شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
في مصر... القضية الفلسطينية معيار الحب والصداقة والدعم

في مصر... القضية الفلسطينية معيار الحب والصداقة والدعم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 14 نوفمبر 202311:20 ص

الاختلاف في القضية الفلسطينية يُفسِد كل الودّ، وكذلك يضع بدل الضغينة وداً جديداً. هكذا يمكن وصف الحالة التي يعيشها كثيرون في مصر مع متابعة الأحداث التي تجري حالياً في غزة.

بشكل ما، أصبح موقف الإنسان من قضية واحدة هو معيار الحكم النهائي عليه بالنسبة لعديد المصريين، بمعنى آخر، قل لي ما موقفك من القضية الفلسطينية أقول لك من أنت، وبطبيعة الحال، أصبحت القضية تجُبّ ما قبلها أيضاً، فمهما كانت أفعالك الماضية فهي مغفورة إن دعمت المقاومة، ومهما كانت حسناتك مجتمعة فهي هباء منثور إن تخليت عن المقاومة أو تجاهلت الأحداث، بل وأكثر من ذلك، إن قرّرت إبداء رأي يختلف بنسبة واحد بالمئة عن رأي الشارع.

قضية تُنهي صداقات

صديق لي، كتب مندهشاً عن رسالة استلمها من رفيق قديم له، يخبره فيها بحذفه إياه من قائمة الأصدقاء بعد رؤيته صورة له أمام مطعم شهير يوجد في قائمة المقاطعة التي أطلقها داعمو القضية الفلسطينية مؤخراً، حافظ الاثنان على صداقتهما طويلاً، وانتهت بسبب خلاف واحد. هكذا وبكل سهولة قرأ الصديق رسالة رفيقه التي يُعلن فيها أنه قرّر مقاطعته للأبد، طالما رفض الصديق مقاطعة مطعم ما.

اللاعب المصري عمرو وردة، والذي اتهم لمرات عديدة بالتحرّش الجنسي في البرتغال واليونان، وأثناء تواجده مع بعثة المنتخب المصري، غادر القائمة السوداء الافتراضية في أذهان الناس لعديمي الشرف، وانضم للشرفاء بعد نشره تأييداً واضحاً للقضية الفلسطينية

العجيب ليس أن المقاطعة الاقتصادية لا يجب أن تكون أمراً مفروغاً منه كعلاج للأزمة، إذ أنها محل خلاف بالنسبة لتأثيرها الإيجابي والسلبي، لكن العجيب أن هذا الصديق نشر على حسابه رفضه التام لما يحدث من أعمال قتل في غزة ضد الفلسطينيين، أي أنه اتفق في القضية واختلف في أمر واحد فقط يخصّها، ومع ذلك لم يحتمل رفيقه هذا الاختلاف وفسد الود.

الأمر متكرّر، ورأيت بنفسي عديد الأصدقاء ينشرون بشكل عام ما يُفصح عن نيتهم حذف أي صديق غير متضامن مع القضية الفلسطينية، مهما كانت معرفتهم به وثيقة، ومهما كان سبب عدم تضامنه، دون نقاش.

قائمة الشرف والقائمة السوداء

المرة الأخيرة التي سمعت فيها عن قائمة سوداء تمتليء خاناتها حسب آراء أصحابها كانت عقب ثورة 25 يناير، حينها وضع الناس أسماء لفنانين ولاعبي كرة قدم ومشاهير من كافة المجالات داخل القائمة التي لم يُعرف بالضبط ما الهدف منها حينها، إن خالفوهم الرأي ومالوا لبقاء الرئيس الأسبق حسني مبارك مهلة الستة أشهر التي طلبها، واليوم أرى ذات القائمة، لكن هدفها واضح، وهو التنكيل بمن هم فيها، وعلى العكس، الاحتفاء بقائمة شرف بُنيت على أساس الداعمين للقضية الفلسطينية.

الغريب هو أن بعض الأسماء التي دخلت في قائمة الشرف كانت إلى وقت قريب تنهال عليها الاتهامات والسباب، ومنهم من اتهم تحديداً بأنه بلا شرف، مثل ممثلة الأفلام الإباحية ميا خليفة، التي احتفى بها نشطاء التواصل الاجتماعي بسبب مقاطع متتالية لها تسخر فيها من إسرائيل وتدعو فيها لمساندة القضية الفلسطينية، ميا استطاعت ردّ شرفها "شعبياً" بسبب موقف من قضية واحدة فقط لا غير.

اللاعب المصري عمرو وردة، والذي اتهم لمرات عديدة بالتحرّش الجنسي في البرتغال واليونان، وأثناء تواجده مع بعثة المنتخب المصري، غادر القائمة السوداء الافتراضية في أذهان الناس لعديمي الشرف، وانضم للشرفاء بعد نشره تأييداً واضحاً للقضية الفلسطينية، ولأن وقت إعلانه ذلك كان هو ذاته وقت تردّد النجم المصري الآخر محمد صلاح، في الإفصاح عن موقفه، فقد تندّر البعض بأن صلاح هو من كان يستعمل هاتف عمرو وردة أثناء تواجدهم سوياً في بعثة الفريق المصري، وهكذا متهم بالتحرّش أصبح رمزاً لقضية.

من ناحية أخرى، من كان يظن أنه سيأتي اليوم الذي يُشيد فيه أفراد من جماعة الإخوان المسلمين بمقدم البرامج الساخر باسم يوسف؟ لا أحد توقع ذلك، خاصة وأن بينهم وبينه، على حسب قولهم مراراً، دماء لا مجرّد خلاف سياسي، لكن ها هم يحتفون به بعد مداخلته مع بيرس مورغان التي دافع فيها عن القضية الفلسطينية، صحيح أنهم استخدموا في احتفائهم حديثاً منسوباً للنبي محمد يقول فيه "وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"، لكن تلك هي طريقتهم في إظهار محبتهم المؤقتة المشروطة على كل حال.

وأخيراً، نشر المغني والممثل محمد عطية، نجم ستار أكاديمي الشهير، منشوراً يقول فيه: "من حقي أعيد تصنيف الناس ونظرتي ليهم في حياتي، كمان حر أحطك في منزلة إنسانية تناسب موقفك، أنا مش بصنفك بناء على رأيك في مطعم بيتزا و لا لاعب كورة، أنا بصنفك بناء على موقفك من إبادة جماعية. فاهم؟".

والأسئلة التي تبادرت إلى ذهني عند قرائتي منشور عطية هي: هل يفهم هو أن اليمن وسوريا وأوكرانيا هي أيضاً قضايا إنسانية، وقع بسببها ضحايا يفوق عددهم ضحايا الأحداث الأخيرة في غزة؟، وإذا كان يفهم ذلك، لمَ قرّر ببساطة أن يتجاهلها ولا يضعها في اعتباره، وانتظر القضية الفلسطينية تحديداً لكي يستخدمها كمعيار تصنيفه الإنساني؟

من كان يظن أنه سيأتي اليوم الذي يُشيد فيه أفراد من جماعة الإخوان المسلمين بمقدم البرامج الساخر باسم يوسف، مستخدمين حديثاً منسوباً للنبي محمد يقول فيه "وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"؟

الأسوأ لم يأت بعد

الأسوأ ليس أن تحكم على الناس بناء على رأيهم في قضية تعتقد أنك تمتلك الحقيقة المطلقة بشأنها، لكن أن تُجبر الآخرين على قول نفس رأيك بالضبط، أن تغتال مسيرة فنان لأنه استمرّ في عمله لم يقطعه بسبب الأحداث مثلاً، وألا تلاحظ أنه لو كان معيارك في الصداقة والحب والدعم هو قضية واحدة فقط، فمن المحتمل جداً أن تضع في قائمة الشرف، بالصدفة، متطرفاً ما، ربما سيقتلك إن قابلك، لكنه حالياً متفق معك في تلك القضية... يا للحظ السعيد.

أخيراً، هناك عديد ممن أعرفهم يتجنبون الأحداث الضاغطة عصبياً بشكل عام، عاش هؤلاء أوقاتاً كثيرة يدافعون عن قضاياهم، حتى تعبوا وقرّروا أن يقضوا ما تبقى من حياتهم في صمت، وهناك من ينظر إلى كل الأحداث التي تجري في العالم بلا اكتراث، لأنه يرى العالم ذاته مجرّد كتلة من العبثية لا معنى لها، ويُفكّر فقط كيف سيقضي أيامه المعدودة فيه، يُلهي نفسه عن تلك الفكرة. هذا أو ذاك لن ينظروا أبداً إلى قضاياك بنفس الجدية مهما كانت تستحق كل الجدية بالنسبة لك أو لي، وهنا أقول ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "وأنت تعد فطورك فكّر بغيرك، لا تنس قوت الحمام، وأنت تخوض حروبك فكر بغيرك، لا تنس من يطلبون السلام".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard