ناقشنا في المقال السابق مكاسب السودان المتوقعة بسبب سد النهضة وهي أكثر بكثير من التحفظات والمخاوف لديها بشأنه. في هذا المقال سنناقش موقف مصر والذي يختلف تماماً عن وضع السودان، فالدولة التي يصل تعدادها السكاني إلى قرابة 105 ملايين نسمة تعتمد شبه كلياً على مياه النيل لإمدادها باحتياجاتها المائية للاستخدامات المختلفة.
المكاسب والتبعات الإيجابية
من الإنصاف أن نذكر أن هذا السد ستكون له بعض التبعات الإيجابية على مصر.
أولاً، سيحد من معدلات ترسيب الطمي، وتظهر دراسات بأن من المتوقع أن يمنع سد النهضة حوالي 86٪ من الطمي والرواسب التي تصل إلى مصر، وتقليل كمية الطمي من شأنه أن يحسن استقرار تدفق المياه. علاوة على ذلك، فإن انخفاض معدلات الترسيب سيساعد في استقرار إنتاج الطاقة الكهرومائية، والتقليل من تكاليف صيانة محطات هذه الطاقة، وتكلفة صيانة وتنظيف قنوات الري، مما سيزيد من عمر مشاريع مياه البنية التحتية.
من المتوقع أن يمنع سد النهضة حوالي 86٪ من الطمي والرواسب التي تصل إلى مصر.
يمكن أن يساعد هذا التخفيض أيضاً في رفع سعة التخزين النشطة لخزان السد العالي في أسوان جنوب الحدود المصرية، ويمكن تقسيم سعة التخزين لخزانات السدود إلى سعة تخزين ميتة وهي حجم المياه الموجودة تحت مستوى قنوات تصريف المياه أو أي منفذ آخر، والتي لا يمكن إطلاقها من السد، إلا في حالة انفجار جدار السد. أما سعة التخزين النشطة فهي حجم المياه التي يمكن التعامل معها وسحبها، مع المحافظة على سلامة وأمان جسم السد.
ثانياً: انتظام التدفق في مجرى النهر، إذ سيؤثر سد النهضة على انتظام تدفق نهر النيل على مدار العام، وسيتدفق النيل الأزرق الموسمي بشكل أكثر اتساقاً، وتالياً يفيد ذلك في السيطرة على الفيضانات في بلدان المصب. ومن المتوقع أن يزداد التدفق الذي يصل إلى خزان السد العالي في الفترات من تشرين الثاني/ نوفمبر إلى حزيران/ يونيو (مواسم الجفاف)، وينخفض من تموز/ يوليو إلى تشرين الأول/ أكتوبر (المواسم الممطرة).
ثالثاً: من غير المتوقع أن يكون لسد النهضة تأثير كبير على توليد الكهرباء من السد العالي، وبالأخص بعد توجه مصر لإنشاء العديد من محطات توليد الكهرباء فى السنين السابقة.
المحافظة على المياه تعد فائدة أخرى يمكن تحقيقها، فقط إذا قررت مصر والسودان، بالتعاون مع إثيوبيا، تخزين المزيد من المياه في خزان سد النهضة بدلاً من خزانات السدود المصرية والسودانية، ما من شأنه حماية مياه النيل من التبخر. إذ تقع خزانات السدود المصرية والسودانية في مناطق صحراوية تتميز بمعدل تبخر مرتفع للغاية، وسيكون معدل التبخر في منطقة سد النهضة أقل من المناطق الصحراوية في دول المصب بسبب اختلاف الخصائص الجغرافية والجوية، ومن المتوقع أن يحافظ سد النهضة على المياه في المرتفعات الإثيوبية.
هذا بالطبع لا ينفي أن معدلات تبخر المياه من نهر النيل ستزداد ككل بعد وجود مسطح مياه جديد متمثل في خزان سد النهضة.
تخزين المزيد من المياه في خزان سد النهضة بدلاً من خزانات السدود المصرية والسودانية، من شأنه حماية مياه النيل من التبخر، إذ تقع خزانات السدود المصرية والسودانية في مناطق صحراوية تتميز بمعدل تبخر مرتفع للغاية، وسيكون معدل التبخر في منطقة سد النهضة أقل
المخاطر والتبعات السلبية
سيكون لسد النهضة مخاطر وتبعات سلبية على مصر، يمكن تقسيمها إلى مخاطر على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل. الأولى هي تلك التي تحدث في أثناء فترة ملء خزان السد، بسبب اقتطاع كميات مياه من نهر النيل لهذا الغرض، أما التبعات على المدى الطويل فهي التي تحدث بعد ملء الخزان.
ونتيجة التبعات السلبية على المدى القصير والتي تتمثل في انخفاض تدفق مياه نهر النيل، من المتوقع أن:
- تقل كمية المياه المتاحة لمصر بسبب اقتطاع إثيوبيا لكميات مياه لملء خزانها، مما سيؤدي إلى نقص كبير في حصة المياه المصرية مقارنة بالحصة الحالية.
- وهذا النقص سيقضي على أي احتمال للتوسع الزراعي المصري في المستقبل، مع احتمال كبير لتناقص الأراضي المزروعة، ما لم يوجد بديل لموارد مياه أخرى. ومن المنتظر أن يكون قطاع الزراعة المصري هو الأكثر تضرراً بسبب نقص المياه، إذ تذهب 70% من مياه النيل لخدمة الأنشطة الزراعية في مصر. ومن المتوقع خسارة 29.47% من أراضي الصعيد الزراعية و23.03% من أراضي الدلتا إذا استمر ملء الخزان الأثيوبي بنفس معدل اقتطاع المياه في الملء الرابع (وهو ما يقارب 24 مليار متر مكعب من المياه).
- كذلك ستكون مصر هي الأكثر تضرراً في حالة استمرار إثيوبيا في ملء خزانها في مواسم الجفاف والفيضانات المنخفضة. ومن شأن انخفاض الحيازات المائية في بحيرة ناصر أن يؤثر على توفير الاحتياجات المائية لوادي النيل والدلتا في مصر إذا انخفض منسوب البحيرة.
من المتوقع زيادة معدلات التبخر مما سيؤثر على كمية وجودة مياه النيل، وسيؤدي إلى زيادة ملوحة المياه في دول المصب.
- تظهر المخاطر السلبية المتوقعة على محطات ضخ الري على طول نهر النيل في مصر في ظل سيناريوهات خفض التدفق المختلفة، بأن خفض حصة مصر من المياه بأكثر من 5% يمكن أن يؤثر على الملاحة الآمنة، في حين أن خفضها بأكثر من 10% قد يؤثر على محطات الري والضخ الصناعية، كما أن انخفاضها بأكثر من 15% قد يؤثر على محطات مياه الشرب.
- من المتوقع ارتفاع معدلات البطالة بسبب خسارة الأراضي الزراعية المصرية المزروعة. وفقاً للبنك الدولي، فإن نسبة كبيرة من السكان في مصر يعملون في القطاع الزراعي والصناعات الزراعية. وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة بأن 30% من المصريين يعملون بشكل مباشر في الأنشطة الزراعية، بينما يعمل 25% آخرون في الأنشطة المرتبطة بالزراعة ومنها قطاع الصناعات الزراعية.
أما التبعات السلبية على المدى الطويل فتتمثل في التأثيرات البيئية المتوقعة، والتي يمكن تلخيصها كالتالي:
· زيادة معدلات التبخر بنسبة 5.9% عن معدلاتها الحالية بسبب تكوّن سطح مياه جديد متمثل فى بحيرة خزان سد النهضة، مما سيؤثر بدوره على كمية وجودة مياه النيل، وسيؤدي إلى زيادة ملوحة المياه في دول المصب.
· كذلك فإن سرعة تدفق النيل ستنخفض مع سد النهضة، وسيؤثر ذلك على جودة المياه أيضاً، مما سيؤثر بدوره على كفاءة محطات الضخ.
· من المتوقع ازدياد تسرب الملوحة إلى الجزء الشمالي من الدلتا المصرية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الترع والمصارف، وزعزعة الاستقرار البيئي في شمال مصر والإسكندرية والساحل الشمالي. وستؤدي زيادة الملوحة إلى ارتفاع تكاليف توفير مياه الشرب وتقليل الأراضي المزروعة المتاحة.
وقد يصبح من الضروري اعتماد بدائل غير مرغوب فيها وذات تكلفة أعلى، مثل محطات تحلية مياه البحر. ويجب هنا أن ننوه إلى أن هذا البديل قد لا يكون في متناول البلدان النامية التي تعاني من الفقر والديون. وقد يدفع هذا الوضع الأنظمة إما إلى استخدام المياه غير المعالجة، أو إلى الحد من استخدام المياه الموجودة.
من المنتظر أن يكون قطاع الزراعة المصري هو الأكثر تضرراً بسبب نقص المياه، إذ تذهب 70% من مياه النيل لخدمة الأنشطة الزراعية في مصر. ومن المتوقع خسارة 29.47% من أراضي الصعيد الزراعية و23.03% من أراضي الدلتا إذا استمر ملء الخزان الأثيوبي بنفس المعدل
· هناك بعض المخاوف التي تتعلق بانهيار السد الذي يبعد 15 كيلومتراً عن الحدود السودانية. ستدمر المياه فى هذه الحالة السودان قبل أن يصل باقي التدفق الهائل إلى بحيرة ناصر في مصر. إذا كانت البحيرة ممتلئة، فهناك احتمال كبير أن يتسبب هذا الفيضان في انهيار السد العالي في أسوان، وهذا من شأنه أن يدمر معظم المدن في جنوب مصر.
ومع ذلك، فإن احتمال انهيار سد النهضة ضئيل للغاية، وبالاطلاع على المخططات والتصميمات الهندسية للسد سنجد أنها مخططات جيدة في مجملها، وقد أُعدت بواسطة مكتب من أفضل المكاتب الاستشارية الإيطالية فى مجال تصميم السدود، وكذلك يتمتع المقاول الرئيسي المنفذ بخبرات جيدة للغاية فى هذا الإطار، وبذلك نجد أن هذا احتمال مستبعد للغاية.
في النهاية، وبعد موازنة الفرص والمكاسب الإيجابية بالمقارنة مع التداعيات السلبية لسد النهضة على مصر، يمكننا القول بأن التداعيات السلبية تُلقي بظلال كثيفة على الحاضر والمستقبل المصري، وبالأخص في غياب رؤية وقيادة مصرية واضحة، وتطورات مستمرة في إدارة النزاع المصري الأثيوبي، وهو ما سنناقشه في المقال القادم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين