"دخلنا المعركة في اليوم الثاني من الحرب في غزة، وعملية طوفان الأقصى كانت بقرار وتنفيذ فلسطيني".
بهذه الجملة أعلن زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 انضمام لبنان إلى عملية طوفان الأقصى ضد إسرائيل، بعد قرابة الشهر من استهداف الحزب لمواقع عسكرية إسرائيلية جنوب لبنان في 8 تشرين الأول/ أكتوبر، لتأخذ المعركة شكلها الجغرافي المحدد وفق قواعد اشتباك محددة ومسمى محدد؛ "عملية الإسناد" لحماس.
نفى نصرالله مشاركة حزب الله التخطيط للعملية مع حركة حماس، فحدد مستوى أسلحة الاشتباكات ومواقع الاستهداف العسكرية للجنود الإسرائيليين مقابل رد إسرائيلي مماثل على أهداف ومواقع للحزب.
لكن، بعد أسبوع واحد ارتفعت وتيرة الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل تدريجياً إلى أن وصلت إلى استهداف إسرائيل للمدنيين في الجنوب، بدءاً من استشهاد المصور الصحافي في وكالة رويترز عصام عبدالله وإصابة عدد من زملائه في 13 تشرين الأول/ أكتوبر.
في كلمته نفسها التي سبقتها تكهنات واسعة حول إمكانية توسع حزب الله في الحرب أم الالتزام بقواعد الاشتباك؛ ترك نصر الله الأمر رهناً لسلوك إسرائيل تجاه لبنان، وبأنها ما ستحكم تصرفات الحزب على الجبهة، ضمن معادلة جديدة، وهي استهداف مدني مقابل مدني، لترتفع حصيلة قتلى الحزب إلى حوالي 141 عنصراً، عدا عن مقتل العديد المدنيين والصحافيين ونزوح 74 ألفاً من جنوب لبنان، إضافةً إلى استشهاد جندي لبناني في آخر إحصائية منذ بدء الحرب.
تطور المشهد
بالتزامن مع ارتفاع وتيرة المعارك في الجنوب، كانت هناك سلسلة تحركات سياسية داخلية لتجنب جر لبنان إلى حرب شاملة، لكن دون أية ضمانات لوقف الحرب، حيث ازدادت وتيرة الاشتباكات مع إدخال الحزب أسلحة جديدة كالطائرات المسيرة، وقصف مستوطنات في العمق الإسرائيلي، عبر عمليات تبنت بعضها حماس من الأراضي اللبنانية. كما نُفذت عدة عمليات في 15 تشرين الأول/ أكتوبر تمثلت بإطلاق مجموعة من الصواريخ على الجليل الغربي، إضافة إلى عملية تسلل بهدف إبعاد الحزب عن الواجهة، كي لا تمتد رقعة الحرب، وكمحاولة لتكريس حماس لحضورها في الداخل اللبناني. عقب هذه التحركات تم تأسيس"طلائع طوفان الأقصى" في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2023، وتم استقطاب المقاتلين لخلق ساحة بديلة أو إضافية لقادة الحركة وعناصرها خارج غزة، وهو ما سيحظى بغطاء سياسي وميداني من قبل قيادة حزب الله الذي يريد اختبار استمراريته كلاعب أول على الساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة، وأن يظهر كمتحكم في اتساع الحرب.
نفى نصرالله مشاركة حزب الله التخطيط للعملية مع حركة حماس، لكن، بعد أسبوع واحد ارتفعت وتيرة الاشتباكات بين الحزب وإسرائيل، تدريجياً إلى أن وصلت إلى استهداف إسرائيل للمدنيين
تأسيس الفرع الجديد لحماس لاقى رفضاً كبيراً في الداخل اللبناني على اعتباره انتهاكاً للسيادة اللبنانية، وسط تحذيرات من تكرار سيناريو الماضي وتجربة منظمة التحرير الفلسطينية السابقة، ومخاوف من تكرار اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، هذه المخاوف تزامنت مع تصريحات رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي رونين بار على هيئة البث العامة الإسرائيلية، متوعداً بملاحقة قادة حماس في كل من لبنان وتركيا وقطر، ولو استغرق الأمر سنوات.
الحل السياسي بديلاً؟
بالتوازي مع التصعيد، خرجت مبادرات لتبريد الجبهة الجنوبية وتحييد لبنان من خطر الانجرار إلى حرب شاملة مع إسرائيل، لعل أهمها مبادرة الولايات المتحدة التي طرحتها عبر سفيرتها في لبنان دروثي شيا في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2023 لترسيم الحدود البرية، وذلك عبر تهيئة الظروف لتطبيق القرار الدولي 1701 وإنهاء النزاع حول 7 نقاط من أصل 13 نقطة مقابل الاعتراف بمزارع شبعا وانسحاب حزب الله "وراء نهر الليطاني".
هذا المقترح يبقى على موعد مع صاحب الترسيم الأول مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الطاقة أموس هوكشتاين، الذي يستعد للعودة إلى بيروت في النصف الأول من يناير/ كانون الثاني الحالي للقيام بوساطة بين لبنان وإسرائيل لتحديد الحدود البرية بين البلدين حسبما قالت شيا خلال جولتها الوداعية بمناسبة انتهاء انتدابها وعودتها إلى بلادها.
تأسيس فرع جديد لحماس لاقى رفضاً كبيراً في الداخل اللبناني وسط تحذيرات من تكرار سيناريو منظمة التحرير الفلسطينية، ومخاوف من تكرار اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982.
فالولايات المتحدة تضغط لإنهاء جبهة الجنوب اللبناني عبر مقترح الترسيم البري، في حين تطالب إسرائيل بتنفيذ المقترح، بعودة 80 ألفاً من سكان الشمال إلى المستوطنات، لكن صيغة التهديد الإسرائيلي تتطور تدريجياً -في حال لم تنجح التسوية السياسية الدولية- عبر تهديدات بمناورة عسكرية لإبعاد حزب الله عن الحدود وفقاً لما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لإذاعة الجيش الإسرائيلي في السابع من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
عمليات الاغتيال
مع تصاعد وتيرة الاشتباكات جنوب لبنان، تصاعدت حدة تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بعملية عسكرية واسعة في لبنان في حال رفض حزب الله تنفيذ التسوية الدولية، بالتزامن مع تكثيف الحزب استهدافه للمواقع الإسرائيلية، وارتفاع حدة القصف على عدة جبهات ضد إسرائيل، مثل اليمن في البحر الأحمر، ومثل استهداف القواعد الأميركية عبر الميلشيات الإيرانية في سوريا.
بالفعل، نفذت إسرائيل التهديد في 26 كانون الأول/ ديسمبر، فاغتالت رضى موسوي أبرز مسؤولي الحرس الثوري في تنسيق القوات الوكيلة لإيران في سوريا، بضربة جوية في ريف دمشق دون تبني العملية، ليعود الحديث عن ملف الترسيم البري إلى الواجهة، لكن هذه المرة عبر تهديدات عضو الكابينيت الحربي الإسرائيلي "بيني غانتس"، في مؤتمر صحافي انعقد في 28 من نفس الشهر، حيث هدد بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في الجنوب ضد حزب الله، قائلاً: "الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بحاجة إلى أن يفهم أنه التالي في الصف ما لم يكن هناك تنفيذ فوري لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701".
العاروري وخرق قواعد الاشتباك
التالي في بنك الأهداف الإسرائيلي كان القيادي في حركة حماس صالح العاروري المقيم في بيروت، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقائد الحركة في الضفة الغربية، والذي اغتيل بطائرة مسيّرة كما قيل في الثاني من كانون الثاني/يناير 2024 استهدفت مكتب الحركة في الضاحية الجنوبية لبيروت راح ضحيتها اثنين من القادة و4 من كوادر الحركة بالإضافة إلى بعض الجرحى.
يوصف العاروري بـ"مهندس" هجمات حماس في الضفة الغربية المحتلة ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، وهو متهم إسرائيلياً بإطلاق الصواريخ من غزة ولبنان، وقد تسبب اغتياله بوقف حماس مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، وبتأهب إسرائيلي جنوب لبنان استعداداً لأي انتقام.
هذا الاغتيال انعكس على الداخل الإسرائيلي، حيث وصفت "يديعوت أحرونوت" العملية في مقال افتتاحي في الثالث من كانون الثاني/ يناير بأنها "رهان على حياة المخطوفين، وإنذار باختراق قواعد الاشتباك"، معتبرةً أن التصفيات المركزة لا تُختبر فقط في الضربة التي يتلقاها العدو، بل بالتكلفة مقابل المنفعة.
واعتبرت الصحيفة أن من أمر بتصفية العاروري في بيروت لا بد أن يكون قد افترض بأن الرد سيكون عنيفاً من جانب حماس، وحزب الله أيضاً، بل قد يكون مجال الرد للأخير أكبر من حماس. ويمكنه أن يخرق قواعد اللعب المتفق عليها في هذه اللحظة في تبادل النار في الشمال والمخاطرة بحرب على نطاق كامل، كما يمكنه أن يهاجم سياحاً إسرائيليين، أو مراكز يهودية في الخارج، ويسمح لمحافل فلسطينية في لبنان أن تثأر على الحدود، وهي ردود فعل يمكنها أن تنتظر بصبر حتى مجيء اللحظة المناسبة.
يوصف العاروري بـ"مهندس" هجمات حماس في الضفة الغربية المحتلة ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، وقد تسبب اغتياله بوقف حماس مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، وبتأهب إسرائيلي جنوب لبنان استعداداً لأي انتقام
كما أشارت الصحيفة إلى أن عملية التصفية تسببت بـ"إلغاء المفاوضات التي كان يجريها الأمريكيون والفرنسيون في الأسابيع الأخيرة في لبنان، وكان الأمل أن تتحقق بوسائل دبلوماسية تسوية تمنع حرباً وتسمح للسكان بالعودة الى بيوتهم، كما تم إلغاء زيارة بلينكن".
استهداف مزدوج
يقول الصحافي والكاتب السياسي حسين أيوب لرصيف22 إن "الاستهداف لبناني فلسطيني وليس لبنانياً فقط، لأن للعاروري دوراً محورياً في الضفة، ولحماس وعلى خط فلسطين طهران، وحكماً سيكون الرد لبنانياً-فلسطينياً".
ويضيف: "ما حصل هو اعتداء على السيادة اللبنانية، وهو الأول من نوعه الذي يطال ضاحية بيروت الجنوبية منذ 2006، وأعتقد أن حزب الله يبحث عن ردّ في منزلة بين اثنتين: أن لا يأخذ الرد إلى حرب إقليمية شاملة وهذا هو هدف بنيامين نتنياهو، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن يكتفي الحزب بالبقاء تحت سقف وإيقاع منسوب الرد القائم على مدى 90 يوماً من طوفان الأقصى، وبالتالي يجب خلق معادلة ثالثة بين هاتين المنزلتين".
يتابع أيوب: "عملياً، يجب أن يخترع حزب الله والمقاومة الفلسطينية معادلة جديدة، أتصور أن تذهب هذه المعادلة إلى البعد الأمني أكثر من البعد العسكري، بمعنى اغتيال مقابل اغتيال على غرار المعادلة القائمة على طول الحدود منذ 2006، أي المدني مقابل المدني، والعسكري مقابل العسكري، وهو التناسب الذي يفعله حزب الله في الفعل ورد الفعل، آخذاً في الحسبان أن الاستهداف أمني باميتاز، وعلى أرض لبنانية، وفي عمق الضاحية الجنوبية".
برأيه، "هذا الأمر ربما يحتاج إلى وقت وصبر، ولا أعتقد أن حزب الله سيتعاطى بانفعال، بل برصانة وجدية، وليس بطريقة شعبوية، وهنا لا بد من طرح سؤال إن كان حزب الله والفصائل الفلسطينية يمتلكون بنكاً للأهداف في داخل إسرائيل على غرار إسرائيل، وكيف يمكن ان يترجم هذا؟".
ويلفت أيوب إلى أن الإسرائيلي اليوم ليس في موقع فرض شروط لا على حزب الله ولا على لبنان، وهذا الأمر يسري أيضاً على الساحة الفلسطينية، بدليل أن حماس بعد اغتيال العاروري أوقفت صفقة التفاوض على الأسرى.
يقول: "أتصور أنه بناء على معطيات غزة ستحدد الكثير من الأمور ومنها كيفية التعامل مع القرار 1701".
طمأنة في إسرائيل، فماذا عن لبنان؟
بعد حادثة اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية بدأت الصحافة العبرية بتسريب بعض التطمينات للداخل اللبناني، حيث كتب المحلل السياسي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس أن الحزب يجامل الفلسطينيين بهجمات يومية على الأراضي الفلسطينية ويحرض على تقييدها ضمن القطاع على الحدود الجنوبية، بالتزامن مع إعلان الجيش الإسرائيلي حالة تأهب على الحدود الشمالية مع جنوب لبنان استعداداً لأي رد من حزب الله.
في المقابل، شهد لبنان حالة من التوتر والخوف بعد حادثة الاغتيال في بيروت كونها قد تكون إنذاراً باشتعال نيران الحرب في كامل لبنان بعدما تخطت قواعد الاشتباك في الجنوب، مع الانتظار كيف سيكون الرد من جانب الحزب، وعما إذا كان لبنان سيدخل حرب إقليمية شاملة، والذي هو هدف بنيامين نتنياهو.
هذه الأجوبة انتظرها اللبنانيون من زعيم نصر الله في خطابه يوم الثالث من يناير/ كانون الثاني، كونه "المتحكم الوحيد" في ساحة القتال، إذ قال في كلمة ألقاها بالمناسبة الرابعة لاغتيال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري السابق، إن حادثة اغتيال العاروري لن تبقى دون رد أو عقاب، معتبراً أن "فتح الجبهة في الجنوب منع الحرب على لبنان". أما حول انجرار لبنان إلى حرب شاملة فاقتصرها نصر الله على رد فعل إسرائيل قائلاًً "في حال شن العدو حرباً على لبنان سيكون قتالنا بلا سقوف وحدود وقواعد وضوابط".
شهد لبنان حالة من التوتر والخوف بعد حادثة اغتيال العاروري كونها قد تكون إنذاراً باشتعال نيران الحرب بعدما تخطي قواعد الاشتباك في الجنوب.
في المقابل، يرى المحلل السياسي اللبناني قاسم قصير أن اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت جاء رداً على الفشل العسكري الإسرائيلي ولنقل المعركة خارج غزة، معتبراً أن رد الحزب سيكون بتوسعة عمليات المقاومة في كل المنطقة.
يقول لرصيف22: "حتى الآن الاجتياح صعب لأنه يؤدي لحرب شاملة وكلفته كبيرة، لكن ستحصل عمليات أمنية، ونصرالله أكد أن الرد على العملية سيتم، ولكن هذا يتطلب التحضير الميداني والعملي، وهو أكد استعداد الحزب لأية حرب كبرى رداً على التهديدات التي يوجهها قادة العدو وبعض الجهات الدولية"، معتبراً أن "نصر الله عمد لاستيعاب نتائج العملية من خلال التركيز على نتائج معركة طوفان الاقصى وهزيمة إسرائيل ميدانياً".
ويختم: "لا يمكن تحديد مكان وطبيعة الرد لأن هذا مرتبط بالظروف الميدانية، إلا أنه من الواضح أن الحزب لن ينزلق الى مواجهة كبرى إلا في حال تطور العدوان الإسرائيلي، وما قام به الحزب طوال الأشهر الماضية أكد القدرات والإمكانيات وهذا ما جعل قادة العدو يحسبون ألف حساب لأي هجوم واسع ويذهبون للعمل الأمني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه