ارتبطت دائماً الأفكار والمشاهد الجريئة بالنسبة للمشاهدين بمدى جرأتها جنسياً، فكان تعريف المشاهد الجريئة هي التي لا يُسمح بمشاهدتها من لا يتجاوز سناً معيناً، ولكن هناك نوع آخر من المشاهد الجريئة، كالتي تحتوي على الأفكار المتطرفة والمشاهد الدموية والعنيفة والأفكار خارج الصندوق، حيث أنها تؤثر بشكل كبير على المشاهدين. ويختلف مفهوم الجرأة في الأفلام من شخص لآخر، فالمشهد الجريء عند شخص ما لا يكون كذلك عند شخص آخر، ومن الممكن أن يراه مجردَ مشهد عابر.
هنا سنطرح بعض الأفلام الأخرى التي أثرت على أفكار بعض الأفلام التي تم إنتاجها بعدها، وتعلّم منها صناع الأفلام، أو كانت عودةً لمخرجين كبار اعتادوا طرح الأفكار الغريبة والمعقدة، بمحتوى صريح وصارم أحياناً أو برموز كثيرة ومعقدة، رغم كثرة هذه النوعية من الأفلام في هوليوود، إلا أن الكثير منها فشل، وهناك أفلام عربية أيضاً قدمت هذه النوعية الغريبة من الأفكار، ويحسب لها المحاولة.
شحاذون ونبلاء
بينما العالم يتراقص ما بين صدى سقوط برلين والرعب الذي تبثّه الصحافة كلَّ يوم حول خطر القنبلة الذرية، كانت هناك ثلاث شخصيات تمرّدت على الواقع أو المجتمع أو النظام، وتبنت الصعلكة والتشرد كمنهج، حيث تعيش إحدى الحواري الشعبية بالقاهرة حالة من الفوضى عقب مقتل فتاة ليل في ظروف غامضة. المتهمون انحصروا في ثلاثة أصدقاء، كل منهم عالم منفصل عن الواقع ولغز يصعب فك رموزه، فأين الحقيقة وكيف يمكن بلوغها؟
7 أفلام أثّرت في الأفلام التي تلتها، وتعلّم منها صناع الأفلام، وكانت عودة لمخرجين كبار اعتادوا طرح الأفكار الغريبة والمعقدة، بمحتوى صريح وصارم
في كل عصر حدثٌ يمكن وصفه بأنه حدث حاسم يغير مجرى التاريخ، سواءً أكانت تلك الأحداث جزءاً سيكرره التاريخ مرة أخرى يوماً ما، أم جزءاً من مسار له غاية وهدف يسير نحو نهاية التاريخ، وربما الحرب العالمية الثانية والسلاح النووي تحديداً هو الحدث الأخير من تلك النوعية من الأحداث، أو هو أقرب ما يمكن لفكرة نهاية العالم وانتهاء الحضارة.
فيلم "شحاذون ونبلاء" لأسماء البكري هو نظرة بعيون يائسة لواقع أليم معقد، في خضم واقع سريع مليء بالأحداث الأليمة عندما يقف الإنسان عاجزاً حيالها، وفي ظل القفزات السريعة للواقع على مستوي التكنولوجيا التي تجعل الواقع مبهماً أكثر في ظل البؤس والمآسي التي يقابلها الإنسان، وهو قطعاً من الأفلام المختلفة في السينما المصرية، فالسرديات المصرية عن القنبلة ونهاية الحرب العالمية تندر بشكل عام.
أصحاب ولا أعز
القمر وظله، كحبيبين سالمين من العالم، أسئلة كثيرة طرحت على الطاولة، مخيفة للبعض ومسلية للبعض الآخر، وحين تظهر الإجابة يقتلنا الصمت مراراً وتكراراً، أنظر إليك ولا أرى سوى الخواء، ولا ترين في أي عالم نعيش. الاستسلام والضعف لا يجتمعان، بل من الحكمة أن يتراجع أحدهما خطوة إلى الوراء، لكنها في الحقيقة خطوة للأمام، هكذا أحياناً تصمد العلاقات.
لا أفهم كل تلك الآراء السلبية في الفيلم، الجميع يعرف أنه نسخة من الفيلم الأصلي. كنت قد شاهدت النسخة الفرنسية ومع ذلك استمتعت بمشاهدته، ببساطة لا أحد كان ينتظر سوى فيلم ممتع وكان كذلك. التمثيل جميل جداً، ومني زكي كان لها النصيب الأكبر.
Everything Everywhere All at Once
لحظات مشتتة، تناقضات وتشوش، نطوف في حلقات راكضين، نتظاهر بأننا نعرف ما نفعله، نتبع آلامنا المكتوبة لنا، أيستحق هذا الفيلم كل هذه الضجة، أم أن العالم يتحرق شوقاً لكل ما هو مختلف؟ أتعلم مقولة أن مشاهدة فيلم جيد بعد مشاهدة الكثير من الأفلام السيئة يجعله فيلم ممتازاً.
إنها لحياة جميلة، عائلة متماسكة مفككة، توحدت قلوبنا جميعاً ودوماً، لا أمتلك وقتاً لك ولنفسي، أتساءل أحياناً: كيف سيعيش أحدنا دون الآخر، لنرقص معاً حتى الموت. هذا فيلم عن عالمنا، عن أحلامنا، عن إلى أين يمكن ويجب أن نذهب. ألّا نضع حدوداً وألا يضع الألمُ حدوده أيضاً. تعيش أسوأ نسخة من نفسك؛ كل قرار صغير يخلق آلاماً أخرى.
طرح الفيلم نظريات كثيرة، بعضها كان من خلال لقطة واحدة فقط، وأحببت أنني لا أحتاج لكل ما حدث ليجعلني أهتم؛ مجرد مشاهدة تلك العائلة كان كافياً بالنسبة لي. لم يرتكز الفيلم على عنصر الجذب الخاص به، ولا يراه مهماً بقدر الاهتمام بشخصياته.
رأيتك تتألمين بألف طريقة، في ألف عالم، تبقين مستيقظة في الليل تتساءلين متى ستنتهي حياتك؟ على أي اللحظات الهشة تقف ذاتُك محطمة.
في كلّ مرة شعرتُ أن الفيلم انتهى مما لديه كان يفاجئني بأفكار ومشاهد أجمل. الموسيقى بسيطة ومناسبة جداً لكلِّ لحظة تقريباً.
ما فائدة مشاعرك إن كان عقلك خاضعاً لكل تلك الفوضى؟ كلّ شخص منا هو إيفلين بطريقة أو بأخرى. جلسة نفسية، نصف الفيلم الثاني من أجمل ما رأيت في حياتي ومن أجمل ما شعرت كذلك. فيلم كل شيء في كل مكان. يتحدث عن الإنسان منذ بداية الخلق وحتى فناء العالم، وعن احتياجه لجميع المشاعر الإنسانية، وأهمها الحب. ويبغض الحرب، وأن الأولى أن نحارب شرور أنفسنا على أن نحارب بعضنا البعض.
Crimes of the Future
آن الأوان لئلا تتكلم، آن الأوان لئلا تبصر، آن الأوان لتتألم، لماذا القبح ليس فناً أيضاً؟ لماذا لا نرى الجمال في قبحنا الداخلي؟ فجميعنا بدرجة ما قبيحون من الداخل. دعونا لا نخشى رسم خريطة للفوضى داخلنا، لتقودنا إلى قلب العتمة، لنبحث جميعاً عن المعنى الكامن في بيوت القصيدة.
هذا الفيلم خيال علمي ورعب نفسي، يعرض نظرة مستقبلية لما ستكون عليه الجرائم مستقبلاً، جريمة في حق الجمال، جريمة في حق الجسد، جريمة في حق الغير، جريمة في حق الإنسان نفسه، بل ويتنافس الكل على عرش اكتشاف الأقبح، ويتوهمون الجمال. مزج الألم بالمتعة، أو بالأحرى جعل الألم هو المصدر الوحيد للمتعة، والتعامل مع ماديات الأشياء من شأنه إزاحة التعاطف والعاطفة من قاموسنا اليومي، وبالتالي يخلق مسخاً، يُهيَّأ له أنه خالق للجمال.
الألم هو الجنس الجديد. لست هنا لتعيش، لست هنا لتحيا؛ أنت هنا لتتألم، لتجعل لهذا الألم طعماً، أن تتذوقه، أن تتلذذ بآلامك مثلما تتلذذ الآلام بك. حرر كلانا أشياء في الآخر، تغيرنا كلانا، أليس جسدنا بحد ذاته فناً؟ أليس الألم فناً؟ مشهد البداية جعل الدخول في عالم الفيلم ممكناً.
يصنع الفن من الفوضى، ويصنع المعنى من الفراغ، غالباً تكون الرغبة في أن تتألم بداية لرحلة جديدة. أمِن الممكن أن عيباً خلقياً لأحدهم هو بحد ذاته فن جاء من الخالق؟ ماذا سيحدث لو اختفى الألم من العالم؟ ماذا لو تطورت البشرية ولم تعد بحاجة إليه؟ أنحن بحاجة إلى الآلام، أم تلك أفكار قدمت لنا من أجل أن نتصرف بعقلانية؟
ارتبطت دائماً الأفكار والمشاهد الجريئة بالنسبة للمشاهدين بمدى جرأتها جنسياً، فكان تعريف المشاهد الجريئة هي التي لا يسمح بمشاهدتها من لا يتجاوز سناً معيناً، ولكن هناك نوع آخر من المشاهد الجريئة نقف عليه في هذا المقال
أحب الأمراض والصدمات النفسية، ما أفعله بنفسي يعتبر مرضاً نفسياً، هكذا هي شخصيات الفيلم وهكذا عالمه، مثير للاهتمام، قبل وجود أري آستر، كان هناك ديفيد كروننبرغ. مشاهد مرعبة وجميلة مع إخراج مذهل لها. ماذا لو أن تطور البشر جعلهم يختلفون في طبيعتهم، مثلما اختلفت طبيعة البشر وأصبحت هناك معاني أخرى لطبيعتنا؟ في عالم الفيلم تطور البشر كذلك وخرجوا عن طبيعتهم التي رسمها الإله.
كان جسده وحده يعيش على الأرض، أما روحه وعقله ففي مجاهل لا يعرف لها قرار، وبكلمات أخرى جميعكم تشعرون بالملل الشديد، تملكون طبيعة تمّ تفسيرها لكم وتشعرون بالملل منها، وتملكون جسداً بشرياً تم تفسيره لكم وتشعرون بالملل منه، مثلما كان هناك الأخ الأكبر، فهناك الرذيلة الجديدة. أريد أن أنحر عنقي، أريد أن أرحل. علينا مواصلة التعمق بداخلنا، آملين بإيجاد إجابة مختلفة، هنا سلب ديفيد البشرية كل شيء.
Climax
الموت تجربة استثنائية، هكذا أراد غاسبار نوي لفيلمه أن يكون، مزعج ويصيبك بالاضطراب بسبب الموسيقى التي لا تتوقف، والكاميرا التي تحلق فوق رؤوس شخصيات الفيلم بطريقة جميلة، لكنها تثير الأعصاب، وكذلك بسبب الألوان الحمراء والسوداء التي مزج بينها غاسبار لكي يزيد من حدة تأثير فيلمه على المشاهد، ليخلق واحداً من أروع التحف الفنية في السينما الحديثة. فيلم جذاب ذو رؤية واضحة للغاية، فيلم يخطو خطواته بسلاسة بين الواقع والخيال ويخلق شيئاً مدمراً لخلايا المخ أو شيئاً مدمراً بشكل مطلق، حتماً عندما نتعرض له تختبر أشياء ومشاعر لم نكن تريد أن نختبرها فهي غير محببة إلينا إطلاقاً.
Titane
تيتان هو محاولة جديدة لسيطرة عالم فيلم المحركات المقدسة على عالمنا وفرض أفكاره، ولكنه ليس رثاء على حال السينما كما في المرة الأولى، وإنما رثاء على ما وصل إليه معنى الحب. فيلم مميز إخراجياً ورائع على المستوي البصري، غريب في فهم مشاعر الشخصيات، ، وأحياناً يتحدى قدراتنا على تحمل بعض المشاهد الجنسية والعنيفة التي تظهر دون داع، ولكن طريقة تصميمها وإخراجها كانت ممتازة.
أرواح ضائعة، تركوها لتحترق، فمن يأبه لروح لم تقوى على تحمل النار وخضعت ساكنة، كانوا ينتظرون منها التحرك، أن تصرخ، فلم تصرخ وأحبت معني الاحتراق. فيلم أتى من البعد الآخر في عقولنا، البعد الذي لا نعرف عنه شيئاً، فنتعرف عليه في تلك الأفلام، لن يعجب أحداً، لكننا لن ننكر أن هناك شيئاً بداخلنا تفاعل معه، بل وأعجب به. رأيت الفيلم هكذا كرسالةِ قبحٍ لعالَمِنا ورسالةِ محبةٍ إلى عالم آخر، كانت تتمنى مخرجة الفيلم لو كان موجوداً.
I'm Thinking of Ending Things
امرأة يافعة تذهب في رحلة مع صديقها وسط عاصفة ثلجيّة، سعياً للوصول إلى منزل والديّ الصديق، دخلت لتُعرّف بنفسها فإذا بها تتساءل عن حقيقة نفسها وعالمها، كل ما كان في عقلها خيالاً أصبح واقعاً، وبينما تُفكّر في إنهاء كل شيء عليها الإجابة على سؤال واحد فقط. .
من المحزن أن نكون في علاقة نعرف بأنها لن تدوم، نود إخبار الطرف الآخر ولكن لا نقوى على فعلها. في النهاية سنفعلها ولكن كيف؟ في بعض الأحيان تأخذ العلاقات منحنىً غير متوقع، سواءً في القرب أو البعد. البشر هم الوحيدون المدركون لحتميّة الموت، ومع ذلك يؤجلون الاحتفال والسعادة. حينما نكبر في العمر تكون أفكارنا وذكرياتنا أكثر ما يجعلنا أحياء.
لعل وجود شيء غريب في قصة الفيلم هو أهم ما يميزه، وحتى آخر ثانية في الفيلم نبقى مترقبين وننتظر القطعة التي ستكمل اللوحة. احتوى الفيلم على أحاديث غريبة وعميقة، على أكثر اللقاءات غرابة، العديد من التساؤلات والقليل من الأجوبة، حينما نعرف بأن الفلم أكبر من كونه قصّةً عادية ستبدأ باستيعاب الأمور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...