برزت قضية فلسطين في الأدب العربي مع وقوع نكبة 1948، حيث صدرت العديد من الأعمال في مختلف الأجناس الأدبية، ومع مرور الوقت وتضخم المأساة؛ ازداد اشتغال الأدباء على القضية وتشعبت الرؤى وأصبح المنتج الدبي أكثر ثراءً سواء في الشعر أو الرواية. وفي مجال أدب الطفل برز العديد من الكتّاب في الوطن العربي، ممن يتوجهون بأعمالهم إلى الأطفال في أعمار مختلفة.
تغنّت هذه الأعمال، شعراً وسرداً، بفلسطين وتاريخها التليد، وتركزت حول التعريف بقضية فلسطين مثل "عمر يفتح القدس" لمؤمنة هاشم، و"شيخ الأقصى" لعلي رمّان، و"أقصانا لا هيكلكم" للدكتورة إيمان اللحام، و"الأقصى قبلتنا الأولى" لهدى الشاعر، و" صلاح الدين الأيوبي محرر القدس" للشاعر محمد جمال عمرو.
من الكتاب الذين تناولوا القضية الفلسطينية في أعمالهم الكاتبة الأردنية فداء الزمر، فقد أصدرت كتاب "من حقي" للفئة العمرية (6-10 سنوات) يعرض القضية الفلسطينية من خلال حقوق الطفل وواجباته، ويحوي 22 قصة مصورة مع أنشطة تفاعلية وتلوين ويعتبر موسوعة للطفل بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من حيث المكانة الدينية والتاريخية، الموقع الجغرافي، القرى، الزي الشعبي، الأكلات الشعبية، ويعمل على مد الجسور بينهم وبين وطنهم، وتعريفهم بأهم المصطلحات مثل:النكبة، النكسة، حق العودة، مخيمات اللجوء... إلخ. والكتاب رسوم الفنان الفلسطيني رائد قطناني وإنتاج جمعية معارف مقدسية.
الطفل الفلسطيني... حصار في الداخل وشتات في الخارج
توضح فداء الزمر لرصيف22 ان أدب الطفل لم يستطع التعبير عن القضية الفلسطينية بالشكل المطلوب ولم يستطع أن ينقل الصورة الحقيقية لمعاناة أهلنا في فلسطين، فالطفل الفلسطيني في الداخل يعيش واقعاً مؤلماً على الصعيد الثقافي والنفسي والاجتماعي، فهو مستهدف من قبل الآلة العسكرية ونراه مقاومًا وجريحاً وشهيداً وأسيراً وابن أسير وابن شهيد، وهناك طفل فلسطيني آخر في الشتات يتعرض للتجهيل بقضيته والتذويب في المجتمعات التي يعيش فيها ويراهن العدو نسيانه لوطنه وقضيته.
برزت قضية فلسطين في الأدب العربي مع وقوع نكبة 1948، حيث صدرت العديد من الأعمال في مختلف الأجناس الأدبية، ومع مرور الوقت وتضخم المأساة؛ ازداد اشتغال الأدباء على القضية
توضح فداء ان الإنتاج الأدبي في هذا المجال غير كاف، فلم يستطع أن يتطرق إلى جوانب عديدة من القضية الفلسطينية، مما يضع على عاتق الكتاب مسؤولية إنتاج الكتب التي تغطي كل هذه الجوانب، ومع ذلك، تقول فداء، استطاع بعض الكتّاب أن يتناولوا القضية الفلسطينية بأسلوب جيد، أمثال روضة فرخ الهدهد، ومنير الهور، وخليل الصمادي، والشاعر علي البتيري، من الأدباء الأردنيين. ومن مصر هناك الطيب أديب وغيره.
عن الأنسب لتعريف الأطفال بالقصية الفلسطينية، تؤكد فداء الزمر أن القصة الموجهّة للطفل هي أنسب الأشكال الأدبية التي من خلالها نستطيع ككتاب أن نعرض القضية الفلسطينية وخاصة المصورة منها، فهي الأنسب في توضيح الفكرة وإيصالها بأسلوب سلس ومشوّق، وأيضاً القصيدة المغناة للطفل لما لها من أثر جيد على الأطفال.
الكتاب الأيقونة... وأطفال غزة
تؤكد كاتبة الأطفال هجرة الصاوي انه لايوجد قالب أدبي قادر على استيعاب القضية الفسطينية بشكل مكافيء للحقيقة سوى القوالب التوثيقية التي تقدم الحقيقة بلاتزييف. وإذا كان الأدب يعكس، إلى حد ما، الواقع إلا ان أدب الطفل محجَّم بالقواعد التربوية وسماءه منخفضة برقابة الأسرة ووصاية خبراء التربية وسياسات دور النشر المراعية للتسويق. والواقع الفلسطيني له خصوصية منفردة ومايعانيه الطفل الفلسطيني ليس له مثيل في العالم. فكيف يعبر أدب الطفل عن هذا الكم من جرائم الحرب والإبادة؟. كل مايسع أدب الطفل أن يقدمه هو تعريف بالقضية وتأصيل حق الفلسطينيين في أرضهم وتشجيعهم على مواصلة المقاومة ومنحهم الأمل في استرجاع حقهم المغتصب.
أدباء فلسطين الأصدق تعبيراً
تضيف الصاوي في حديثها لرصيف22 أن أدباء فلسطين من أصدق من عبروا عن القضية منذ بدايتها فكانت أشعار إبراهيم طوقان وراشد حسين، ثم سليم خوري ومصطفى مرار ومصطفى درويش. وواجه أدب المقاومة محاولات لقصف أقلام الأدباء لإسكاتهم بل واغتيالهم كما حدث لغسان كنفاني وناجي العلي، مبتكر شخصية "حنظلة" التي لازالت تعبر عن الطفل الفلسطيني الغاضب حتى الآن.
حالياً هناك أدباء يحمل أدبهم تراث فلسطين لينقل للأجيال حكايات أهلها ليظل حيّاً في وجدان الأطفال، مثل الكاتبة الأردنية تغريد النجار التي لها العديد من الكتب التي تناولت فيها التراث الفلسطيني، وكذلك الكاتبة المصرية أمل فرح في كتاب" أريد أن أكون سلحفاة" الحاصل على جائزة الاتصالات لأفضل نص لعام 2016، وكتاب فاطمة المعدول"طيارة الحرية" والذي قدم مفهوم الحرية بمعالجة طفولية رائعة.
ولا ننسى الكتاب الأيقونة "البيت" للكاتب زكريا تامر، ورسوم محي الدين اللباد، والذي بسَّط للطفل جوهر القضية الفلسطينية في أسلوب سهل ممتنع واستعرض أسماء بيوت الطيور والحيوانات والإنسان. وكيف أن "كل كائن له بيت يمنحه الطمأنينة والسعادة"، وفي النهاية أدهشنا بأن "الفلسطيني لابيت له"، "بيت الفلسطيني يحيا فيه عدو الفلسطيني".
حالياً وفقني الله للاشتراك مع نخبة من أدباء الطفل في العالم العربي، ونقوم بمشروع جماعي مميز نقدمه لأطفال غزة .أطلقنا عليه "بذر بطيخ" لأن ثمرة البطيخ تحمل ألوان علم فلسطين الغالي"الأسود والأخضر والأحمر والأبيض"، والأطفال هم بذورها.
نتواصل مع أطفال غزة في بيوتهم تحت القصف بوسائل التواصل الاجتماعي. نشد من أزرهم بقصص المقاومة ونمنحهم بريقاً من الأمل.
الشعر لم يوفّق في التعبير عن القضية
يقول الشاعر والكاتب السوري عصام كنج الحلبي لرصيف22 أزعم أن أدب الطفل خاصة في مجال الشعر بحسب اطّلاعي لم يوفق في التعبير اللائق والمجدي فيما يخص القضية الفلسطينية؛ إلا في حدوده الدنيا، فالكتابة الأدبية للطفل حتى الآن برأيي ليست كافية، وربما لا أبالغ إن قلت إنّ القضية الفلسطينية لن يكفيها جميع الآداب وكل الفنون للتعريف بها كما يليق وكما تستحق.
كما يضيف: "لا شك أن هناك بعض الأسماء التي استطاعت أن تقدم أعمالاً مهمة في هذا السياق مثل سليمان العيسى وبيان الصفدي علينا أن نهتم أكثر بالتعريف بالقضية الفلسطينية، من خلال سينما الطفل والأفلام القصيرة، ثم المسلسلات، وأغاني الأطفال، وشعر الأطفال، والقصص المصورة وغير المصورة والروايات القصيرة والحكايات الشعبية وما إلى ذلك في مجال السرد".
محاور عدة تناولها أدب الطفل
في حديثه لرصيف22 أكد الكاتب أحمد قرني محمد أن كتّاب أدب الأطفال في طليعة من اهتموا بأدب القضية الفلسطينية وهم الأكثر اهتماماً بأدب المقاومة، وسنجد نتاج أدبي مهم تناول القضية الفلسطينية منها قصة "حكاية سر الزيت" للأسير وليد دقة، و"كوكب اللا معقول" للكاتبة السورية ماريا دعدوش، و"اسمي الحركي فراشة" و"مصنع الذكريات" لأحلام بشارات، وفي مصر كتب السيد نجم قصصاً كثيرة عن أدب الحرب والمقاومة... والكتاب الذين عبروا عن القضية الفلسطينية كثيرون ولا يمكن حصرهم لأن القضية الفلسطينية من أهم القضايا ولذلك سنجدها حاضرة في كتابات كثيرة لكتاب من شتى أقطار الدول العربية.
يشير قرني محمد إلى تناول أدب الطفل للقضية الفلسطينة من عدة زوايا، منها الحق في الأرض، والمقاومة الفلسطينية، وما يحدث للأسرى الفلسطينين في سجون الاحتلال. كما ركز بعض الأدباء على دور الأطفال وخاصة أطفال الحجارة وكيف تحول الحجر إلى رمز مقاومة للطفل وتناولت هذا الرمز قصص كثيرة، وكُتبت روايات لليافعين كثيرة عن رحلة الأجداد تاريخياً في الأرض والحق في العودة ومفاتيح البيت المعلقة في المهجر تنتظر أن تعود لأبوابها في بيوت الأجداد.
الأدب يلازم المعاناة ويكشف عن جوانب مضيئة
يضيف قرني أن مهما حاول الكتاب تناول المقاومة وما يقع من ظلم على أصحاب القضية وما يرتكبه المحتل الوحشي من جرائم إنسانية لم يسبقه إليها في التاريخ أي قاتل محترف فإن الأعمال الأدبية لا يمكن أن تطال أبطال المقاومة أو تعطيهم حقهم وإنما تحاول أن ترصد مشهد البطولة لدى هؤلاء المقاومين كما تحاول أن تكشف عن وجه الكيان الغاصب الذي يمارس كل أنواع الوحشية كما أنها تبقي القضية في عقل وقلوب الأطفال فلا تخبو.
يضيف قرني أن الأدب يلازم المعاناة ويكشف عن جانب مضيء أيضاً في حياة البشر أثناء المقاومة وكيف يمكن أن يمد الأطفال بالمعلومات الكافية عن نضال أجدادهم وقيام الكيان المغتصب بمحاولة طمس الهوية، لذلك تظل رسالة الأدب مهمة لأنها لا تعطي رسائل مباشرة بل تعطي المعاني العميقة التي تستقر في نفس الأطفال وتزرع داخلهم محبة الوطن والتضحية وقيم الشرف والقوة في مواجهة الكيان المحتل وأخذ العبر من التاريخ حيث أن قانون التاريخ أن كل محتل سيرحل مهما طال زمن الاحتلال لكن تبقى الأرض لأصحابها.
القص الأدبية وتبسيط التاريخ هما الأهم
رداً على سؤال رصيف22 "هل استطاع أدب الطفل أن يعرف ويعبر عن القضية الفلسطينية؟" أجابت الباحثة د.عطيات أبو العينين بالنفي، وقالت: بالرغم من انتشار وسائط كثيرة يمكن أن نعبر بها من خلال الأدب إلا أن القضية من خلال الأدب يشوبها الكثير من التقصير فلقد كنا صغاراً ندرس النصوص والأشعار والقصص عن بطولات الشعب الفلسطيني سواء في التاريخ أو الأدب وموضوعات التعبير وهذا أقل واجب يمكن أن نشارك به لتعريف الأجيال القادمة عن القضية بدلاً من ضياعها وضياع حقوق الشعب والطفل الفلسطيني.
أشارت أبو العينين إلى أن هناك كتاباً قدموا كتابات مهمة للطفل مثل شوقي حجاب في "هلال القدس البسام، وحكاية اليمامة والهلال"، والدكتور إبراهيم حسن علي والدكتورة مروة علي السيد في "فلسطين في عيون أبنائي"، حيث قدما به تاريخ فلسطين بشكل مبسط وتصميمات أنفوجرافيك وصور جذابة لنشر الوعي جول القضية، وهو كتاب للكبار والصغار، كما قدمت راندا غازي "حالم بفلسطين" عن دار الشروق.
أما الطرق الأنسب لتعريف الأطفال بالقضية الفلسطينية فهناك أبواب كثيرة يجب أن طرقها مثل القصص الأدبية، وتبسيط التاريخ، وعمل مسابقات تتناول القضية ونماذج لبطولات وما يتعرض له الطفل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية، ومن خلال الأشعار والأناشيد والأغنيات المغناة بدلاً من الأغاني الهابطة التي يسمعها الأطفال، وأيضاً مسرح الطفل بل يمكن عمل مهرجانات للطفل.
دور الأدب في تعزيز الانتماء
هناك العديد من الدراسات النقدية التي تناولت الأعمال السردية المعنية بالقضية الفلسطينية، وبينت دراسة عن فلسطين في القصص الموجهة للأطفال، أن هذه القصص تلعب دوراً مؤثراً في تنمية وتعزيز الانتماء الوطني، وتعميق الهوية السياسية لدى الطفل، فقد عبرَّت القصص عن تأثير شخصية البطل في كل مكوناته، سواء مُقاوِماً أو شهيداً، أو سجيناً، على نفسية الطفل، فأصبح نموذجاً يُقتدى به. كما عبَّرتْ بعض القصص عن غايتها في تعميق الانتماء للأرض والتمسك بها، والتضحية من أجلها.
تؤكد الكاتبة الأردنية فداء الرمز أن القصة الموجهّة للطفل هي أنسب الأشكال الأدبية التي من خلالها نستطبع ككتاب أن نعرض القضبة الفلسطينية وخاصة المصورة منها، فهي الأنسب في توضيح الفكرة وإيصالها بأسلوب سلس ومشوّق، وأيضاً القصيدة المغناة للطقل لما لها من أثر جيد على الأطفال
في كتاب "صورة البطل في قصص أطفال فلسطين" للكاتبة وفاء شاهر داري، تناولت الباحثة تطور أدب الأطفال العربي وتطوره، وقدمت تحليلاً النصوص النثرية والشعرية، بهدف الكشف عن صورة البطل، والتي جاءت متعددة الزوايا، مما استدعى سبر أغوار نفسية تلك الخاصية والبحث عن مكنوناتها. وبينت الدراسة مفهوم البطولة لُغةً واصطلاحاً، والبطولة في منظار الطفل وصورها في قصص الأطفال.
البطولة في قصص الأطفال
كما تناولت الدراسة محاور ومضامين البطولة في قصص الأطفال، وشخصية الطفل الفلسطيني المُشرَّد، والبطل المُقاوِم، وكيف تُنبت الأرض طفلاً بطلاً مُقاوِماً، وكيف تتحول الأم الفلسطينية بطلة مُقاومِة كالرجل في ميدان الصراع مع المُحتلّ، وبيَّنتْ الدراسة صور البطل الشهيد الذي أصبح نموذجاً، كما بيَّنتْ صورة الفقد وأثره على نفسية الطفل، والبطل بين الموجود والمنشود. وتوصلت الدراسة إلى أن قهر الحواجز والأسلاك الشائكة؛ يولد أبطالاً يصنعون الحرية.
توضح هجرة الصاوي أن الطفل يشاركنا الواقع المعاش ويعرف بغير قصد مايحدث بمشاهدته نشرات الأخبار ومناقشان الكبار، أما الأعمال الابداعية المقدمة له بقصد فهي تصحح في ذهنه حقائق يحاول الإعلام العالمي تزييفها، فالعمل الإبداعي يظل الطفل يتذكره ويظل مترسباً في وجدانه حتى تعيش القضية الفلسطينية ويدافع الطفل عنها في المستقبل.
وتضيف: لابد من التبسيط بحسب السن المقدم له المعلومة. جميع القوالب الأدبية المقدمة للأطفال تستطيع أن تقدم القضية بالتدريج، سواء كانت أغان وحكايات تراثية، أشعار وأناشيد، قصص مصورة وروايات ومغامرات، رسوم تعبيرية وكاريكاتيرية وكتب تلوين. كل بحسب المرحلة العمرية والأعمال المناسبة لها. الطفل يستوعب أي حقيقة إذا قدمتها له بشكل جاد و ممتع ومدروس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت