شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أصبح قصرها مجمع الأدباء والعلماء… شيرين ‌دُخت، حاكمة طهران وأمّ الملوك

أصبح قصرها مجمع الأدباء والعلماء… شيرين ‌دُخت، حاكمة طهران وأمّ الملوك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في جنوب العاصمة الإيرانية طهران، مقبرة يقصدها الناس من جميع أنحاء إيران، يوجد فيها مقام أول حاكمة في إيران بعد الإسلام، التي يعدّها البعض من أحفاد الإمام السابع للشيعة الاثني عشرية موسى الكاظم. هذه السيدة هي شيرين ‌دُخت إسپَهبُد، التي كانت تحكم مناطق شمال إيران ووسطها، بما في ذلك محافظة ري، أي طهران الحالية. ولكن كيف تمكنت شيرين ‌دخت، المعروفة أيضاً بالسيدة شيرين، من الوصول إلى السلطة في إيران؟

1 – الدولة البويهية وعلويو طبرستان

لا توجد معلومات دقيقة عن تاريخ ولادة شيرين ‌دخت، ولكن ما هو أكيد أنها كانت من حكّام الدولة البويهية، جلست على مسند الحكم نيابةً عن أولادها الصغار، وذلك بعدما توفي زوجها فخر الدولة الديلمي في عام 997، وهكذا تولت رسمياً الحكم في ري (طهران) وهمدان، وحكمت من سنة 995 حتى يوم وفاتها في 1017.

كانت من حكّام الدولة البويهية، جلست على مسند الحكم نيابةً عن أولادها الصغار، وذلك بعدما توفي زوجها فخر الدولة الديلمي في عام 997، وهكذا تولت رسمياً الحكم في ري (طهران) وهمدان، وحكمت من سنة 995 حتى يوم وفاتها في 1017

والأسرة البُويهية سلالة إيرانية ومن الدول الديلمية التي قامت في الفترة بين عامي 934 و1055، حكمت معظم مناطق شمال إيران ووسطها وغربها وجنوبها، وبعض المناطق في العراق والكويت. كان البويهيون يعدّون أنفسهم من ذرية الساسانيين، ملوك إيران قبل الإسلام. يختلف المؤرخون حول مذهبهم، إذ صنفهم البعض كشيعة اثني عشرية أو زيدية، وآخرون عدّوهم في البداية زيديين ثم أصبحوا شيعة اثني عشرية، فيما يعتقد المستشرق الروسي إيليا بتروشيفسكي، أن مؤسسي الدولة البُويهية كانوا شيعةً، ولكن الأفراد الذين خلفوا هذه الأسرة، على الرغم من أنهم كانوا يميلون نحو الشيعة في المواضيع الدينية، إلا أنهم كانوا رسمياً من أهل السنّة.


وشيرين دخت، من الأسرة الباوندية في طبرستان، أي محافظة مازندران شمال إيران، والباونديون الإيرانيون هم ملوك طبرستان وقد حكموا نحو 700 عام، وأغلبهم كانوا يحكمون في المناطق الجبلية في طبرستان، خاصةً في منطقة سوادكوه، وخلال فترة الحكم هذه، انهارت السلسلة الباوندية ثلاث مرات، وكانت أراضيهم في طبرستان تمتد من الشمال إلى بحر قزوين، ومن الغرب إلى جيلان، ومن الشرق إلى أسترآباد.

وعُرف الملوك الباونديون بلقبَي "إسبهبد" و"ملوك الجبل"، وقد اشتُق اسم هذه العائلة من لقب مؤسس هذه السلالة باو، وهو ابن شابور الساساني، الذي كان أحد أمراء السلالة الساسانية في إيران. في الغالب كانت لدى الباونديين حكومة مستقلة لأنفسهم، لكنهم كانوا في بعض الأحيان يحكمون تحت سلطة الخلفاء والسلاطين المعاصرين لهم.

2 – شيرين دخت الملكة وأم الملوك

كانت شیرین دخت، حاكمةً عادلةً وشجاعةً في تاريخ إيران، وكان لديها اهتمام خاص بالعلم والثقافة، إلى درجة أن قصرها أصبح محل تجمّع للعلماء والأدباء والفلاسفة، الذين كان من بينهم الطبيب والعالم والفيلسوف الكبير ابن سينا، الذي عُرف بمهاراته في جميع مجالات علوم عصره، خاصةً في الطب، ويُعدّ أبا الطب الحديث. قام ابن سينا بكتابة 450 كتاباً في مجالات مختلفة، معظمها في الطب والفلسفة.

أبو علي سينا، الذي أُجبر على مغادرة خراسان بسبب وصول محمود الغزنوي إلى السلطة ومعارضته للشيعة، هرب من القوات الغزنوية وذهب إلى مدينة ري وخدم شيرين دخت وابنها مجد الدولة، فمنحته الأخيرة الأمان حتى يتمكن من متابعة دراساته العلمية في بلاطها، وكانت مكتبة بلاطها غنيةً إلى درجة أن ابن سينا بقي لفترة طويلة تحت رعايتها، واستخدم كتبها التي كانت عن علم الفلك والحكمة.

يشير مؤلف كتاب "قابوس‌ نامة"، عنصر المعالي، إلى أن شيرين دخت، المشهورة بسيدة خاتون، كانت امرأةً نبيلةً وعفيفةً وزاهدةً، إلى جانب أنها كانت سياسيةً محنكةً أيضاً، إذ بدأ دورها السياسي في أثناء حكم زوجها فخر الدولة، وكان زوجها في بداية حكومته يستعين سياسياً بوزرائه، لكن بعدما أظهرت شيرين دخت قدرتها السياسية، باتت هي مستشارته السياسية الوحيدة، ولم يقتصر دورها على المجال السياسي وحسب، بل كانت لها نظرة عسكرية وأشرفت بنفسها على تدريب جيش طبرستان خلال فترة حكم زوجها، كما كانت تسيطر سيطرةً تامةً على الشؤون المالية والضرائب والإيرادات والنفقات في المملكة، وكانت تتحكم في خزائن فخر الدولة حتى وفاته.

بعد وفاة فخر الدولة في سنة 997، قامت شيرين دخت بتعيين ابنها مجد الدولة خلفاً لوالده، وأسندت إليه حكم ري، كما أرسلت ابنها الآخر أبا طاهر شاه خسرو، الملقب بشمس‌ الدولة، إلى مدينة همدان ليحكمها، ومنحت حكم إصفهان لابنها الثالث أبي شجاع البالغ من العمر سبع سنوات، ومن هذا المنطلق حصلت شيرين دخت على لقب "أم الملوك".

ونظراً إلى صغر سن ابنها مجد الدولة، قادت شيرين دخت شؤون الحكومة بنفسها، إذ كانت تُصدر القرارات الحكومية بتوجيهاتها، ولم يصدر أي قرار في إمبراطورية آل بويه دون علمها. ومع ذلك، واجهت شيرين دخت تحديات كبيرةً طوال فترة حكمها، ومن هذه التحديات السياسية تمرّد أبنائها عليها، بتحريض من بعض القادة العسكريين المقربين.

تم تكليف مجد الدولة بحكومة ري عندما كان صغيراً، وكان يقضي وقت فراغه بالقراءة والترفيه، وكانت شيرين دخت هي التي تدير شؤون إقليمه، وإقليمَي شمس‌ الدولة وأبي شجاع، وفي الواقع كانوا يحكمون ثلاثتهم بتوجيه من أمهم القوية، ومع ذلك، قاد مجد الدولة تمرداً ضد والدته في عام 1006، وفي اعتقاد بعض المؤرخين أن شيرين دخت ذهبت بعد هذا التمرد إلى قلعة "طبرك" القريبة من مدينة ري، بينما يعتقد مؤرخون آخرون أن مجد الدولة اعتقلها وحبسها في هذه القلعة.

على أي حال لم يمضِ وقت طويل حتى اضطربت الأمور بسبب عدم كفاءة مجد الدولة، وبعد فترة وجيزة هربت شيرين دخت من السجن وذهبت سيراً على الأقدام إلى كردستان وتوجهت إلى بدر، الذي كان صديقاً قديماً لزوجها. قام بدر بتأمين جيش لها في كردستان، وانضم إليها في هجومها إلى ري، وفي منتصف الطريق وتحديداً في مدينة همدان، انضم شمس‌ الدولة إلى جيش والدته، وبعدما وصل جيشها إلى مدينة ري، دخلت في حرب مع ابنها البكر مجد الدولة وهزمته وبعدها سجنته، ثم قامت شيرين دخت بتتويج شمس‌ الدولة ملكاً على ري واستولت بنفسها على الأمور. وخوفاً من ألا يحلم بدر بمغامرات رومانسية أو سياسية معها، أعادته إلى كردستان محمّلاً بالكثير من الهدايا.

بعد فترة قصيرة، اكتشفت أن شمس الدولة أكثر تمرداً حتى من مجد الدولة، ولذلك أعادت الحكومة إلى مجد الدولة مرةً أخرى، ولكن هذه المرة بقليل من الصلاحيات، وأشرفت عليه وزادت من شروطها لتسيطر عليه. وبالرغم من التحديات التي واجهتها، إلا أنها نجحت في إدارة المملكة بفضل كفاءتها وحكمتها.

3 – شيرين دخت والسلطان محمود الغزنوي

السلطان محمود الغزنوي، الذي لا مثيل له في تاريخ القرون الوسطى، من حيث القوة والتوحش، والذي تمكن من إخضاع كل شخص في كامل أراضيه، لم تخضع له شيرين دخت يوماً.

شيرين دخت، من الأسرة الباوندية في طبرستان، أي محافظة مازندران شمال إيران، والباونديون الإيرانيون هم ملوك طبرستان وقد حكموا نحو 700 عام، وأغلبهم كانوا يحكمون في المناطق الجبلية في طبرستان، خاصةً في منطقة سوادكوه

السلطان محمود الغزنوي كان أقوى سلاطين سلالة الغزنويين في إيران، وكان الغزنويون من الأتراك السنّة، وحاضرين بشكل خاص في المناطق الشرقية من إيران، خاصةً في خراسان الكبيرة وأفغانستان اليوم، وكانوا مشهورين بدورهم كناشرين للإسلام، فأيّدتهم الخلافة العباسية، ويعود سبب شهرة هذه السلالة بشكل رئيسي إلى الفتوحات التي نفذوها في الهند.

كان السلطان محمود أول حاكم مستقل وأكبر شخص في سلالة الغزنويين، وكان مشهوراً بشجاعته وجرأته وقد ازدهر بلاطه في تاريخ الإسلام، خاصةً بفعل غزواته في الهند والثروات التي جلبها من هناك، كما كان أول حاكم في الخلافة الإسلامية الذي أطلق على نفسه لقب "سلطان" ليُظهر استقلاله عن نظام الخلافة العباسية، على الرغم من أن الخليفة العباسي لم يقبل له غير لقب "الأمير". ازدادت فتوحات السلطان محمود نحو الغرب وشمال إيران، وقاد جيشاً إلى ري، لكنه واجه هناك أول امرأة تقف في وجهه، لا بالقوة العسكرية وإنما بالحكمة.

كتب السلطان محمود رسالةً إلى شيرين دخت، طلب منها فيها تسليم ري، لتصبح حكومتها تحت سيطرته، وإلا سيدمر الجيش الغزنوي مدينة ري، لكن شيرين دخت ردت عليه في رسالة، قالت فيها إنها إذا فازت في معركة ري، فإن الجميع سيقولون إن الملك الغزنوي قد هزم امرأةً، وإذا خسرت في هذه المعركة، سيُكتب في التاريخ أنه قد هزم امرأةً. ساهمت هذه الرسالة في إقناع السلطان محمود بالتراجع عن مهاجمة ري، وظلت ري في أمان ما دامت شيرين دخت على قيد الحياة.

وبعد وفاة شيرين دخت، قاد السلطان محمود جيشه إلى ري وفتحها، كما اعتقل مجد الدولة وقتله، وأحرق المكتبة الشهيرة في ري وأعدم المئات من العلماء والمفكرين بذريعة الإلحاد، وبهذا انتهت الدولة البويهية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ماضينا كما يُقدَّم لنا ليس أحداثاً وَقَعَت في زمنٍ انقضى، بل هو مجموعة عناصر تجمّعت من أزمنة فائتة ولا تزال حيّةًً وتتحكم بحاضرنا وتعيقنا أحياناً عن التطلّع إلى مستقبل مختلف. نسعى باستمرار، كأكبر مؤسسة إعلامية مستقلة في المنطقة، إلى كسر حلقة هيمنة الأسلاف وتقديم تاريخنا وتراثنا بعين لا تخاف من نقد ما اختُلِق من روايات و"وقائع". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. ساعدونا. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image