شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
حتى أنت يا دوكنز... يرفضون الأديان ويؤيدون إسرائيل؟

حتى أنت يا دوكنز... يرفضون الأديان ويؤيدون إسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الجمعة 1 ديسمبر 202312:28 م
Read in English:

Et tu, Dawkins? You refuse religion but support Israel?

"لقد خسرت كل احترامي لك". يقول واحد من مئات المعلقين على تغريدة ريتشارد دوكنز، عالم الأحياء والفيلسوف البريطاني الشهير. لكن الآراء متعارضة، البعض غاضب والكثيرون كذلك مؤيدون، معظمهم من إسرائيل أو مؤيدون لها، "شكراً مستر دوكنز على وقوفك إلى جانب الحضارة، إلى جانب إسرائيل".

تغريدة دوكنز (ألا يزال من الجائز استعمال لفظة "تغريدة" بعد تغيير اسم موقع تويتر إلى إكس؟) كانت تعليقاً على مسيرة نُظّمت في لندن هذا الأسبوع "ضد معاداة السامية"، لكنها في الواقع، إزاء الأحداث الأخيرة، ليست إلا مسيرة لدعم إسرائيل، الاعلام البيضاء والزرقاء مرفوعة في كل مكان، وهي مسيرة – لو جاز القول – بيضاء إلى حد كبير، ربما إلى حد شامل، تفتقر إلى تنوّع الجماعات البشرية الذي صاحب مسيرات دعم الفلسطينيين عبر أنحاء العالم، منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

كتب دوكنز عن المسيرة: "آسف لأنني لم أستطع أن أكون هناك، لأتظاهر معهم". كان هذا إذن تعليق دوكنز الوحيد على الأحداث منذ انطلاق الحرب، الأسف على أنه لم يستطع المشاركة في مسيرة لدعم إسرائيل.

لماذا ينحاز دوكنز وهاريس وبيل مار، وحتى كثيرون غيرهم من "العقلانيين"، بما فيهم في عالمنا العربي، إلى إسرائيل، حتى في ظل الإبادة الجارية؟ حتى في ظل صرخات مؤسسات الأمم المتحدة وآلاف الجثث التي تتراكم تحت أنظار العالم

بالطبع، كان هناك – من المصدومين في موقفه – من حاولوا التبرير له "أن تشارك في مسيرة ضد معاداة السامية لا يعني أنك تدعم إسرائيل، كما أن مشاركتك في مسيرة لوقف الحرب أو تأييداً لفلسطين لا يعني أنك تدعم حماس". لكن دوكنز، الذي اشتهر في عالم البيولوجيا منذ نشر كتابه "الجين الأناني" سبعينيات القرن الماضي، ثم اشتهر على نطاق عالمي بعد نشر كتابه "وهم الإله"، الذي وضعه في مقدمة صفوف "العقلانيين"، وهي عبارة تعني في هذا السياق رفض التصورات الدينية والأسطورية لخلق الكون، ما حوّله مع الوقت إلى أحد أبرز رموز رفض الأديان، التي اعتبرها دوكنز، مع كثيرين من نظرائه، "مسؤولة عن كثير من الشر في العالم"، لم يكن وحده في تأييد إسرائيل خلال الحرب الحالية، التي تشهد – للمفارقة – أشد تغيير من نوعه، على مستوى الرأي العالم العالمي، لمصلحة إنهاء الظلم الواقع على الفلسطينيين، وهو ما لم ير فيه الأمريكي بيل مار، سوى "موضة مراهقين".

يصف نعوم تشومسكي، المفكر البارز وذو الأصل اليهودي، أفكار هاريس عن الصراع بأنها "جاهلة إلى حد لا يستدعي مجرّد مناقشتها"

للمفارقة فإن بيل مار، مقدم البرامج والمعلق السياسي والكوميديان، وصاحب البرنامج الذي يحمل اسمه على شبكة " إتش بي أو"، هو نفسه حاصل على جائزة "ريتشارد دوكنز" في العام 2009، وهي جائزة تقدمها المنظمة الأمريكية غير الربحية ( CFI)، وتمنح لشخصيات "تدعم العلم والعقل وحرية البحث والقيم العلمانية".

على طريقته الساخرة واللاذعة، يسخر بيل مار في برامجه من مختلف الأديان، ويوجه لها كافة أشكال النقد بطريقة قد يتحرج منها من هم أقل منه "كوميدية". وهو يعتبر أنه لا ينبغي منع نقد الأديان بحجّة احترام الاختلافات الثقافية.

يقول ساخراً من المجتمعات المسلمة: "أعرف أن معظم المسلمين أشخاص مسالمون، لا يريدون سوى أن يتركوا لشؤونهم، حيث يستطيعون أن يقمعوا زوجاتهم في سلام". لا ينزعج كثير من المتابعين العرب من تعليقات مار، لأنه لا ينتقد المسلمين أو الإسلام وحده، بل المسيحية كذلك وغيرها من الأديان، لكنه، تماماً كريتشارد دوكنز، إزاء الحرب حالية في فلسطين، يعرب عن اندهاشه من تأييد الشبان للفلسطينيين، ويعتبرها أيضاً "انتشار للا سامية"، ويوافق أحد ضيوفه على أن الأمر يشبه "موضة مراهقين"، حيث يبدو شيئاً جذاباً أن تعارض "الكولونيالية/ الاستعمار". ثم "حتى لو كانت مفهومة الرغبة في معارضة الاستعمار"، يبدأ بيل مار هنا في تبني الرؤية الصهيونية بالكامل، "فإن اليهود لم يسرقوا أو يستعمروا أرض الآخرين، لقد كانوا هناك منذ عام 1200 قبل الميلاد".

ربما يجوز هنا أن يكتب أحدهم لبيل مار نفس ما كتبه أحد المعلقين على منشور ريتشارد داوكنز: "لقد ظننا أن الأديان كلها سيئة يا ريتشارد، فلماذا تصرّح لليهودية بما لا تصرّح به لغيرها".

كما حصل بيل مار من قبل على جائزة دوكنز، فإن برنامجه كان محل استضافة حلقة شهيرة لـ "عقلاني" بارز آخر هو "سام هاريس"، حضرها نجم هوليود الشهير بن أفليك، الذي انتقد هاريس لقوله إن الإسلاموفوبيا ليست شيئاً حقيقياً، وأنها تستخدم للتغطية على التطرف والقمع داخل العالم الإسلامي، وأن مصدر "الأفكار السيئة في العالم الإسلامي" هو الإسلام نفسه، وليس مجرّد بضعة متعصبين. الأمر الذي رأى فيه الممثل الهوليودي "عنصرية غير مقبولة".

وفي الأسبوع الأخير، أعاد سام هاريس التأكيد على أفكاره في السياق العربي الإسرائيلي، مكرّراً الحديث عن " خطيئة المساواة الأخلاقية بين إسرائيل وجيرانها"، معتبراً أن صراع إسرائيل والعرب هو أكثر موقع يلخّص الصراع الحضاري بين الإسلام والحضارة الغربية، وأنه بغضّ النظر عن الاحتلال، فإن الفارق جليّ بين "من يرقصون ابتهاجاً بالمذابح" وبين "من يتجنبون قدر استطاعتهم إصابة المدنيين"(!)، ولا ينسى هاريس أن يؤكد أنه "لم يكن هناك أي احتلال في غزة منذ عام 2005".

هل فقدت قضية عادلة اعتبارها لأن لواءها صار مرفوعاً بشعارات دينية؟ هل لأن هؤلاء "العقلانيين" نظروا طويلاً في عيني الوحش الديني، وهاوية التطرّف، فحدّقت فيهم الهاوية أيضاً؟

ربما لذلك يصف نعوم تشومسكي، المفكر البارز وذو الأصل اليهودي، أفكار هاريس عن الصراع بأنها "جاهلة إلى حد لا يستدعي مجرّد مناقشتها".

لماذا إذن ينحاز دوكنز وهاريس وبيل مار، وحتى كثيرون غيرهم من "العقلانيين"، بما فيهم في عالمنا العربي، إلى إسرائيل، حتى في ظل الإبادة الجارية؟ حتى في ظل صرخات مؤسسات الأمم المتحدة وآلاف الجثث التي تتراكم تحت أنظار العالم، والرغبة السادية في مواصلة إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال إلى الأبد.

هل فقدت قضية عادلة اعتبارها في نظرهم لأن لواءها صار مرفوعاً بشعارات دينية؟ هل لأن هؤلاء "العقلانيين" نظروا طويلاً في عيني الوحش الديني، وهاوية التطرّف، فحدّقت فيهم الهاوية أيضاً – كما تصورها نيتشه – والتجأوا بدورهم إلى الوحش المقابل، حتى لو كان صهيونياً، لمجرّد أنه "ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط" أو "فيلا وسط أحراش"، أم أن الأمر أبسط من ذلك، وأن الكثيرين، حتى لو كانوا "عقلانيين"، يلتجؤون في وقت الأزمات، إلى الجانب المريح من العقل، إلى أصدقاء الليبرالية القدامى، مهما كانوا وحوشاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image