شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"مصريون إلّا ربع"... كفالة الأطفال في مصر لا تضمن لهم حياة طبيعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تأمل السيناريست غادة عبد العال أن تعمل على تأمين مستقبل ابنها المكفول آدم، كأي أم تسعى لحماية أطفالها، إلاّ أن التشريعات المتعلقة بالأطفال المكفولين في القانون المصري كانت لها بالمرصاد، لأنها تحرمهم من بعض الحقوق التي يتمتع بها الأبناء البيولوجيون، لا سيما المتعلق منها بالحقوق الاقتصادية كالمواريث ومعاش الضمان الاجتماعي، كما تحرم أسرهم الكافلة من الوصاية عليهم والتصرف في أي أموال يودعونها باسمهم، وتجعل الأطفال تحت وصاية وزارة التضامن الاجتماعي  حتى بلوغهم السن القانونية، وهو ما دفع غادة للاستغاثة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قبل أيام، بعدما فشلت في إنشاء حساب بنكي أو دفتر توفير أو شراء شهادة استثمارية باسم طفلها المكفول، قبل أن تنجح بصعوبة في عمل وثيقة تأمينية له.

ويعني نظام الكفالة قيام أسرة ما بتنشئة طفل ليس من أبنائها، وهو يختلف عن التبني الذي يعني النقل الرسمي والدائم لحقوق الوالدين إلى أسرة بخلاف أسرة الطفل، وقيام تلك العائلة رسمياً بجميع واجبات الأبوة للطفل.

رغم الهدف المعلن لدى وزارة التضامن الإجتماعي في مصر بتسهيل إجراءات إنتقال أطفال دور الرعاية "الملاجئ" إلى أسر حاضنة تكفلهم، إلا أن القوانين وتعنت الوزارة نفسها يحولان دون تمتع هؤلاء الأطفال بحياة طبيعية

جعل حياة الأسر الكافلة أكثر صعوبة

تقول عبدالعال لرصيف22 إن وزارة التضامن الاجتماعي تعتبر وضعنا مع الأطفال المكفولين مؤقتاً ولا تعترف بكونهم أولادنا، وبالتالي ترى أنه لتأمين مستقبل الأطفال وضمان مصلحتهم لا تُمنح الوصاية للأسر الكافلة إذ بمجرد قيامهم بإيداع مبلغ مالي باسم الطفل في حساب بنكي أو دفتر توفير أو شراء عقار، لا يستطيعون التصرف في تلك الأموال، لاستثمارها في مجال آخر أو في حال تغيرت الظروف الاقتصادية للأسرة أو واجهتها ظروف طارئة، مؤكدة أن الوزارة تُلزم الأهالي استئذانها في كل خطوة، وغالباً ما يتم رفض طلباتهم المتعلقة بهذا الشأن. وتلفت إلى أن القانون لا يسمح لها بكتابة عقار ما لطفلها المكفول بطريقة البيع والشراء قبل بلوغه سن 21 عاماً، وتكشف عن أن القانون يجعل المال الموهوب للطفل في حال وفاته يذهب لخزينة وزارة التضامن ولا يعود مرة أخرى للواهب سواء كان كافله أو المتبرع”. 

وزارة التضامن الاجتماعي تعتبر وضعنا مع الأطفال المكفولين مؤقتاً ولا تعترف بكونهم أولادنا

وتبدي غادة استياءها من نظرة الدولة السلبية للأطفال المكفولين، كريمي النسب والذين يعاملون في مصر معاملة الدرجة الثانية ويُحرمون من الالتحاق بكليات الحربية والشرطة والعمل بوظائف الخارجية والبنوك، بسبب القيد العائلي، والذي تطالب الأمهات الكافلات بإدراج الأسر الكافلة به وهو الأمر الذي ترفضه الوزارة بدورها، كما يُحرم الطفل من الحق في التجنيس بموجب شرط في العقد، مضيفة أن الأسر الكافلة تواجه صعوبات في استخراج الوثائق الرسمية والأوراق الثبوتية لأطفالها المكفولين، ويلزمها أولاً توجيه خطاب رسمي للشؤون الاجتماعية ووزارة التضامن الاجتماعي والتوجه لأكثر من جهة لمجرد الحصول على شهادة ميلاد الطفل أو إجراء تعديل على بطاقته الصحية، كما تكون الأسر ملزمة بالاستئذان في كل خطوة تقوم بها مع طفلها المكفول كالسفر للسياحة، متهمة وزارة التضامن بجعل حياة الأسر الكافلة أكثر صعوبة، رغم الخدمة المجتمعية والإنسانية الجليلة التي يقومون بها”.

مأساة لثلاثة أجيال

ولا تعد تلك المشكلات التي تواجهها السيناريست المعروفة وابنها المكفول حالة فردية إذ تشهد مواقع التواصل الاجتماعي عدة استغاثات وإطلاق أمهات الأطفال المكفولين وسوماً عدة منها: #الأسر_الكافلة_أهل_حقيقيين، #انقذوا_الأطفال_المكفولة، #حكايات_مسكوت_عنها، #أنا_أم_كافلة_أنا_أم_المصرى_إلا_ربع ، التي عبرن خلالها عن العديد من المشكلات التي تتعلق بمستقبل هؤلاء الأطفال؛ حيث توضح الكاتبة دينا الغمري مؤلفة كتاب “أنا اسمي ماما” الذي جسدت فيه تجربتها مع طفلها المكفول، في تصريحات لـرصيف22، أن أبرز الأزمات التي تهدد مستقبل الأطفال المكفولين هي عدم أحقيتهم في المعاش الاجتماعي لضمان حياة كريمة لهم في حالة وفاة أحد الوالدين، والتأمين الصحي الخاص بالأهل الكافلين، ويشكل القيد العائلي عقبة في طريق مستقبل الأبناء المكفولين من كريمي النسب، تحرمهم من الالتحاق بالكليات العسكرية والوظائف النيابية والقضاء والخارجية، ولا يمكن للطفل المكفول تمثيل مصر دولياً في المحافل الرياضية، ولا تقتصر المشكلة عليه وحده بل تمتد لثلاث أجيال متتالية.

وتضيف الغمري أن الأمهات يطالبن بالوصاية الكاملة على أطفالهن المكفولين بدلاً من الأخصائيين ومديري دور الرعاية، مؤكدة أن المبالغ التي تهبها أو تمنحها الأسر لأبنائها هي من حر مالها وليست تبرعات، كما ترفض الأسر الكافلة ذهاب الأملاك التي تهبها لأبنائها المكفولين من مالها الخاص، في حالة حدوث مكروه للطفل، إلى الدولة باعتبارها ميراث بدون وارث، وتطالب التضامن بمراجعة قوانين السفر بما يتناسب مع الأسر بحيث يتم لم شمل الأسرة بشكل دائم في دولة واحدة، وأن يتم منح الأهل الكافلين حق تحديد من يحق له ضم طفلهم حال وفاتهم، والحصول على الملف الطبي للطفل بشكل كامل لمعرفة التاريخ المرضي للطفل، داعين إلى توحيد اسم الأب واللقب للأطفال في حالة كفالة طفلين في أسرة واحدة مع ترك اسم الجد مختلفاً لاعتبارات القانون والشريعة الخاصة بحفظ الأنساب.

الأطفال المكفولين لا يزالون يواجهون الرفض المجتمعي من الدوائر المحيطة بالأسر الكافلة، ولا يحصلون على الحقوق المالية التي يتمتع بها الأبناء البيولوجيين لكن يمكن تأمين مستقبلهم عن طريق الهبة أو الوديعة، وتكون المشكلة الأكبر حال وفاة الأبوين الكافلين وعودة الطفل لدار الرعاية لحين توفير أسرة بديلة له

وتندد دينا بإجبار الأسر الكافلة على توقيع عقد جديد يحتوي على شروط مختلفة عما ورد بالعقد الذي كفلوا أطفالهم به منذ سنوات، منادية بـ "إصدار قانون يعامل الطفل المكفول معاملة الطفل البيولوجي فيما عدا الميراث والنسب".

وترى الناشطة بالعمل الخدمي والبرلمانية السابقة، كارولين ماهر، أن الأطفال المكفولين لا يزالون يواجهون الرفض المجتمعي من الدوائر المحيطة بالأسر الكافلة، ولا يحصلون على الحقوق المالية التي يتمتع بها الأبناء البيولوجيين لكن يمكن تأمين مستقبلهم عن طريق الهبة أو الوديعة، وتكون المشكلة الأكبر حال وفاة الأبوين الكافلين وعودة الطفل لدار الرعاية لحين توفير أسرة بديلة له.

المكفولون أبناء الحكومة

وفي تصريحات لـرصيف22 يؤكد أحمد حنفي، مدير برنامج حماية الطفولة بالإدارة المركزية للرعاية بوزارة التضامن الاجتماعي، أن وجود الأطفال في دور الرعاية لا يحميهم من اضطرابات المسلك والاضطرابات النفسية لاختلافها عن بيئة الأسرة، مما دفع الوزارة للجوء لنظام الأسر الكافلة، لكن الاشتراطات المتعلقة بذلك في العقود تغيرت بنسبة 80% عن ذي قبل؛ فاليوم يتم إلزام الأسر البديلة بحضور البرنامج التدريبي للتعامل مع الطفل، ويجب أن تحصل الأسرة على أي مؤهل تعليمي على الأقل شهادة محو الأمية، كما تلزم بعمل وديعة بمبلغ 10 آلاف جنيه لصالح الطفل يحصل عليها عن بلوغه السن القانوني ولا تستردها الأسرة إذا تخلت عنه، إضافة لشرط جزائي قيمته 20 ألف جنيه إذا أرادت ترك الطفل بغرض التأكد من المصداقية، لافتاً لكون الوزارة هي الشريك الأصلي في العقد والأطفال أبناؤها وتريد ضمان مصلحتهم.

ويلفت المسؤول بالتضامن لكون العقود الجديدة لم تلزم الأسر الكافلة بموجب عقود قديمة بأن يزيدوا من قيمة الودائع، بينما يقتصر القرار على الكافلين الجدد، كما يتم إلزام الأسر وفقاً للتعديلات بعمل تحليل فيروس سي لضمان عدم التسبب بعدوى للطفل، إضافة للاختبار النفسي (إم. إم. بي. آي) للتأكد من أهليتهم وقدرتهم النفسية على تربية ورعاية طفل  بشكل سوي، مضيفاً أنه  يمكن للأسر الكافلة أن تهب للطفل المكفول ما تريد من عقارات وأملاك وأموال وفقاً للشريعة الإسلامية خارج إطار المواريث، لتأمين مستقبلهم، أما بالنسبة للمعاش فيمكنه الحصول على عائد الهبة المالية والوديعة بدفتر التوفير، وتتضمن الكفالة الأسرة الممتدة ويمكن أن تنتقل لهم الكفالة أو يتعهد أحدهم التربية في حال وفاة الأبوين الكافلين.

ضمان المصلحة الفُضلى للطفل

من جهته يوضح أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر أن الحقوق القانونية للأطفال المكفولين في ظل الأسر البديلة، تضمنها قانون الطفل المصري، والذي نص على أنه لا تفرقة بين طفل وآخر مهما كانت الظروف، كالحق في الغذاء والعلاج والتعليم والأوراق الثبوتية والحقوق المدنية، لافتاً لوجود متابعة أكبر للطفل المكفول من وزارة التضامن، تشترط الرعاية الصحية والغذاء المناسب والتعليم وإيداع دفتر توفير باسم الطفل، مشيراً لإحتمالية هجر الأسرة البديلة للطفل لا سيما في سن البلوغ، وبالتالي يجب ضمان المصلحة الفضلى للطفل، مما يجعل الوزارة صاحبة الوصاية على أموال الطفل المكفول ويكون مدير دار الرعاية وصياً على الأطفال النزلاء لديه، مشيراً لوقوع انتهاكات قام بها مسؤولون عن هؤلاء الاطفال استولوا فيها على أموال التبرعات.

في الوقت الذي تسمح فيه الشريعة المسيحية بالتبني وتعطي الطفل المكفول الحق بالميراث كالابن البيولوجي، فإن الأطفال المسيحيين المكفولون بمصر لا يتمتعون بتلك الحقوق، وتسري عليهم أحكام القانون المدني المصري المستمد من الشريعة الإسلامية

ويؤكد مصيلحي أن الأوراق الثبوتية حق أصيل للطفل وليس من حق أي جهة التعنت في تسليمها لكافله، مبيناً أنه كلما أجري تعديل جديد على قانون الطفل فإنه يلزم إجراء تعديلات على التعاقد المبرم بين الوزارة والأسر الكافلة لحماية حقوق الطفل، وتجنباً لوقوع جرائم بحق الطفل المكفول أو استغلاله في أمور غير شرعية وجرائم، أو بيعه وإرساله خارج البلاد، وهو ما جعل الوزارة تمنع تجنيس الأطفال المكفولين أو التعاقد من الأجانب أو السماح للمقيمين بالخارج باصطحابه، مشيراً لصدور قانون في 2023 يضمن توفير معاش للطفل فاقد الرعاية الأسرية بقيمة 350 جنيهاً لحين وصوله إلى عمر 18 سنة.

الكنيسة تطالب بفك غلّ يدها

وفي الوقت الذي تسمح فيه الشريعة المسيحية بالتبني وتعطي الطفل المكفول الحق بالميراث كالابن البيولوجي، فإن الأطفال المسيحيين المكفولون بمصر لا يتمتعون بتلك الحقوق، وتسري عليهم أحكام القانون المدني المصري المستمد من الشريعة الإسلامية، وهو ما يستنكره الأب رفيق جريش، راعي كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك، والمتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، الذي يوضح لرصيف22 أن نظام الكفالة يسري على الأسر المسلمة والمسيحية، بينما تطالب الكنيسة الدولة بفك غلّ يدها عن موضوع التبني المحظور في مصر لمنح الطفل اسم العائلة والميراث وحل العديد من المشكلات الاجتماعية، لافتاً لكون المسيحية لا تفرق بين طفل شرعي وغير شرعي ولا تهتم بمسألة الأنساب، مستهجناً عدم تضمن قانون الأحوال الشخصية الجديد لمسألة التبني وموضوع المواريث عن المسيحيين.

التأمين على الحياة والاِدّخار

ورغم عدم حصول الأسر الكافلة على حق الوصاية وصعوبة تأمين مستقبل أطفالها المكفولين، إلاّ أن الخبير المصرفي أيمن حجازي، رئيس مجلس إدارة مجموعة أليانز مصر للتأمين، يُبيّن لرصيف22 أنه يمكن للأسرة أن تؤمن مستقبل طفلها المكفول أو البيولوجي عن طريق وثيقة التأمين على الحياة والإدخار تصلح للطفل منذ لحظة الميلاد، وتدفع مبلغاً شهرياً، ويستحق صرفها بعوائدها في المرحلة الجامعية بعمر العشرين تقريباً، وفي حال وفاة الأب أو إصابته بعجز كلي تقوم شركات التأمين بصرف المبلغ حتى لو كان قد مر عام فقط على الوثيقة، ويستطيع الأب التصرف في الوثيقة، مبيناً أنه يمكن أن يحل ممثل وزارة التضامن محل الأب وتكتب الوثيقة باسم الطفل الذي يحصل على قيمتها في نهاية المدة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard