى المستقبلية بين المسلمين واليهود كواحدة من العلامات الصغرى التي تشير لقرب الساعة/نهاية الزمان.

في هذا السياق، تم الربط بين تلك الحرب من جهة وشخصية المسيح الدجال من جهة أخرى. جاء في صحيح مسلم: "يتبع الدجال من يهود أصبهان، سبعون ألفاً عليهم الطيالسة". وتناقلت بعض الروايات أن أرض فلسطين ستكون الميدان الجغرافي لتلك المعركة وأن "المسيح عيسى بن مريم، يلحق بالدجّال عند مدينة باب لد -بالقرب من يافا الحالية- فيقتله بحربته وهو داخل إليها"، وذلك بحسب ما يذكر ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية".

من الجدير بالذكر، أن التأكيد على أن موقع مقتل الدجّال سيكون في مدينة اللدِّ الفلسطينية تحديداً، يستدعي الكثير من الموروثات الأسطورية والميثولوجية القديمة، فبحسب الروايات اليونانية المشهورة، فإن البطل اليوناني بريسيوس قد قتل الوحش البحري (الجراكون) في مدينة اللدّ، كما أن الفلكلور المسيحي قد عرف التقليد الذاهب إلى أن الشهيد العظيم مار جرجس قد قتل التنين وأنقذ بنت السلطان في نفس الموضع، وهو الأمر الذي يلفت أنظارنا إلى أن مدينة اللدّ بفلسطين كانت تحظى بنوع من القداسة الروحانية منذ العصور القديمة، بحيث جرى تصويرها في القصص والسرديات الدينية على كونها المكان الذي تتحقق فيه العدالة المطلقة، إذ دائماً ما يُقتل فيه رمز الشر على يد البطل المخلّص الذي يسعى لإنقاذ المؤمنين به.

السردية الشيعية وعصر ظهور المهدي

إذا كانت السردية التراثية السنية قد ربطت الحرب المستقبلية ضد اليهود بخروج المسيح الدجال. فإن السردية الشيعية قد وظفت الحديث عن تلك المعركة لخدمة معتقداتها الخاصة. يظهر ذلك في بعض التفاسير الشيعية المعاصرة التي تناولت الآية الخامسة من سورة الإسراء: "بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًاً مَّفْعُولاً".

يذكر الشيخ علي الكوراني العاملي في كتابه "عصر الظهور" في معرض تفسيره لسورة الإسراء أن الآية السابقة تنبأت بظهور المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري، وأنها تتحدث عن معركة هرمجدون التي ستقع في أرض فلسطين في آخر الزمان.

الحديث عن النبوءة المستقبلية بالانتصار على اليهود قد تجدد مرة أخرى بالتزامن مع الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948، وما تبع ذلك من اشتعال الحروب بين الدول العربية من جهة والجارة اليهودية من جهة أخرى.

بحسب الكوراني فإن المهدي سيقود جيش المسلمين المؤمنين في تلك المعركة الفاصلة. على الجهة المقابلة، سيقود السفياني -عدو المهدي المنحدر من نسل بني أمية- جيشاً كبيراً من اليهود والروم فضلاً عن باقي "قوى الشر" المتحالفة معهم.

بحسب الروايات الشيعية، فإن المهدي سيحقق الانتصار في تلك المعركة وسيحرر أرض فلسطين في نهاية المطاف. ولكن تختلف الروايات فيما يتعلق بمصير السفياني وحلفائه من اليهود. تميل الكثير من الروايات إلى إضفاء البعد الإعجازي على نهاية المعركة؛ على سبيل المثال يورد ابن طاووس الحلي في كتابه "الملاحم والفتن" رواية منسوبة لعلي بن أبي طالب جاء فيها إن السفياني ومن معه من اليهود يتصالحون مع المهدي ثم يتراجعون عن عهدهم ويقاتلون المسلمين:  "فيغضب الله على السفياني، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى، فترشقهم الطير بأجنحتها، والجبال بصخورها، والملائكة بأصواتها! ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم، ولا يبقى على الأرض غيره وحده فيأخذه المهدي فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية".

حرب 1948 والتفسير الإخواني

إذا كانت التفسيرات التراثية السابقة قد تماشت مع السياقات والأفكار المذهبية المعروفة في الأوساط السنية والشيعية. فإن الحديث عن النبوءة المستقبلية بالانتصار على اليهود قد تجدد مرة أخرى بالتزامن مع الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948، وما تبع ذلك من اشتعال الحروب بين الدول العربية من جهة والجارة اليهودية من جهة أخرى.

وقع ذلك من خلال تقديم تفسيرات جديدة للآيات 4-7 من سورة الإسراء: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيراً".

بحسب التفسيرات التراثية، فإن الآيات السابقة تحدثت عن وقائع تاريخية قديمة. تعرض فيها اليهود لهزيمتين كبيرتين على يد بعض القوى العسكرية الإقليمية.

يقرر شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي ذلك في كتابه "بنو إسرائيل في القرآن والسنة"، إذ يقول: "إن الذي يراجع ما كتبه المفسرون عن هذه الآيات الكريمة، يجد أنهم متفقون على أمرين؛ الأول: أن مرّتي إفساد بني إسرائيل في الأرض كانتا قبل الإسلام. الثاني: أن العباد الذين سلطهم الله عليهم ليذلوهم عقب إفسادهم الأول والثاني كانوا أيضاً قبل الإسلام، وخلاف المفسرين إنما هو فيما سوى هذين الأمرين".

 هناك أحاديث نبوية أشارت إلى حتمية قتال اليهود في آخر الزمان؛ على سبيل المثال جاء في صحيح البخاري: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله"

في خمسينيات القرن العشرين، ظهر تيار تفسيري جديد للآيات السابقة، اعتمد هذا التيار على فهم النص باعتباره نبوءة مستقبلية لم تقع بعد. تزعم هذا التيار اثنان من رجال الدين المعروفين في الأوساط الدينية المصرية، أولهما هو الشيخ الأزهري عبد المعز عبد الستار، الذي كان من أوائل دعاة الإخوان المسلمين الذين أرسلت بهم الجماعة إلى فلسطين. وكان من المشرفين على تعبئة المقاتلين المسلمين لحرب 1948. وثانيهما، الداعية المصري الأشهر محمد متولي الشعراوي، الذي اشتهر بتقديم خواطره في تفسير القرآن الكريم.

في سنة 1957، كتب عبد المعز عبد الستار في مجلة الأزهر مفسراً تلك الآيات: "أن الله ينص على أنّه قضى أنهم يُفسدون -يقصد اليهود- في الأرض مرتين، فإذا جاء وعد أولاهُما كان كذا... دلّ ذلك على أنّ المرتين غير ما سبق أن سجّل لهما، وأنهما يقعان في المستقبل بالنسبة لمن أُنزل عليه الكتاب صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الحديث من أوّله تبشير وإيماءٌ لمستقبل، فذلك من الإنباء بالغيب والإخبار بما لم يقع، وإلاّ فهُم أفسدوا من قبل سبعين مرّة، فالمرتان المعنيّتان في الآية وقعتا بعد.".

أكد عبد الستار أن الهزيمة الأولى لليهود وقعت زمن النبي محمد بعد أن تحالف يهود المدينة مع المكيين وحاربوا المسلمين:  "فسلّط الله عليهم عباده المؤمنين فأجلوا بني النضير، وقتلوا بني قُريظة وسَبَوْهُم، ثُمّ فتحوا خيبر، ثُمّ منّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فاستبقاهم عُملاء، حتى أجلاهم عُمر في خلافته". أما المرة الثانية فلم تقع بعد: "وذلك دورنا المرتقب، وعملنا الذي نرجو أن يُشرفنا الله به في القريب، فإنّا لنطمعُ أن يُعذّبهم الله بأيدينا، ويُخزيهم، وينصرنا عليهم، ويشفي صُدور قوم مؤمنين، ويُذهب غيظ قُلوبنا".

من جهته، روج محمد متولي الشعراوي لهذا الرأي في شرحه للآيات القرآنية، إذ قال في تفسيره إن الإفساد الثاني لبني إسرائيل هو "ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم... وهذا هو المراد من قوله تعالى: {فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104]، أي: مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين".

بمرور الوقت، ومع تصاعد وتيرة الأزمة الفلسطينية، اشتهر ذلك التفسير المستقبلي، وتوارت التفسيرات القديمة جانباً. لبى التفسير الجديد حاجة الشعوب العربية والإسلامية إلى الأمل في النصر وسط عتمة الهزائم المتلاحقة التي تعرضت لها على مدار السنوات السابقة. ولا بد من تأكيد أن "اليهود" في النصوص والتفسيرات القديمة هم مقسمون اليوم إلى "صهاينة" بكامل الأيديولوجيات التي يحملونها ونعرفها، و"يهود" لا مشكل لأي أحد من المسلمين معهم، بل إن كثيراً منهم ضمن المجتمع العربي طبعاً. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image