شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
حزب الله وفتح الجبهات... هل دقت ساعة نهاية فكرة لبنان كدولة؟

حزب الله وفتح الجبهات... هل دقت ساعة نهاية فكرة لبنان كدولة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

لم يعد المشهد في لبنان، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية والمخيمات الفلسطينية، مقتصراً على توزيع الحلوى، ورفع الأعلام الفلسطينية، والمهرجانات التضامنية مع عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها حركة حماس السبت الماضي، على إسرائيل التي ردّت عليها بعملية "السيوف الحديدية"، وشنّت غارات مكثفةً على قطاع غزة لا تزال مستمرةً إلى اليوم، مخلّفةً مئات القتلى والجرحى من المدنيين.

المشهد تحول بعد 24 ساعةً من بدء الحرب، إلى جنوب لبنان، الذي شهد تصعيداً تمثّل في قصف متبادل بين إسرائيل وحزب الله، تبعته اشتباكات أدت إلى سقوط عناصر من كلا الطرفين. ويأتي ذلك وسط تخوف من انجرار لبنان إلى حرب مع إسرائيل في ظل الانهيار الذي تعاني منه البلاد، على الجوانب كافة. 

"لسنا على الحياد"

البداية كانت من حزب الله في الجانب اللبناني، حيث تبنّى الأحد 8 تشرين الأول/ أكتوبر، قصف 3 مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا، تضامناً مع عملية "طوفان الأقصى"، ردت عليه إسرائيل بقصف داخل الحدود اللبنانية، وأتى ذلك تزامناً مع كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، هاشم صفي الدين، الذي قال خلال مهرجان أقامه حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت تضامناً مع فلسطين، إنّ "المقاومين وجّهوا تحيتهم إلى غزة في مزارع شبعا على طريقتهم الخاصة"، وأضاف أن حزب الله "ليس على الحياد بل المسؤولية تحتّم على كل أبناء الأمة ألا يقفوا على الحياد"، بحسب ما نقلت قناة المنار الناطقة باسم حزب الله.

"الوضع في لبنان لا يزال تحت السيطرة، في انتظار ما سيجري في فلسطين المحتلة. أما على المستوى الداخلي، فحتى الآن هناك جمود سياسي والكل ينتظر نهاية المعركة في غزة، وعلى ضوء هذه المعركة أظن أن الأمور ستتغير سياسياً، لأن النتيجة في غزة ستنعكس على الوضع السياسي اللبناني"

التصعيد تطور أمس الإثنين، حيث أصيب 5 جنود إسرائيليون وقُتل نائب اللواء 300 في فرقة الجليل المقدّم "عليم سعد عبد الله"، خلال اشتباك مع مجموعة تسللت من الأراضي اللبنانية، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي فجر اليوم الثلاثاء، بينما قُتل 5 عناصر من حزب الله وأصيب ضابط في الجيش اللبناني بقصف إسرائيلي امتد إلى أطراف بلدات مروحين والبستان والزلوطية ويارين والناقورة، وصولاً إلى بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل.

وأعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مسؤوليتها عن عملية التسلل المسلحة إلى إسرائيل من جنوب لبنان، بعد نفي حزب الله مسؤوليته عنها.

في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إنه "قتل شخصين من الذين تسللوا من جنوب لبنان، في حين فرّ ثالث عائداً إلى الأراضي اللبنانية"، مضيفاً أنه قصف 3 مواقع تابعة لحزب الله على الحدود.

وفي رد أوّلي على مقتل عناصره، هاجم حزب الله أمس الإثنين ثكنتي برانيت وأفيفيم الإسرائيليتين وقيادة كتيبة تابعة للواء الغربي في الجيش الإسرائيلي ومركز قيادة فرقة الجليل الإسرائيلية بالصواريخ الموجهة وقذائف الهاون، حسب ما أفاد في بيان له. في حين شهدت مناطق لبنانية جنوبية تعرضت لـ"قصف إسرائيلي"، حركة نزوح كثيفةً باتجاه العاصمة بيروت شمالاً، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية.

عقب هذه التطورات، سارعت الحكومة اللبنانية إلى تجنّب الصراع الحالي، حيث صرح وزير الخارجية اللبنانية عبد الله بو حبيب، أمس في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط اللبنانية بأن الحكومة تلقّت وعداً بأن "حزب الله لن يتدخل" في حرب غزة إلا إذا "تحرشت" إسرائيل بلبنان. وتأتي كل هذه التطورات وسط انقسام اللبنانيين بين مؤيد لانخراط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل من جهة، وبين من يرفض جرّ لبنان إلى دخول هذه الحرب من جهة أخرى، وسط غرقه في أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، خصوصاً في ظل الفراغ الرئاسي والانهيار المالي، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين السوريين.

يقول قاسم قصير، الكاتب الصحافي والمحلل السياسي اللبناني في حديثه إلى رصيف22، إن "الوضع في لبنان لا يزال تحت السيطرة، في انتظار ما سيجري في فلسطين المحتلة. أما على المستوى الداخلي، فحتى الآن هناك جمود سياسي والكل ينتظر نهاية المعركة في غزة، وعلى ضوء هذه المعركة أظن أن الأمور ستتغير سياسياً، لأن النتيجة في غزة ستنعكس على الوضع السياسي اللبناني".  

"حال نجحت المقاومة في الانتصار والصمود في الحرب مع إسرائيل، فهذا سينعكس على بقية الساحات".

ويضيف: "حتى الآن الأمور لا تزال في إطار وجهات النظر، لكن برأيي في حال تعاظمت الهمجية الإسرائيلية ضد غزة وفلسطين، فهناك قسم كبير من المجتمع اللبناني سيكون إلى جانب حزب الله، بل سيدعونه للمشاركة في الحرب، فكلما ازدادت الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، تضامن الناس أكثر معهم، ليس على مستوى لبنان، فالسعوديون والإماراتيون لن يقبلوا بالسكوت". 

الحرب مقابل الرئاسة؟

منذ ثمانية أشهر لم يستطِع مجلس النواب اللبناني، إيجاد بديل للرئيس السابق ميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. ويدور الصراع بين الثنائي الشيعي "حزب الله" وحركة أمل وحلفائهما في البرلمان على ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية، والذي وسّع الهوّة بين الحزب وحليفه المسيحي الأول التيار الوطني الحر، فيما تعترض باقي القوى والأحزاب على تسميته مقابل طرحها أسماءً مثل ميشال معوض وجهاد أزعور، وهي أيضاً أسماء لا تحظى بدعم من كل الأطراف خاصةً الذين على الجهة المقابلة للحزب ومن معه، وتالياً ومع تعرقل المساعي الدولية لانتخاب رئيس توافقي، يزعم البعض بأن حزب الله يحتاج إلى معركة مع إسرائيل لتغيير المعادلة داخلياً، وفرض مرشحه فرنجية.

برأي قصير، فإنه في "حال نجحت المقاومة في الانتصار والصمود في الحرب مع إسرائيل، فهذا سينعكس على بقية الساحات"، عادّاً أنه لا يمكن ترك لبنان بعيداً عن الصراع مع إسرائيل، بل قوى المقاومة في لبنان ستنسجم أكثر وتطالب بانتخاب رئيس يكون منسجماً مع محور المقاومة". 

ويقول: "إسرائيل خسرت المعركة قبل أن تبدأ. هناك نحو ألف قتيل إسرائيلي بالحد الأدنى، وفوق الألفين جريح و150 أسيراً، وفي حال أرادت إسرائيل تدمير لبنان فهو مدمّر بالأصل ولا يوجد ربح لها فيه، الوضع سيأخذ منحى آخر وهو موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مع حماس، ما يؤدي إلى تغيير المشهد السياسي في المنطقة، الأمر الذي سينعكس على لبنان، ونجاح تسوية سياسية لبنانية داخلية وخارجية عندها سيصبح مطلوباً، ضمن سلطة توافقية يرأسها سليمان فرنجية".

اجتماعياً... نهاية لبنان!

يشهد لبنان استقطاباً داخلياً وانقساماً حاداً حول قضايا عدة منها أزمة اللاجئين السوريين، وتأجيج الخطاب التحريضي ضدهم من قبل زعماء وسياسيين لبنانيين لشد العصب الطائفي والمناطقي في لبنان، كما حصل سابقاً حول أزمة الحريات، وقمع سلطوي لكل من يطالب بالحريات، بتهمة "الشذوذ"، في خطوة للاستثمار وإعادة السيطرة على الشارع اللبناني، بالإضافة إلى إلهاء الناس عن الفشل والانهيار الحاصل، لننتهي الآن في احتمال انخراط لبنان في الحرب مع إسرائيل كجبهة مفتوحة دون معرفة تداعيات الأمر داخلياً وسط هذا الانقسام.

يقول الصحافي والكاتب اللبناني حازم صاغية، إن تداعيات هذا الأمر هي "نهاية مؤكدة للبنان"، ويضيف لرصيف22: "على ما يبدو أن الإسرائيليين هذه المرة ولا سيما بعد إعلان أمريكا أمس عن توجه حاملة طائرات إلى شرق المتوسط لمساندة إسرائيل في حربها على غزة، يريدون تورط لبنان، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي الحالي والعجز السياسي الحاصل، فالعنصر الأهم هو التفكك الاجتماعي حالياً، لأن علاقات الطوائف في لبنان بأسوأ حالاتها، وتالياً أتصور أن هناك طوائف ومناطق ستشعر بأنها ليست معنيةً بل هي مغلوب على أمرها، ومن يستطيع أن يستقل في منطقته الذاتية ويعلن أمناً ذاتياً لن يتردد في فعل ذلك في حال انخراط لبنان في الحرب".

وتتجه حاملة طائرات أمريكية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وفقاً لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمس، في ظل إعلان إسرائيل عن حملة عسكرية واسعة في الوقت ذاته على غزة، وبعد تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن، السبت، من أن "هذه ليست اللحظة المناسبة لأي حزب معادٍ لإسرائيل لاستغلال هذه الهجمات لتحقيق مكاسب"، بحسب ما أعلنت قناة "سي أن أن". 

"آن الأوان للانتباه إلى أنه لا يجوز لفئة بمجرد كونها مسلحةً، أن تجرّ شعباً بأكمله إلى مقبرته، وفعلاً ستكون مقبرة لنا في حال تورطنا في هذه الحرب... في حال خسر حزب الله الحرب، ومن الصعب التكهن سلفاً بالأمر، يمكن أن يكون الشكل الداخلي عنيفاً، مع تطور كبير لأشكال العنف، وستظهر أحقاد وتعبيرات حول الخلاف على الأساسيات في طريقة الحياة، ورغبات الجماعات في ما يتعلق بتسيير أمورها".

يعتقد صاغية أن "الدخول في هذه الحرب هو بمثابة أكبر طعنة للبنان"، قائلاً: "آن الأوان للانتباه إلى أنه لا يجوز لفئة بمجرد كونها مسلحةً، أن تجرّ شعباً بأكمله إلى مقبرته، وفعلاً ستكون مقبرة لنا في حال تورطنا في هذه الحرب"، مشيراً إلى أنه "في حال خسر حزب الله الحرب، ومن الصعب التكهن سلفاً بالأمر، يمكن أن يكون الشكل الداخلي عنيفاً، مع تطور كبير لأشكال العنف، وستظهر أحقاد وتعبيرات حول الخلاف على الأساسيات في طريقة الحياة، ورغبات الجماعات في ما يتعلق بتسيير أمورها. أما ربح حزب الله الحرب فهو أمر مستبعد، وأتصور أن هناك أكثريةً ساحقةً من اللبنانيين لا يريدون الحرب، منهم البعض من مؤيدي حزب الله أو قسم كبير منهم على الأقل".

اقتصادياً... لبنان منهار مسبقاً  

يزداد التخوف من انخراط لبنان في حرب مع إسرائيل، في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي، حيث يعاني لبنان منذ 3 سنوات من أزمة اقتصادية حادة، صنفها البنك الدولي واحدةً من بين أشد 3 أزمات عرفها العالم، أدت إلى تدهور معيشي ومالي غير مسبوق، وجعلت نحو 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر بحسب تقارير رسمية، إذ يشير آخر تقرير نشرته "هيومن رايتس ووتش"، في 12 كانون الأول/ ديسمبر عام 2022، إلى أن "غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة"، ووسط انهيار نظام الرعاية الاجتماعية دون اكتراث من قبل السلطات اللبنانية. 

الخبير الاقتصادي ومستشار شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية أديب نعمة، يشرح انعكاسات هذه الحرب الاقتصادية على لبنان خلال حديثه إلى رصيف22، ويقول: "لبنان يعيش كارثةً حالياً ولا يجب أن نفترض أنه كان يعيش في وضع جيد، فهناك من 75 إلى 80 في المئة من اللبنانيين يحتاجون إلى مساعدة ويعيش اللبناني اليوم في وضع سيئ ومؤسسات الدولة تنهار على التوالي، ولا توجد مؤشرات على أنه سيتعافى"، مشيراً إلى أن "كل ما يحصل يتراكم على اللبنانيين، واليوم الحرب على الأبواب، وهنا تكمن المشكلات الإضافية". 

ويتابع: "طبعاً لا أعتقد أنه ستكون هناك إمكانية لامتصاص آثار الحرب على النحو السابق، وبشكل خاص الآثار المالية والاقتصادية، لأنه حصل بعد تموز 2006 انتعاش مالي واقتصادي، وتدفق أموال وتعويضات. أما اليوم، فهذا الأمر غير وارد لأنه لا توجد إمكانية لتعويض الدمار السياسي والانقسام السياسي والاستقطاب الذي سيحصل بين الشعب اللبناني ناهيك عن الصعوبة في إعادة بناء الدولة". 

يرى نعمة أنه "في ظل الحرب الدائرة حالياً من قبل سلطة الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فإن تمددها إلى لبنان سيشكل نهايةً محتومةً لهذا البلد"، ويقول: "لا أقصد تبعات الدمار طبعاً، هي مهمة بالتأكيد في ظل التحولات السياسية بالداخل، لكن أقصد الانهيار التام للدولة وعجزها عن القيام بوظائفها الداخلية والخارجية والتغييب الكامل للدستور".

برأيه، "لبنان بات بشكل كامل خاضعاً لمشاريع إقليمية، ودخوله في هذه الحرب، يعني لم أنها لم تعد حرباً فلسطينيةً إسرائيليةً، بل حرباً إقليميةً مخططاً لها ومنظمةً ولم تعد لها علاقة بفلسطين، وهذا يعني أن لبنان ينهار بشكل كامل، وستقوى العصبيات التي ستشكل رد فعل على موقف حزب الله من دخوله في الحرب، وهذا سيؤدي إلى مزيد من التفكك والفدرالية وما شابه ذلك". 

ويختم بالقول: "الأساس في الانهيار في حال دخل لبنان هذه الحرب، هو الانهيار السياسي والمؤسساتي في الدولة اللبنانية، أي انهيار فكرة الدولة أكثر مما هو حاصل، وإحكام قبضة حزب الله على الشارع وعلى الخطاب السياسي بشكل أكبر، ما سيفتح الباب أمام الأمور الانقسامية والمتطرفة". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard