تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
حياة مربكة مليئة بالتعقيدات في بلدانهم/ نّ وخارجها، وفي أحضان من يجب أن يكونوا مصدر الحب غير المشروط الأول في حيواتهم/ نّ. يجدون/ ن الغربة الحقيقية، في وضع عائلي غير مفهوم، ويختبئون/ ن خلف أقنعة لينالوا/ لينلن أبسط علامات القبول من عائلاتهم/ نّ.
هذه هي حياة العديد من أفراد مجتمع الميم-عين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لا مكان للحقيقة على مائدة عائلاتهم. فقط النسخة المرممة المصنوعة خصيصاً للأهل.
حياة مركبة
يعاني مجتمع الميم-عين في المهجر من حياة مركبة: وجه حقيقي أصيل في الخارج يسمح للأفراد بأن يكونوا على حقيقتهم، ويقولوا ما يحبونه ويتحركوا كما يحلو لهم. هذه الغربة تسمح بالتحليق وبإشهار الحب في العلن من دون التخفي. بالطبع، بلاد المهجر ليست هي الحلم ولا هي الجنّة، ولكن على الأقل هي ملاذهم من الرفض والغربة الحقيقية في أوطانهم.
أما الوجه الآخر، فهو الوجه الذي يقابلون فيه العائلة، والذي يُظهر ما لا يريدونه ولا يعبّر عمّا يشعرون به. يتحدث بكلمات لا يعرفونها، فقط كي ينجوا من تعليقات العائلة.
تمارا
تمارا (اسم مستعار)، غير خاضعين للثنائية الجندرية، ويفضلون التحدث عن أنفسهم بصيغة "هم"، وُلدوا في مدينة صغيرة بعيدة عن المركز في مصر، وتربّوا في أسرة محافظة، وعاشوا هناك حتى عمر الـ18، ثم هاجروا إلى الخارج بعد حصولهم على منحة دراسية بسبب تفوقهم.
كانت هذه هي اللحظة الحاسمة لكي يشعروا بالحرية لأول مرة، فهم، ومنذ بلوغهم سن الخامسة عشر، لا يشعرون بانتمائهم إلى جسدهم الأنثوي ويرون أن هناك ما هو أبعد من ذلك ليعبّر عن هويتهم.
هم الآن في بلد أوروبي يسمح لهم بالتعريف بأنفسهم كما يريدون، ولا تشكل هويتهم الجندرية أي مشكلة لهم في جامعتهم، خاصةً مع سهولة التحدث باللغة الإنكليزية بحيث يجيدون التعبير الأشمل والأدق عن هويتهم باستخدامهم They /them.
"أهلي لا يمكنهم تصور أن ‘ابنتهم’ من وجهة نظرهم تعيش مع رجل أجنبي حتى إن كان مع زوجته، فتخيّلي إن علموا بأني لست أنثى أصلاً"
ولكن في فترة الأعياد، يجدون أنفسهم مرغمين على السفر لقضاء وقت مع العائلة: "أنا ملزمة بلبس الحجاب طبعاً، ومن غير المسموح التحدث عن الرغبة في خلعه ولو بالتلميح حتى"، وفق ما قالوا لرصيف22، كاشفين أنهم يجب أن يظهروا بهوية أنثوية وسط العائلة والجلوس بين الحين والآخر مع رجال يأتي بهم بعض الأقارب للتقدم بطلب زواج منهم، حتى عبر الفيديو.
وأضافوا أنهم يعيشون في المهجر في منزل مشترك مع رجل وامرأة متزوجين، ولا يعلم الأهل بذلك: "أهلي لا يمكنهم تصور أن ‘ابنتهم’ من وجهة نظرهم تعيش مع رجل أجنبي حتى إن كان مع زوجته، فتخيّلي إن علموا بأني لست أنثى أصلاً".
هذه الحياة المزدوجة تؤثر سلباً على صحتهم النفسية: "يصيبني الاكتئاب عندما أفكر في أن لدي رحلةً قادمةً إلى مصر ولو كانت زيارةً قصيرةً، لأنني سأسمع كلاماً لا أودّ سماعه، حتى أن سؤالاً يراودني في بعض الأحيان هو: مع من أنتم تتكلمون؟ ومن هذه التي تنادونها؟"، كاشفين أنهم في كل مرة يعودون فيها إلى بلاد المهجر، تصيبهم نوبة اكتئاب طويلة بسبب إرهاق ادّعاء ما ليسوا عليه.
علاء
علاء (اسم مستعار) هو شاب سوري الأصل، مثلي الجنس، يعيش في كندا، تربى في أسرة متدينة أيضاً، فهو ابن لإمام جامع، توفي والده في سن الثانية عشرة، تاركاً إياه مع أخته وأمه.
ترى والدة علاء أن ابنها هو رجل المنزل، فبعد رحيلهم جميعاً من سوريا، كانت تظن أن علاء سيستمر في العيش معهما حتى يحميهما، ولكن علاء غادر العائلة بعد حصوله على فرصة عمل في كندا، بغية أن يبدأ حياته كما رتّب لها.
يعيش علاء بشخصيتين: شخصية ابن الإمام الذي لا بد أن يتزوج زواجاً غيرياً يليق بعائلة دينية، وألا يخرج عن حدود الدين والآداب العامة حتى ولو على حسابه على فيسبوك وبين شخصيته الحقيقية والزواج من رجل يحبه
تعرّف علاء هناك إلى شاب كندي الأصل، وأصبحا يعيشان في منزل واحد، أما العائق الوحيد الذي يقف أمام زواجهما فهو الاعتبارات التي تضعها عائلة علاء.
يعيش علاء بشخصيتين: شخصية ابن الإمام الذي لا بد أن يتزوج زواجاً غيرياً يليق بعائلة دينية، وألا يخرج عن حدود الدين والآداب العامة حتى ولو على حسابه على فيسبوك وبين شخصيته الحقيقية والزواج من رجل يحبه: "أنا الآن في مأزق بحيث تريد أمي تزويجي خاصةً بعد خطبة أختي، وبالفعل بدأت والدتي محاولات البحث عن عروس من عائلة خطيب أختي حتى تندمج العائلتان أكثر، من دون النظر إلى رغبتي أو سؤالي حتى".
وما بين خطبة لا يريدها وزوج يريده، لا يستطيع علاء اتخاذ أي قرار في الإفصاح عن ميوله الجنسية، إذ يعلم أن تكلفة ذلك إما النفي تماماً مع مقاطعة عائلته له على أقل تقدير، أو تهديدات بقتله إذا وصل الأمر إلى بقية العائلة الأكبر.
لبنى
لبنى (اسم مستعار)، شابة ثلاثينية، مثلية الجنس، وُلدت في لبنان وتعيش الآن في أوروبا.
بدأت لبنى باكتشاف ميولها الجنسية منذ المراهقة، لكن لم تستطع أن تخبر أحداً، خاصةً مع تدين عائلتها ووجود أكثر من خوري في العائلة.
"تراودني كوابيس دائمة بأن أحد أعمامي قد زارني فجأةً في المنزل ووجد صديقتي معي في السرير. أعرف أن هذه هلوساتي الخاصة، لكن لا يفارقني هذا الكابوس أبداً"
سافرت لبنى إلى أوروبا مع صديقتها الحميمة من لبنان، وعاشتا معاً، وفي حين أن عائلة صديقتها تعلم عن علاقتهما، فإن عائلة لبنى تضغط عليها بحجة أنها تأخرت عن الزواج من وجهة نظرهم، وتجيبهم لبنى بأنها قررت أن تكرّس حياتها للعلم والدراسة كهروب من هذا الالتزام الذي لا تريده.
فكرت لبنى في أن تخبر عائلتها بأنها تنوي الإنضمام إلى الرهبنة في دير في أوروبا كحجة للهروب من الزواج، لكن وجود قساوسة في عائلتها يصعّب الأمر إذ يمكنهم اكتشاف الأمر بسهولة.
تعليقاً على هذه النقطة، قالت لبنى لرصيف22: "تراودني كوابيس دائمة بأن أحد أعمامي قد زارني فجأةً في المنزل ووجد صديقتي معي في السرير. أعرف أن هذه هلوساتي الخاصة، لكن لا يفارقني هذا الكابوس أبداً".
ما هي الغربة هنا بالنسبة لأفراد مجتمع الميم-عين؟ الادّعاء المستمر لحقائق لا يصدقها أصحابها، وذلك أمام عائلة لن تقبلهم إن أظهروا ذواتهم الحقيقية، أم العيش في بلاد لا تعرفهم ولا يعرفونها، بعادات وتقاليد جديدة، حتى إن كانت أفضل البلاد لكنها ليست الوطن؟
لا يعني ذلك أن بلاد المهجر هي الملاذ، لا سيما أن الكثير من أفراد مجتمع الميم-عين يتعرضون في الخارج لأحداث عنصرية وتجارب في غاية القسوة، لكن على الرغم من ذلك، من المؤسف أن تكون غربة الأشخاص آتيةً من دوائرهم التي من المفترض أن تكون هي الأمان لهم، ونحن نتحدث هنا عن العائلة التي أضحت بالنسبة لهم الغربة الأصلية.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...