شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أفلام عربية وشرقية ترشحت للأوسكار برغم بساطة إنتاجها

أفلام عربية وشرقية ترشحت للأوسكار برغم بساطة إنتاجها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الأربعاء 14 يونيو 202303:29 م

جائزة الأوسكار، الحلم الأقصى لكل صناع السينما في عالمنا هذا والمبتغى الذي يصبو إليه الجميع، بدءاً من الممثل ووصولاً إلى مهندس مكساج الصوت.

الجائزة التي تُعَد محط أنظار العالم، فينال المترشح لها شرفاً كبيراً وفخراً يطوله هو وبلاده، بينما الفائز بها يكون صاحب السعادة الكبرى طيلة عام، وربما استمرت سعادته أعواماً إن لم تحتجز خانة أبدية له في تاريخ السينما وذاكرتها.

عبر سنوات طويلة، خصصت أكاديمية الأوسكار جوائز لكل فئات صناعة السينما، حتى أنها شملت أفلام الرسوم القصيرة، الأفلام التسجيلية والوثائقية القصيرة، وحتى أفلام الحركة الحية “Live Action” القصيرة.

لا شك أن جائزة أوسكار الفيلم الأجنبي (Best International Feature Film) كانت واحدة من أهم فئات الجوائز التي خصصتها الأكاديمية بالمجال، حيث هيأت ساحة تنافسية واسعة تشمل كل أنحاء العالم، ليتبارى فيها صناع السينما من كل صوب وحدب، فنشهد عدة أفلام من دول العالم المختلفة تحاول الظفر بتمثال الأوسكار الذهبي كل عام. وحتى المترشحين الذين لم يحالفهم الفوز، قد شملهم تكريم ليس هيّناً لهم ولبلادهم في الترشيح.

جائزة أوسكار الفيلم الأجنبي (Best International Feature Film) كانت واحدة من أهم فئات الجوائز التي خصصتها الأكاديمية بالمجال، حيث هيأت ساحة تنافسية واسعة تشمل كل أنحاء العالم، ليتبارى فيها صناع السينما من كل صوب وحدب

هناك من يرجع عدم بلوغ الأفلام المصرية، مثلاً، مرحلةَ الفوز بجائزة الأوسكار إلى اعتبارات دينية ومجتمعية، بل وأحياناً سياسية! أمّا البعض رأى أن الحظ فقط لم يحالفنا للنهاية، وفئة عريضة -ربما الأكبر بين كل الفئات- حكمت أن الإنتاج وحده هو السبب، فضخامة الإنتاج ليست من طباعنا ومحدودية إمكاناتنا لن تصل بنا لأبعد من هذا.

الجميل في الأمر، أنه مع قليل من التأمل بهذه المبررات، المنطقي منها واللا منطقي، سنخلُص لأنها أسباب مغلوطة ليس لها قدر من الصحة، وأن أفلاماً كُثراً كانت سمتها الأولى محدودية إنتاجيتها وضآلة تكلفتها، إلى جانب بساطة موضوعاتها مع أصالتها في انتمائها لمجتمعها، ترشحت للجائزة مراراً وتكراراً، بل فازت أيضاً في سنوات. بل إن هذه السمات نفسها، كانت السبب الأول في ترشحها للجائزة! من بين هذه الأفلام، أفلام إيرانية وعربية عِدة؛ منها التونسي، الجزائري، الأردني، اللبناني، والموريتاني، سنستعرضها بنظرة فاحصة خلال الفقرات القادمة.

"أطفال الجنة"

في عام 1997، اقتنص المخرج الإيراني "مجيد مجيدي" أول ترشيح أوسكاري لفيلمه "أطفال الجنة" (Children Of Heaven) في فئة الفيلم الأجنبي. هذا الفيلم نموذج يحتذى به في بساطته وعمقه بذات الآن. حيث نرى الطفل (علي) في افتتاحية الفيلم جالساً عند الإسكافي حتى ينتهي من تصليح حذاء شقيقته الصغرى (زهرة). يستلم علي الحذاءَ ويذهب لتبضع الخضروات لأمّه، وبشكلٍ ما يضيع منه الحذاء.

نكتشف أن أسرته مَدينة وبالكاد تُدبّر قوت يومها؛ والده يعمل ليل نهار، ويتميز بعصبية مُفرطة إثر ضغوط المعيشة التي تحاصره. علي يُبلغ زهرة باكياً الخبرَ الحزين بضياع حذائها منه، فتبكي بدورها متسائلة كيف ستذهب إلى المدرسة! يتفق معها الفتى ألا تخبر والدهما، وسيجد حلاً لمعضلة الحذاء. لنشهد بعدها الطفلين يتبادلان حذاءه المهترئ المتهالك، تنتعله زهرة وتقضي يومها المدرسي، ثم تركض بأقصى سرعتها لتلتقيه في منتصف الطريق، فتعطيه الحذاء ويعطيها "الشبشب" حتى تذهب به إلى المنزل، بينما يركض هو بأقصى سرعته منتعلاً حذاءه المتهالك ليبدأ يومه المدرسي.

يستمر الأمر على هذا المنوال، مع مفارقات ومواقف صعبة نعيشها مع الطفلين، حتى تعلن مَدرسة علي عن مسابقة للعدو بين الطلبة، جائزة مركزها الثالث تشتمل حذاءً رياضياً، فيصير حلم علي الشاغل هو أن يربح المركز الثالث بهذه المسابقة حتى يمنح الحذاء الرياضي لأخته ويعوضها عمّا أضاعه.

فيلم تكلفته الإنتاجية لا تُذكر، إمكاناته الفنية في قمة بساطتها، لكنه فيلم عظيم يخترقنا لأبعد عمق. معالجته الدرامية قدر بساطتها قدر ما تُحدث في أنفسنا تأثيراً إنسانياً لن يزول بسهولة.

ننخرط مع الطفلين في معضلة حذائهما، نبكي معهما ونبتسم للحظاتهما البريئة التي تنتزع الجمال من كبد البؤس. نركض معهما ذهاباً وإياباً، نلهث مع لهاثهما، نجلس بعين يملؤها الأمل وقلب يملؤه الدعاء، أن يفوز هذا الفتى الشجاع بالمركز الثالث لينال الحذاء الرياضي وتنتهي أزمته مع شقيقته الصغيرة. نال الفيلم الترشيحَ، واحتلّ مكانه من العظمة بمعالجة درامية إنسانية بالغة البراءة والإرهاف. أداء استثنائي للطفلين "مير فَرُّخ هاشميان" و"بهاره صديقي"، وإخراج واع لـمجيد مجيدي مع كاميرا ترصد أدق التفاصيل وأعمقها بخفة وبساطة.

"انفصال"

أصغر فرهادي صانع الأفلام الإيراني الذي أحدث ضجة عملاقة بأوساط الأوسكار لأكثر من مرة، جاء بفيلمه "انفصال" (A Separation) عام 2011 ليقتنص جائزة الأوسكار نفسها في فئة أفضل فيلم أجنبي، إلى جانب ترشيح له بفئة أوسكار أفضل سيناريو مباشر للشاشة.

فرهادي قادر دوماً على توريطنا في سيرورة الأحداث بتمهُّل، ثم يضعنا فجأة في ذروة لم نعلم كيف اشتعلت لهذا الحد، لنجد أنفسنا عاجزين تماماً عن تبني أي موقف!

لا ندرك هل نشعر بالشفقة على هذا الشخص أو نغضب منه؟ هل هو طيب أم شرير؟ هل هذا هو المخطئ أم ذاك؟ هل هذه تستحق العاقبة التي لحقتها أم أنها مظلومة بعض الشيء؟ الشخوص كلها قادرة على إثارة تعاطفنا وغضبنا بذات الآن. لا شرير في الأمر، كلهم أشخاص جمعتهم الظروف في هذا المأزق، ودفعتهم أحياناً لتصرفات تخالف طبائعهم؛ هم مثلنا جميعاً في حيواتنا. هذا ما يجعل نص فرهادي حياً ينبض بالواقع على الشاشة، قادراً على جعل أبطاله من لحم ودم، تربكنا أزمتهم وتورطّنا دون أن تمنح لنا فرصة المحاكمة والتنظير.

يفتتح "فرهادي" فيلمه بزوجين في قاعة محكمة، حيث تطالب الزوجة (سيمين) بطلاقها من زوجها (نادر) لرغبتها في الهجرة إلى أوروبا، في حين يتشبث زوجها بالمكوث في البلاد لرعاية والده العجوز المصاب بالزهايمر. مع تطور الأمر، تفقد أسرة نادر استقرارَها، حيث تعدّ سيمين نفسَها للرحيل، فيقوم هو باستقدام الخادمة (راضية) لتعتني بالعجوز.

تشعر راضية يوماً بانقباضات في معدتها تضطرها إلى مغادرة المنزل أثناء عملها، للذهاب إلى طبيب، فتربط يدَي العجوز بالفراش لضمان تقييد حركته. يعود نادر إلى المنزل قبل عودتها، ليجد والده في حال يرثى له، فيقوم بفك وثاقه وتهدئته بينما يشتعل غضباً من تصرف راضية.

تعود الأخيرة إلى المنزل، لينشب نقاش حادّ بينها وبين نادر، الذي يتملكه الشك في أنها تفعل ذلك بوالده كل يوم، بل إنه يتهمها بسرقة ماله. تحاول راضية تفسير موقفها على مرأى من ابنتها وابنة الآخر، قاسمة بكل الأيمان أنها لم تسرق ولم تترك والده من قبل. لكن نادر يرفض سماعها. تأبى راضية المغادرةَ قبل أن تتلقى أجرتها، أمّا نادر فيصرخ عليها بالرحيل، ثم يدفعها دفعة صغيرة إلى خارج باب منزله، فتفقد اتّزانها وتسقط على الدرج، مما سيجعل نادر متهماً أول بإجهاضها.

"حجي"، زوج راضية العاطل عن العمل، يهتاج، ويقوم برفع قضية على نادر، بينما الأخير يدافع عن موقفه وعن والده مطالباً بحقوقه، محاولًا بكل قوته ألا يدخل السجن ليتمكن من رعاية والده وابنته. يضعنا فرهادي في خضم معضلة أخلاقية تصيبنا بالعجز في تبني حكم أو شعور تجاه شخص بعينه.

بصرف النظر عن الخلفيات السياسية المحتدمة بين إيران وأمريكا خلال تلك الآونة، ضعوا في الاعتبار أن بطلتي الفيلم ترتديان الحجاب طيلة الأحداث، وحتى الطفلتان الصغيرتان مُحجبتان، إلى جانب الفتوى الدينية التي شغلت راضية ثلث الفيلم الأول: هل من الجائز لها أن تُبدّل ملابس العجوز حين يبول على نفسه أم أنه لا يجوز. أمور وتفاصيل من صميم المجتمع الإيراني، لكن فرهادي ظفر بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ونال ترشيحاً لأوسكار أفضل سيناريو عن النص البديع الذي كتبه.

"البائع"

في 2016، عاد فرهادي من جديد بفيلم "البائع" (The Salesman) ليضعنا في مأزق أخلاقي معقد التكوين؛ يُجلسنا على مقعد المُشاهد الذي يجد نفسه أمام طرفين محقين رغم أخطائهما، فيعجز عن تبني موقف بعينه أو الانحياز لطرف عن الآخر، بل يعجز حتى عن الحياد! ويفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي مرة أخرى.

يبدأ الفيلم في مشهد مُوتّر بإنذار لإخلاء بيت متداعٍ آيل للسقوط، يحاول ساكنوه الفرار منه سالمين. يخرج "عماد" وزوجته (رعنا) من البيت، ثم تضطرهما ظروفهما المادية لاستئجار منزل آخر، نكتشف مع الأحداث أنه مشبوه السمعة لأن مستأجرته السابقة كانت تستقبل كثيراً من الضيوف المُريبين.

هذا نفسه ما يُعرّض الزوجة في منزلهما الجديد لمحاولة اعتداء تُلحق بها إصابة جسدية بالغة وإصابة نفسية أقسى وقعاً، فتغوص بعدها في دوامة من الخوف وارتياب الأماكن المغلقة.

نتورط مع رعنا وعماد في مصابهما، مختبرين الهلع الكبير الذي أضحى يخالجهما، حتى نكتشف معهما الجاني وصاحب الفِعل المشين. أمّا المعتدي فهو عجوز مريض يُقارب النهاية، ويخشى الفضيحة خشية الموت.

هنا نجد عماد الذي لم يلجأ للشرطة، يقع بين نار الانتقام من الرجل بعد ما فعله بزوجته، ونار الغفران التي تستجديها حالة المعتدي. الأغرب أن رعنا نفسها تدافع عن المعتدي، بل تواجه زوجها بأنّ صفحَه عن الرجل في كفة وطلاقهما في كفة أخرى!

نهاية الفيلم عميقة للغاية، تترك بنا أثراً لا يزول؛ هي تعكس كيف لتصرف بسيط -نسبياً- أن يجعلنا نحمل قدراً عظيماً من الإهانة، وأن العاقبة ليست دوماً في ما نتخيله أو نسعى لتحقيقه؛ فصفعة على الوجه قد تُحدث ألماً نفسياً يضاهي فضيحة مكتملة الأركان!

"الجنة الآن"

"هاني أبو أسعد" المخرج والكاتب الفلسطيني العالمي المشاكس، الذي أمسى معروفاً لقطاع كبير من الجمهور العربي بعد إخراجه فيلم "The Mountain Between Us" للنجمين كيت وينسليت وإدريس ألبا، برغم أن هاني ظفر بترشيحين لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمين فلسطينيين من تأليفه وإخراجه، أولهما فيلم الجنة الآن" (Paradise Now) عام 2005.

"سعيد" و"خالد" شابان فلسطينيان على صداقة منذ طفولتهما، يعزمان على تفجير أنفسهما في عملية انتحارية داخل تل أبيب ويتم تجنيدهما لذلك. يرصد الفيلم آخر 48 ساعة في حياتهما قبل تنفيذ العملية، المواقف العصيبة التي يتعرضان لها، الأسئلة التي تدور بخلدهما والشكوك الضارية التي تواجههما، هل فعلاً الجنة مآلهما بعد هذه المهمة؟ هل ما يقدمان على فعله هو الأمر الصائب! هل من المنطقي أن يتخلى الإنسان عن حياته بهذا الشكل المفجع؟ أن يتحول لأشلاء طلباً للحرية؟!

نتابعهما في رحلتهما ويساورنا القلق حتى النهاية، حين يتراجع أحد الصديقين عن قراره، لكنه يفشل في إقناع الآخر بالتخلّي عن العملية، فنشهده بختام الفيلم جالساً في حافلة بتل أبيب رابطاً حزاماً ناسفاً حول خصره، تملأ عينيّه كل الشكوك والمشاعر التي اختبرناها معه خلال رحلة الفيلم.

لا نحتاج لشرح كثير حول أن الفيلم عن عمليات المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، الأمر الذي لا يروق لجهات عديدة تربطها شؤون بالأوسكار وجوائزه. حتى أن الفيلم تعرض لهجوم كبير شنّه عدد من اليهود الأمريكيين والدبلوماسيين الإسرائيليين في الولايات المتحدة ضد ترشحه لنيل جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. لكن في النهاية، نجح أبو أسعد بفيلمه الجريء أن يظفر بترشيحه للنهاية.

"عمر"

عاد هاني أبو أسعد في 2013 منتزعاً ترشيحاً أوسكارياً جديداً لفيلمه الفلسطيني "عمر" من تأليفه وإخراجه. "عمر" شاب فلسطيني يقع في غرام جارته "نادية" في حين يفصل بينهما الجدار العازل الذي شيدته إسرائيل بالضفة الغربية المحتلة.

ترغمهما الظروف على تبادل أخبارهما بطرق الحب الكلاسيكية، فيتبادلان الرسائل مرة أسفل فنجان القهوة، ومرة أخرى يلتقيان دون التخلي عن حذرهما بالتلفت حولهما من آن لآخر لتأمين مساحتهما الرومانسية. يشارك عمر صديقيه "طارق" و"أمجد" في قتل أحد الجنود الإسرائيليين، يُلقَى بعدها القبض عليه ويتعرض للتعذيب القاسي من المحقق الإسرائيلي "رامي".

يحاول أمجد استغلال الظروف في الفوز بحب نادية، خاصةً بعد تعرضه للتشكيك به وبأمانته من قِبَل أهله وحبيبته. لا يجد عمر في النهاية مفراً من محاولة التعاون مع رامي، سعياً لإيجاد سبيل الخلاص والأمان لأهله وأحبائه. يذهب في تدريب بصحبة رامي، الذي يبدأ في تلقينه كيفية التعامل مع المسدس، وينتهي الفيلم بنهاية مفاجئة لا تختلف عما عرفناه عن طباع عمر طيلة الأحداث.

فيلم يُظهر الكثير من وجوه الاحتلال، يتضمن أداءات تمثيلية صادقة ومُبهرة من آدم بكري، لييم لُباني، إياد حوراني، وليد زعيتر، وسامر بشارات. قوبل باستهجان يهود متطرفين إثر ترشحه لأوسكار الفيلم الأجنبي، لكنه نال الترشيح للنهاية مثل سابقه.

"ذيب"

الفيلم الأردني "ذيب" كان الأوفر حظاً في تردد صدى خبر ترشيحه لأوسكار الفيلم الأجنبي بالشرق الأوسط، ربما لأنه الفيلم الأردني الأول الذي يفوز بالترشح. هو للمخرج والكاتب ناجي أبو نوار عن قصة قصيرة كتبها باسل غندور، ثم شارك الأول في معالجتها السينمائية. كثيراً ما نجد أن الفيلم يُصنف "Western" في مواقع عِدة لطبيعته البدوية.

تقع أحداثه عام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى تحت إمرة الإمبراطورية العثمانية، حيث يخرج الفتى البدوي الصغير "ذيب" (12 عاماً) بصحبة شقيقه الأكبر "حسين"، في مهمة الدليل لضابط بريطاني مُكلف بتفجير خطط سكك حديدية مَدته الدولة العثمانية بالصحراء. نرافق ذيب في رحلته، لنختبر المواقف التي يواجهها دافعة إياه للرجولة المُبكرة، فهو كثيراً ما يكون بمأزق قد يُربك رجالاً تجاوزوا أربعينهم، وعليه التصرف لأنه وحده بالأمر.

فيلم "ذيب" كان مختلفاً، أجواؤه الصحراوية البدوية أضفت له طابعاً قاسياً غير مألوف، مع بطله الصغير صاحب الملامح البريئة، جاسر عيد الحويطات، الذي يستحيل رجلاً خلال رحلة الفيلم. كلها عوامل جعلت الفيلم محط إعجاب مختلف المشاهدين، كما أرسته على خارطة العالمية بثبات. القرارات الإخراجية لـنوار أيضاً كانت مُوفقة جداً ومعنية بواقعية التفاصيل، حتى نهاية الفيلم لها وقعٌ مباغت يحمل الكثير من تجربة الرحلة وخبراتها.

بإمكانات محدودة صُوّر الفيلم بالكامل في وادي رم بالأردن، إلا أنه نجح في أن يكون فيلمَ مغامرات من الطراز الرفيع، جلب العالمية لصانعيه، ونال ترشيحه للأوسكار بشكل مثير للإعجاب والفخر.

"تمبكتو"

الموريتاني عبد الرحمن سيساكو يجتلب فخراً كبيراً لأفريقيا والعرب باقتلاعه ترشيحاً أوسكارياً لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه الموريتاني "تمبكتو" أو "شجن الطيور" من إنتاج 2014، ليجعل موريتانيا محط أنظار الجميع حينها، بل إنه يسلط الضوء على تاريخها من نواحٍ عدة بحبكة فيلمه المذكور.

ينقل سيساكو معاناة سكان مدينة تمبكتو، في شمال مالي، حين تقع بقبضة الجماعات الجهادية عام 2012. نختبر مع السكان وقع أحكام الجماعات الإسلامية المتطرفة عليهم، حيث نشهد تعرضهم لعذابات عنيفة بين جلد ورجم وإعدام، يحاولون مقاومتها، فيغنون تحت التعذيب، يلعبون كرة القدم من دون كرة، ويتحدّون المسلحين بالجدال. السكان يواجهون قانوناً قاسياً ظالماً من جانب، ومن جانب آخر يحاول سيساكو الغوصَ في نفسية "الجهادي"، ليظهر للمُشاهدين أنه برغم فظاعة أفعاله وبشاعة جرائمه إلا أنه يظل إنساناً بالنهاية. هذا الجانب الذي أثار حفيظة بعض الموريتانيين عقب عرض الفيلم، بينما دافع البعض الآخر عنه لأنه نقل الواقع الذي ربما يكون أكثر بشاعة مما أظهرته الكاميرا.

ساهم في توسيع شعبية الفيلم، تزامنُ عرضه مع الأعمال الدموية التي اقترفها تنظيم داعش في سوريا والعراق حينها، إلى جانب صور إجبار النساء على ارتداء النقاب، مع فرض الزواج القسري على القاصرات، بالإضافة إلى تحريم الموسيقى وكرة القدم والتدخين.

فيلم سيساكو يُصوّر جمالاً خلاباً من قلب المعاناة، يرصد الفظائع مع الإنسانيات المرهفة جنباً إلى جنب، كما يُطلق براثن الحرب على نفسية المشاهدين، لتحدث خدوشها بخفة وإحكام. كل هذا من خلال كاميرا ترصد الواقع قدر ما استطاعت.

"قضية رقم 23"

الفيلم اللبناني "قضية رقم 23" الذي يمكن اعتباره واحداً من أعظم نصوص الحوار التي كُتبت في السينما العربية. زياد دويري مؤلف ومخرج الفيلم يعزف منفرداً على أوتار الإبداع السينمائي، ليقدم نصاً لا يمكن أن يفلت متلقيه من التورط معه والإعجاب به.

"طوني حنا" مواطن لبناني مسيحي، متعصب الانتماء لحزب القوات اللبنانية المعروف بارتكابه مجازر بحق الفلسطينيين اللاجئين في لبنان. في يوم غير سار، يلاحظ "ياسر سلامة" (المهندس الفلسطيني المشرف على أعمال البلدية بالحيّ) تسرّبَ الماء وسقوطَه على رؤوس عماله من شرفة مواطن. يصعد ياسر ويدق باب المواطن، طالباً منه بتأدبٍ أن يُصلح الخلل في شرفته. هنا يلاحظ المواطن (طوني) لهجة المهندس الفلسطينية، فتظهر فجأة عدائيته العارمة تجاهه، ويطرده شر طردة.

ينكشف لنا بعد ذلك غضب طوني الغير مفهوم، حين ندرك أنه ينتمي لعائلة لبنانية ارتكب الفلسطينيون مجزرة بحقها أدت إلى تهجيرهم من بلدتهم إبان سنوات الحرب الأهلية. وبرغم مرور الزمن على تلك الحادثة، إلا أن وقع المأساة على طوني لا زال حياً وكأنها وقعت بالأمس.

يحتدم النقاش بين المواطن والمهندس أمام باب مسكن الأول. ثم يلقي طوني بجملته النارية القاسية على مسامع ياسر صائحاً: "يا ريت شارون محاكن عن بكرة أبيكن". تؤدي تلك الجملة إلى تصاعد الأمر من مجرد شجار إلى قضية رأي عام، يتجيش فيها كل طرف بعدد كبير من المؤيدين حتى تبلغ مواجهات واحتجاجات في شوارع بيروت.

تتطور القضية وتتعقد في المحكمة، بينما يحاول كل طرف الثأر لنفسه ولكرامته من منظوره الخاص. خلال هذا النزاع تحدث مواقف بين الطرفين تختبر إنسانيتهما، لتشير لنا بأن الأمر كانت فورة غضب يمكن تجنبها.

الفيلم يتركنا في حيرة وتعاطف بين الطرفين، تستميلنا جملهم الحوارية في المحاكمة وخارجها، لا ندرك هل نتعاطف مع المهندس الفلسطيني المغلوب على أمره أكثر، أم يذهب تعاطفنا لطوني بعد أن واجه هذا الماضي القاسي، ويردد طيلة المحاكمة: "كل اللي بطلبه هو اعتذار"؟

أداء عادل كرم في دور طوني أصاب أعتى درجات الإقناع، ضاهاه روعة أداء كامل الباشا في دور ياسر، لنشهد منازلة تمثيلية تخطف الأنفاس على الشاشة. حوار دويري ونصّه وتوجيهه للممثلين تخطى أعتاب الامتياز، ووضعنا باقتدار على منصة اللا حكم التي يجيدها المخرج الإيراني فَرهادي، لنشهد بالنهاية فيلماً عربياً عظيماً يُتوج بترشيح أوسكاري لأفضل فيلم أجنبي.

"كفرناحوم"

"بدّي اشتكي على أهلي... لإنو خلّفوني". يقف الفتى "زين" (12 عاماً) بمواجهة القاضي في قاعة المحكمة، لافظاً عبارته بملامح بائسة، يرفع قضية ضد والديه لأنهما جاءا به إلى هذه الدنيا!

 صدمة مفاجئة خالجت العالم إثر الفكرة التي أطلقتها صانعة الأفلام اللبنانية نادين لبكي على لسان الطفل، زين، بطل فيلمها "كفرناحوم".

"بدي الكبار يسمعوا شو عم قول. أنا بدي الكبار ياللي ما بيقدر يربي ولاد ما يجيبن. شو بدي أتذكر بعدين أنا؟ النربيش والجنزير بالشحاطة؟". هذا هو لسان حال زين طيلة الفيلم بعد كل ما واجهه من بؤس في هذه الحياة، بعد أن فقد أخته التي ماتت على باب المشفى لعدم وجود أوراق تثبت قيدها، شقيقته "سحر" صاحبة الأحد عشر عاماً التي عجزت عن تحمل جنين في بطنها، وماتت أخيراً بنزيف حاد.

يعكس الفيلم كيف أن الأطفال هم أول من يدفع ثمن الحروب، مُعرَّضين للاستغلال القسري وكل أنواع العنف الممكنة، لفظياً وجسدياً وجنسياً. حال زين وسحر هو حال آلاف الأطفال السوريين داخل البلاد وخارجها، صرخاتهم -معظم الأحيان- لا تتجاوز مستوى رؤوسهم.

كتبت نادين لبكي نصاً درامياً بالغ التأثير، هزّ نفوس العالم، وأتت ببطلها الصغير، زين الرفاعي، في أداء قوي يُسيل دموع مشاهديه مراراً وتكراراً. نال الفيلم تقديراً واسعاً بكل أنحاء العالم، حتى وصل تقييمه إلى 8.4 في موقع IMDB، واحتل رقم 88 بين أفضل 250 فيلم في تاريخ السينما على الموقع. كما نال ترشيحاً أوسكارياً في فئة أفضل فيلم أجنبي. كل هذا من خلال سياق درامي محدود الإمكانات، صوّر "الحياة القبيحة" التي لا نرغبها ولا نأمل اختبارها.

 "الرجل الذي باع ظهره"

"الرجل الذي باع ظهره" فيلم التونسية كوثر بن هنية الذي ظفر بترشيحه الأوسكاري لأفضل فيلم أجنبي. هناك مقارنة خفيفة الظل -وظالمة- يعقدها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين فيلمنا هذا وفيلم "محمد حسين" للنجم الكوميدي محمد سعد بسبب تشابه حبكتهما إلى حد كبير.

"سام" شاب سوري يسعى إلى الهجرة إلى فرنسا أملاً في لقاء حبيبته "عبير" هناك. تواتيه فرصة السفر إلى بلجيكا من خلال صفقة يعقدها مع فنان واسع الشهرة، تتمثل في أن يقوم بوشم لوحة على ظهره وعرضه أمام الجمهور لبيعها في مزاد، مما يفقده حريته و"آدميته" تقريباً.

كتبت كوثر بن هنية نصاً جميلاً، وأخرجته بشكل واعٍ يهتم بكل تفاصيله، فنشهد بالنهاية فيلماً يكشف لنا قدر غرابة عالمنا، وكيف للبشر أن يكونوا كائنات غير مُبالية ومؤذية، حتى أنهم يتجبرون ويتفاخرون بنفوذهم تحت مسميات مختلفة كثيرة. كما صاغت بن هنية علاقةَ حب قاسية ومؤثرة بين "سام" و"عبير" سترهق المشاهدين وتوجعهم بتفاصيلها خلال ثلثي الفيلم على الأقل.

هناك أفلام عربية وثائقية عدة نالت الترشيح، وأحياناً الجائزة، لكننا قصدنا استعراضَ الأفلام الروائية الطويلة التي ترشحت لأوسكار الفيلم الأجنبي، واتسمت ببساطة إمكاناتها وإنتاجيتها أغلب الأحيان 

الفيلم يضرب على كثير من الأوتار العميقة داخل النفس البشرية، ويعرض هذا بإحكام وإتقان. إنتاجه ليس محدوداً لكنه ليس باهظاً، ويظل السيناريو بطله الأول في كل الأحوال.

أفلام أخرى

أمّا رصيد الأفلام الجزائرية التي نالت ترشيح أوسكار الفيلم الأجنبي يبلغ الخمسة أفلام، تنوعت بين الجريمة، الغنائي، الدراما، والحربي. الأول كان فيلم الجريمة “Z” من إنتاج عام 1969 وإخراج اليوناني كوستا غافراس. تلاه الفيلم التاريخي الغنائي "حلبة الرقص" (Le Bal) من إنتاج 1983 وإخراج الإيطالي إيتوري سكولا. ثم جاء الجزائري الموهوب رشيد بوشارب ليقتنص ثلاثة ترشيحات لأفلامه "غبار الحياة" (Dust of Life) الدرامي عام 1995، "بلديون"  (Days of Glory) الحربي عام 2006، و"خارجون عن القانون" (Outside The Law) الدرامي الحربي عام 2010.

هناك أفلام عربية وثائقية عدة نالت الترشيح، وأحياناً الجائزةَ، لكننا قصدنا استعراض الأفلام الروائية الطويلة التي ترشحت لأوسكار الفيلم الأجنبي، واتسمت ببساطة إمكاناتها وإنتاجيتها أغلب الأحيان، بينما اتسمت بتوجهات سياسية أو دينية أو مجتمعية غير مستحبة لكثير من جهات التحكيم في بعض الأحيان. لكنها في النهاية ترشحت للجائزة ونالتها بضعَ مرات.

هناك محاولات اقتربت كثيراً في السنين الأخيرة تسحتق التقدير، منها فيلم "يوم الدين" للمخرج أبو بكر شوقي الذي نافس على سعفة كان الذهبية عام 2018، لحقه فيلم "ريش" للمخرج عمر الزهيري، والذي فاز بجائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان.

مع انتشار منصات البث المباشر وكثرة إنتاجاتها المتنوعة، اتسعت الرقعة الإنتاجية لمختلف الأشكال والأنواع من جهة، كما اتسعت الرقعة الإبداعية لهؤلاء الموهوبين الشباب من جهة أخرى. معظم أفلام المقال تناولت موضوعات أصيلة الارتباط بمجتمعاتها، واتسمت بمحدودية إمكاناتها وضآلة تكلفتها، وبرغم هذا نالت تقديراً من كل أنحاء العالم وتُوّجَت بترشيح أوسكاري أو جائزة.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image