في لقائها الأخير مع قناة سكاي نيوز على هامش مؤتمر المناخ "كوب 28" المنعقد في الإمارات، أشادت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، بالدور الذي تلعبه مصر "إقليمياً"، قائلة: "إن العالم ممتن للدور الذي تلعبه مصر في ظل الأحداث المتصاعدة في الإقليم، وهو الدور الذي لا يمكن أن تستمر فيه دون أن يكون لها اقتصاد قوي".
كلام قد يبدو مجاملاً، تحتمه المناصب واللقاءات الدبلوماسية، لكن ما أكسب حديثها بعداً آخر وأضفى عليه أهمية؛ هو تصريحها بأن الصندوق يراجع سياسته تجاه مصر في ظل الأحداث الجارية في الجوار، وأن الأولوية للصندوق الآن باتت تنصبّ حول خفض معدّل التضخم بدلاً من السعي نحو الوصول إلى سعر صرف مرن!
فما الذي تعنيه مديرة صندوق النقد، وهل هو طاقة أمل أم نذير شؤم علينا؟ هل ستشهد مصر تعويماً جديداً، أم أن حرب غزة أتت لنا بما تشتهي السفنُ؟
السيسي وصندوق النقد الدولي... علاقة الشد والجذب
في الثالث عشر من حزيران/ يونيو 2023، صرّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر للشباب، بأن "تعويم" الجنيه (تحرير سعر الصرف) مرة أخرى، سيقود إلى ضياع حياة المصريين على حد تعبيره، وهو أمر لا يمكن للدولة أن تتخذه.
لماذا اضطر صندوق النقد الدولي لتغيير سياسته مع مصر؟
جاءت تصريحات السيسي على خلفية طلب صندوق النقد الدولي من مصر تحرير سعر صرف الدولار مرة أخرى، إلى جانب حزمة طلبات أهمها كان إتاحة الأولوية للقطاع الخاص، وتقليص حجم مساهمة شركات الجيش في السوق المصري.
حينها كان هناك احتقان مكتوم في الشارع المصري جرّاء ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، بعد قرار التعويم السابق الذي قفز بالدولار من 24 إلى 32 جنيهاً في المصارف، وإن كان فعلياً تخطى حاجز الـ 45 جنيهاً في السوق السوداء، وعليه، فإن أي تحرير جديد سينجم عنه قفزة أخرى في الأسعار، قد يسفر عنها انفجار الأوضاع أمنياً في مصر، وهو ما اعتبره السيسي خطوة تشكل خطورة حقيقية على الأمن القومي المصري، على حد تعبيره.
غزة... نقلة الرضا الدولي
ظلت الأمور ملتهبة بين صندوق النقد الدولي والقاهرة، من جانب يرفض الجانب المصري الانصياع التام لـ "وصفة الصندوق" للإصلاح الاقتصادي، وعلى الجانب الآخر تصر مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا، على حتمية تحرير الصرف.
وأتت حرب غزة والقصف الوحشي الإسرائيلي الذي خلّف كارثة إنسانية، ليعيد تعريف العلاقة بين مصر والصندوق، وذلك نظراً للدور المصري في إدخال المساعدات لغزة واستقبال بعض المصابين (يتوقع أن يسمح لأعداد أكبر بالدخول).
هنا رأى صندوق النقد الدولي أن سياسته تجاه مصر يجب أن تتغير، فبدلاً من إجبارها على تحرير سعر صرف الدولار، أصبح الهدف الأسمى هو السيطرة على التضخم في مصر، وفقاً لتصريحات مديرة الصندوق.
هل سيرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة؟
كيف ستسيطر مصر على التضخم؟
الخبر المطمئن هنا لجموع المصريين في تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، هو أن مصر لن تحتاج (في القريب العاجل) إلى تعويم جديد، وهو ما سيعتق رقاب الجميع من قفزة جديدة في الأسعار.
لكن السؤال هنا: كيف ستقلّل مصر من حدّة التضخم لتلبي طلب الصندوق الجديد؟
مبدئياً، التضخّم في أبسط تعريف له هو ارتفاع في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات التي تستهلكها الأسرة، ويحدث لأسباب عدة، أبرزها:
1- طبع الحكومة للمزيد من الأموال، مع عدم وجود الكمية نفسها من السلع التي يمكن لتلك الأموال أن تشتريها، وهو ما ينجم عنه ارتفاع الأسعار.
2- زيادة الديون على الدولة، وهو ما يدفع الحكومة لزيادة الضرائب، فتضطرّ الشركات إلى رفع أسعارها لتعوض تلك الزيادة في الضرائب
3- ارتفاع أسعار المواد الخام، فيرتفع سعر السلعة على المستهلك.
4- انخفاض الإنتاج، فيقل المعروض من السلع وتزداد الأسعار.
مصر تتجه نحو تطبيق سياسة نقدية مشددة
الفرار، ولو مؤقتاً، من سيف "التعويم" المسيطر على رقاب المصريين من قبل صندوق النقد الدولي، لن يكون ذا جدوى ما لم يتبع البنك المركزي ما يعرف بالسياسة النقدية المشدّدة، أو ما يعرف باسم السياسة النقدية الانكماشية، وهي مجموعة الإجراءات والقرارات التي سيتعين على الحكومة اتخاذها للسيطرة على التضخّم (ارتفاع الأسعار)، وأبرز تلك القرارات التي من المتوقع أن تصدر عن البنك المركزي المصري، في اجتماعه المقبل يوم الخميس 21 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ستكون:
لهذه الأسباب لن تشهد مصر تعويماً جديداً
1- رفع أسعار الفائدة في المصارف بما يعادل من 2% إلى 3%
2- تأجيل جديد لقرار زيادة أسعار شرائح استهلاك الكهرباء
3- التوسع في سياسة الخصخصة عبر بيع المزيد من الأصول المملوكة للدولة.
هذه الإجراءات، والتي من المتوقع أن تتم في اجتماع البنك المركزي المقبل، ستحدّ مؤقتاً من طوفان ارتفاع الأسعار، لكنها لن توقفه تماماً أو حتى لمدى طويل، فضلاً عن أنها ستعيق النمو الاقتصادي.
الحل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية المصرية سيكون عبر زيادة الإنتاج والاستثمار والتصدير، وهذا سؤال آخر مُرجأ إلى حين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.