شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
النازية بنكهة إيرانية… الخيوط الخفية لحزب

النازية بنكهة إيرانية… الخيوط الخفية لحزب "سومكا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حزب "سومكا" (بالفارسية اختزال لـ"سوسیالیست ملی کارگران ایران"، أي حزب العمال الاشتراكيين الوطنيين في إيران، هو حزب ذو توجه قومي ونازي، تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وزعيمه داوود منشي زاده، الذي كان برفقة العديد من قادة هذا الحزب، أعضاءً في حزب العمال الاشتراكي الوطني الألماني، وذلك قبل هزيمة الرايخ الثالث. لكن بعد الهزيمة عادوا إلى إيران، وأسسوا حزب "سومكا".

تشكل هذا الحزب بشكل رسمي في إيران، ما بين عامي 1950 و1953. كان حزباً ذا توجه فاشي، يعمل على نشر آرائه العنصرية. كما أن هذه المجموعات كانت تعمل  ضد رئيس الوزراء الأسبق محمد مصدق، وضد الدستورية والديمقراطية بالمجمل، ويعتقدون أن إيران يجب أن تصبح دولةً ملكيةً فاشيةً.

بدايات الحزب النازي في إيران

كانت نواة تأسيس هذا الحزب، في 1931، على يد نجل أحد كبار القاجاريين (السلسلة الملكلية التي سبقت البهلوية في إيران) محسن ميرزا جهانسوز، وكان هدفه الأساسي الترويج لأفكار الحزب النازي الألماني ونشرها، في ما يتعلق بتفوق العرق الآري. وُلد جهانسوز، عام 1914 في مدينة كِرمانْشاه غرب إيران، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية، درس القانون وانضم إلى الجيش الإيراني. تزامنت فترة دراسته مع ذروة دعاية الحزب النازي في إيران.

كان زعيم حزب "سومكا"، مُنشي زاده، مهووساً جداً بهتلر، إلى درجة أنه بات يقلّد هتلر في الملابس وتسريحة الشَّعر وحتى طريقة كلامه، وافتتانه بالنازية كان ظاهراً في خطاباته وكتاباته، ولطالما حاول الدفاع عن زعيمه المحبب في كل مكان وزمان،

ومن خلال إرسال مستشارين وتوظيف مدرّسين ألمان في المدارس الإيرانية، تسلل النازيون إلى إدارة التعليم في حكومة البهلوي، ونجحوا في استقطاب العديد من المعلمين/ات والأساتذة والطلاب/الطالبات في إيران، تحت وطأة الأيديولوجيا العنصرية.

محسن جهانسوز، الذي نشأ في مثل هذا النهج التعليمي، أصبح خلال دراسته مهتماً بالنازية وبالقائد النازي أدولف هتلر، ومن هذا المنطلق شكل مجموعةً لترويج أفكاره التي كانت نواة حزب "سومكا"، كما قام بترجمة كتاب هتلر "كفاحي"، إلى اللغة الفارسية، حتى يُعرّف الناس بأفكار القائد النازي.

مجموعة من أعضاء حزب "سومكا"

وبالرغم من أن رضا شاه البهلوي، كان منجذباً إلى ألمانيا النازية في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أنه شعر بالتهديد في عام 1939، وأَعدم محسن جهانسوز، بعد اعتقاله بتهمة التآمر ضد النظام الملكي، وكانت التهمة الرئيسية الموجهة إلى جاهنسوز هي التجسس لصالح الحكومات المعادية. وبعد تنفيذ حكم الإعدام، أصبح جهانسوز يتمتع بشعبية كبيرة بين القوميين/ات الإيرانيين/ات، لأنه كان معروفاً بأنه لم يتراجع أبداً عن معتقداته القومية، حتى أنه هَتف "تحيا إيران" قُبيل إعدامه وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة.

تسببت تصفية جهانسوز هذه في إضعاف حزب "سومكا"، لكن هذا الحزب الفاشي تم إحياؤه على يد داوود منشي زاده، في أواسط القرن الماضي، فتنامت قوة "سومكا" في تلك المرحلة، وحينها أصبحت سلوكياته أكثر عنفاً وتطرفاً مقارنةً بالأحزاب القومية الأخرى، وبهذا ترك بعض أعضاء الأحزاب القومية الإيرانية، أحزابهم وانضموا إلى صفوفه.

داوود منشي زاده... القائد الجديد للحزب

وُلد داوود منشي زاده، في 29 آب/أغسطس عام 1915 في طهران، وعندما بلغ سن المراهقة انتقل إلى فرنسا لدراسة الأدب الفارسي، وبعدما أنهى دراسته في فرنسا، هاجر عام 1937 إلى ألمانيا، وفي عام 1938 واصل تعليمه في مجال الدراسات "الإسلامية" و"الإيرانية" و"الهندية". وفي الوقت نفسه تعرّف على الحزب النازي، وانضم إليه، وبدأ العمل في قسم الدعاية فيه، كما كتب في الجريدة الرسمية للحزب النازي "داس رايخ"، وتمكن من كسب ثقة كبار قادة الحزب النازي.

ومنذ عام 1940، نشط كخبير ومستشار دعائي في القضية اليهودية في إيران لوزير الدعاية للرايخ بول يوزف غوبلز، وبعد عام كُلّف بنشر مواد ذات مواضيع فاشية باللغة الفارسية. بقي منشي زاده، في برلين، خلال السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وعند دخول الحلفاء ألمانيا، قاتل ضدهم، وفي الأخير أصيب في ساقه وعاد إلى إيران بعد انتهاء الحرب، وذلك لاستئناف أنشطته النازية هناك.

داوود مُنشي زاده، زعيم حزب "سومكا"

كان منشي زاده مهووساً جداً بهتلر، إلى درجة أنه بات يقلّد هتلر في الملابس وتسريحة الشَّعر وحتى طريقة كلامه. افتتانه بالنازية كان بارزاً في خطاباته وكتاباته، ولطالما حاول الدفاع عن زعيمه المحبب في كل مكان وزمان؛ فعلى سبيل المثال، عندما رد على الطلاب/الطالبات الذين/اللواتي وصفوا/ن هتلر بالمستبد، قال: "إن هتلر ليس ديكتاتوراً، ومن يقول ذلك فهو مخطئ. بالعكس، كان هتلر دائماً بيننا، وحتى عندما كنت أجلس وأتناول الطعام في المطعم الذي كنا نجتمع فيه، كان الرجل يأتي ليس كرئيس دولة أو زعيم حزب أو الشخص الأول في أوروبا، بل كان يجلس بكل بساطة برفقة اثنين من مساعديه، ويتناول طعامه ويغادر. لكن إذا أردتم أن تتعرفوا على المستبدين، فعليكم أن تنظروا إلى ستالين وروزفلت وليس إلى هتلر، فإنه القائد الذي ركز ونمّى أفكار أمّته". إدلاء منشي زاده بهذه المعلومات تزامن مع فشل هتلر وخسارته ثم انتحاره، ولم يعد له جمهور في ألمانيا نفسها.

أيديولوجيا حزب سومكا

كان الهدف الرئيسي لحزب سومكا، هو القتال ضد الجماعات الشيوعية والاشتراكية ومختلف الإثنيات والقوميات والثقافات غير الفارسية، ولم تكن طريقة "سومكا" المعتادة في القتال سوى الاعتداء الجسدي والتهديدات، هذا بالإضافة إلى منشورات مليئة بالدعاية الندّية والإهانات المختلفة ضد اليهود والأتراك والعرب والأرمن والأكراد الإيرانيين، وبما أن الحزب كان يعادي محمد مصدق، أمرت قيادة "سومكا" بمهاجمة مكاتب الجبهة الوطنية خلال انقلاب 1953.

استندت أيديولوجيا حزب سومكا إلى شعارات النازيين نفسها، وعلى هذا النحو نشط الحزب ضد الحلفاء المحتلين في المرحلة الأولى، لكن الهدف الرئيسي للحزب كان تعظيم القيم الفارسية القديمة ضد الأيديولوجيا الشيوعية، وفي آخر المطاف وقف هذا الحزب ضد النظام البهلوي الحاكم آنذاك، وتم نفي زعيمه إلى الخارج.

خطاب لداوود منشي زاده، زعيم حزب "سومكا"

بعد ذلك حدث تحول جذري في الحزب، وانضم باقي الأعضاء إلى قوات الفريق بهرام آريانا، وعملوا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كانت كراهية العرب والشيوعيين واستقطاب المثقفين من سمات حزب "سومكا"، ولطالما كان الحزب متهماً بمعاداة السامية.

لكن داريوش همايون، أحد القادة والعضو السابق في حزب "سومكا"، كان يرفض أن يتبنّى الحزب الفكرة المعادية للسامية أو أن يكون له نشاط في هذا المجال، ويوضح همايون حول هذا الموضوع التالي: "لقد تأثر الحزب إلى حد كبير بالحزب الاشتراكي الوطني الألماني، لكنه كان يفتقر بطبيعة الحال إلى التجاوزات التي كانت تمارَس على اليهود هناك، وعلى العكس حزب سومكا ليس معادياً لليهود، وذلك بسبب الترابط الذي كان موجوداً منذ حقبة الإمبراطور الإيراني كوروش الكبير مع اليهود والإيرانيين. ولكن من حيث التركيز الذي وضعناه على القومية وأفضلية العرق الآري في إيران، لا نختلف عن النازيين".

استندت أيديولوجيا حزب "سومكا" إلى شعارات النازيين نفسها، وعلى هذا النحو نشط الحزب ضد الحلفاء المحتلين في المرحلة الأولى، لكن الهدف الرئيسي للحزب كان تعظيم القيم الفارسية القديمة ضد الأيديولوجيا الشيوعية

ويمكن قراءة أيديولوجيا هذا الحزب من خلال كتاب "صراع مع الشيطان"، الذي ألّفه القائد والأب الروحي لحزب "سومكا"، داوود منشي زاده، إذ يذكر في جزء منه: "إذا أرادوا مني أن أعدّ نفسي مثل العربي الذي يعيش في الربع الخالي أو البانتو (قبيلة إفريقية) في القارة السمراء إفريقيا، بما أن لدي ساقين وعينين ولساناً واحداً مثلي مثلهم، فهذا مستحيل ولا أحد يفعل ذلك، ومن قال ذلك فهو يكذب ومن فعله فهو يدّعي وحسب. من خصائصنا نحن العنصريين، أننا لسنا منافقين ولن نكون كذلك. إذا لم نطبّق اليوم القوانين الأساسية لبقاء هذا العرق (الآري)، ولم ننخرط في وسائل متعمدة ومصطنعة لتعزيز دماء إخواننا وأخواتنا، من أجل نقاء دماء أبنائنا، وإذا لم نقتلع الأغصان الفرعية من النمو، فستغطي زهور حديقتنا، وقريباً لن يتبقى أي ثمر من أشجارنا الأصيلة، ولهذا السبب ينبغي علينا أن نجعل استئصال العناصر غير المناسبة، كقانون أساسي للبلاد...".

انهيار الحزب

وفي ذروة الصراع بين رئيس الوزراء محمد مصدق ومحمد رضا شاه البهلوي، في انقلاب 1953، قرر الشاه مغادرة إيران، وحينها أرسل داوود منشي زاده، الذي كان مسجوناً بأمر من حكومة مصدق، مقالاً نقدياً شديد اللهجة ضد الشاه إلى صحيفة "سومكا" التي كانت تصدر بالعنوان نفسه، كتب فيه أن الشاه بخروجه من إيران أظهر أنه غير قادر على الدفاع عن بلاده وعن عرشه، وأنه لم يعد من الممكن الاعتماد عليه وينبغي أن نجد حلاً.

صحيفة "سومكا"

مغادرة الشاه البلاد، أثارت حفيظة مجموعة من المواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع ضد مصدق، وكان منشي زاده نفسه الذي تم إطلاق سراحه مؤخراً، يتجول في المدينة بسيارة كان أعضاء الحزب قد استولوا عليها من "حزب التوده"، وكان يتجول في الشوارع ويلقي بين الناس خطابات ضد مصدق.

مع هزيمة مصدق وعودة محمد رضا بهلوي إلى إيران، تمكن منشي زاده من لقاء الشاه وطلب تسليح الحزب للدفاع عن الملكية، وهو ما لم يقبله الشاه، وسرعان ما شارك في الانقلاب الفاشل الذي خطط له اللواء محمد ولي قرني، وبسبب فشل هذا الانقلاب ونظراً إلى خلفيته السياسية، لم يعامَل بقسوة من قبل الشاه، بل أُمر بنفيه من إيران فحسب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image