في إجابة عن السؤال "ما هي المعاناة غير المرئية أو غير المُمجّدة لفلسطينيي الداخل؟"، قال سامي أبو شحادة، وضمن حوار خاص كان معه لرصيف22: "نحن غير مرئييين". وتابع: "أغلب العالم العربي والعالم بشكل عام لا يدري بوجودنا ولا يرانا. من أين أبدأ بشرح مأساتنا؟ وجودنا بحد ذاته هو أزمة للفلسطينيين وللعرب وللإسرائيليين، كل على حدة. لا أحد يستطيع تعريفنا: هل نحن عرب إسرائيل؟ عرب الداخل؟ عرب الـ48؟ فلا أحد يسمينا (فلسطينيين) وفقط. نحن نسمّي أنفسنا فلسطينين مواطنين في دولة إسرائيل، لكن هذه التسمية لا تتسق في ذهن الناس، لأن فلسطين وإسرائيل متناقضتان، كما أن إسرائيل لا تعترف بهويتنا الفلسطينية، فنحن مجموعة إنسانية ترفض دولتنا معاملتنا كأقلية".
"ظلمونا كعملاء وظلمونا كأبطال، وأغلبنا ليس إلا أناساً عاديين، لا هذا ولا ذاك."
وُلد سامي أبو شحادة عام 1975 في حيّ المحطة في مدينة اللد، ترعرع وعاش في مدينة يافا. وهو مؤرخ، أكاديمي وسياسي في الداخل، يعمل رئيساً لحزب التجمع الوطني الديموقراطي، وكان عضواً في الكنيست الإسرائيلي منذ عام 2019 ضمن "القائمة العربية المشتركة" إلى ما قبل الانتخابات الإسرائيلية الماضية، حيث خاض التجمّع الانتخابات وحده ولم يمرّ نسبة الحسم.
لكن هل أنتم حقاً أقلية؟ ألا يتعارض هذا المطلب مع حق المواطنة الكامل؟
بالطبع نحن أقلية، والأهم يجب الاعتراف بنا كهوية، لأن إسرائيل، كمشروع استعماري، تعمل على إلغاء هويتنا منذ نشوء الدولة. هذا معناه أنني لا أتعلم تاريخي في المدارس، بل تاريخ الشعب الإسرائيلي، ولدي مشكلة في اللغة العربية، فعلى الرغم من أننا نتعلم العبري، بالإضافة إلى العربي والإنكليزي، لكن المناهج تصلنا مترجمة.
"من أين أبدأ بشرح مأساتنا؟ وجودنا بحد ذاته هو أزمة للفلسطينيين وللعرب وللإسرائيليين، كل على حدة. لا أحد يستطيع تعريفنا: هل نحن عرب إسرائيل؟ عرب الداخل؟ عرب الـ48؟ فلا أحد يسمينا 'فلسطينيي' وفقط في أي مربع"
سأعطيكم مثالاً، في العام 2010 أقمنا في يافا حركة الشبيبة اليافية، وبدأنا بعقد اللقاءات لعمل شيء لنا وللبلد، أول تحدٍّ واجهنا كان أن يكون الاجتماع باللغة العربية، وكان على من ينطق كلمة باللغة العبرية أن يضع شيكل في الصندوق للقهوة والشاي. لكن لاحقاً وصلنا لطريقة أفضل، فخصّصنا أول 10 دقائق في كل اجتماع، لأن يثري كل واحد منا معلومات المجموعة بمعلومات بالعربية عن اختصاصه.
هل تتوقع أن يتغير الوضع القانوني لفلسطينيي الداخل بناء على نتائج الحرب، وما هي السيناريوهات؟
الحقيقة أننا الآن في هذا الحوار نحاول الدخول في أسئلة لا يوجد معطيات كافية لاستنباطها والعثور على أجوبتها، من الصعب أن نعرف أي شيء قبل أن تتوقف الحرب، حرب التهجير هل ستتحقق أم لا؟ فإذا انتهت المعركة في الأسابيع القريبة سيكون هناك قراءة مختلفة عما إذا امتدت الحرب لسنوات.
في الداخل، الجميع يتحدّث أننا سنرثي نتيناهو قريباً، لكن ماذا إذا خرج وإذا صمد كما يفعل عادة؟ أمامنا الكثير من الأسئلة لنعرف ما الذي سيحدث على أي من أبناء الشعب الفلسطيني.
برأيك، هل لا زالت القائمة المشتركة أو تحالف الأحزاب العربية في الداخل هو الشكل الأمثل لتمثيل مطالب الفلسطينيين في إسرائيل؟
باعتقادي فكرة القائمة المشتركة تم تداولها عربياً بشكل خاطئ. القائمة المشتركة لم تنجم من رغبة حقيقة بالوحدة، ولم تناقش أسس هذه الوحدة بشكل جاد، وإنما فُرضت علينا بسبب عنصرية المجتمع والدولة في إسرائيل. ففي حينه، كان وقت الأكثر تطرفاً ويمينية ليبرمان، الذي أراد أن يُخرج الفلسطينيين خارج الكنيست، فرفع نسبة الحسم في الانتخابات إلى 3.25، وكوننا أقلية أي 20%، أصبحت هذه العتبة حاجزاً قانونياً لم يكن أي حزب عربي قادراً أن يتخطاه بمفرده، فالدافع الأساسي كان تجاوز مخطط عنصري فرض علينا الوحدة فرضاً.
"خُلق وهم حولنا بأن زيادة تمثيلنا البرلماني سيكون له وزن سياسي، وهذا غير حقيقي، فاللعبة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل محدودة وليس لها قوة حقيقية"
كان من الصعب على الحزب الشيوعي (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) أن يجلس مع الحركة الإسلامية، لذا فضّل الجميع الوحدة الشاملة التي أمست مصلحة للجميع. ولأن الأقليات تميل للتكاتف، دعم الناس الفكرة بشكل كبير واستفاد الجميع.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن جهل العالم العربي بعنصرية إسرائيل على مستوى النخب السياسية والمجتمعات، خلق وهماً لدى القيادة الفلسطينية، ودول أخرى، بأن زيادة تمثيلنا البرلماني سيكون له وزن سياسي. وهذا غير حقيقي، فاللعبة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل محدودة وليس لها قوة حقيقية.
هناك إجماع ضدنا في كل مجالات الحياة، لكن تراجع المشروع الفلسطيني وضعف أداء القيادة السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية جعلها تراهن على نتائج الانتخابات في إسرائيل وأميركا لحل القضية الفلسطينية، فأصبحنا ننتظرها أكثر من الانتخابات الفلسطينية. أهمية القائمة المشتركة هي دعم مشروع اليسار والمركز الصهيوني من أجل حلّ القضية الفلسطينية من منظور القيادة الفلسطينية والعالم العربي، لأنه ليس لديهم مشروع آخر.
في أيام الأحكام العسكرية، منذ العام 1948 إلى 1966، استطاعت الحركة السياسية العربية أن تناضل وتنجح في تثبيت الوجود الفلسطيني داخل اسرائيل، ألا تعتقد بأن تغيير الخطاب فيما بعد من قبل الحركة الإسلامية أضرّ بهذه المنجزات، فأصبح مصير الفلسطيني في الداخل غير مؤكد؟
الفلسطينيون في الداخل مرّوا بعدة مراحل، أولاً لم يذكرنا أحد في أدبيات ما بعد النكبة التي كانت صدمة رهيبة لمن عاشها، أغلب أبناء شعبنا في كل مكان غير مدركين لها، لأننا في روايتنا وأدبنا وشعرنا الفلسطيني تحدثنا عن اللاجئ في خيم اللجوء، ونسينا أجزاء كبيرة أخرى من أبناء الشعب الفلسطيني أو تناسيناها.
كل شيء في حياتنا تغيّر، مثلاً جدي قبل النكبة كان يعشق الزجل، فكان يأخذ تكسي من برج الساعة في يافا إلى شارع الحمرا في بيروت، بعد النكبة فقد حقه في التنقل من يافا حتى داخل إسرائيل، وتم فصله عن أملاكه وعائلته وأصحابه والصحف التي كان يقرؤها والسينما التي كان يحضرها، حتى المستشفيات التي كان يتعالج بها، ومقابر عائلته التي كان يزورها، وهذا مجرد مثال بسيط.
حتى الانتفاضة الثانية تعامل معنا جزء كبير من العالم العربي كعملاء، وفي الانتفاضة الثانية، حين صار لدينا شهداء وظهر عزمي بشارة ورائد صلاح وبعض الرموز الفلسطينية، التفتوا إلينا، فصرنا كلنا أبطالاً، ظلمونا كعملاء وظلمونا كأبطال، وأغلبنا ليس إلا أناساً عاديين، لا هذا ولا ذاك.
"النكبة كانت صدمة رهيبة لفلسطينيي الداخل، أغلب أبناء شعبنا في كل مكان غير مدركين لها، لأننا لم نُذكر في الرواية والأدب والشعر الفلسطيني"
أيضاً، وصل بنا الأمر، فلسطينياً، لوضع علامات استفهام حول مدى "فلسطينية" الفلسطيني الناجح وبغضّ النظر عن مكان تواجده، وعلامات استفهام على هويته، فمن أجل أن تستحق أن تكون فلسطينياً حقيقياً يجب أن يكون لديك شهداء، أو أن تكون لاجئاً، وأن يكون وضعك الاقتصادي كارثياً، ومعاناتك يومية، صارت رؤيتنا للفلسطيني المرتاح أنه محل شك. مثلاً الأردن فيها فلسطينيون من كل الطبقات، وكثير منهم مرتاحون مالياً واجتماعياً، لكن لماذا لا نشير إلا إلى الوحدات ككتلة فلسطينية؟
بناء على هذا الجواب، هل تعتقد أن هناك ظلم وقع على فلسطينية الداخل بسبب "قوانين" مقاومة التطبيع، وتكريسها للشبهة حولكم؟
من أسوأ نتائج النكبة تجزئة الشعب، ومنع التواصل الفلسطيني الفلسطيني، والتعامل معنا على أساس أننا إسرائيليون لا فلسطينيون، فوُضعنا في مكان غريب عجيب. العالم العربي يرانا شبهة بالفعل، وإسرائيل لا ترانا جزءاً من مشروعها لأننا لسنا يهوداً، ولأنها لم تقدم مواطنة حقيقية لنا، وهذا أضرّنا ومنع تطورنا، وضرب المشروع الوطني الفلسطيني. فالفلسطينيون في العراق وسوريا ولبنان والأردن فلسطينيون، لكن من هم في فلسطين ليسوا فلسطينيين؟ هل صار يجب أن تكون خارج الوطن لكي يُعترف بك؟
"حتى الانتفاضة الثانية تعامل معنا جزء كبير من العالم العربي كعملاء، ثم صرنا أبطالاً، ظلمونا كعملاء وظلمونا كأبطال"
هل من الحكمة أن يجرّ جزء من الفلسطينيين تحالفاتهم إلى مربع محور المقاومة، بكلمات أخرى إلى أي حد من المفيد أن يكون حليفك إيران وسوريا في قضية تحرر وطني عادلة كالقضية الفلسطينية؟
أنا شخصياً غير مقتنع بكل نقاش محور المقاومة، أنا مؤمن بالمشروع السياسي المبني على أسس العدالة بين البشر، من لا يحتمل مثل هذا المشروع ويريد أن يقودني بحسب مصالحه برأيي هو ضد المشروع الوطني الفلسطيني.
لا أستطيع أن أزاود على التيارات المقاومة وعلى مصادر المساعدة لهم، ولكن مشروعي السياسي مختلف. نحن في التجمع الوطني الديمقراطي لدينا مشروع ديمقراطي مبني على أسس العدالة والمساواة للجميع، فلسطينيين وإسرائيليين. لا نؤمن بأن حل القضية الفلسطينية يجب أن يتسبب بنكبة جديدة ولا حتى للآخر المستعمر، فمشروعنا ديمقراطي إنساني، نعي صعوبة وتعقيدات هذا المشروع، ونعي أن في مخيلة الأغلبية من الفلسطينيين أو الإسرائيليين لا يوجد مكان للآخر.
"فالفلسطينيون في العراق وسوريا ولبنان والأردن فلسطينيون، لكن من هم في فلسطين ليسوا فلسطينيين؟ هل صار يجب أن تكون خارج الوطن لكي يُعترف بك؟"
تغير الخطاب الأمريكي حالياً من التماهي التام مع الخطاب الإسرائيلي في بداية الحرب إلى ملاحظات هنا وهناك على السياسة الاسرائيلية في الحرب، هل هو صادق أم مجرد مراوغة؟
أتفاجأ من الذين يتوقعون تعاملاً أخلاقياً وإنسانياً من الولايات المتحدة، ليس فقط بسبب تاريخها السيء على مدار عشرات السنين، وإنما لتاريخها الحديث مع أبناء أمتنا في العراق وسوريا وباقي الوطن العربي، لماذا نتوقع ممن احتلّ العراق ودمّره، ولديه دور كبير في تدمير سوريا، أن يكتشف إنسانيته صدفة في غزة، أمريكا حسمت موقعها وموقفها في هذا العدوان من خلال جلوسها في كابينيت الحرب الإسرائيلي، هي ليست طرفاً محايداً، بل هي داعمة لإسرائيل، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، منذ بداية العدوان، الحديث عنها والتوقعات منها نابعة من غياب مشروع وطني فلسطيني مستقل يستطيع أن يبني حلفاء آخرين على الساحة الدولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين