شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
سانت ليفانت... الجسد الفلسطيني ضد التنميط وضد الاحتلال

سانت ليفانت... الجسد الفلسطيني ضد التنميط وضد الاحتلال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والميم-عين

الخميس 14 ديسمبر 202304:41 م
Read in English:

Saint Levant: The Palestinian body resisting stereotyping and the occupation

قدّمت الجزيرة مصر على منصتها للفيسبوك، خبراً عن فنان فلسطيني من غزة، جاهر بدعمه لبلده، في حفل تكريمه كرجل العام في فرنسا من قبل مجلة متخصّصة بقضايا الرجال في 5/12/2023.

جاء نصّ الخبر كعنوان مقتضب كالتالي: "فنان فلسطيني يفوز بجائزة مجلة أزياء عالمية ويتحدى المنظمين بالحديث عن الاحتلال"، ليحصد آلاف المشاهدات والإعجابات ومئات التعليقات والتي كانت بمجملها تدعم الفنان ونضاله.

اللافت في هذا الخبر هو عدم التعريف بالفنان بشكل واضح ضمن نصّه، والاكتفاء بكتابة اسمه بشكل سريع: "مروان عبد الحميد، فنان من أصل فلسطيني"، ضمن الفيديو، مع العلم أن محبي ومحبات الفنان يعرفونه بلقبه سان ليفانت (Saint levant)، بدوره يجعل هذا التقديم المقتضب التعرّف على الفنان أمراً صعباً، لذا، يبدو ذلك الاقتضاب مقصوداً مع كون الفنان أثار موجات من الجدل عبر منصات التواصل، لامتلاكه رؤية فنية خاصة وأسلوب لا يندرج تحت التعريفات "التقليدية" للفنان الفلسطيني.

إن الحملات التي كانت تستهدف مجتمع الميم-عين بطريقة تجرّده من هوياته الوطنية وتنفي عنه انتماءه للمنطقة، هي حملات تعجز عن استيعاب التنوّع في هوياتنا، أيضاً، تظهر محدودية الخطاب الأحادي عن استيعاب حاضرنا المعقد في تجاربه

فبعد تقديمه أغنية مع ميا خلفية، الفنانة الأميركية من أصول لبنانية، والمعروفة بكونها نجمة أفلام إباحية سابقاً، تعرّض الفنان لهجوم عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ضمن التعليقات على حسابه على انستغرام، اتُهم الفنان بالتخلّي عن قضيته، وتم التهجّم عليه ونعته بأسواء الصفات.

وجاءت بعض التعليقات لتبيّن أنه لا يمثل الفلسطينيين ولا قضيتهم، ودعاه البعض للتوقف عن تسمية نفسه "فلسطينياً" لاعتقادهم أنه لا يمت لفلسطين بصلة، ومن أصحاب التعليقات من هاجم ميا خليفة وشتمها وأساء لها. هكذا هلّلت التعليقات فيما بعد لتضامن سانت ليفانت مع غزة في حفل التكريم في باريس، دون علم بخلفيته الفنية ومحتوى أعماله.

تبعاً لما سبق، يتضح العنف الموجّه من البعض في منطقتنا العربية على سان ليفانت، في مقابل التضييق على حريته في التعبير عن هويته الفلسطينية كما في حفل التكريم في فرنسا، ما يكشف انغلاق عقول البعض، ممن يرون الهويات ضمن إطار تنميطي جاهز وتصوّرات مسبقة.

من الجدير بالذكر أن مروان عبد الحميد، أو سان ليفانت، هو من أم فرنسية من أصول جزائرية وأب صربي نصف فلسطيني، ولد وعاش في غزة، قبل أن يغادر للأردن مع عائلته، ومنها بعد حين إلى الولايات المتحدة للدراسة.

يحمل مروان عبد الحميد هوية غنية وتجربة مميزة، والتي يعكسها بفنه الغني الخارج عن السياقات التقليدية.

تتميز أغانيه بلحن معاصر، ترافقه كلمات الأغاني على طريقة الراب، الذي يدمج فيه اللغات الثلاث التي يتقنها، وهي العربية والإنكليزية والفرنسية. من خلال هذه اللغات، لا يتردّد بإيصال رسائله التي تبين حبه لوطنه وسخريته غير المبطنة ممن يمتلكون القوى ويتجاهلون قضيته.

يطل مروان بأزياء لامعة وشبابية، والتي يدمجها مع الكوفية الفلسطينية والطربوش، إضافة لطلاء الأظافر وسترات الصوف ذات الألوان الزاهية، ليتحدّى السرديات التي تضع جسد الرجل الفلسطيني في خانة أحادية الرؤية، بين إرهابي أو ضحية.

في أغنية من غزة مع الحب، يغني مروان عن غزة التي قدمها كأرض الحب، والتي يعبر فيها الرجل الفلسطيني عن حبه لبنت بلاده، رغم الحواجز والعنف الذي يتعرّض له من المحتل، كما، يهزأ بالفرنسية من محتله، ويروي الصعوبات التي تعترضه في كليب على ستايل الـ vintage (التصوير القديم، مرتدياً أزياء من الثمانينيات والتسعينيات).

من هنا يخرج مروان عبد الحميد هذا الجسد من السردية المحدودة الرؤية، ليقدم الرجل الفلسطيني كإنسان معاصر محب للحياة وللفنون، حيث يظهر الجدل حول سانت ليفانت، تنميط البعض من المنطقة العربية للجسد الفلسطيني، بين بطل ومقاوم وشهيد، بينما على الضفة الأخرى، حيث الاحتلال يقدمه للعالم كإرهابي ومغتصب وعنيف. يبدو السؤال، هل يمكن للفلسطيني أن يمتلك حق التعبير عن ذاته بصورته الإنسانية التي يختارها، سواء أكان عاشقاً، أم فناناً، أم مقاتلاً؟

لم يتردّد سان ليفانت بالحديث عن قضيته في عدد من المناسبات، ومنها عندما استضافته محطة فرنسية، حين أشار لهجوم الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى في نيسان/إبريل.

وجاء موقفه الأخير الذي بيّن فيه تضامنه مع غزة، رغم أنه تم بشكل مباشر حثّه على عدم التنويه لقضية غزة، ليؤكد مدى أهمية دوره السياسي إضافة لفنه في تمثيل القضية التي يتم تكميم الأفواه في أوروبا ومنع الحديث عنها.

لم تكف هذه المواقف للاعتراف به كفنان يعبر عن الهوية الفلسطينية بطريقة تحاكي العصر، بل تمت مهاجمته والتشكيك بهويته وانتمائه لبلده غزة.

يعكس هذا الهجوم رفض تنوع الهويات، والتي يصرّ البعض على وضعها ضمن طرفي نقيض، حيث لا يمكن للرجل أن يظهر رقته وعاطفيته، وإن فعل يتم تجريده من وطنيته.

مع أملنا في وقف العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة، نحلم بسلام ينتهي فيه الخطاب الرافض للآخر، حيث تحصل جميع الفئات على حقها بعيش عادل وكريم دون تمييز

الثنائيات المتناقضة ترفض أطياف متنوعة من الهويات التي لا يلغي أحدها الآخر، بل يغنيه ويعزز وجوده. وضع الهوية ضمن إطار ثابت هو إقصاء لمن لا يتناسب مع هذا الإطار، وهي تقليص لمساحة الحريات الواجب التمتع بها مع حق الاحتفاظ بهوية وطنية.

ضمن مشهد التضامن مع فلسطين، وقف عدد من الفنانين/ات من مجتمع الميم-عين مع القضية الفلسطينية، والذي من شأنه إظهار فاعلية هذا المجتمع في قضايا المنطقة والتي هو جزء منها. من هذا وقوف المغني الرئيسي لفرقة "مشروع ليلى" حامد سنو، اللبناني ذي الجنسية الأميركية، مع فلسطين على صفحته على انستغرام، والتي تحدث بالإنجليزية عبرها مع جمهور متنوع، ومن ضمنه الفئات المتعصبة، ليتعرّض لهجوم من المعاديين/ات للقضية.

يضاف إلى ذلك، وقوف زياد سبلاني، الملقب بـ"كوكب زحل" ليعلن تضامنه مع فلسطين على صفحته على انستغرام. علاوة على هذا، لم تتردّد ميا خليفة عن إعلان وقوفها مع فلسطين، رغم اللوبيات الصهيونية التي تهدف لمقاطعة أي فنان يعلن تضامنه معها.

ضمن مشهد التضامن مع فلسطين، وقف عدد من الفنانين/ات من مجتمع الميم-عين مع القضية الفلسطينية، والذي من شأنه إظهار فاعلية هذا المجتمع في قضايا المنطقة والتي هو جزء منها

يكشف ما سبق، أن الحملات التي كانت تستهدف مجتمع الميم-عين بطريقة تجرّده من هوياته الوطنية وتنفي عنه انتماءه للمنطقة، هي حملات تعجز عن استيعاب التنوع في هوياتنا، أيضاً، تظهر محدودية الخطاب الأحادي عن استيعاب حاضرنا المعقد في تجاربه.

من المهم الإشارة إلى جهود هؤلاء الأفراد الذين يواجهون، بشكل فردي، تكتلات من الدعم الإعلامي المتحيّز لإسرائيل، والتي قد تسبّب لبعضهم التعرّض لخسارات لا تعوض. تأتي هذه الجهود في ظل غياب الحكومات العربية، التي هي أولى أن تكون في هذه المواجهة بدل وضع مصير أهل غزة ومن يتضامن معها في مهب الريح.

ختاماً، مع أملنا في وقف العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة، نحلم بسلام ينتهي فيه الخطاب الرافض للآخر، حيث تحصل جميع الفئات على حقها بعيش عادل وكريم دون تمييز.

مع العجز عن وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، تصبح مبادرات التضامن الإنسانية من الفنانين/ات، رغم القمع المفروض عليهم/ن، كوقفات إنسانية تستوجب كل التقدير والحب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image