شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صحافي أُعدم وسط مجموعة من الضباط

صحافي أُعدم وسط مجموعة من الضباط "الخونة" في الجيش الإيراني... الرجل الرمز مرتضى كَيْوان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 3 يونيو 202312:46 م

تندرج هذه المادة ضمن ملف الطريق إلى إيران، في رصيف22.


وسط عشرات من الصحافيين والأدباء والفنانين الذين قضوا نحبهم في سبيل الوطن والحرية والديمقراطية، يبرز اسم مرتضى كيوان في المذكرة الإيرانية دائماً ليبقى حاضراً وشاهداً على أفعال الاستبداد في القرن العشرين.

ولد الشاعر والناقد والصحافي مرتضى كيوان (Morteza Keyvan)، سنة 1921. عاش في لحظة حساسة من تاريخ البلاد، هي أعوام مر بها المجتمع الإيراني من التقاليد إلى الحداثة، وطرأت على إيران تغييرات كبيرة في البنية السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية، بعد أن تسلم رضا خان، المُلكَ من السلالة القاجارية، فأصبح شاه إيران وخطا خطواته الإصلاحية متأثراً بالجمهورية التركية ورئيسها مصطفى كمال أتاتورك.

وسط عشرات من الصحافيين والأدباء والفنانين الذين قضوا نحبهم في سبيل الوطن والحرية والديمقراطية، يبرز اسم مرتضى كيوان في المذكرة الإيرانية دائماً ليبقى حاضراً وشاهداً على أفعال الاستبداد في القرن العشرين

وصفوا ملامح الشاعر مرتضى: "شاب بشعر أسود معجد، وله شاربان كثيفان، وعينان لامعتان"، كان يدّخن السيجارة بعصى السيجارة، وهي الثقافة الرائجة حينها بين المثقفين، وسجائر دون فلاتر.

وعن سلوكه فشرح أصدقاؤه: "كان دائم البحث عن اكتشاف العلوم يشجع الآخرين ويدعمهم، وفي النقاشات والنقد يزيح مصالحه، ويسمع الآخرين. يظهر عقائده عند الحاجة؛ لا يبدي رأيه في غير محله. كان يحبّ الناس ويفهمهم، ولم يكن مثقفَ كتُب". كما قال أصحابه: "كان (مرتضى) كيوان مديناً دائماً، ولسدّ ديونه كان يقترض".

رحل والده وهو طفل، فاضطر أن يدرس ويعمل، وبعد إنهاء الدراسة دخل موظفاً في وزارة الطرق، وارتقى حتى وصل إلى مكتب مساعد وزير الطرق، فأُرسل إلى مدينة همدان غرب البلاد في مهمة.

لم يُخلق مرتضى ليكون موظفاً حكومياً، بل ولع الكتابة كان يرافقه دائماً، فمن همدان قام بمراسلة الصحف والمجلات في طهران، ومن حظه أن زوجة مساعد وزير الطرق، ترأست مجلة "السيدة"، فقبلت بمرتضى موظفاً لديها، وبهذا انتقل إلى العاصمة طهران.

تعرف هناك على أحمد شاملو، واحد من أهمّ الكتاب والشعراء الإيرانيين المعاصرين، ثمّ على الكاتب والسينمائي فرَيْدون رَهْنَما، وأحدثت هذه المعرفة تحولات كبيرة في أفكار هذا الشاب اليساري الطموح.

حلقة وصل بين الأدباء والسياسة

تقرب مرتضى من الأخير، حتى تزوج من ابنة خالة رَهنَما، وهكذا مضى يتعرف على الأدباء والسياسيين والنخب الفكرية في البلاد. وحسب الكثير من رفاقه، أصبح مرتضى نقطة مركزية وحلقة وصل بين الأدباء والسياسة حينها. وعلى هذا كان على معرفة شمولية بالحركات الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية النشطة في طهران.

كان صحفياً حاذقاً وناقداً أدبياً ذكياً، كما أسس جمعية "شَمٌع سوخته" (الشمعة المحترقة) الأدبية، فكان على معرفة واسعة بالأدب الروسي وكتب عنه كثيراً.

كان يكتب تارة باسمه الحقيقي وتارة بأسماء حركية ومستعارة أدبية أهمها "دِلباك، آوِيده، آبنوس، بِيزار، بِكاه". وإلى جانب النقد والشعر، كتب القصة القصيرة أيضاً.

مناصبه الصحافيه

من ضمن مناصبه كانت: المدير الداخلي لمجلة "السيدة"، محرر مسؤول مجلة "العالم الجديد"، وعضو هيئة التحرير في مجلة "حمامة السلام". واقد انضم هذا الناشط الأدبي إلى حزب "توده"، الحزب الشيوعي الإيراني الذي تأسس سنة 1941، وكان من أقوى الأحزاب المعارضة للحكم حينها.

حصلوا على الملفات والوثائق وأصبح تعاملهم أكثر وحشية، ووقع كيوان تحت رحمة ضرباتهم. قيل أن أثناء التحقيق كسروا مفاصل أصابعه واحدة تلو الأخرى وأعموا عينياه وكسروا مفاصل ذراعيه كي يعترف

جاء انضمامه للحراك السياسي اليساري في سنة 1942، وقد تحمل اعتقالات عدة، إلا أن مدة سجنه لم تبلغ سوى شهر واحد. كما نفي لفترة إلى جزيرة خارْك وسط الخليج، وبعد الانقلاب العسكري عام 1953، وهو الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء القومي محمد مصدق، صاحب فكرة تأميم النفط وتحديد صلاحيات الشاه محمد رضا بَهْلَوي، سادت البلاد موجة من القمع والاعتقالات التعسفية، فراح ضحيتها معظم السياسيين والمثقفين غير الموالين للنظام الملكي من شتى التيارات، ومن نجا من بطش الحكومة ألزم الصمت كي يضمن حياته.

وسط إعدامات طالت أعضاء القسم العسكري لحزب توده اليساري، هرب بعض أعضاء الحزب إلى الاتحاد السوفيتي، وفي فترة الهروب كانوا يختبئون في منازل رفاقهم حتى تسنح الفرصة لمغادرة البلاد، فتحمل كيوان مسؤولية حماية ثلاثة ضباط من الجيش الإيراني الذين كانوا أعضاء في الحزب، وقد حكم عليهم بالإعدام غيابياً.

فجعل منزله ملاذاً لهم، ولكن قبض عليهم وعلى كيوان بتهمة حماية المخربين. تصف زوجته تلك الحادثة: "كنا ننام فوق السطح، وفجأة رأينا جنوداً يقتربون من منزل جيراننا. طلبت من الضباط أن يغادروا المنزل، فالزقاق فارغ، والشرطة تريد تفتيش منزل جارنا. وفي ما بعد سمعت أن أحد الضباط كان قد سحب زملاءه نحو شقة جارنا متعمداً، كي ننتبه نحن لما يحدث من حولنا، ونحاول الهروب. قمت بإخفاء الصحف والوثائق الحزبية، ووضعتها في جناح من البيت، وأقفلت بابها، وأراد كيوان ورفاقه الخروج من باب المنزل فإذا بالقوات تداهم المنزل وتلقي القبض عليهم. بقيت الشرطة في المنزل ثلاث ساعات أو أكثر. يمكن كتابة مئات الصفحات عن هذه الساعات الثلاث".

حصلوا على الملفات والوثائق وأصبح تعاملهم أكثر وحشية، ووقع كيوان تحت ضرباتهم. قيل إنهم كسروا أثناء التحقيق مفاصل أصابعه واحداً تلو الآخر، وأعموا عينيه، وكسروا مفاصل ذراعيه لكي يعترف.

كان اليساريون راسخين بإيمانهم وعقيدتهم، لا يهابون شدة التعذيب برغم روحهم الفنية والأدبية اللطيفة، قاوموا الضغوطات من أجل معتقداتهم، ولم يخونوا وطنهم ولا رفاقهم، فلم يعترفوا بشيء لم يفعلوه، كما كانوا يصرحون بأفعالهم وانتماءاتهم دون خشية أحد.

تأثر الكثير من النخبة والمثقفين اليساريين بقصة حياة الصحافي والشاعر الشاب وروحه في النضال مع الملكية، وساهموا بشكل كبير في تخليد اسمه وطريقه على مدى عقود بعد اغتياله   

كل ما كان قد فعله الشاب ذو الـ33 عاماً الطامح للتغيير والحياة، كان تهيئة ملاذ لضباط الجيش المتهمين بالخيانة، لكن عقوبته جاءت بأشد حالاتها، فأطلقوا النار عليه في فجر 19 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1954، ليكون المتهم الوحيد غير العسكري من بين المعدومين رمياً بالرصاص.

قال عن ذلك الشاعر الإيراني أحمد شاملو: "تحت أية ظروف، لا بد أن نذكرهم لكي لا يُنسوا على هذه الأرض التي تمر اليوم بأيام صعبة؟ إنهم أناس مضحّون، عاشوا من أجلنا وماتوا من أجلنا".

وعن ذلك العام الذي تحمل فيه حزب توده أقصى درجات القمع بين إعدامات واعتقالات وتعذيب وتشريد، قال الشاعر شاملو: "العام السيئ/ عام الدمع/ عام الأيام الطويلة وقلة القدرة على التحمل/ عام توسلت فيه الكبرياء/ عام القاع/ عام العزاء/ عام دم مرتضى".

تأثر الكثير من النخبة والمثقفين اليساريين بقصة حياة الصحافي والشاعر الشاب وروحه في النضال مع الملكية، وساهموا بشكل كبير في تخليد اسمه وطريقه على مدى عقود بعد اغتياله.   

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard