شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
طيّب حاج رضائي، البلطجي الذي دعم الشاه والخميني معاً

طيّب حاج رضائي، البلطجي الذي دعم الشاه والخميني معاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 3 يونيو 202301:01 م

تندرج هذه المادة ضمن ملف الطريق إلى إيران، في رصيف22.


قيل إن طهران كان يحكمها ملكان: ملك في شمال العاصمة الإيرانية، وهو الشاه الرسمي في البلاد محمد رضا بَهْلَوي، والثاني في جنوبها واسمه طيّب حاج رضائي. وحينما كان يحاكَم في عام 1963، رفع قميصه وقال للقاضي: "حين كان البعض يشمون صور لينين وستالين، رسمت على جسدي صورة رضا شاه (والد الملك حينها)، ومَن يتحمل ألم الإبر حتى تُرسم صورة الملك وشماً على جسده، ليس خائناً". وقال شاه جنوب طهران قبل أن يعدم بجريمة الخيانة لسجين في زنزانته: "الحقيقة هي أنه كان لا بدّ أن يقتلوني عشر مرات على جرائمي التي ارتكبتها، ولكنهم لم يفعلوا، وهذه المرة يريدون إعدامي لجريمة لم أرتكبها".


كان أمن الحارات الإيرانية قبل ظهور الشرطة على الشكل الحالي على عاتق السكان، وفي كل حارة هناك ثمة بلطجيون (فتوّات، جمع فتوة) يحمون حارتهم. في حارات جنوب العاصمة طهران ذاع صيت طيب حاج رضائي، وهو شاب قوي البنية وشجاع، وله كغيره من نظرائه سمعة اجتماعية. وجرت العادة أن البلطجيين يظهرون كرمهم ويبرزون هويتهم الدينية في شهر محرم، ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، حيث يقيمون مجلس عزاء في الحارة على الطريقة الشيعية المعتادة ولا يشربون الخمر، ولا يتصارعون مع أحد، فحسب نشاطهم تتقلب حالاتهم بين فتوة مثالية وابتزاز خارج دائرة الرجولة، فتارة يصبحون محبوبي القلوب وتارة يكون مغضوباً عليهم.

كان أمن الحارات الإيرانية قبل ظهور الشرطة على الشكل الحالي على عاتق السكان، وفي كل حارة هناك ثمة بلطجية يحمون حارتهم. في حارات جنوب العاصمة طهران ذاع صيت طيب حاج رضائي، وهو شاب قوي البنية وشجاع

ومنذ 1940، كان طيب قد وصل إلى قمة البلطجية في جنوب طهران، يخشاه الكثير ويحسب له السكان ألف حساب، حتى حوكم مرات عدة بسبب صراعاته المتكررة وقد دخل السجن أيضاً، والاعتقال هو درجة ينالها البلطجي كي يثبت مدى قوته ويزيد على سمعته.

وعندما اعتلى محمد رضا بهلوي، العرش الملكي بدلاً من والده رضا خان، كان طيب ذو الـ30 عاماً يمارس سلطته بلا منازع على جنوب طهران، ففتح قنوات اتصال مع بلاط الملك، واستطاع رويداً رويدا أن يبني علاقات مع كبار الحكومة، وحاول أن يصل صوت المظلومين ويجلب المساعدات لأبناء جنوب طهران الذي يعاني من الفقر والحرمان، وله علاقات طيبة مع رجال الدين أيضاً، فشخصية طيب حاج رضائي هي خليط من بلطجي بأفكار دينية محافظة، ويحب رجال الدين والملك في آن واحد.

كيف وصل إلى هذه المكانة؟

لو سألتم الإيرانيين عن أبرز سياسي وطني ومطالب بالحرية، سيشير الكثيرون إلى محمد مصدق، رئيس الوزراء بين عامي 1951 حتى 1953. فهو الذي دعى لمشروع تأميم النفط، وقبول التعددية في السياسة، وتحديد صلاحيات الملك، بيد أنه أطيح به في 19 آب/أغسطس عام 1953، بانقلاب عسكري ودعم أمريكي وبريطاني.

وهناك ثمة قوة مهمة أخرى في هذه الإطاحة، وهي مظاهرات البلطجية وبائعات الهوى والمشاغبين، وكان دورهم مَلءَ الشوارع لدعم الشاه والمطالبة بإطاحة رئيس الوزراء لكي يبدو الانقلاب العسكري كثورة شعبية، وتقاسم هذا الدور، أي المظاهرات، كلّ من الجيش الملكي وعلماء الدين المحافظين.

من بين الشخصيات التي أدت دوراً محورياً في تأجيج الوضع في شوارع العاصمة ضد حكومة مصدق كان طيب حاج رضائي، الذي قام بتنفيذ أوامر رجل الدين آية الله أبو القاسم الكاشاني.

كان كاشاني يدعم مصدق في بادئ الأمر وينتقد الاستبداد، وبعد أن دعم الشيوعيون رئيس الوزراء مصدق في حراكه الوطني، خاف رجل الدين، فتحول من داعم لرئيس الوزراء إلى داعم أساسي للشاه، ودعا كاشاني البلطجيَّ طيب: "قال آية الله كاشاني في تلك الليلة لأبي إنه مع الوضع الراهن وخروج الملك من البلاد، بات غير مستبعد وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم، وفي هذه الحالة لن يبقى لكم شرف؛ فالشيوعيون يقولون إن نساءكم حلال للجميع. إنه قال كلاماً مهولاً، وفي الواقع وضع يده على نقطة حساسة لدى والدي، وهي الشرف والناموس"، حسبما شرح بيجن بن طيب حاج رضائي. فعزف رجل الدين على وتر الناموس والشرف، فكان يعرف كيف يهيج البلطجيين للصراع، حتى لو كان منافسهم رئيس وزراء.

صبيحة الانقلاب، كان العشرات من رفاق طيب وأهالي الجنوب في الشوارع وخرج بهم نحو منزل رئيس الوزراء، وبينما رفعوا في أيديهم عصى كان قد جلبها لهم طيب، هفتوا: "نريد الشاه"، "الموت للشيوعيين"، "عاش الجيش". وسيطر البلطجيون وأعوانهم وعامة الناس على الشوارع، محرقين كل ما صادفهم من علامات ورموز للشيوعيين أو ما يخالف الملكية.

كان بين الحشود نساء أيضاً حملن صور الملك أمام الحشود وكن يهتفن معهم؛ كنّ أولئك بائعات هوى طهران وبقيادة امرأة متنفذة في البلاط "ملكة اعتضادي". وبعد أن أطلق الجيش النار على بيت الرئيس محمد مصدق، نهب أعوان طيب منزله بفخر واعتزاز.

امتياز استيراد الموز والتفاح

نجح الانقلاب فعاد الملك ألى البلاد وسُجن رئيس الوزراء، وكَرّم الشاه من ساهم في العملية، ومنح طيب بعض الأموال ووسام الشجاعة، فحصل على امتياز استيراد فاكهتي الموز والتفاح، بما أنه كان يملك محل توزيع الفواكه والخضار في سوق طهران الرئيسي. فتوسعت تجارة طيب، وفي المقابل خدم البلاط أكثر فأكثر.

مع مرور الوقت، تصادمت مصالح طيب الاقتصادية مع موظفي الحكومة في ما يتعلق بمجال التجارة، وأخذت الصراعات تأخذ شكلاً آخر حتى رفعت ضده تقارير كثيرة لدى الشرطة السرية.

وحينما توفي المرجع الشيعي آية الله بُروجِردي، وحلّ محله آية الله الخميني الذي كان معارضاً رئيسياً للنظام الملكي، رفع طيب صور الأخير في أعلام عاشوراء، فقُبض عليه، ووجهت له تهمة الخيانة، وتحريض الشارع ضد الملك، فطُلب منه أن يصرح قسراً أنه استلم مالاً من رجل الدين الخميني كي يرفع صورته في مواكب العزاء، لكنه رفض، فواجه عقوبة الإعدام. الرواية أعلاه هي ما يروج لها رجال الدين بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 ضد النظام الملكي.

أما بيجن حاج رضائي، ابن طيب. فله رواية أخرى عن اغتيال والده؛ يؤكد أن الشرطة السرية اتهمت والده بأنه استلم 100 ألف دولار من رجل مصري جاءه حاملاً المبلغ في حقيبة، بهدف تغيير النظام وإثارة الفوضى في البلاد: "كان قد قبض على ذلك الرجل، وهو لم يسلم والدي أي مبلغ. ومهما كان، فالظاهر أن السلطات لم تشأ أن يؤدي والدي مع أنصاره نفس الدور في الانقلاب العسكري ضد مصدق، ولكن هذه المرة ضد الشاه، لذلك حكموا عليه بالإعدام".

من بين الشخصيات التي أدت دوراً محورياً في تأجيج الوضع في شوارع العاصمة ضد حكومة مصدق، كان طيب حاج رضائي، الذي قام بتنفيذ أوامر رجل الدين آية الله أبو القاسم الكاشاني

كان الإعدام رمياً بالرصاص، فيردف ابنه: "مراسم تشييع الجنازة كان شعبياً، وبعد أن كفن جسد والدي سبع مرات، لم ينقطع، فجاءنا خبر من رجال الدين يخبروننا بأن طيب حاج رضائي شهيد، ويمكن دفنه دون كفن".

بين منحِه لقبَ "تاج بَخْش" (مانح التاج) لما كانت له من أعمال بطولية ومساهمة كبيرة في "منح التاج" للشاه من جديد، وبين لقب "الشهيد" من قبل رجال الدين لما مثله من دور كبير يخشاه الشاه وحكومته، يبدو أن طيب حاج رضائي كان أداة لسيناريو كتبها الآخرون فحسب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image