تُعدّ مشاهدة الأفلام من الطقوس المعتادة في احتفالات نهاية العام واستقبال السنة الجديدة، إذ تمنحنا أمسيةً طيبةً في هذه الأجواء الشتوية، سواء كنا وحدنا أو نحظى برفقة ما. والحقيقة أن لدينا قوائم كثيرةً لأفلام أجنبية، وتحديداً أمريكية، يُنصح بمشاهدتها ليلة رأس السنة، لكن قلّما نجد قائمةً مشابهةً تضمّ أعمالاً سينمائيةً عربيةً تحسّن المزاج وتثير البهجة في النفوس.
لذلك قررنا التوقف عند مجموعة أفلام ينتمي صنّاعها إلى جنسيات عربية مختلفة، وإن سيطرت على القائمة الترشيحات المصرية، لما لها من مكانة كمّاً وكيفاً، إذ نستأنس بمتابعة حكايات يخوض أبطالها تجارب تشتبك مع واقعنا وأحلامنا، وبعضهم يصل إلى نهاية سعيدة تقليدية والبعض الآخر تقوده الظروف إلى نتائج يصعب التكهن بها. لكن يبقى أن جميع هذه الأفلام قادرة على تحقيق المتعة عند المشاهدة ورسم ابتسامات على الوجوه، مع مراعاتنا لتباين التفضيلات الشخصية والأذواق السينمائية.
"الناظر"... لا بد من المغامرة
يبدو من الصعب أن تخلو قائمة أفلام تضع التسلية شرطاً أساسياً للاختيار من ذكر اسمه، فهو الفيلم الذي أصبح من علامات الكوميديا المصرية ذات الإنتاج الغزير، وبات حاضراً بقوة على مستوى الثقافة الشعبية، وذلك لأن المخرج شريف عرفة والكاتب أحمد عبد الله، نجحا في خلق حالة سينمائية مميزة بوجوه شابة تستفيد من إرث الماضي وتتمرد على سطوته باحثةً عن أصواتها الخاصة داخل الفيلم وخارجه.
قررنا التوقف عند مجموعة أفلام ينتمي صنّاعها إلى جنسيات عربية مختلفة، إذ نستأنس بمتابعة حكايات يخوض أبطالها تجارب تشتبك مع واقعنا وأحلامنا، وبعضهم يصل إلى نهاية سعيدة تقليدية والبعض الآخر تقوده الظروف إلى نتائج
يقدّم فيلم "الناظر"، حكاية صلاح (علاء ولي الدين)، الذي عانى من تسلّط والده ونال بوفاته حرية التعرف على العالم الحقيقي. ينطلق بدايةً في مغامرات مراهقة وطائشة حائراً بين رغباته والواجب الملقى على عاتقه، لأنه كما يقول عندما يُكلّف بتولى نظارة مدرسة أبيه وأجداده: "أنا طموحاتي غير كدا خالص، أنا عايز أبقى منحرف". لكن تكرار المحاولات والإخفاقات على مدار الأحداث، يتيح له فرصة العثور على طريقه وإيجاد ذاته.
يسرد لنا العمل رحلة بطل كلاسيكية بأسلوب ممتع يجمع بين كوميديا الموقف التي تأتي في صلب الموضوع، والإيفيهات الذكية، ويقدّم لنا مجموعة كاراكتيرات لكل منها بصمته اللافتة التي لا تزال عالقةً في الأذهان لبراعة رسمها وأدائها على الشاشة.
"حب البنات"... الاحتماء بالعائلة
شهدت العشرية الأولى من القرن الحالي موجة أفلام مصرية تنتمي إلى نوعية الكوميديا الرومانسية، تفاوتت من حيث الجودة والتأثير في الجمهور، كان من ألطفها وأبقاها في الذاكرة فيلم "حب البنات" للمخرج خالد الحجر والسيناريست تامر حبيب (عن قصة كتبتها نهاد عبد العزيز محمود)، حيث نشاهد حكايةً سينمائيةً جذابةً بألوان مبهجة وشخصيات لطيفة على تنوعها، تشعرنا بالدفء والحميمية وتصل بنا إلى نهاية محببة إلى النفس.
تدور الأحداث حول ثلاث أخوات غير شقيقات، نشأن متباعدات، لكن بعد وفاة الأب تجبرهنّ الوصية على الإقامة في بيت واحد لمدة عام، حتى تحصل كلّ منهن على ميراثها. في بادئ الأمر، تظهر المشاحنات النابعة من تباين الطباع والأزمات الداخلية، وتتداخل معها المشكلات العاطفية التي تواجهها كل واحدة على طريقتها. لكن باللجوء إلى الطب النفسي والاحتماء ببعضهنّ البعض من صدمات الحياة، يجدن سبيل السعادة.
قدّم صنّاع الفيلم توليفةً متناغمةً تمزج بين علاقات الأخوة والصداقة والحب، يجسدها ممثلون يظهر بينهم الانسجام على الشاشة، لذا تعلّق المشاهدون بـ"حب البنات" وصارت جمله الحوارية محفوظةً عن ظهر قلب ولقطاته الأيقونية حاضرةً في صورة ميمز على الإنترنت، بل إن المآخذ على بعض الأداء التمثيلي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ساخر يحمل نوستالجيا إلى حالة فنية مفتقدة.
"في شقة مصر الجديدة"... تمجيد الحب
بدءاً من المشهد الافتتاحي حيث معلّمة الموسيقى تردد كلمات أغنية "أنا قلبي دليلي" لليلى مراد، وحتى تترات النهاية، نستمع إلى الأغنية ذاتها بصوت نسائي عذب. يمنحنا المخرج محمد خان، على مدار ما يقرب من ساعتين، فرصة الاستمتاع بسيمفونية سينمائية نُسجت تفاصيلها على مهل، وغلبت عليها رائحة ماضٍ رائق برغم أن أحداثها تقع في قلب العاصمة المصرية، وتتضمن الكثير من مفردات واقعنا الحالي.
يسرد السيناريو الذي كتبته وسام سليمان، حكاية نجوى (غادة عادل)، الشابة الحالمة التي آمنت في صغرها بكلام معلمتها عن الحب، وكبرت لتجد أن العثور على نصفها الثاني ليس بالأمر الهيّن، حتى كادت تفقد إيمانها. تذهب في رحلة عمل إلى القاهرة يلوح معها احتمال لقاء المعلمة ذات الأثر الكبير في حياتها، فتترك مدينتها في صعيد مصر وتخوض تجربة السفر للمرة الأولى محملةً بتساؤلات تقلق روحها لكن الحياة تفاجئها بالإجابة التي لطالما بحثت عنها.
يقدّم خان صورةً تفيض بالجمال والشاعرية، تبدو فيها الشخصيات هائمةً في ملكوت الحب بشتى أشكاله وصوره وكأنه الملاذ من الواقع وصعوباته، حيث تتلمسه في حكاية سائق التاكسي وفي قصة راعية بيت المغتربات، ناهيك عن علاقة الحب التي تتشكّل أمامنا بين اثنين من عالمين مختلفين.
"أمريكا"... الإصرار على النجاة
في فيلمها السينمائي الأول، قررت المخرجة الفلسطينية الأمريكية شيرين دعيبس، أن تستوحي الفكرة من تجربة عائلتها في أمريكا دون أن تقيّد نفسها بالأحداث الحقيقية، بل تركت العنان لمخيلتها لتنسج حكاية نجاح مُلهمة يغلب عليها الحس الكوميدي برغم التحديات الصعبة. وقد اختارت أن تكون الشخصية الرئيسية امرأةً تشبه الكثير من النساء العربيات في هيئتها الخارجية وبساطة تعاملاتها وقدرتها على مواجهة الصعاب بشجاعة فطرية.
تنطلق الأحداث من أراضي الضفة الغربية، حيث موظفة البنك منى (نسرين فاعور)، التي تشعر بأن كل شيء من حولها يتداعى؛ فمن جهة تمر بأزمة شخصية بعدما هجرها زوجها لاهثاً وراء امرأة أخرى، ومن ناحية أخرى تعيش مأساةً عامةً تحت وقع الاحتلال. تأتيها فرصة الهجرة إلى أمريكا وتأسيس حياة جديدة مع ابنها الوحيد طامحةً إلى أن تمنحه مستقبلاً أفضل في أرض الأحلام، لكنها تصطدم بواقع قاسٍ يعاني فيه العرب من العنصرية والاضطهاد.
"كل الأماكن سيئة، أهم شيء ما تخلي إنسان يخليك تشك بحالك وبنفسك"؛ هذا ما تقوله منى لابنها، حينما تشتد ضغوط الحياة عليهما، إذ بالرغم من تعرضها لخيبات كثيرة ترفض الاستسلام وتتمسك بحقها في النجاة. لا يلجأ الفيلم إلى حلول وردية في نهايته، كما لا يغرق في السوداوية، بل على العكس يتركنا نشعر بأن الأمر يستحق المعافرة وأن التلاقي بين البشر ممكن مهما بدت الاختلافات كبيرةً.
فيلم "كتير كبير"... المقامرة بكل شيء
إذا كنت ممن يفضلون أجواء العصابات والعالم السفلي للمدينة، ستجد ضالتك في فيلم المخرج اللبناني ميرجان بو شعيا، الذي صنع فيلماً تدور قصته حول عملية تهريب مخدرات هزلية، يقدَّم فيه مشاهد العنف والمطاردات بحس فكاهي مثير للإعجاب، وتشتبك خطوطها مع العديد من مشكلات اللبنانيين اليومية بأسلوب طريف ذكي.
يحكي الفيلم عن زياد (آلان سعادة)، الذي يقرر ترك تجارة المخدرات وبدء فصل جديد من حياته مع شقيقيه الصغيرين، فينصب رئيسه فخاً له، لكن يتمكن من النجاة ومعه كمية كبيرة من المواد المخدرة. وبوحي من حادثة "طليانية"، يخطط لتهريب البضاعة في علب بكرات الأفلام، مما يدفعه إلى خوض تجربة إنتاج فيلم سينمائي.
مع استخدام بو شيعا، تيمة الفيلم داخل الفيلم، يتخذ العمل نهجاً ساخراً بشكل كامل، يُفجّر مواقف كوميديةً عديدةً انطلاقاً من علاقة زياد بمخرج فيلمه، مروراً بكواليس صناعة هذا الفيلم الصوري الذي يتورط فيه جميع المحيطين به، وصولاً إلى تحقيقه شهرةً إعلاميةً بمحض الصدفة، حيث قامر بكل شيء وخاض مغامرةً جاءت نتائجها لصالحه على نحو غير متوقع. كل هذا يظهر على الشاشة بسلاسة ومتعة دون خطابية أو نزعة أخلاقية مقحمة.
فيلم "فوتوكوبي"... العمر مجرد رقم
بعض الأفلام قادرة على النفاذ إلى قلوب المشاهدين برغم هفواتها السردية. يبدو فيلم "فوتوكوبي" الذي يُعدّ العمل الأول للمخرج تامر عشري والكاتب هيثم دبور، نموذجاً في هذا الصدد، إذ تمكّن بأجوائه الدافئة وحكايته البسيطة المتفائلة أن يشغل مكانة بين الأفلام المصرية المنتجة خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع ندرة وجود أعمال جديدة مماثلة في السينما.
رجل مسنّ (محمود حميدة)، يشعر بأن مصيره سيكون مثل الديناصورات التي قادته الأقدار إلى قراءة بحث حول انقراضها، وذلك لأنه وحيد، لم يتزوج، وقد بدأت الحياة كما عرفها تتلاشى من حوله. يقوده هذا الخوف إلى التحرك لتغيير واقعه، إذ يعترف بحبه لجارته الجميلة المريضة (شيرين رضا)، راغباً في قضاء ما تبقّى من حياته بصحبتها، ويقدم على أفعال وتجارب غريبة عنه بهدف تبديد حالة الركود المسيطرة على حاضره.
يسعى الفيلم إلى تحرير شخوص حكايته من القوالب التي يفرضها المجتمع وتحول بينهم وبين الاستمتاع بالحياة، ويهيئ لهم فرص التمرد على الأفكار الجامدة والرجعية. لكن اللافت في "فوتوكوبي"، القدرة على رسم علاقات إنسانية مؤثرة بين الأجيال المختلفة تضع الجيران في مكانة العائلة والأصدقاء، كذلك يخلق حالة نوستالجيا إلى زمن فات دون أن يغرق فيها وينسى ضرورة عيش اللحظة الراهنة.
فيلم "سيد المجهول"... أن نسخر من واقع عبثي
لصّ تتعطل سيارته في منطقة صحراوية نائية، فيصعد إلى تلة ليدفن حقيبة أموال متعمداً أن يبدو المكان على هيئة قبر، وذلك قبل ملاحقة سيارات الشرطة له والقبض عليه؛ هكذا يفتتح المخرج المغربي علاء الدين الجم أحداث فيلمه الأول "سيد المجهول" الذي يسخر من الخرافات الشعبية ويغوص في كيفية صناعة حكايات الأولياء داخل البيئات المهمشة.
تدبّ الحياة في هذا المكان الذي صار ضريحاً لولي مجهول، وتتأسس قرية صغيرة حوله تباركاً به وعملاً على خدمة زواره. إلا أنه يصبح نقطة التقاء بين ثلاثة رجال لكل منهم أسبابه الرافضة للولي وكراماته الزائفة؛ أولهم اللص الذي عاد بعد سنوات لاستعادة غنيمته، وثانيهم الطبيب الذي جاء إلى قرية لم تطلها الحداثة، والأخير شاب يطمح إلى السفر للمدينة بحثاً عن حياة آدمية بعيدة عن الفقر والجهل.
جميع هذه الأفلام قادرة على تحقيق المتعة عند المشاهدة ورسم ابتسامات على الوجوه، مع مراعاتنا لتباين التفضيلات الشخصية والأذواق السينمائية
برغم جدية الفكرة، إلا أن صانع الفيلم يحكي سرديته في قالب كوميدي يقوم على مغامرات طريفة ومفارقات مضحكة. كذلك يقدّم مجموعةً من الشخصيات الكاريكاتورية التي تتحرك في إطار عبثي مرح داخل القرية.
فيلم "شمس المعارف"... التشبث بالحلم
قبل سنوات قليلة، لم يكن أحد ليتخيل أن يأتي فيلم سعودي في قائمة ترفع شعار البهجة، لكن الانفراجة التي شهدتها المملكة فتحت الباب أمام الكثير من الإنتاجات الطموحة والمتنوعة التي يأتي في مقدمتها من حيث الجودة فيلم "شمس المعارف" لفارس قدس. وقد استوحيت فكرته من تجربة الأخوين قدس (فارس وصهيب) مع الأفلام القصيرة وبرامج اليوتيوب في فترة انتشار المحتوى السعودي على الإنترنت.
تقع أحداث الفيلم في عام 2010، وتركّز على حسام (براء عالم)، طالب المرحلة الثانوية الشغوف بصناعة الأفلام، إذ يخوض مغامرة إنتاج فيلم رعب بمساعدة زملائه ومعلمه وسط تحديات كثيرة في بيئته المتحفظة ضد عالم السينما. يعلق آمالاً كبيرةً على فيلمه، لكنه يتعرض لإخفاقات تثري تجربته وتساعده على النضوج.
يوظف المخرج تفاصيل مدرسة البنين في حكايته الممتعة مشتبكاً مع قضايا تعليمية مهمة بخفة ظل وانسيابية في المعالجة. لكن أهم ما يميز "شمس المعارف" هو أنه يصطحبنا إلى ماضٍ ليس ببعيد كاشفاً عن شباب سعوا إلى إحداث تغييرات فنية تواكب الزمن وتعبّر عن أفكارهم وهواجسهم، وتشبثوا بالحلم برغم كل شيء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...