شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ضعف الدراما التاريخية المغربية... هل يدفع المغاربة إلى مشاهدة تاريخ الأغيار؟

ضعف الدراما التاريخية المغربية... هل يدفع المغاربة إلى مشاهدة تاريخ الأغيار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الاثنين 18 ديسمبر 202301:19 م

يمكن أن نجد من المغاربة من يعرف بالتفصيل سيرة عمر المختار، أو سيرة صلاح الدين الأيوبي أو حتى أرطغرل بن سليمان شاه، فهؤلاء الأشخاص مرّوا ضمن صفحات التاريخ ذات يوم، وأعيد نسج خيوط حياتهم ضمن أعمال فنية تلفزيونية وحتى سينمائية. لكن هل نجد من المغاربة من يعرف بالتفصيل معلومات عن عبد الله بن ياسين مثلاً، أو المهدي بن تومرت، أو يعقوب المنصور؟ طبعاً الإجابة ستكون غالباً بالنفي، لأن ثقل تاريخ هذه الشخصيات لم يُستثمر فيه فنياً بعد.

اعتاد المشاهد المغربي مشاهدة مسلسلات وأفلام تتعلق بالدراما الاجتماعية، في حين أن قلةً قليلةً من الإنتاجات حاولت تمرير لقطات من التاريخ المغربي ضمن قالب فنّي، في التلفزيون أو في السينما. يحدث هذا في وقت ينمو فيه الإنتاج الفني التاريخي في المشرق، ونستحضر نماذج ناجحةً من سوريا ومصر، بجانب تجارب تركية حديثة شهدت إقبالاً عالمياً.

مع كل ملل أو يأس من الدراما الاجتماعية التي تهيمن على سوق الإنتاج التلفزيوني خصوصاً، يطرح عدد من المغاربة السؤال التالي: ما الذي يمنعنا من إعادة إحياء تاريخنا البعيد أو القريب فنياً؟ أوليس هذا عدم اهتمام بتاريخ ضارب في العمق؟ غير أن المهتمين بهذا المجال عادةً ما يعزون هذا الضعف إلى "التكاليف المرتفعة التي يقتضيها الإنتاج".

تجارب في المهد

يرتبط الحكم على الدراما التاريخية المغربية بـ"الضعف"، مقارنةً بالأجناس الفنية الأخرى، فالواقع يقول إنه لا توجد مقارنة بين ما هو اجتماعي وما هو تاريخي في الدراما المغربية. وعلى الرغم من وجود بعض المحاولات بين الفينة والأخرى، إلا أنها حسب مختصين لم تؤسس بعد لصناعة فنية مغربية تستثمر في تاريخ البلاد وتراثها.

مع كل ملل أو يأس من الدراما الاجتماعية التي تهيمن على سوق الإنتاج التلفزيوني خصوصاً، يطرح عدد من المغاربة السؤال التالي: ما الذي يمنعنا من إعادة إحياء تاريخنا البعيد أو القريب فنياً؟ أليس هذا عدم اهتمام بتاريخ ضارب في العمق؟

وقد حاولت مجموعة من المخرجين المغاربة خوض غمار الإنتاج الدرامي التاريخي، ونذكر على سبيل المثال المخرج إدريس المريني من خلال فيلمه السينمائي "بامو"، الذي يعود إنتاجه إلى سنة 1983. يتناول الفيلم في 95 دقيقةً، فترةً زمنيةً إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب، من خلال قصة الزوجين بامو وباسو اللذين جسّدا قصة حب ووفاء في ظل مرحلة كولونيالية بامتياز.

أما في سنة 2013، فصدر فيلم للمخرجة رحيمة بورقية عنوانه "زينب زهرة أغمات"، يتناول حياة زينب النفزاوية، زوجة يوسف بن تاشفين، زعيم المرابطين. حصل هذا الفيلم السينمائي وقتها على دعم من المركز السينمائي المغربي بقيمة 3.8 ملايين درهم (نحو 400 ألف دولار)، وكان في الأصل مشروع مسلسل تلفزيوني من 30 حلقةً، قبل أن يرسو الاختيار على السينما لاعتبارات معينة.

بدوره، حاول إبراهيم الشكيري، في سنة 2016، تسليط الضوء على مسيرة "السيدة الحرة" التي عاشت في عهد الوطاسيين في القرن السادس عشر. الفيلم التلفزيوني الذي يقع في 30 حلقةً، صُوّرت مشاهده في أماكن تاريخية مثل قصر الباهية ورياض بنيوسف وقصبة الديف في ضواحي مراكش.

فيلم آخر يتناول محطات تاريخيةً وطنيةً، هو فيلم "أنوال" السينمائي، الذي تم الانتهاء من تصويره أواخر السنة الماضية. الفيلم الذي أخرجه محمد بوزكو، والحاصل على دعم رسمي قُدّر بـ4.8 ملايين درهم (أكثر من 400 ألف دولار)، ينبش في سيرة المقاوم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي، رمز مقاومة الاستعمار الإسباني في الشمال المغربي.

تهيّبٌ من التاريخ

يستدعي الحديث عن موضوع الدراما التاريخية استنطاق الواقع على لسان المهتمين به والمتخصصين في دراسته، وفي هذا الإطار يتحدث الناقد الفني، الطاهر الطويل، إلى رصيف22، ويربط ضعف الإنتاج الدرامي التاريخي المغربي بكلفة الإنتاج العالية، إلى جانب "نوع من التهيّب الحاضر لدى المنتجين والمخرجين في ما يخص الاشتغال على أعمال ترتبط أساساً بجانب وطني حساس".

يرتبط المغرب بتاريخ ضارب في القدم، ويتوفر على مؤهلات جغرافية ومنظرية مناسبة للتصوير تُعدّ مقصداً للمنتجين والمخرجين الأجانب، وخير مثال على ذلك ورزازات التي توصف بـ"هوليوود إفريقيا". 

يضيف الطويل أن "مسلسل فتح الأندلس الأخير وعلى الرغم من إثارته الجدل، إلا أنه فتح الباب للتفكير في ضرورة استلهام العناصر التاريخية الوطنية للاشتغال عليها في إطار أعمال درامية"، مشيراً إلى أن هذا النوع من الإنتاجات "لا يكون غالباً مفضلاً لدى الجهات الداعمة والمانحة".

ويتابع الناقد ذاته: "الأعمال التي أُنتجت في إطار الدراما التاريخية في المغرب معدودة على رؤوس الأصابع، إذ تحتاج النهضة في هذا المجال إلى تبنّي الجهات الوصية مشروعاً وطنياً كبيراً يهدف إلى استثمار الكتابات التاريخية، وتقريبها من المغاربة على شكل إنتاجات فنية درامية، سواء من خلال السينما أو التلفزيون".

ولربما يحضر التهيّب الذي يتحدث عنه الطويل في السجال الذي يثيره كل فيلم تاريخي يستحضر وقائع تاريخيةً معينةً. وبالمناسبة، رافق تصوير مسلسل "أنوال" التاريخي جدل كبير بخصوص تخوفات من تضمنه وقائع مغلوطةً عن سيرة المقاوم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعن فعالية مشاركة ممثلين من خارج المنطقة في العمل.

التكاليف المرتفعة... حجر الزاوية؟

في الأساس، الدراما في شموليتها هي إبداع مُكلف يجتمع على إنتاجه طاقم كبير من الأفراد، من منتجين ومخرجين وكتاب سيناريو إلى جانب ممثلين ومتخصصين في الديكور واللباس. لكن كلما تحدثنا عن الدراما التاريخية كانت التكلفة أكبر وأضخم، لذلك يرى المخرج المغربي إدريس المريني أن "تكلفة الإنتاج التاريخي المرتفعة ترتبط بمجهودات البحث والتقصي عن حقيقة التاريخ لتجنب المغلوط منه، فضلاً عن تكاليف اللباس وتهيئة مواقع التصوير".

ويوضح المريني في حديثه إلى رصيف22، أن المشكلة التي تعيق نهضة الدراما التاريخية في المغرب هي "مادية محضة"، متابعاً: "مررتُ شخصياً بتجربة تاريخية سينمائية خلال سنوات الثمانينيات هي إنتاج فيلم 'بامو'، واتضح لي من قرب مدى احتياج مثل هذه الأجناس الفنية إلى إمكانات مالية كبيرة".

كما يعدّ المتحدث ذاته أن "إنتاج فيلم تاريخي واحد رهنٌ كذلك بوجود فريق عمل كبير، وهو ما يُضاف إلى إكراهات تنقل الممثلين إلى فضاءات التصوير وطول مدته، وتالياً فالأمر أشبه بمغامرة يخوضها المخرج، ولذلك يفضل عدد من المخرجين أجناساً أخرى من الدراما".

بدوره، يتفق إدريس إشويكة، وهو مخرج سينمائي، مع الأفكار التي يتبناها المريني، ويرى في حديثه إلى رصيف22، أن الدراما التاريخية "تتطلب إمكانات ماليةً مهمةً جداً، إذ من المفترض التنقيب عن المعلومة التاريخية وتدقيقها، ومن ثم العمل على قولبتها في إطار عمل فني، وكل هذا حقيقة لا يمكن أن نتحدث عنها دون وجود استثمارات محترمة".

كما يسجل إشويكة ضعف الإنتاج المغربي في ما يخص هذا الجنس الدرامي سواء في التلفزيون أو في السينما. فحسب قوله، "المغرب لا يتوفر أساساً على صناعة سينمائية متكاملة، فقد انخفض عدد القاعات من 250 قاعةً إلى أقل من 40 قاعةً حالياً"، نافياً أن يكون هنالك "ضعف أو مشكلة في السيناريو".

ويربط المتحدث ذاته كذلك هذا الضعف بالشق الفكري المتعلق بحرية التعبير أساساً، مردفاً: "المواضيع المرتبطة بالدين والتاريخ والسياسة عادةً ما يكون من الصعب التطرق إليها بشمولية تامة، لأن فيها ما هو محرّم تناوله".

تاريخ زاخر ينتظر التثمين

يرتبط المغرب بتاريخ ضارب في القدم، ويتوفر على مؤهلات جغرافية ومنظرية مناسبة للتصوير تُعدّ مقصداً للمنتجين والمخرجين الأجانب، وخير مثال على ذلك ورزازات التي توصف بـ"هوليوود إفريقيا". لكن ذلك حسب كثر من المهتمين لم يُستثمر بالشكل المطلوب في عملية إعادة إنتاج التاريخ الوطني وتقريبه إلى المواطنين بطريقة فنية. وهنا نتساءل عن حدود التلاقي بين تاريخ المغرب وتلفزيونه وسينماه.

يقول المخرج السينمائي يوسف إشويكة إن "المغرب لا يتوفر أساساً على صناعة سينمائية متكاملة، فقد انخفض عدد القاعات من 250 قاعةً إلى أقل من 40 قاعةً حالياً"، نافياً أن يكون هنالك "ضعف أو مشكلة في السيناريو"

في تفكيكه لهذه العلاقة، يقول محمد رضا بودشار، وهو باحث في تاريخ المغرب والأندلس، إن "نصيب الأعمال التاريخية في بلدنا لا يرقى إلى حجم تاريخه، فهذه أعمال تظل مطلوبةً لدى المشاهد المغربي الذي يُقبل كثيراً على متابعة الفانتازيا المشرقية، خصوصاً السورية منها والمصرية"، واضعاً بذلك فرضيتين؛ "إما أن الإشكالية تتعلق بتكوينات المخرجين ورهاناتهم، أو أن المنتجين ينظرون إلى هذه الأعمال على أنها غير مربحة".

ووفق بودشار الذي تحدث إلى رصيف22، فإن "تاريخ المغرب يتميز بالكثرة والوفرة، ويمكن أن يُحوَّل إلى أعمال فنية تساهم في التعريف بالبلد وتاريخه وتراثه داخلياً وخارجياً، والرفع من الذوق العام كذلك. فعلى سبيل المثال شخصيات مثل يوسف بن تاشفين، محمد الزرقطوني، خناثة بنت بكار، واللائحة طويلة... يمكن أن تكون موضوعاً لأعمال فنية، وذلك دائماً مع مراعاة الجودة والدقة التاريخية".

ويشير الباحث في تاريخ المغرب والأندلس إلى أن "أعمالاً من هذا القبيل من الضروري أن يساهم فيها المؤرخ وكاتب السيناريو والمُراجع اللغوي والمتخصصين في التراث الوطني، إلى جانب ممثلين بارعين وليس مجرد متصنعين للأدوار"، قبل أن يختم: "وهذا كله بطبيعة الحال يستلزم ميزانيةً محترمةً تليق بالمواضيع التاريخية".

واحتدم النقاش بطريقة كبيرة حول الموضوع في رمضان 2022، وذلك في سياق بث المسلسل التاريخي التلفزيوني "فتح الأندلس"، الذي يحكي عن حياة طارق بن زياد ووصوله إلى الضفة الإيبيرية. فقد طالت هذا الفيلم الذي يعود للمنتج الكويتي محمد العنزي، وصُوّرَ في كل من لبنان وتركيا، انتقاداتٌ كبرى وصلت إلى درجة التقدم إلى القضاء بشكاية بُغية وقف بثِّه بحجة "تقديمه معطياتٍ مغلوطةً عن تاريخ المغرب".

ورفضت المحكمة الابتدائية في مدينة الرباط وقتها الشكاية بداعي "عدم الاختصاص"، لكن ذلك لم يوقف مَدّ التساؤلات بخصوص ضعف الإنتاج الدرامي التاريخي الوطني، ما دام المغرب بلداً ذا مسار تاريخي زاخر يمكن استثماره على المستوى الفني. وإلى ذلك يبقى التساؤل لدى المشاهدين المغاربة مطروحاً ومعلقاً: هل نشاهد مستقبلاً تاريخنا الوطني في السينما والتلفزيون، أو نلجأ إلى مشاهدة تاريخ الأغيار؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image