شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
معاوية بن يزيد… الخليفة الأموي الذي أحبه الشيعة

معاوية بن يزيد… الخليفة الأموي الذي أحبه الشيعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تعاقب العشرات من الرجال على اعتلاء كرسي الخلافة الإسلامية منذ وفاة النبي وحتى إلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924. عُرف أغلب الخلفاء بشغفهم بالسلطة. واشتهرت قلة منهم بالزهد فيها. كان الخليفة الأموي الثالث معاوية بن يزيد بن أبي سفيان -والذي أطلق عليه المؤرخون اسم معاوية الثاني- واحداً من هؤلاء القلائل. آثر معاوية أن يتخلى عن منصب الخلافة وأن يعتزل الناس حتى توفي في ظروف غامضة. نلقي الضوء في هذا المقال على سيرة معاوية بن يزيد، في المصادر التاريخية، لنوضح كيف تمكن هذا الخليفة الأموي من الاستحواذ على قدر كبير من الاحترام في كل من الكتابات السنّية والشيعية على حد سواء.

من معاوية الأول إلى معاوية الثاني

قُتل علي بن أبي طالب، في رمضان من عام 40 هـ. واختير ابنه الحسن ليحل بدلاً منه في منصب الخلافة. خاض أهل العراق تحت راية الحسن حرباً ضروساً ضد معاوية بن أبي سفيان وأنصاره من أهل الشام. توصل الطرفان المتقاتلان إلى صيغة للصلح في عام 41 هـ؛ تنازل الحسن لمعاوية بمقتضاها عن منصب الخلافة. يذكر ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ، في تفسيره، أن "معاوية بن أبي سفيان استقل بالملك حين سلّم إليه الحسن بن علي الإمرة... واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة". تأسست بذلك الدولة الأموية التي حكمت العالم الإسلامي من دمشق.

قُدّم معاوية بن يزيد في المصادر الشيعية بصورة إيجابية إلى حد بعيد. تعارضت تلك الصورة مع النظرة الشيعية التقليدية إلى بني أمية، تلك التي اعتادت أن تنظر إليهم على كونهم حفنةً من الطغاة الجبارين الذين اغتصبوا الخلافة من علي بن أبي طالب وبنيه

توفي معاوية في سنة 60 هـ، وتولى الحكم من بعده ابنه يزيد. لم يمر وقت طويل حتى قاد الخليفة الجديد حركة قمع شديدة الوطأة ضد جميع مراكز المعارضة في دولته. نراه في سنة 61 هـ، يوجه جيش الكوفة لقتل حفيد الرسول الحسين بن علي وأهل بيته في أرض كربلاء في العراق. بعدها سيّر جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة ناحية المدينة المنورة للتخلص من معارضيه في واقعة الحرّة سنة 63 هـ. يحكي ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"، أخبار تلك الواقعة، فيقول إن الجيش الأموي "...استباحها -يقصد المدينة المنورة- ثلاثة أيام فقتل في غضون هذه الأيام بشراً كثيراً حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها، وزعم بعض علماء السلف أنه قتل في غضون ذلك ألف بكر فالله أعلم".

أخيراً، أرسل يزيد في بدايات سنة 64 هـ، جيشاً للقضاء على عبد الله بن الزبير وأتباعه في مكة المكرمة. يذكر ابن منظور المتوفى سنة 711 هـ، في كتابه "مختصر تاريخ دمشق"، أنباء ذلك الصدام، فيقول: "ونصب الحصين -يقصد الحصين بن نمير قائد الجيش الأموي- المنجنيق على ابن الزبير، فكان الحصر أربعةً وستين يوماً يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير وأصحابه، ورمى الكعبة، وقتل من الفريقين بشر كثير...".

مات يزيد بن معاوية في ربيع الأول من سنة 64 هـ. انتشرت أخبار وفاته بين صفوف الجيش الأموي في الحجاز، فيما كان قادة الجيش يحاولون الوصول إلى حل مع عبد الله بن الزبير في مكة. كان أفراد البيت الأموي في دمشق قد بايعوا الخليفة الأموي الجديد معاوية بن يزيد بن أبي سفيان.

"كان شاباً ديناً، خيراً من أبيه"... معاوية الثاني في الكتابات السنّية

وُلد معاوية بن يزيد في سنة 44 هـ، على أرجح الأقوال. ذكر المؤرخون أن أمه هي أم هاشم فاختة بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. وقيل إن أهله من بني أمية كنّوه بأبي ليلى استهانةً به وتحقيراً من شأنه لمّا تنازل عن الخلافة. يقول المسعودي المتوفى سنة 346 هـ، في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر": "وكانت هذه الكنية للمستضعف من العرب".

يتفق المؤرخون على التأكيد على الخلق الطيب والخصال الحسنة التي تمتع بها معاوية بن يزيد. على سبيل المثال، يصفه شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، في كتابه "سير أعلام النبلاء"، بأنه "كان شاباً ديناً، خيراً من أبيه...". وصف ابن كثير شكله، فقال: "كان أبيض شديد البياض، كثير الشعر، كبير العينين، جعد الشعر، أقنى الأنف، مدور الرأس، جميل الوجه دقيقه، حسن الجسم". وتحدث عن فترة خلافته القصيرة، فقال إن معاوية الذي لم يتعدَّ العشرين عاماً عند وصوله إلى كرسي الخلافة: "كان في مدة ولايته مريضاً، لم يخرج إلى الناس، وكان الضحاك بن قيس هو الذي يصلّي بالناس، ويسدّ الأمور".

يذكر المؤرخون بعضاً من أخبار معاوية بن يزيد، قبل توليه الخلافة، فيؤكدون أنه كان رافضاً لولاية عهد أبيه، وأنه رفض المشاركة في أي عمل من أعمال الدولة الأموية، وأنه ما تولى ولاية العهد إلا بعد إلحاح من أمه. ورد أيضاً أن معاوية كان قد تتلمذ على يد عمر المقصوص -وهو نفسه عمرو بن نعيم العنسي- الذي روى العديد من الأحاديث النبوية التي وردت في كتب السنّة. بقي معاوية بن يزيد، في منصبه لفترة قصيرة. قيل إنها لم تتعدَّ الأربعة أشهر. يؤكد المؤرخون أنه دخل بيته بعدما اعتزل الناس، فتوارى عن الأنظار لمدة أربعين يوماً حتى مات. ذكر البعض أنه مات مسموماً، بينما ذكر آخرون أنه مات بعدما أصيب بالطاعون.

الآراء الشيعية في معاوية الثاني

قُدّم معاوية بن يزيد في المصادر الشيعية بصورة إيجابية إلى حد بعيد. تعارضت تلك الصورة مع النظرة الشيعية التقليدية إلى بني أمية، تلك التي اعتادت أن تنظر إليهم على كونهم حفنةً من الطغاة الجبارين الذين اغتصبوا الخلافة من علي بن أبي طالب وبنيه. من هنا، نجد أن الشيعة استثنوا معاوية الثاني من اللعن والسباب الذي وجهوه إلى الأغلبية الغالبة من رجال بني أمية. في هذا السياق، يذكر نور الله المرعشي التستري، المتوفى سنة 1019 هـ، في كتابه "مجالس المؤمنين"، "أن معاوية بن يزيد مصداق قوله تعالى: "يخرج الحي من الميت"، وهو في بني أمية كمؤمن آل فرعون".

استحوذت حادثة تخلي معاوية بن يزيد عن الخلافة، على القدر الأكبر من الاهتمام في المصادر الشيعية. رأى الشيعة في تلك الحادثة دليلاً جازماً على فساد ملك بني أمية، خصوصاً بعدما صرّح معاوية بن يزيد في بعض الروايات بتخطئته الصريحة لأبيه وجدّه.

يستشهد الشيعة بما نقله ابن حجر الهيثمي المتوفى سنة 974 هـ، في كتابه "الصواعق المحرقة"، عن معاوية الثاني في الخطبة التي ألقاها على الناس قُبيل تخلّيه عن منصب الخلافة: "إن هذه الخلافة حبل الله وإن جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه علي بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثم قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ونازع ابن بنت رسول الله فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيناً بذنوبه ثم بكى، وقال إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئيس منقلبه وقد قتل عترة رسول الله وأباح الحرم وخرب الكعبة ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم والله لئن كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حظاً ولئن كانت شراً فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها".

استحوذت حادثة تخلي معاوية بن يزيد عن الخلافة، على القدر الأكبر من الاهتمام في المصادر الشيعية. رأى الشيعة في تلك الحادثة دليلاً جازماً على فساد ملك بني أمية، خصوصاً بعدما صرّح معاوية بن يزيد في بعض الروايات بتخطئته الصريحة لأبيه وجدّه

يذكر محمد تقي التستري المتوفى سنة 1415 هـ، في كتابه "قاموس الرجال"، أن معاوية الثاني عرض على الناس أن يبايعوا الإمام الشيعي الرابع علي زين العابدين بن الحسين بأمر الخلافة، فقال لهم: "أيها الناس قد نظرت في أموركم وأمري فإذا أنا لا أصلح لكم والخلافة لا تصلح لي، إذ كان غيري أحق بها، ويجب علي أن أخبركم به، هذا علي بن الحسين زين العابدين ليس يقدر طاعن على أن يطعن فيه، وإن أردتموه فأقيموه، على أني أعلم أنه لا يقبلها".

بسبب تلك الروايات، لُقّب معاوية الثاني في الكثير من المصادر الشيعية، بلقب "الرّاجعِ إلى الله". يقلل من تلك النظرة، أن هناك روايات أخرى نُقلت عن معاوية الثاني، جاء فيها أنه استشهد بمواقف كلٍّ من أبي بكر وعمر عندما عيّنوا من يخلفهم في الحكم. من تلك الروايات قوله: "إني ضعفت عن أمركم، فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب، حين استخلفه أبو بكر، فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم".

تحدث الكثير من المؤرخين عن سبب اعتزال معاوية الثاني الحكم وميله إلى العلويين، فعزوا ذلك إلى أستاذه ومؤدبه عمر المقصوص. يقول ابن العبري المتوفى سنة 685 هـ، في كتابه "تاريخ مختصر الدول" شارحاً ذلك الأمر: "...وكان -أي معاوية بن يزيد- قدريّاً لأن عمر المقصوص كان علمه ذلك فدان به وتحققه. فلما بايعه الناس قال للمقصوص: ما ترى؟ قال: إما أن تعتدل أو تعتزل...".

عارضت بعض الروايات هذا الرأي، عندما نسبت توجهات معاوية الثاني إلى معتقداته الشخصية التي لم تتأثر بميول أستاذه. من ذلك ما روي عن عمر المقصوص نفسه، أنه ردّ على بني أمية الذين اتهموه بإفساد معاوية الثاني، بقوله: "لا واللهِ، وإنّه لمطبوعٌ عليهِ، واللهِ ما حلفَ قطّ إلّا بمحمّدٍ وآلِ محمّد، وما رأيتُه أفردَ -يقصد الحلف بالنبي فقط دوناً عن أهله- منذُ عرفته"، وذلك بحسب ما يذكر شمس الدين الدمشقي المتوفى سنة 871 هـ، في "جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard